الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


السحر الأسود وبيع المناصب

رولا حسينات
(Rula Hessinat)

2017 / 3 / 20
مواضيع وابحاث سياسية


يقول ابن خلدون في مقدمته: "العدل تحفظ به العمارة والظلم يخل بحفظها، والقانون معيار للصدق والصواب، والفلاحة والصناعة والتجارة هي الوجوه الطبيعية للمعاش، والتسلط على أموال الناس بشراء ما بين أيديهم بأبخس الأثمان ثم فرض البضائع عليهم بأرفع الأثمان..."
عندما تنعدم الكفاءة ينعدم الشعور بالعدالة وعندما ينعدم الشعور بالعدالة تباح الأعراض والأموال وتسحق الطبقات ويداس الفقراء بنعال الأغنياء.
حتى القرن السابع عشر لم يكن وجود مفهوم الفقراء في أوروبا، حتى اعترفت ملكة بريطانية بهم في قانون أسمته قانون الفقراء، إن الترف يؤدي إلى الفساد المالي والأخلاقي والاجتماعي وبخاصة إذا احتكرته فئة دون أخرى، فجعل السعي إلى تحقيقه أساسا في الوجاهة من قبل المسحوقين مبررين الوسائل لذلك.
وعندما تتفشى في المجتمع مدرسة خاصة لبيع المناصب وشراءها فإن الإدارة تولى لمن لا يصلح لها بل لمن يدفع ثمنا أكبر، ويصبح هؤلاء أهل العقد في الحكومات المسيطرة على أنشطة الدولة، والذين بدورهم لا ينظرون للمنصب وفق المصلحة العامة بل وفق مصالحهم الشخصية التي تضمن لهم استعادة لما أنفقوه في شراء مناصبهم من آخرين راغبين في شراء مناصب في وزاراتهم، وهذا في الواقع ما كان أحد أهم أسباب انهيار الإمبراطورية العثمانية في مرحلة تاريخية سوداء (سميت بإمبراطورية حريم السلطان) حيث أصبحت المناصب العلمية والسياسية والدينية تباع وتشرى وتورث فلا يوارى أحدهم التراب حتى ينتقل منصبه إلى ولده أو أحد أقاربه.
والفساد الإداري آنذاك تفشى في جميع أجهزة الدولة حتى النخاع، فقد انغمس السلاطين بملذاتهم وتحللوا من أمور الدولة لصالح كبار موظفيهم، الذين انغمسوا في الفساد فانتشرت الرشوة والمحسوبية والاختلاس وبيع الوظائف ولم يستثنى القضاء العسكري ومناصب الإفتاء من ذلك.
فلم يعد السلطان يرأس الديوان مكتفيا بتتبع مداولاته من وراء ستار، واعتبر تقديم الهدايا الباذخة والرشاوى من أهم شروط تولي المناصب، التي حلت محل الكفاءة باعتبارها تعريفا قديما للأصلح وأنها ليست المعيار الفعلي لتولي المناصب.
في عام 1533 قال ابراهيم باشا: إنني أنا الذي أحكم الصلاحيات كل الوظائف وكل شؤون الحكومة، إن ما أمنحه لا يمكن الرجوع فيه، وما لا أمنحه لا يمكن لأي شخص أن يبرمه.
في حين قال لطفي باشا الذي توفي في عام :1563 يشكل فساد موظفي الدولة، داء لا شفاء منه احذروا الفساد يا إلهي نجنا منه.
إن الفساد في المنظومة الإدارية لا يعني: سوى ترويجا لأسس الإصلاح القائمة على المساومة على الشعب من خلال النظام الضريبي المرهق، وخفض معدل الإنفاق على المشاريع التنموية بذريعة قلة الموارد اللازمة لأنشطة البناء والرفاه، والذي يغيب أساسيات الاقتصاد اللازمة في دعم الميزان التجاري من فقر في الزراعة والصناعة والتجارة.
