الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


المشهد السياسي في تونس وجهود بيع البلاد الى خارج

الأسعد بنرحومة

2017 / 3 / 21
السياسة والعلاقات الدولية


منذ أحداث 14 جانفي 2011 وإلى الآن مرّت على البلاد التّونسيّة سبع حكومات ، جميعها تشترك شيء واحد تحسنه الوهو الخطب الرّنانة التي تقدّم فيها الوعود بانفراج الأزمات المتلاحقة التي أرهقت الناس وأدخلتهم في دوامة من الاضطرابات، ودفعت بهم إلى حفرة الفقر المدقع والمصير المجهول على كل المستويات (الاقتصادية، والسياسية، والاجتماعية...)، ولكنها لا تلبث حتى تزيد في تفاقم المشاكل وتعلن فشلها وتنسحب. وقد تواصل تخبط هذه الحكومات الواحدة تلو الأخرى نتيجة الارتهان للمستعمر الغربي، والخضوع التام لاملاءات صندوق النقد والبنك الدوليين؛ لاستجلاب رضاهم قصد الإمعان في إغراق البلاد بالقروض الأجنبية، التي تجعل من البلاد والعباد نهبًا للاستعمار الغربي تحت عنوان الاستثمار الأجنبي. وكل ذلك ناتج عن قناعة عند أشباه السياسيين في بلادنا رسّخها المستعمر الغربي في عقولهم وهي عدم القدرة على الانفكاك عن القوى الاستعمارية الغربية الأمريكية منها والأوروبية.
والآن وقد انتصبت ما اصطلح على تسميته بـ "حكومة الوحدة الوطنية" فقد كان أول عمل قامت به بعد تلك الخطبة الرنّانة المشحونة بالوعود الكاذبة هو المصادقة على مشروع قانون المالية لسنة 2017 وإحالته إلى "مجلس نواب الشعب". والمدقق في هذا المشروع يرى أنه أقيم على قاعدة فاسدة هي: "سُبل زيادة مداخيل الدولة وإيجاد موارد جديدة للحدّ من عجز الميزانية وتوفير أموال لخزينة الدولة"، وتكاد تنحصر هذه السُّبل في الزيادة المشطّة في الضرائب وبعض الإجراءات المعلن عنها المتمثلة أساسًا في تأجيل الزيادة في الأجور لغاية سنة 2018 أو سنة 2019 حسب ظروف نسبة النموّ. فالدولة تنظر في زيادة مداخيلها لسد العجز في الميزانية فتلجأ الى زيادة الضرائب التي تزيد من أعباء الناس البسطاء الذين ينتظرون ترفيع أجورهم والذين يشكلون الغالبية، بدل أن تنظر في واقع النظام والسياسة الاقتصادية الفاسدة برمتها والتي تزيد من فقر الفقراء، وتغلق أبواب الفساد أمام رجالات الحكم وأذنابهم من العلمانيين الذين فصلوا الدين عن الحياة، واعتقدوا بصلاحية الفكر الغربي الرأسمالي وقواعده في الحكم والاقتصاد في معالجة مشاكل الناس الحياتية.
أما القاعدة التي يتم النظر من خلالها لبناء مشروع الميزانية والتي هي: "سُبل زيادة مداخيل الدولة وإيجاد موارد جديدة..." فإن فسادها يكمن في أنها تنظر للمشكلة الاقتصادية نظرة مقلوبة، وهي عينها النظرة الرأسمالية الفاسدة للمشكلة الاقتصادية المُعبَّر عنها "بالنّدرة النسبية للسلع والخدمات مقابل الحاجات"؛ أي عدم كفاية السلع والخدمات في الكون لاشباع حاجات الإنسان مع تجددها وتنوعها وتعددها. فكان حل المشكلة الاقتصادية عندهم هو العمل على زيادة الإنتاج للسلع والخدمات حتى تكفي أكبر قدر ممكن من حاجات الإنسان، مع إهمال النظر إلى كون حاجات الإنسان التي يتحتم إشباعها هي الحاجات الأساسية من مأكل ومشرب وملبس ومأوى، وأن المشكلة تكمن في توزيع الثروة على الناس وليس في زيادتها، ولا يصح أن يكون معدل دخل الفرد في المجتمع هو المقياس لفقر الناس وهو الذي يتأتى من قسمة دخل البلاد على عدد السكان، فمهما زاد دخل البلاد فإن ذلك لا يعني معالجة الفقر، لأن تلك الزيادة قد تدخل جيوب الأغنياء والفاسدين ولا تحل مشكلة فقر الأفراد، أي مشكلة زيد وعمرو باعتبارهم أفرادًا فقراء في المجتمع. فزيادة الإنتاج لا علاقة له بالنظام الذي يعالج العلاقات الاقتصادية بين الناس، وإنما هي من متعلقات علم الاقتصاد الذي يبحث في كيفية تنمية الثروة وزيادتها، فضلًا عما أسلفنا من أنها تعمل على تكديس الثروة ولا تُعنى بكيفية توزيعها توزيعًا عادلًا بين الناس.
