الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


عقيدة التسويغ -9-

جميل حسين عبدالله

2017 / 3 / 20
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات


عقيدة التسويغ

منعرجات فكرية

-9-

يتبع

لعلنا إذا فقدنا قيم العقل التي تحرك الإنسان في دائرة الفعل الملازم للسير بين منحنيات الحياة، والحضارة، وهي ما أنتجه الإنسان من حاسة، ‏وذوق، وأخلاق، وسلوك، وما أبدعه من قيم، ومعان، ومفردات، وعناوين، لن نجيد فن مرافقة الأشياء على هذا الكوكب بلطف، وجمال، ‏لأنها دقيقة في حصر رغبتها في الوجود الموجودة له بالأصالة، إذ روحها الذي ينزف منها، لم يوجد فيها، إلا ليكون أداة لنماء الطبيعة، وحماية ‏الكون، لأنها ما وضعت إلا لإسعاد الإنسان، ورعاية مصالحه، ومنافعه. ولذا، فإن أي تخلف عن المراد منها، يغدو مع طول الزمن مقبولا في ‏تسويغ العاجزين، والقاصرين، إذ منتهى رغبة العيش في أعماقهم الحزينة، والكئيبة، أن تتساوى الهمم عند فك عقدة الحصص المتفاوتة، فيكون ‏عاليها سافلها، ورديئها جيدها، لأن ما يستجن الذات من جرح، ووجع، ويسكنها من نقص، وضعف، هو الذي يبحث عن المسوغ الذي يحيل ‏الدخيل إلى أثيل، والدعي إلى أصيل. وهنا نحيد عن الصواب في نيل الحقيقة، وكسب الطبيعة، فيستحوذ علينا المكر، والدهاء، ويغشانا تجهم ‏تنزف به الأماكن المجللة بألمنا، وأنيننا. وإذ ذاك لن يحصل التفاضل بالمعاني، بل بجسامة الأشباح الفارغة من محتواها، والخالية من معناها. ‏

وإذا كان هذا مما يحقق المتعة للبائسين في العاطفة الإنسانية، والمشاعر المنسابة على أرض النقاء، والوفاء، وهم يزيحون عن ذواتهم ألم الكمد ‏الذي يصاحب الدرب، والمسار، فإن مسمى الأخلاق سينهار مناطه، ويغدو دليله بدون حقيقة تدل عليه في السلوك الشخصي، والاجتماعي. ‏وحين يتبدد جرمه، ويستولى عليه ضده الذي يخالف معناه، ويباين مفهومه، ولم يبق له أثر ينص عليه في الفعل البشري، فلا محالة، ‏سيستعاض عنه في تدبير الغايات بالأنانية المهلكة، والفردانية المردية، لأنها لا تظهر إلا إذا ضاعت بوصلة المجتمع في التفكير الفردي، وصار ‏موروث الروابط والوشائج قيدا يكبل الحركة عن رسم ما هو ذاتي صرف، ويكبح جماح النفس المستفردة بالقوة، والمناعة، إذ ما يفرضه نص ‏عقد المجتمع المتآلف حول معنى مشترك، يمنع من ظهور الفرد بمخالب الوحش، وأنياب الغول، لأنه ما وضع في الأصل الذي توقف عنده العقل ‏لحظة رسمه لحدود الغرائز المشتركة، إلا ليحمي الأفراد بعضهم من بعض، ويقي ظاهر المجتمع مما عساه أن يلطخه، ويلوثه، ويبني أساس التفاعل ‏الذي تضمن به صيرورة الإنسان في بحثه عن الخلد الدنيوي، والأخروي. ‏

