الحوار المتمدن
- موبايل
الموقع
الرئيسي
قيود أمّي-الفصل الثّالث-4-
نادية خلوف
(Nadia Khaloof)
2017 / 3 / 22
الادب والفن
أحلم بالسفر عبر الزّمن .الأمر ممكن.
اعتقدت لزمن طويل أنّ السّفر عبر الزّمن هو مزحة. آلة الزّمن هذه غريبة. أمضي معظم وقتي أتنقّل على حوافه. أستقرّ في الأمكنة التي تعجبني حتى أملّ منها، أغادرها إلى أزمان أخرى.
أقيم الصّلاة اليوم أمام معبد حجريّ قرب الغابة مع قطيع بشري. ليس لنا لغة. فقط نطلق أصواتاً كتلك التي تطلقها جميع الكائنات، ونفهمها.
أمّنا تجلس على حافة صخرة تحاول أن تجمّل نفسها. اسمها نسناسة. سألتني: هل أبدو جميلة؟
فهمت على صوتها، ركضت إليها. ربطت شعرها بعرْق ليّن كان قد نبت في الأرض قربي، صنعت لها مشطاً من العيدان. كانت مسرورة، وعندما أتى أبي قال لها بأصوات غريبة. ما أروعكّ! أجمل نسناسة في العالم.
أبي رجل من الزّمن الحجري، لكنّه يحبّ أمّي، وهي تتجمّل من أجله.
سألتها: هل تحبين أبي؟
أجابت: ومن لنا أنا وأنتم غيره. هو الذي يحمينا من وحوش الغابة، ويجلب لنا الطّعام. لا حياة لي دونه. عليك يا ابنتي أن تعرفي قيمة الرّجل، وأن تكوني أنثى يسعى إليها كلما ضاق به العيش.
لم أفهم يا أمّي نسناسة!
قصدت أنّ الأنوثة هي عطاء من الخالق، والحياة تحتاج كي تستمرّ لذكر وأنثى، وإلا سوف يعمّ الخلل الكون.
الحقيقة أنّني سعيدة بكلام أمّي نسناسة، لكنّني مللت من الصّلاة أمام الشّمس، والتوسّل للطبيعة من أجل حمايتنا. سوف أعود إلى زمني. أراه يلائمني أكثر من تلك العصور التي عاش الإنسان فيها على شكل قطيع.
. . .
أتسلّق السّلم الحلزوني ، ألفّ فيه إلى أن أصل إلى السّطح. أتمسك بالحواف الترابية للبئر.
-لا تدعني أسقط. من أنت؟
لا أحد يجيب، فقط أسمع ضحكاً يخيفني، أحدهم يرغب في قذفي إلى الماضي الحجري. تمكّنت من الخروج من البئر، أقف على مشارف زمني.
تجمعات بشرية على شكل قطعان يمارسون الجنس. أدرت وجهي كي لا أرى. بعد قليل لبس كلّ شخص ثيابه، وكل امرأة لباس حشمتها. رأيت إحداهنّ تبكي. قالت: اغتصبني ابن الحرام. وإذ بأخرى تصفعها. تستحقّين ما جرى لك. في المرّات المقبلة تستّري كي لا تثيرين غرائزه.
في الشّارع المؤدّي إلى المحكمة رأيت نساء ورجالاً يصفّون بالدّور. إحداهن تمسك بزوجها تقول له: أرجوك. لا أحبّ الطّلاق. ارحم هؤلاء الأولاد. يدفعها فتسقط إلى الأرض، يأتي ابنها كي يرفعها، بينما يدوس الزوج عليها وهو ذاهب باتجاه امرأة أخرى. يقول لها:
حبيبتي! هل تذكرين ليالينا قبل أن أتزوج بتلك المرأة النّكدية. ها قد عدت إليك حبيبتي. سوف أكون أباً لأطفالك.
-تأخّرت في العودة . طمنّي عنك. كنت أنام مع زوجي، وصورتك في خيالي، لكنّني امرأة مخلصة . لو لم يقتل زوجي لم أكن لأتركه. أنت تعرف أنّنا أنا وأنت نستطيع إقناع المجتمع بإخلاصنا.
-رحمة الله على روحه. لو لم يقتل لما كنّا اليوم معاً.
-أخشى أن يقتلوك أنت أيضاً يا عمري. هؤلاء المتوحشون يريدون الانتقام منا لأنّنا محقناهم. النّصر لنا. هذا المكان بما يحتويه لنا، وقريباً سوف يخرجون من مدينتهم خوفاً منا.
-اطمئني يا حبي. نحن أصحاب الشّأن هنا. سوف ننتصر على الأعداء.
-هل يعني أنّك سوف تحاربهم؟
-بالطبع لا. هل أنا مجنون حتى أذهب إلى الموت برجليّ. أنا متعاطف. أنتظر أن ننتصر، وأقتنص فرصة كي لا أفارق عيناك.
