الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


التشكيلية التونسية نورة بلحاج القارص ..اعمال مرمزة بالوان الحياة و كونية البحث و العطاء

اسامة كامل كيوركيس

2017 / 3 / 21
الادب والفن


تتحدد قيمة الابداع الفني المعاصر بمدى التزام الفنان بقضايا الإنسان و على الأخص [حريته] و حقوقه الإنسانية ، و أما مقولة [حياد الفن] فما هي إلا شكل من اشكال الالتزام الرأسمالي العالمي الذي لايؤمن بكثير من قضايا حقوق الإنسان المعاصر ، و لأن الفن يعتبر وسيلة اتصال بين [الفنان] و [المتلقي] يبعث الفنان من خلالها انفعالات برؤية او حدث او فكرة الى متلقي عبر صياغته للحظات الاندهاش التي لا تكرر نفسها في كل حدث يصاحب حياة الفنان ، بهدف ان تخلق داخل المتلقي ردة فعل موازية و مشابهة ، فالفن الحقيقي هو فن يتحدث بلغة الشعب و يخاطب جمهورا واسعا ليمنح الأمة وعيا اجتماعيا يمكنها من النهوض و الارتقاء ، و لايماني العميق بأن على الفن ان لا يمضي بعيدا عن الإنسان و عن همومه و تطلعاته ، أجد نفسي ملزما بالكتابة و البحث في اعمال الفنانين التشكيليين عن هذا الوعي الذي يحدد العلاقة بين الفن و الحياة و لأني لست متيقنا من قدرتي على الاحاطة في هذا الموضوع لإظهاره بطريقة متماسكة و ذلك لأن الاشكالية تحتاج اولا لإبراز التملك النظري الضروري الكافي و العناية المنهجية الفائقة و ذلك في إطار الاجتهاد (المتأني) لفهم عمق التحولات في المسار الابداعي للفنان التشكيلي ، فعندما يقرر كاتب ان يخوض في مجال الكتابة النقدية التشكيلية سيجد من الصعوبات التي تواجهه عند الكتابة عن احد التشكيليين في العالم العربي ممن لم تتحقق له شهرة واسعة على المستوى الجماهيري و التخصصي ، لعدم توفر المصادر المعلوماتية و المشاهدة الحية للاعمال و غياب آراء النقاد التي تنشر عادة في الصحف و الدوريات و غيرها. و لاني كل من وقع اختياري عليهم من التشكيليات على مستوى المنطقة العربية ، عرف عنهن انشغالهم الدائم بهموم الوطن و الإنسان ، و احداهن هي الفنانة التشكيلية التونسية (نورة بلحاج القارص) و انطلاقا مما يفرضه الواقع الذي نعيشه اليوم و ما يشهد من تطورات عالمية سريعة و تغيرات متلاحقة نتج عنها اختلالات عميقة ادت الى تعميق شعور الانسان بالاغتراب عن كونيته الاصيلة في ظل غياب الضابط الحضاري و الإمعان بتهميش الإنسان و طحنه بل و ابادته في حروب متتالية. و بالوقوف عند تجربة التشكيلية التونسية (نورة بلحاج القارص) التي اتاح لي القدر لقاءها و التواصل معها فشدني اليها قلبها الكبير و وجهها دائم الابتسام فهي خبيرة بنشر الفرح في نفوس الآخرين ، مما اتاح لي فرصة اوسع للاحتكاك بها كفنانة و التعرف اليها على المستوى الانساني الى جانب التقني و الفني ، تقيم حاليا في فرنسا و تقطن مدينة نيس على الساحل الفرنسي ضمن عالمها الخاص حيث تسترق بريشتها الفرح و الحياة و تجسدها احلاما متراقصة تغرق بالالوان ، تفصح عن طزاجة و ديناميكية و ثراء في التعبير بريشة تشعر انها جزء منها تجوب العالم لتعكس صورة المجتمع ، استطاعت التشكيلية (نورة بلحاج القارص) التي لم تدرس الفنون دراسة اكاديمية بل تثقفته من خلال معارض الرسم في فرنسا و مطالعة الكتب التشكيلية و أحلامها في مشاغبة محدودية اليومي و مراوغة القدر المحتوم أن تبلور لنفسها اسلوبا فنيا شديد التميز جمعت فيه الوعي العالي بقوانين بناء العمل الفني و مفهوم الصياغة التجريدي للاشكال ، و رغم ذوبانها في كل و ادق تفاصيل الحياة التونسية و العربية في احساسها و شعورها إلا ان ابداعها كان بمثابة جسر آخر للعبور و التواصل بين الشرق و الغرب املا لفتح ثغرة في عالم مليئ بالحواجز و الاسوار التي تحد من كل صيغة جماعية مشتركة ، لذلك مثلت حالة فنية و انسانية خاصة في المشهد التشكيلي المعاصر .