ولولا ذلك، لما كان ناموسه أقوى من نظام الفرد، ودوره أعلى في تحقيق الكينونة، والصيرورة، لأن مطلق الفرد يجوز أن يصدر عنه ما يخل ‏بالآخر، وينفي وجوده، ويعرض حياته للموت، والخراب، لكن تواطأ العقول السليمة على حد معلوم في تنظيم الحياة بضوابط معقولة، هو الذي ‏يبين منتهى قدم كل واحد في المجتمع، ويعرب عن كنه الوسيلة التي تُشرع للوصول إلى الهدف المقرور في نية الأفعال المعمولة بعللها النبيلة، لأن ‏اجتماع الكلمة على الحدود المرسومة للأفراد، والجماعات، هو الذي يمنح كل واحد منا حظه في الوجود الذاتي، ويهبنا طرق استمرار الكيان ‏المادي بسنة الأخذ، والعطاء، وهو الذي يبرز سليم الأخلاق من سقيمها، ورديئها، ويظهر استواء الإنسان من انحرافه، واعوجاجه، إذ لو لم ‏يعرف به ذلك الحد في الفضائل، لكان ما يأتيه كل فرد معتدلا، ومستقيما، لأنه لن يخرج فعلُه عن دائرة امتلاكه لحريته، وقدرته على إجراء ما ‏يخاله فضيلا في مجراه، وغزيرا في نتاجه، وفخيما في نتيجته، لكن لازم التئام الحريات على معنى مفوضٍ له بالتسليم، والخضوع، هو الذي يحيي ما ‏يمكن له البقاء، ويفني ما يجب عليه الفناء، لأن شراسة الفرد، لا تتجسد بين أغوار ذاته التي تتضارب فيها مخاوفه، ومآمنه، وإنما في خارجه ‏الملامس لغيره، وهو الذي يظهره حملا وديعا، أو سبعا ضاريا. وإلا، فإن الفرد لا أثر له في الآخر، ما لم يكن فعله قائما في غيره بالنفع، أو ‏بالضر، إذ هو حقه النازف عليه من أخيه في التنظيمات الاجتماعية، وسواء اقتضت ضرورته خيرا، أم استلزمت أسبابه شرا، لأنه التعبير الذي ‏نصرح فيه بما كتب على صفحة أعماقنا من حب، أو كراهية، إذ ما يصلنا من غيرنا، هو العنوان البارز على المعنى الذي يقدسه، وينحني له، ‏لأن صفاء مرآة المحبة في الأفئدة، ترى عليها الأشياء جميلة، وفاتنة، وإذا تنجست بالأطماع، والأهواء، والشهوات، كانت مهدا لسواد النفوس، ‏وظلام العقول. ‏

ومن هنا تكون فلسفة ربط الأشياء بمعانيها، وإعادتها إلى نبع أصلها، وحدها بحيز وضعها، هي القادرة على تفسير خلل العقل المسوغ، وتأويل ‏ما يكمن فيه من تناقض، وتعارض، لأنه بتبعية الفعل لفاعله، والأثر لمؤثره، سيكون غصة حارقة في حلوق كثير ممن انطلت عليهم الخدعة، ‏فظنوا الكلام دالا على حقيقته، والمعنى وافيا بمراده، وهو في صياغة دجله يختبئ وراء أسمال الكذب، والزور، والحقد، والكراهية، إذ مسمى ‏الظاهر المسوغ بتزيين الكلام، وتليينه، وتطريبه، أو بتقديس ما يبرز على الذات من الصفات، والنعوت، والأعراض الباهرة، هو الذي يفضي ‏إلى انتشار ظاهرة النفاق الاجتماعي، واحتدام الصراع حول معنى الأخلاق المقبولة، والمرفوضة، لأن ما نشأ عن اختلال المفاهيم بين مسمى ‏الشر، ومعنى الخير، هي الذي يربط بخيطه بين من يزوق ظاهره للتدجين، وبين من يريحه ما يشهده على غيره من رفاهية، ونعيم، لأن العلاقة ‏هنا غير قائمة إلا بين المسوغ بالميْن، وبين المسوَّغ له، وهو في قبوله لهذه الأداة الدالة على فسادها بنتيجتها، لن يكون إلا ممن يغريه النور عن ‏المنير، والأثر عن المؤثر، إذ الغاية في غابة الرغبات، وآجام اللذات، هو ما نحصل عليه بوسيلة التسويغ، لا ما يكون سببا إليه في طريق ‏الجمال، والكمال. وهنا تلتقي الإرادات حول معنى واحد، وهو خادع، وماكر، قد يستحيل مع الغدو والآصال مظهرا محبوبا، وأحيانا مطلوبا، ‏لأنه يؤدي إلى كسب سعادة لحظة في الظاهر، وإن كان باطنها مترعا بالوجع، والألم، لأن طغيان المصلحة الشخصية، لا تعني الذي سببت عنده ‏الأنانية فقط، بل يشارك عناءها كل من توصل بوسيلة معينة لانتهاز الفرصة المعروضة، ولو لم ينله منها إلا مدحها، والرغبة في نظيرها، ‏والانتظار لشبيهها. ‏

