الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


العفيف الأخضر في هذيانه... حين تلوى النصوص وتُكسر أعناقُها

شكيب كاظم

2017 / 3 / 22
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات


تعاني الكثير من الدراسات التي تبحث قضايا مهمة و إشكالية ،مسألة ما أسميه ( لي النصوص وكسر أعناقها ) فهم من أجل البرهنة على ما يريدون قوله وإذاعته يقعون في هذه المعضلة المجافية لأبسط قواعد البحث العلمي الرصين ،ترى هل ينسون أو يتناسون ،فيأتون بالرأي ونقيضه ؟ ولقد رأيت ذلك فاشياً في الدراسات التي تبحث في الشأن الديني ،فمنذ سنوات (1969) صَدَّع المفكر السوري الكبير صادق جلال العظم رؤوسنا بكتبه النقدية التي أثارت ضجة واسعة ومنها كتاباه ( نقد الفكر الديني ) و ( نقد فكر المقاومة) يوم كان فكر المقاومة الفلسطينية وما زال وسيبقى أيقونة مقدسة ،ومن قبله كتب الشاعر العراقي معروف بن عبد الغني الرصافي ،يوم ارتحاله للإقامة في الفلوجة ،منتصف العقد الثلاثيني من القرن العشرين ،كتابه ( الشخصية المحمدية ) أو ( حل اللغز المقدس ) فهو في كتابه يحاول نقد لا بل تحطيم الفكرة الدينية ،حتى إذا كتب وصيته أعلن انه مسلم مؤمن بالله ورسوله ،ولكني أختلف – ( كما دون في وصيته- مع بعض المسلمين في أمور أراها قشوراً ويرونها لباباً ،ومن الكتب التي قرأتها في هذا الباب كتاب للباحث التونسي ( العفيف الأخضر) ابن أسرة فلاحية و المولود سنة 1934 في الشمال الشرقي التونسي ،و الدارس في جامعة الزيتونة ،و الذي ضربه المرض الخبيث فقضى عليه سنة 2013،عنوان الكتاب ( من محمد الأيمان إلى محمد التأريخ) قرأت طبعته الأولى التي أصدرتها ( دار الجمل ) سنة 2014 ،ودار الجمل مولعة بنشر المشاكس والمحرك للعقل الساكن الراضي بقدره ،ولقد رأيت العفيف الأخضر في كتابه هذا يحاول ليَّ النصوص وكسر أعناقها ،كي تتفق مع رغباته ،وما يهدف إليه من إدارة الحديث بشأنه ،فضلاً على كتاب آخر عنوانه ( نقد التفكير الديني ) للباحث العراقي المنقطع للبحث و القراءة و الكتابة السيد حسن الحسيني ،كما إنه يُحَمِّلُ النصوص أكثر مما تحتمل ،فضلاً على زرايته بالنحو العربي ،إذ كنت وأنا أقرأ ،قفزاً على الكثير من قواعد النحو ،كنت أعزو ذلك لخطأ في الطبع،وغفالة،وما تركنا العفيف الأخضر في تفسيراتنا هذه بل أبان الحقيقة واصفاً نحونا المسكين بـ(النخبوي العقيم ) وقديماً وصفوه بـ ( الذكوري ) المتأثر بالنحو السرياني! والدراسات الفلسفية ،ونظريات العامل و المسند والمسند إليه .