وهكذا فإن هذه الحكومة والحكومات السابقة لها لم تنظر إلى الثروة والموارد الموجودة في البلاد نظرة صحيحة ولم تعن في كيفية توزيعها بين أفراد الناس، وإنما سارت في معالجة عجز الميزانية بالضرائب؛ أي سارت في طريق سنّ قوانين لتحصيل مزيد من الضرائب بما يرهق كاهل الناس، وتركت الثروة الحقيقية والمتوفرة في البلاد نهبًا للطغمة الفاسدة والمتنفذين من أصحاب رؤوس الأموال والمحتكرين.
وبالرغم من معاينة هؤلاء الحكام لفساد السياسة المتبعة في معالجة المشاكل، وبالرغم من الإقرار بفشل رزنامة الإصلاحات الاقتصادية التي قرّرها وفرضها صندوق النقد الدولي ـ بالرغم من ذلك كله ـ فإن الحكومة الحالية لم تستوعب الدرس من الحكومات السابقة، وإنما ظلت جامدة على ما هي عليه من كيفيات فاسدة لمعالجة المشاكل، واستمرّت تسير قُدمًا في إغراق البلاد بمزيد من الديون الأجنبية من خلال القبول بتنفيذ المرحلة الثانية من إملاءات صندوق النقد الدولي، فقد قال نائب مدير الشؤون المالية بالصندوق عبد الحق الصنهاجي في تصريح سابق لـ "وات" بتاريخ 5 تشرين الأول/أكتوبر 2016: "إن البرنامج الذي شرعت تونس في تنفيذه مع الصندوق بداية من شهر أفريل الماضي يقضي بالحدّ من النفقات العمومية غير الناجحة"، وذلك إشارة منه للتحكّم بالزيادة في الأجور سواء بإلغائها أو بتأجيلها وغلق الباب أمام الانتدابات في الوظيفة العمومية.
فبمثل هذه السياسة يُساس الناس في بلادنا من طرف أشباه الساسة الذين غاب عنهم مفهوم الدولة باعتبارها راعية لشؤون الناس، وضامنة لإشباع حاجاتهم الأساسية، والذين فقدوا النظرة الصحيحة للثروة، إلى أن أصبحت الدولة في عرفهم مجرّد جهاز قانوني لسنّ الضرائب وجبايتها. وسيستمرّ هذا التخبّط ما داموا يتعاطون مع المشاكل من زاوية المبدأ الرأسمالي العفن ونظرته للحياة والإنسان والدولة والثروة، وسيظل الشعب في تونس يتجرّع الثمار التعسة التي يجنيها الساسة بخضوعهم لإملاءات الأجهزة الاستعمارية وفي مقدمتها صندوق النقد والبنك الدوليين.
وللسير في هذه السياسة وإمعانًا في تضليل الناس وخداعهم يعمل القائمون على الأمر في تونس على إيهام الناس بأن البلاد على حافة الهاوية نتيجة تقلّص الموارد وخواء خزينة الدولة، كما يعملون لإطالة عمر الفساد من خلال تشكيل مشهد سياسيّ جديد قوامه التكتلات والائتلافات والجبهات، وذلك على غرار ما وقع الإعلان عنه من مثل إنشاء حزب الإرادة التابع للمنصف المرزوقي، وما يزمع إنشاؤه من جبهات كجبهة الجمهورية، وليس ذلك إلا تضليلًا للناس وأُلهيات يراد بها التمكين للفساد وإطالة عمره ودفع الناس للقبول بهم في أثوابهم الجديدة، كما أن هذه التشكلات الجديدة للمشهد السياسي يقصد بها أيضًا محاولة استباقية لمعالجة عزوف الناس المتوقع عن المشاركة في أية انتخابات قادمة. وما يلاحظ أيضًا في هذا المشهد السياسي تحالف السلطة والاتحاد العام التونسي للشغل والذي يقصد به العمل على احتواء الشارع ودفع الناس وبخاصة الشغالين الذين سيكونون أول المتضررين من هذه السياسة للقبول بتلك الإجراءات وتحمّل مسؤولية نتائج تطبيق إملاءات المؤسسات البنكية الاستعمارية.