إن تسويغ جعل ذوي الكفاءات في المستويات الدنيا من التنظيم الاجتماعي، والأخلاقي، لن يفيد المجتمعات إلا بما يلتبس فيها من معان تؤسس ‏لمعنى الفضيلة بين أحشاء الكيان الإنساني، وتقيم علاقات يعتلي فيها صخب العاطفة على صوت العقل، ويتسامى فيها الفرد بعظم ما يمتلكه، لا بما ‏يجعله قادرا على تحمل مسؤؤولية الكون، ووظائف الحياة المتصارعة في الترتيبات الاجتماعية، لأننا لن نلعق جرعة الخداع إلا كان الخادع ‏داهية، وكنا دهماء تغريهم أبنية الأقيسة المغالطة، وتفتنهم الألوان اللماعة، والأشكال البراقة. وذلك ما تتعلمه المجتمعات حين تفقد ذاتيتها في أنانية ‏الأفراد الشرهة، وما تدبره الأيدي حين تكون المتعة الخارجية صفة لتمام الأوصاف الجامعة للتفوق، والتميز، وهي تسعى إلى أن تجعل الأشياء ‏على سطح الأرض عوجا، لئلا يستقيم منها شيء على قاعدته، وأساسه، إذ ما نعيشه من ظواهر الانحراف الديني، والاجتماعي، ليس مرده ‏إلى ما يعول به المتسلفون في مواعظهم الخرافية، وأحاديثهم الممخرقة، بل فيما يعيشه الإنسان من صور الأحوال التي يتآلف مع مقامها قسرا، ‏وجبرا، وهو حائر في جدواها، وشاك في فحواها، ولكنه لا يدري كيف تنفك عنه عقدتها، ولا كيف ينسلخ من جلدها، لأنه موقن بأنها سُلم ‏إلى حيوية طمعه، وجشعه، وإن كانت في باطنها لا تتصف إلا بحرمان باطنه، ولا تخدم عروضها في ظاهره إلا دينا مشوها، حنط فيه الإله ‏بتصوراته الفاسدة، وسجن العبادة في قبو الدير بمشاعره الكاسدة، وحرف الأخلاق في سيرته الزاهدة، ثم نعق باسم الحق الذي خاله قناصا ‏رهيب الأخذة، وهتف بشعار الوحدة حين أحكم عقدتها بأنظاره المرتبكة، ثم استحال مع الاغترار بإملاء ذاته المعذبة محلا لتفريخ الكراهية، ‏والإرهاب، وموضعا تسقى جذور الحياة فيه بالدماء الجارية على بطن الأرض بلا احترام لضرورات حمايتها، ورعايتها، لأن ما نألفه بعد أن ‏كرهناه، ونبذناه، لا يدل على أنه قد تغير أصله، ثم تبدل بعد ذلك أثره، بل يدل على أننا استسلمنا لما ملئ به نحيب الذات من جراح، ‏ووجع، واستكنا لما تنزف به الدروب من صراع مع الموت، والبقاء، إذ لو كان مقدورا لنا تحويره، أو تحويله، لكنا أسعد بما نحِن إليه في أعماقنا ‏من بهجة، ومسرة، وهي بعيدة عن أنظارنا، ومتنائية عن حدود أبصارنا، وربما نراها من شدة اسوداد الأفق متعذرة، ومستعصية، ومهما بشرنا ‏بآمالنا في عالم آخر، فإن ما يضغط علينا من علل هذا العالم الذي نشهد ملامحه، وتأسرنا مناظره، وتخلبنا مظاهره، قد يضبب الصورة في نظر ‏أعيننا، وربما يسحقها، وأحيانا يمنحها أبعادا غير التي كانت لها، فتصير بدون رغبة فينا قوة قاتلة، وفاتكة، لا نكاد نجاريها إلا بالخنوع لها، ‏والرضى بما تفرضه علينا من شقاوة، وتعاسة.‏

‏ ولذا، يكون الانحراف الديني نتيجة ضرورية لعوامل نشأت من الداخل، لا من الخارج، لأن ما نظنه في السطوح الدنيا للمعرفة شركا يمنع من ‏حرز الأفق بدقة النظر، أو ما نخاله بدعة تؤدي إلى تضييع مفتاح باب الطريقة، ما هو إلا رسم للحدود التي تبرز مدى حرية الإنسان في ‏الاختيار، والإرادة، إذ هو التضييق في المعنى الواسع، والفصل في موضع الوصل، لأن لازم الحرية في كل الأفكار المتسامية بمنطقها، هو ‏الإبداع، والاختراع، وذلك منوط بالإرادة البشرية، وهو الذي ينتج هذا الحديث الذي يفر منه العائد إلى الماضي حين يتضيق من توابع حياته، ‏لكي تكون أطلاله محفة تحميه من قيظ الأفكار المتصارعة في واقعه المتنامي بلواعجه، وأشجانه. ولذا، فإن البدعة على هذا الاعتبار محمودة، لأنها ‏لم تخترع دينا مشابها لما يدل على الحقيقة الخالدة، وإنما تطورت معه في الزمان، والمكان، لكي تفرز مصاديق مقابلة معانيه بما يصنعه الإنسان ‏من سعادة، وهناءة، وهو بذلك الفعل المصاحب للمعاني المطلقة، لا يريد إلا القضاء على الفقر، والمرض، والجهل، لأن الصناعة التي تثمر في ‏الإنسان أملا، وانتعاشا، هي البدعة المحمودة التي تباركها كل القيم العقلية، والتجريبية، وهي التي يحاربها العقل المتسلف، ولو أعول بالنكير على ‏ما خالط التدين من أنماط تعبر عن صيرورة الدين مع الإنسان، إذ البدعة المذمومة، هي أن نتأخر عن الركب، ونحن نريد السبق بجري ‏اللحى، وإسبال الجلباب، والتخفي وراء النقاب.‏