نورة بلحاج عاشقة الفنون الرسم و النحت و التصوير الفوتوغرافي مرهفة الاحساس ترسم افكارها بلغة معينة مبتكرة ، فهي كفضاء واسع بالألوان لتوفره مختبر التيارات و المذاهب و الاتجاهات الفنية و الثقافية و الفكرية في لوحة و اخرى . تونس التي كانت المحرك الاساسي لمخيلتها اثناء الرسم ، لفتت الانتباه الى موهبتها الفذة منذ سنوات طفولتها المبكرة و هي التي غادرت مقاعد الدراسة مبكرا في الصف السادس الابتدائي و بعد حصولها على جائزة افضل عمل فني ضمن مسابقة العام المدرسية . لتتزوج لاحقا و هي ابنة سبعة عشر عاما و تصبح أم لاربعة أبناء ، و لعل تلك التجارب كانت تحفزها و تزيدها إصرارا على اثبات ذاتها و تمسكها بالحياة لتصنع منها منصة لرسوماتها و جوهرا ترميزيا للعلاقة التي تربط الإنسان بمفردات الكون من حوله ، و لعل من شواهد و غنى و تألق إبداعها توزعه على معظم المدارس العالمية و هذا التوزيع يؤكد انفتاحها على العالم و اخلاصها لقضاياها في اعمالها التي تنوعت بين الواقعية الانطباعية و التعبيرية و التجريدية التي نقلت اليها كل ما رأته بعينيها و احبته بقلبها ، اشتغالات بديعة على ثيمات متجذرة في الموروث الشعبي من مناظر مدينة ولاية مساكن التونسية الواقعة على الساحل و المرأة ، تضفي عليها ابعادا من الرهافة و السكون و الهدوء و الصفاء و الحركة الكامنة لتتلاحق اعمالها رفضا للاحتواء داخل اي مذهب فني و انتقال دائم و ثورة على الحدود و القيود و التمدد الى ما لانهاية ، لتتجاوز مناطق الالم اكثر بكثير بالفن الذي ينحاز للجمال و الروح
إلا إن تحديا اخر فرض نفسه على (نورة بلحاج) و هو [المعمارية الحديدية] و ابراز قدراتها في تطويع الكتلة الحديدية و تجاوز الحدود المألوفة لهذه المهنة (الحرفة) فكانت ميزة صياغاتها النحتية في محافظتها على فضاء خاص بعيد عن التكرار لصياغات من سبقها و بالسهولة نفسها التي تتمكن منها حين ترسم على القماش استطاعت اخراج كائناتها و شخوصها و أشكالها من الحيز المرسوم الى عالم المادة اللمسية لكتل الحديد الناطقة ، و في عملها بعنوان (تركيبة الحديد) نفذت مشروعا فنيا كبيرا عالجت فيه موضوع جدلية الصراع بين الحرب و السلام اثقلت الشكل بكل تفاصيل الغزو الاميركي البريطاني للعراق و ما تبعه من حرق و تدمير و نهب و استخدام الطائرات القاصفة لالقاء اسلحة تدمير محرمة دوليا عكست رغبة بربرية جامحة بالتدمير و الابادة كان من نتائجها خسائر بشرية هائلة وانتهاكات لا اخلاقية بحق الاسرى في سجون ابي غريب و غيرها و ما تلى ذلك من تخبط سياسي و غياب ضمير القانون و روح المسؤولية و الحكم الراشد و ظهور تنظيم داعش الارهابي باعماله الوحشية و جرائمه ضد الانسانية. و مهما يكن فهم نورة بلحاج لظاهرة الموت على مستوى الواقع - المجاز مما لا شك فيه ان صورة الموت تحتل حيزا في فن (نورة بلحاج) المعني باختبار اغوار النفس البشرية و سبر ظلمات التجربة الداخلية والتي لا تعني الا رغبة الحياة نفسها وسط أحاسيس الفوضى و التخبط و الجيشان و التي لا تكاد تخبو و تستقر حتى تتحفز و تهدر من جديد.
و من عوامل تميز تجربة التشكيلية نورة بلحاج هي انها حققت كل هذا المنجز في هدوء و دون ضجيج و بعيدا عن الاضواء و دون استجداء صك اعتراف بموهبتها ، فالموهبة الحقيقية هي التي تتجاوز بقوتها الذاتية اسوار الجغرافية الضيقة.
و في عجالة سريعة الفنانة التشكيلية (نورة بلحاج القارص) من مواليد 26/حزيران/1963 تونس ، ولاية سوسة - مدينة مساكن ،متزوجة و أم لاربعة ابناء تقيم في فرنسا منذ العام 1982، اقامت العديد من المعارض الفردية و الجماعية نذكر منها
• 2005 - 2006 -2009 - 2012 أربعة معارض ولاية المنستير - ولاية سوسة
• 2013 فرنسا ولاية نيس - مدينة فينس في دار الثقافة / الرواق الازرق
• 2015 ولاية القيروان
• 2015 كوريا الجنوبية - معرض الفن الدولي








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الفيلم اللبنانى المصرى أرزة يشارك فى مهرجان ترايبيكا السينما


.. حلقة #زمن لهذا الأسبوع مليئة بالحكايات والمواضيع المهمة مع ا




.. الذكاء الاصطناعي يهدد صناعة السينما


.. الفنانة السودانية هند الطاهر: -قلبي مع كل أم سودانية وطفل في




.. من الكويت بروفسور بالهندسة الكيميائية والبيئية يقف لأول مرة