لم أصدق ما أسمع. عدت إلى المرأة وابنها. ابتسمت لي. قالت: لا أحبّ الطلاق. كنت أبني أسرة اعتقدت أنّها مثالية. عفوا منك يا عليا. لن أتحدّث الآن. أنوي أن أغير العالم. ربّ ضارة نافعة. كان صغيراً في عينّي. أردته فقط كشكل في حياة ابني.
وبينما كانت تمشي نحو الأعلى كانت مجموعة زوجها يبكون أمواتهم ثم يمتدحون جرأته، يشتمون المرأة الذاهبة إلى أعلى.
. . .
لم يعجبني زمني.
أردت أن أعود إلى أمّي نسناسة. ثمّ فكّرت أن أتبع تلك المرأة التي ابتسمت لي. أنا اليوم على بعد خمس سنوات إلى الأعلى. غادرت زمني.
أسير قرب حبيبي وأنا مرفوعة الرّأس فلا أحد يملك هذه القطعة النّادرة مثلي. أتمسّك به كي لا يفلت منّي. لا أراه. أبحث عنه. أقرع الجرس ، فإذ بالمكان دائرة تبدو قانونيّة. قامت امرأة من خلف طاولتها، أتت وسلّمت عليّ. كأنّني أعرف تلك المرأة! سألتني ما بي. قلت لها: انظري هذه الرسائل أتت إليّ من جوّال حبيبي. شخص ما يهدّدني، وأنا خائفة. ربما جوّاله مسروق.
أتت بخبير حلّل الكلمات . ثم ذهب. قالت لي: هي بصمة حبيبك. درسنا سلوكه . هو نرجسي. هل كنت تشعرين وأنت معه أنّك معزولة عن العالم؟
-كيف عرفت؟ كلما كنت أجلس معه. يأتيني البكاء.
-النرجسي إنسان أناني يجد سعادته في إيذاء الآخر، وهو حاقد دائماً
أنصحك أن تحترمي نفسك أكثر!
-لم أفهم.
-عندما تذهبين إلى منزلك. اعملي له جنازة وهمية، احرقي ثيابه وصوره. غادري المنزل، وعيشي في مكان آخر.
-لكنّني لا أملك المال. أعيش على باب الله.
-اصمتي أرجوك! لديك من المؤهلات ما يجعلك تستطيعين إدارة دولة. اخرجي بسرعة قبل أن أغضب.
-هل رأيتك قبل الآن؟
-نعم. أنا تلك المرأة التي مرّ زوجها على بطنها، وأتيت أنت لتسألين عن حالي . ابتسمت لك، ومضيت. لم يكن لديّ الوقت.
-الآن تذكرت. أصبتني أيها السّيدة في عمقي. أصابني الفرح. سوف أصبح مثلك.
أقيم الآن جنازة وهميّة للمرحوم، لكنّني مللت المستقبل. سوف أعود إلى زمني.
. . .
عندما أتت العاصفة. نزلت من الأعلى مع المطر الغزير، وجدت نفسي على طريق منزلي. أمسكت بيد تميم. هيّا إلى المنزل.
-ليس لدينا منزل يا أمّي.
-أين منزلنا؟
سجّل أبي المنزل لزوجته، وقد أخبرتني بأن أختفي من أمام ناظرها.
-وماذا قال أبوك؟
قال لي: اسمع كلام خالتك. هي تعرف مصلحتك. كنت سوف أذهب إلى بيت خالتي سمر. لكنّني وجدتك. بحثت عنك طويلاً.
-اسمع يا تميم. سوف تصبح رجلاً. سوف تكون رجلاً شهماً كما كلّ الرّجال الذين لا يفرّطون بعائلاتهم.
-طبعاً.
-سوف نذهب معاً إلى أرض بعيدة. نبني فيها خيمة لنا، نزرع القمح، وأصنع موقداً، أضع علماً على الخيمة. أكتب عليه دار عليا وتميم.
-ما أجمل ذلك!
-لم أكمل الحديث. نحتاج إلى موسم واحد. بعده سوف نعود إلى سمر. ندعوها مع عائلتي لزيارتنا.
نكون قد بنينا في الصّيف المقبل غرفة للضّيوف. نستضيفهم لعام كامل حيث كلّ شيء متوفّر في أرضنا.
-هل أنت جادّة يا أمّي، أم أنّني أحلم؟ كم هو جميل هذا العالم! اعتقدت أنّني سوف أكون مشرّداً بعد أن طردت من بيتنا. شكرا لك عليا . أمّي عليا.
|
التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي
.. فودكاست الميادين| مع الممثل والكاتب والمخرج اللبناني رودني ح
.. كسرة أدهم الشاعر بعد ما فقد أعز أصحابه?? #مليحة
.. أدهم الشاعر يودع زمايله الشهداء في حادث هجوم معبر السلوم الب
.. بعد إيقافه قرر يتفرغ للتمثيل كزبرة يدخل عالم التمثيل بفيلم
.. حديث السوشال | الفنانة -نجوى كرم- تثير الجدل برؤيتها المسيح