‏ شيء من التفاهة يبرز لي عند مناقشة هذه القضايا المختلفة المسارب، والمشارب، فأجدني أفترض لي مهدين بين شجن الذات، وحزنها؛ أحدهما ‏أعيشه حين أعود إلى الوراء، لكي ألامس صورة الماضي البريء عندنا، وهو ما غرسته الأسرة والقرية والقبيلة فينا، وثانيهما، هو ما يجرني إلى ‏الأمام، وأنا لا أمتلك معه إرادة سوى الانجرار وراءه، والانزياح إلى شساعة أمدائه الفاتنة، لأنه اليوم بكل أورامه، والمستقبل الذي نسير ‏إليه بقيود منهكة، ومتعبة. وهنا توقف جواد الجهد، وكبا يراع الوكد، إذ تبين لي أن الماضي معنى لا بد منه في الحاضر، وأن ما نحن عليه اليوم ‏من ذهول، ودهشة، هو ما يزكي عمل الغد الذي تنتظره أرحام الأمهات، وترقب رصيده الأجيال اللاحقة، لكي يكون حصيده قوة ومناعة في ‏الفكر، والحركة. فهل سعى هؤلاء المحاربون من أجل قبة السماء إلى طي المسافات بيننا وبين العلم، والمعرفة.؟ لم يكن هذا موضوع الطرح ‏الذي نتخوله بألفاظنا، لكن ما يشقى به واقعنا العربي، والإسلامي، هو هذه القراءة المحرفة للدين، لأنها ما دخلت بلدا إلا ورفعت على حطام ‏خرابه ألوية السلام المزعوم. فهل جاء منها ما يرفع عماد العمران.؟ أم خربت الأماكن التي تشهد على عز الأقوام، ومجدهم، وتاريخهم الذي ‏يهمس في آذانهم بالحقيقة.؟ قد يكون ما تقوم به السلفية تحويرا نفذت إليه يد داهية، فغيرت المسار من زرع المحبة في حديقة القلوب إلى ‏غرس أشجار العنف في حقول المصالح، والمنافع.‏

‏ ربما قد يكون هذا التسويغ في بعض حدوده مقبولا عندي، لأن العقل الشرس في تدبيره للموارد التي تضمن له بؤرة قوته، لن يترك سبيلا ‏مورودا إلا وصدح فيه بنحيبه، ونعيقه، إذ هو مبتهل للفرص التي تنقاد ليده، ومنتهل من كل معين بدا لعينه، ولو اغتص بيحموم جرعته، وظفر ‏من موارده بغسلين شهوته. كلا، بل قوته في قدرة استطاعته أن يتجاوز الحدود التي أوجدتها نظريتنا في حماية الأشياء، ويخترق المجال الذي ‏نذود عن خصوصيته في الفكر، والآراء، وينفث في واجب ما نقيمه من روابط وعلاقات عفن سمومه، وأوضاره، لكن، أليس من الغباء أن ‏نوهب معاول البناء في أيدينا، ونحن نخرب بها ما بناه غيرنا لإيواء أجساد منهكة بسؤال كل يوم يطل من وراء ظلام الجبل، أو من بين ‏أمداء السهل.؟ لو انخدعنا إلى هذا المستوى، فإنه لا يليق بنا أن نسمي مجموع كياننا أمة، لأنها في اجتماع عقولها على سلامة المورد، ستدرك ‏يقينا متى شربت من سلسبيل المعين شربة هنيئة، ومتى اجترعت من آسنه جرعة حارقة، لأن تفاوت الزمن، ولو أثر في الواقع بالحركة، فإنه ‏يبين طرق تعامل الإنسان مع الحقائق الموجودة في زمنه، لأننا لا نصل إلا الماضي، ولا نبني إلا عمر الإنسان في هذا الكون الممتد إلى الأمام. ‏ومن هنا يكون ما نراه من كدروة الأماكن التي كانت مهدا للشوق، والعشق، هو الدليل الكافي عن غيره من الأدلة، لأنه يوقفنا بين طريقين، ‏وكلاهما يؤدي إلى نتيجة، فإما أن ننخدع، ونضيع فرصة التاريخ، وإما أن ندرك أننا أمة لها دين، وهو ما كان لها نظاما إلا حين كانت غايته ‏إسعاد البشرية جمعاء، إذ منتهى ما وصلت إليه الأديان، والفلسفات، هو أن يتحول هذا الكون بصراعاته إلى مدينة فاضلة.‏