وأما التصريحات النارية بين قادة الاتحاد العام التونسي وممثلي الحكومة فهي مجرد ذرّ للرماد في العيون لامتصاص غضب الناس؛ لأن الاتحاد وقد انخرط في الحكومة واشترك فيها بأخذه لبعض الحقائب الوزارية لشخصيات قيادية نقابية مثل عبيد البريكي ومحمد الطرابلسي بعد أن كان أمينه العام أعلن صراحة أن الاتحاد لن يقبل الاشتراك في أية حكومة، هذا الاتحاد بوضعيته الجديدة لا يسعه إلا أن يقبل في النهاية بالإجراءات التي اعتمدتها الحكومة، وقد تكون الرسالة التي وجّهها عبيد البريكي القيادي السابق في الاتحاد ووزير الوظيفة العمومية والحَوْكَمَة حاليًّا صباح يوم الثلاثاء 18 تشرين أول/أكتوبر 2016 والتي قال فيها: "من أجّل إضراب وألغاه عندما كانت تونس مهدّدة وفيها اغتيالات ليس من الصعب عليه التفاعل إيجابيًّا مع مقترحات إنقاذ تونس" ـ قد تكون هذه الرسالة ـ تمهيدًا لطريق قبول الاتحاد بما طرحته الحكومة في مشروع قانون المالية.
إنه مما يجب أن يُعلم أن المشكلة الحقيقية ليست في محدودية الثروة والموارد أو نقصهما، فإن الثروات التي تتوفر عليها البلاد إذا نُظر إليها نظرة صحيحة، وسُلطت عليها الأحكام الصحيحة في نظام التملك وكيفية التوزيع جديرة بأن تجعل من الدولة دولة رعاية وليست دولة جباية تتمكن من ضمان إشباع الحاجات الأساسية لكل فرد من أفراد الناس.
أيها المسلمون من ابناء الزيتونة:
إن ديننا الحنيف ينظر الى حل المشكلة الاقتصادية/مشكلة الفقر، بأنها تتمثل بتوزيع الثروة على أفراد المجتمع، ولذلك يقضي الشرع بضرورة سد الحاجات الأساسية من مأكل ومشرب وملبس ومأوى لكل المحتاجين بوصفهم الفردي والعمل على مساعدتهم لسد حاجاتهم الكمالية، فحاجات الإنسان الأساسية كما وردت في النصوص الشرعية (...كسرة يسد بها جوعته، أو ثوب يستر به عورته، أو حجر يأوي فيه من الحر والقر) والتي إن لم يستطع الفرد سدها بنفسه أو بالنفقة من أقاربه، فإن بيت مال المسلمين يكفيه لقوله عليه السلام: "ومن ترك كلًا أو عيالًا فعلينا". والشرع أكد على ضرورة العدالة في توزيع الثروة بأن لا يتم تداول المال بين الأغنياء دون الفقراء {كي لا يكون دولة بين الأغنياء منكم}. ولذلك وزع رسولنا الكريم ما غنمه في إحدى الغزوات على الفقراء دون الأغنياء، والإسلام حين فرض الزكاة جعلها من أموال الأغنياء {وفي أموالهم حق معلوم} وأعفى منها الفقراء. بخلاف الحلول الرأسمالية التي تزيد عبء الضريبة على الفقراء مساوية لهم بالأغنياء. وأحكام الإسلام تمنع الفساد ـ وهو داء مستفحل في دول العالم الرأسمالي ـ بتربية الأمة على الصلاح وإزالة التربة التي تنبت الفاسدين. وأحكام الإسلام المتعلقة بالاقتصاد وسياسته في الدولة كثيرة وعملية تعالج واقع المشاكل علاجًا جذريًّا، ولكن تلك الأحكام لا يمكن أن تنجح وتؤتي أكلها إلا إذا طبقت في إطار منظومة كاملة هي نظام الإسلام الذي يجب أن يوضع موضع التطبيق كاملًا، لأنه هو الذي يمثل عقيدة الناس، وهو الذي يجب أن تُعالج به كل المشاكل وتُساس الحياة على أساسه.
وعليه فإننا نهيب بكل أهلنا في تونس بأن يرفضوا كل سياسة لا تقوم على أساس إسلامهم، كما نهيب بهم بأن يعملوا على وضع الإسلام موضع التطبيق الشامل، فهو النظام الذي اختاره لنا ربّ العالمين قال الله تعالى: {اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا} والدين هو العقيدة وما حدّدته من أحكام تعالج جميع مشاكل الحياة لا فرق بين أحكام الأخلاق وأحكام المعاملات ولا بين أحكام العبادات وأحكام العقوبات.
فهلاّ حمل أبناء الزيتونة لواء الإسلام وعملوا على تطبيقه عقيدة ونظامًا للحياة؟








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. 200 يوم على حرب غزة.. ماذا حققت إسرائيل وحماس؟


.. سمير جعجع لسكاي نيوز عربية: لم نتهم حزب الله بشأن مقتل باسكا




.. قطر: لا مبرر لإنهاء وجود مكتب حماس | #نيوز_بلس


.. بكين ترفض اتهامات ألمانية بالتجسس وتتهم برلين بمحاولة -تشويه




.. أطفال في غزة يستخدمون خط كهرباء معطل كأرجوحة