الفساد الإداري يعني بالضرورة: انعدام الأمن على الحياة والممتلكات ومصادرة الحريات العامة مستندين على قاعدة انعدام المحاسبة السياسية ومبادئ وأسس المكاشفة.
ما من مجتمع يستطيع الحفاظ على قوته التنموية إذا تردت نوعية الحكومة، وهو الذي يقوض الثقة بين الحكومة والشعب لانعدام الكفاءة والفعالية في الأداء والذي بشكل أو بآخر يؤدي إلى شلل في آلية الأداء الحكومي.
حيث لا تشكل الهجرات القسرية من الدول المجاورة عبئا جديدا على الاقتصاد، بل والهجرة الداخلية من هجرة الفلاحين لأراضيهم ببيعها أو جعلها بورا، مما يؤدي إلى توقف عجلة الصناعة وهزالة التجارة ويبقى ميزان الواردات هو ما يشغل السوق المحلي، وهذا يعني عجزا في الميزان التجاري، وتغطيته بالديون لا تعني سوى مزيدا من التخدير الموضوعي الذي يعمد فيه الاختصاصيون إلى رفع المعدل الضريبي بحجة الإصلاح الاقتصادي الذي لا يضر بالاقتصاد وحسب، بل بخلق فجوة في الثروة وخلل في الميزان الأخلاقي بميل طبيعي للشعب لإيجاد طرق مختلفة لغش الطبقات بعضها البعض لمواجهة الظلم الواقع عليهم، والبحث عن الرزق الحلال، تصبح حينئذ ليست من أولويات الشعوب إذا انعدمت أخلاقية التكسب الحكومي.
هذا الفساد العام يؤدي بالضرورة إلى تفاقم الانشقاق والانقسام في البيت الداخلي، ولن تجدي الإصلاحات العامة شيئا أمام هذا الطوفان، وبخاصة في ظل انعدام الطبقة الوسطى واتساع قاعدة الفقر المدقع.
في العصور الوسطى في أوروبا ظهرت فضيحة صكوك الغفران وبيع المناصب الدينية وفساد القساوسة، لصاحب أكبر عطاء. وأصبحت المتاجرة بالخرافات الكهنوتية أكثر انتشارا وقد حرم هؤلاء هذه التجارة على غيرهم، واتهموهم بالهرطقة بالدين وقتلوهم وحرقوهم كي يبقى السحر الأسود بأيديهم.
في عام 2009 عندما حلت كارثة الأزمة المالية العالمية حيث قامت اليابان بإسقاط نسبة الربا إلى مستوى الصفر لتشجيع الاستثمارات، وهي تعتبر من أهم النظريات الاقتصادية التي قدمها العلامة ابن خلدون على طبق من ذهب.
فاعتبر ابن خلدون أساس الخروج من الأزمات الاقتصادية، الاعتدال في فرض الضرائب وخفض الإنفاق والتخلص من البيروقراطية المتضخمة، وتنشيط أساسيات الاقتصاد وتنميتها لأنها أساس أي عملية تنموية مستدامة .
ومن أبرز الأمثلة التاريخية على تقوية البلاد والنهوض بها وتدعيم اقتصادها ما نجح فيه الملك فريدريك وليم الأول ما بين عامي 1713 و،1740 حيث تم في عهده الصعود في دولة بروسيا إلى مصاف الدولة الأعظم شأنا، ففي عهده تفوقت جاهزية جيشه من حيث التدريب والتسليح والعدد إلى ما يفوق الجيوش الأوروبية حيث ألغى شراء المناصب في الجيش وغيره من الأدوار السياسية وعدم الحصول على أي منها إلا بالكفاءة والقدرة السياسية والعسكرية.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. حلقة جديدة من برنامج السودان الآن


.. أطباق شعبية جزائرية ترتبط بقصص الثورة ومقاومة الاستعمار الفر




.. الخارجية الإيرانية: أي هجوم إسرائيلي جديد سيواجه برد إيراني


.. غارات إسرائيلية تستهدف بلدتي حانين وطير حرفا جنوبي لبنان




.. إسرائيل وإيران لم تنتهيا بعد. فماذا تحمل الجولة التالية؟