‏ قد يكون هذا حلما سارحا في الخيال الجانح نحو السعادة، لكن ومهما بدا لحظة هاربة في الزمن المطلوب صفاءه، يحدسها مرتجيها فيما يروم من ‏قادم الأحداث، والوقائع، وكأنها تعتبر في تصوره ذلك البلسم الذي يشفي عطش أوامه، وجرح أوارمه، فإن وضع الأشياء في مواضعها، ‏وحصرها في أماكنها، سيمنحها معانيها الحقيقية، ويقيها من التأويلات التي يغالط بها كل من يريد تغيير نواميس الأرض، لكي تكون خادمة ‏لمصالحه، ومقاصده. وإذ ذاك، سيصير الشذوذ مشهودا في العقول الهادية، ومرئيا في البصائر الثاقبة، فيُرى نشازه على وجوه الأشياء ‏المطلوبة بالتكليف الكوني، والبشري، ويُدرك نتوءه على ظواهر المعاني، والحقائق، لكن ذلك متناء عن دائرتنا، ومتجاف عن سبيلنا، لا لقدر ‏ألزمنا به، ولا لقضاء حكم به علينا، بل فرضته علينا كيفية صياغتنا لمعاني هذه المدينة الفاضلة، فالذين أرادوها خلاء من الشرور، قد توهموا ‏التمام في البداية التي رسموها بحدود الذات المتألمة، وظنوا أن أس الأشياء لا يمكن أن يطرأ عليه الانحراف، والتحريف. والذين رأوا شرورها ‏سببا في بقاء جمال خيرها، وعلة في ظهوره بوجهه الأجمل، الأكمل، أيقنوا بأن مدينة الصراع التي تعنيها الأدبيات الدينية، والفلسفية، هي التي ‏تنتج الفضائل في أبهى صورها، وأمتع ألوانها، لأن قيمة الفضيلة لا تكون معنى باهرا إلا عند عروض أسباب الرذيلة، إذ لا معنى لها إن لم تنضم ‏إلى أختها، ولم تحتو مدلولاتها على بعض مسببات ضدها، لكي يبدو الخلق جميل المحيا بين الوجوه القبيجة، ويظهر الوصف ضافيا على ‏الموصوف بالإنسانية الراقية. ‏

ومن هنا، فإن ماهية الصراع الذي يحدث بين الأشياء، هو جدل حقيقي في المفاهيم التي تكون جزئيات المعرفة، لأن هذه الجدلية حركة في ‏طبيعة استمرار الأدوار، والأطوار، وانتقال من طراز في العيش إلى نوع أمتع منه في الحياة البشرية. ولولا تجاذب الطرفين لوجودهما بعلاقة ‏الصراع، لما كان لأحدهما حياة تمتعه بالوحدة غير المتكاثرة، إذ لا يقوم ذا إلا في محل ذاك، لأنهما متحدان في الماهية، وإن اختلفا في النتيجة، إذ ‏كلاهما يريدها أن تكون غايته كما هي عليه في أصل الطلب، لكن ذا احتمى بإزار الخير، وذاك لبس رداء الشر، لأنهما في طريق الابتلاء مظهران ‏للتكليف بالفعل الذي يحصل تمام معناه بالمجاهدة، والمكابدة، ومحلان يربطان الأفعال بمعنى الثواب، والعقاب، وسواء كان ما ننتظره من مرام ‏شيئا دنيويا، أو أخرويا. ولذا، فإن أحدهما إذا قام في الذات، استظل به الآخر في طبيعة الفعل الذي هو مطلوب للسماء، وللأرض، لكن هل ‏يعني هذا تأييد الصراع، على اعتباره جدلية قائمة في جواهر الأشياء.؟ لو نفينا هذه الجدلية التي تربك عقولنا بغموضها، وخفائها، فإننا قد ‏أنكرنا ناموسا تقوم به سنن الحقائق المتحركة في طبيعة الثبات، لكن أن يحدث الصراع في مسمى الخير، فهذا هو الألم الذي يعانيه الإنسان في ‏عيشه اليومي، لأنه قد حدث فيما حقه الالتئام، والائتلاف.‏

إن ظهور الصراع حول عالم الإله، وبروزه بجلاء فيما أقيمت حوله محاكم التفتيش التي سبرت العقائد بين الأغوار، والأعماق، لم يكن مطلوبا للذي ‏أراد توحيد الإله، ووصفه بما يليق به من صفات الجمال، والجلال، بل هو مرغوب للذي أراد تحريف المسار الذي يجمع أنواع المسير، وتزيين ‏أهوائه بما يقدسه الإنسان في عالم السماء، والأرض، لكي يسير الإنسان على طريق عبده شطط العقل حين استقوى بالمطلقات في تدارك نقصه، ‏وعجزه، لأن خط الصراع فيما لا يستوجب خلافا يؤدي إلى التحارب، والتقاتل، هو الذي يبلبل الفكر، ويشوش النظر، ويبعد عن حقيقة ‏الوحدة التي لها مصاديقها في واقع الذات المكلفة، وهي قدرتها على أن توجه فعلها إلى ما يخدم نظام الكون، وقوانين الطبيعة، لأننا في تفاعلنا ‏معها، لا نستحضر احتياجنا إليها فقط، بل نستحضر التكليف الذي أناط بنا رعاية كل ما يضمن استمرار الوجود، والحياة، وبقاء النوع في ‏الزمان، والمكان. ومن هنا يكون فعلنا في الطبيعة عبادة لمن كونها، ودبرها، وتسليما لنظامها، وناموسها، لأننا ومهما استولينا على الأشياء التي ‏تعن لنا، لن نكون مالكين لقوتها، إلا إذا أحسسنا في وجداننا بأننا نصنع بها مستقبلا للإنسانية، وغدا مشرقا يقي خلفنا من الأوجاع التي ‏تعربد في الكيان، والهوية. وربما قد يتساوى في هذا كل الناس، وعلى اختلاف قوة انتمائهم إلى دين معين، أو عقيدة محددة، أو لين صلتهم ‏بالإله، وهوان رابطتهم بالسماء، بل حتى الذين تقودهم الأنانية الفردية، لا يستحضرون إلا أن يجعلوا الأشياء ميراثا يُملك من بعدهم في دائرة ‏ضيقة، وهم الذرية، ومن والاهم من أحفاد يسعدون بحظ التاريخ المزيف، والمحرف. ‏

ولذا، فإن سبة الصراع الذي يشوه الحقيقة الواجبة في الطلب، والجلب، لا تنال صانعه، لأنه استوحى له أسبابه، واستهدى بها إلى دوره في ‏تمزيق روابط الذات، والمحيط، لكنها تكون معرة في عاقبة الذي يجادل حولها، أو يقاتل من أجلها، ولا يدري، علام يحاجج.؟ ولا لم يقتل.؟ ‏لأنه لا يحمل سيف الإله، ثم يعلن بامتشاقه حربا تفري الأوداج، وتنهي الأرواح، إلا وهو يحسب أن ما اجترحه من قتل، هو القربان الذي ‏يهديه إلى طرق السماء، والعنوان الذي يدل على حق الإله في الأرض، لكن ما يقوم به من تخريب للدور، وتدمير للأكوار، لا ينال فضلَه إلا ‏الذي أراد أن يجعل الغلو في الدين سببا لهدمه، وخرابه. وذلك ما يقوم به الإرهابي عند يرفع راية العقيدة، لأنه يصرف الناس عن مقتضى ‏الالتزام بالدين، ويبعدهم عن درك معانيه في الكون، والطبيعة، والإنسان، ورشف ما فيه من رضاب الحرية، والعدالة، والمساواة. ‏

فلا غرابة إذا كثر الإنكار على الدين بين أماكن تحصر التزامها به في أنماط وسياقات محددة، لا تراعي ما وجد له أصله من قبول للاختلاف، ‏والتنوع، وما هيأ له الإنسان في أخذه من السماء بلا وساطة تربطه بذاتها، وغرورها، لا بمعالم الحقيقة المرتجاة بطبعها، وكنهها، لأن تحقير الجِرم ‏الذي منح للإنسان بهذه القراءة المبسطة للدين، لم يكن مُرضيا لحرد من يجاهد عوارض حياته بمقتضى ما يشاهد في الأمم الأخرى من ‏مساحات للحرية، والكرامة. ولذا كان الإنكار رفضا لنمط يفرض في سياق عام للتدجين أحيانا، وللتسطيح أحيانا أخرى، لا يقبل الاختلاف ‏الذي لا يفضي إلى انتحار، أو اغتيال، لأن لغة الرفض التي يدندن بها كثير من المصعوقين بلوثة الحداثة، أو بلعنة الديار التي خربها الإرهاب، ‏لم تكن ترسا للحماية، إلا حين زمجرت العقيدة بما لا يتنافس الناس عليه، ولا يتسابق الحظ فيه، لأن ميدان الكسب كامن فيما هو نافع، ومضمار ‏الجهد بارز فيما هو ساطع، إذ دور العقائد في الدين، والفلسفة، هو بناء الإنسان القادر على التكليف، وتهيئته لقبول مقتضيات الخلافة، ‏والنيابة، وإلا، أُغرقت كلمة التوحيد بين براكين الدم، والأشلاء، والجماجم، وإذ ذاك يحارب الدين بذاته، ويعادى الحق بحقيقته، ويرفض الخلق ‏بصوته. وأي فجع أعظم أثرا مما يهدد الحصون في داخلها، وهو لا يأنف عن ولوج كل ثغرة انفتحت في البيوت، والأسوار.؟ ‏

ومن هنا، يكون هذا الرسم الذي يذود عنه السلفيون سببا فيما يحدث بين تضاريس عالمنا العربي والإسلامي من محاربة للأديان السماوية، ‏والفلسفات الروحية، لأنها أرادت أن تنوب عن العقول في قراءة كلمة السماء، وتحدد بفهومها ما يحتاجه الإنسان من أخلاق، ووظائف. ولذا ‏خصت نفسها بوصف عام، يحق لكل من له سَلَفٌ أن يتصف به، ثم جعلت للحقيقة بابا واحدا، وهو تلك اللحظة المنفصلة عن حقب تاريخ ‏الإنسان الكامل. ولذا، أدانت مخالفها، واغتالت معاندها، لأنها الفرقة الناجية التي لها حق أسر الأعماق، وحز الأعناق، وما عداها فهو في نار ‏جهنم يتلظى، وفي السعير يتلوى. وإذا كان هذا محروقا في الاعتبار الذي ينفي عنه النسبة إلى عالم المكلفين، ولو مشى بين الدروب، وغنى على ‏الهضاب، فإنه سيكون شبحا مفرغا مما له قيمة في الوجود، إذ لا يطلب منه عقل راجح، ولا رأي راشد، لأنه فاقد الأهلية، وباطل الكفاءة، ‏ولو بقر من الظلمة نورا، وفجر من الأشجار دواء. وما دام هذا المتجاوَز في تكليفه برعاية الكون بما تستوجبه كلمة السماء؛ وهي المعنى الخالد ‏في كل الفطر السليمة، والعقول النجيبة، بدون حقيقة في عقل من كفره، أو فسقه، أو بدعه، فإنه لن يكون سندا في العمران، والحضارة، ولن ‏يكون حفيا بما هو مطلوب في المجتمعات البشرية من أخلاق، وقيم. ‏

وهذا وجوده كعدمه، وشهوده كغيابه، بل قتله، أو إحراقه، لن يستفز في العمق وجدان الرحمة، والمبرة، ما دام حكمه حكم التائه في التقدير، ‏لأنه في الاعتبار الديني السلفي، لا يستوجب موجبات الحياة، والكرامة، ولا يستلزم مقتضيات الرعاية، والحماية، لأنه مارق عن النظر الذي ‏رسم سواء السبيل بقصده المعلول، ثم أقام على طرفيه مجازر رهيبة، أفنى فيها الإنسان، والأرض، ولوث بها البيئة، والطبيعة. ولذا تضيع كثير ‏من الطاقات، والملكات، لأنها لم تفقد في الكون ما هو مخلوق لها من صفاء، ولا ما هو مطلوب فيها من وفاء، بل حجبت عنه بحروب أقامها ‏الدهماء لحماية السماء، فخالوا تخريب الأرض، هو الركام الذي يصعد عليه إلى أفق الطهارة، والنقاوة، لأن اعتبار ما يخفى صوغه في النفوس، ‏والقلوب، وما يبنى به الباطن من وجدان، وعاطفة، هو الأهم في استحقاق النسبة إلى دين، لن يترك للعقيدة أملا محبوبا في الحقيقة البشرية، ‏لأن تحقيق مناط ذلك مما خفي عنا أمره، وغاب عنا شأنه، ومصارعتنا لدركه بين معالم الخوف، والجبن، هو الذي يضيع كثيرا من أوقاتنا في ‏متاهة تقبل التناقض، والاعتراض، لأن ذلك مما يغري بالبحث الدقيق عن أسرار البواطن، وهي لا تنكشف حقيقتها إلا في ظاهر خدمة الإنسان ‏لمقتضى المُراد الإلهي في الوجود الكلي للأشياء المتمتعة بالحياة على بساط الأرض، وسطح السماء. ‏

ومن ثم، فإن نقل الصورة المنظور إليها من الخارج إلى الداخل، هو الفعل المثري لكثير من صراعاتنا التي تحول بيننا وبين المعرفة بنواميس ‏الحضارة، لأن حصر النزاع فيما نعتقده من نظريات تستعلي على كل الحقائق المعنوية، سيبعده عن النظر إلى ما ينتجه الإنسان في منظومة ‏الكون الحسية، وهو عمله المسؤول عنه بالوظيفة التكوينية، والتشريعية، إذ أمر العقائد مما لا يقبل الحميَّة في الصراع، ولا العصبية في الأطاريح، ‏لأنها في غايتها المتحدة مع الطرق الدالة عليها بالاختلاف، لا تريد إلا إثبات إله لهذا الكون، وهو المنظم له، والحارس على بقائه صالحا، ورابحا. ‏وهذا مما تنتهي إليه كل نقاشات علم اللاهوت في الأديان، والفلسفات، لأنها أرادت أن تعرِّف بالإله، وبحقيقة ذاته المتناهية في صفاتها، وأقوالها، ‏وأفعالها، ثم تبين مراده فيما أوجده، وخلقه، وسواء كانت الدلالة دالة على ذلك بقوة، أو احتاجت إلى بصيرة في درك معناها بالدلالة التبعية. ‏وإذا كان هذا مناطا مشتركا بين كل اللاهوتيين، وعلماء الكلام، وتواطأ الناس عليه في رسوم التصديق، وأيقنوا بما قيل فيه من تحقيق، ولم يحتج ‏في دلالته إلى تأويل يأتي به التدقيق، لأنه محل البيان بالتصريح، ومقام الإظهار بالتوضيح، فإن طرق السير إليه بعدد أنفاس الخلائق، لأنها ‏مقدمات لبناء اليقين الذي يكسبنا أودات التواصل، والتفاعل، ويلهمنا كيف نخلق من الاختلاف اتفاقا، وتوافقا، لأن النفَس الذي نزفر به في ‏طلب الحقيقة، هو الذي يحدد معراج الارتقاء إلى كون المعنى الخالد، وهو الذي يظهر ماهية السلوك إلى الحقيقة المطلقة، ويبين كنه التفويض ‏لأمر السماء، والتسليم له في التصريف، والتدبير. وهذا متفاوت بين قوى الإدراك، ومتباين في حصة كل واحد من طبيعته. وحجزُه، وحصرُه، ‏هو الذي يؤدي إلى رسم صورة واحدة للعقيدة. ومن خلالها يكون تفسير الوسيط كلام الفصل في النزاع، وتقديره حدا في الصراع، إذ ما ‏أحدث الخلاف في مقتضاها، إلا من رأى قوله الأكمل وجها في المعرفة، وما عداه، فهو يكرع من عين الزيغ، والضلال. ‏

وهنا وقع الصراع حول هذه الصور التي تدل على حرية أنفاسنا بين مجاهل الطبيعة، لأنه يسعى إلى أن يجعلها صورة تدل على معنى الوحدة ‏بكونها واحدة، فلا يجوز على هذا أن يحدث فيها التعدد، وهو في حقيقته لم يحصل إلا في حرية الاختيار، والإرادة، والقدرة، لأنها هي التي ‏تتفاعل مع كل مركبات الإنسان المعنوية، والحسية، لكي تنجز ماهية لتلك الصورة التي يكون بها التكليف مخلصا، وصادقا. ومن هنا، فإن في ‏اختلاف الصور المجسدة للأنفاس، ما يدعو إلى القول بتنوع السبل، وإن اتحد القصد حول إقامة معنى الإله في الوجود الكلي، لأن ذلك مما ‏يرفع الحرج، والضيق، ويبعث على الحرية، والأمل، ويدفع بالمجتمعات إلى التآلف، والاتحاد، إذ أخزى طريق صنعه هذا الفكر الذي يجعل ‏للحقيقة بابا واحدا، هو ما أحدثه من صراع حول الإله، وحول الإنسان، لأنه ابتدع الخلاف حيث يكون المعنى ممنوعا على نظر واحد، لكون ‏المقام يدل على معنى التكليف في حدود الطاقة، والأهلية.‏

وهكذا نشأ من تربة الاتحاد الافتراق، ومن طين الاشتراك الاختصاص، لأن أجلى معلم يكون دليلا على فساد النظرية العقدية التي تجعل نوع ‏تصديقها لازم الاتباع، هو صناعتها للخلاف في محل يدعو إلى الحرية، وصياغتها لنمط في الدين يقبل قتل المخالف، وهدم بيته، وحرق زرعه، ‏وهدر ضرعه، لأنه إن لم يتهم في اللجاج بتهمة ترديه، وتدينه، فحسبه أن كان معولا لهدم كل آصرة ترتبط بالإنسان، وهي التي تصله بغيره من ‏الخلائق المتعاقبة أنواعها على ظهر الكون، لأن الدين الحق، هو ما احترم خصوصية الإنسان، وأقام له مهدا يكون فيه حرا مختارا، إذ مقتضى ‏الدين، أن يمنح الاعتبار في تدبير الكون، وتسيير موارده، وتنظيم وظائفه، لئلا يكون الرأي واحدا، والقرار جامدا، وإذ ذاك لن نكون إلا ‏عبيدا لسادة يخالون أنهم يملكون ترياقا يداوي جميع عللنا، وأمراضنا.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بايدن يوقع حزم المساعدات الخارجية.. فهل ستمثل دفعة سياسية له


.. شهيد برصاص الاحتلال الإسرائيلي بعد اقتحامها مدينة رام الله ف




.. بايدن يسخر من ترمب ومن -صبغ شعره- خلال حفل انتخابي


.. أب يبكي بحرقة في وداع طفلته التي قتلها القصف الإسرائيلي




.. -الأسوأ في العالم-.. مرض مهاجم أتليتيكو مدريد ألفارو موراتا