يقول العفيف الأخضر (( لم يوجد في مكة ،في حياة محمد ،شخص ثاني )) ولما كان حق ثاني ،أن تكتب ثان بحذف الياء للإضافة ،فان العفيف الأخضر يصفعنا ،كما صفعنا علي الوردي وهادي العلوي ،قائلاً بين معقوفتين ( ) ( للتذكير ،لا أضحي بالحروف الصوتية الضرورية من أجل نحو نخبوي عقيم ) ويوم زرت معرض بغداد للكتاب المقام على ارض معرض بغداد الدولي ،عصر الجمعة 28/من آذار /2014،عثرت على كتيبه ( إصلاح العربية ) معروضاً في أحد الأجنحة ،فناجيتُ نفسي وكأن لم يبق للعربية من يصلحها سوى العفيف الأخضر. هو الذي لا يعرف شيئاً عن ظاهرة لغوية شهيرة في لغة العرب ،وأعني بها ظاهرة الأضداد اللغوية ،أي ان الكلمة الواحدة ،تحمل معنيين مختلفين،مثل : المولى التي تعني السيد والعبد ،ومنه قولهم: مولاي رسول الله أنا مولاك . وتعني : سيدي رسول الله أنا عبدك . ومنها كلمة (التعزير ) وتأتي بمعنى التوقير و التحقير وقد وردت هذه اللفظة في القرآن الكريم بالمعنيين اللذين ذكرتهما وهكذا. يقول العفيف الأخضر : ( لإيجاد كلمات ،بدقة المصطلح الرياضي ،تعطي معناها بالضبط،من دون مترادفات ولا تورية ولامجاز ،بقصد الإفلات من اللغة السائدة ،حمالة الأوجه ،التي تسمح بتأويلات لا نهاية لها ،تحمل أحياناً المعنى ونصف المعنى وضد المعنى . وهو ما أسماه اللغويون أسماء الأضداد ،مثلاً العلوش في لسان العرب هو في الوقت نفسه اسم لخروف واسم لضده الذئب ) ص209.

يجهل ظاهرة الأضداد اللغوية

ومن يقرأ هذا النص يتأكد ان العفيف الأخضر ,لا يعرف شيئاً عن ظاهرة الأضداد اللغوية ولو كان يعرف شيئاً لجاء بالمشهور و المعروف كما ذكرت آنفاً ،ثم من قال إن الخروف ضد الذئب؟! كما لم نعرف المقصود من قوله لسان العرب،هل هو كلام العرب ،أم المعجم المعروف لأبن منظور ,أبي الفضل جمال الدين محمد بن مكرم الافريقي المصري المتوفى 711ه؟ ولكم أن تتصوروا أية لغة جافية قاسية صخرية الوقع هذه التي يقترحها لنا العفيف الأخضر ،الخالية من المترادفات و التورية و المجاز ،هل توجد لغة في العالم تخلو من هذه الجماليات ،إلا لغة الأسبرانتو التي اقترحها ذلك الرجل البولندي ،ومازالت حبيسة المجارير والمناضد ؟ هذه اللغة الكهفية ،التي يقترحها لنا الأخضر بدل لغتنا الأنيسة و المأنوسة ،ومع هذا يسمح لنفسه أن يقترح علينا إصلاح لغتنا في كتيبه البائس ( إصلاح العربية )!!

ومن دلائل ضحالة هذا الرجل ،إنه لم يقرأ أو يسمع بأشهر مقولة نقدية جاءت على لسان الناقد الفرنسي الشهير ( سانت بيف ) وهي ( الأسلوب هو الرجل ) ليقول في الصفحة الرابعة والستين من كتابه موضوع دراستنا ( … إن المعجزات هي برهان نبوة أنبياء الكتاب المقدس ،والقرآن نفسه يؤكد ذلك (…) لنبي الإسلام . بالرغم من أنه هو نفسُه نفى عن نفسِه في القرآن أية معجزة،باستثناء واحدة : متحدياً قريش بالإتيان بمثله . وهو طبعاً سؤال تعجيزي .لماذا ؟ لأن لا أحد يستطيع أن يكتب ديوان المتنبي ،أو المعري ،أبو تمام أو أبو نواس إلا هم أنفسهم,: فالاسلوب يجعل الأشياء الأكثر تفاهة فريدة ،كما يقول فولتير ،فعلاً فالأسلوب هو الإنسان,كما يقول المثل الفرنسي ). لن نقف عند ركة العبارة الزاخرة بـ ( طبعاً ) و ( فعلاً ) لكن العفيف الأخضر الذي أقترح علينا آنفاً لغة صخرية الوقع خالية من كل أنواع البلاغة ،ظهر لنا وهو الفرنسي الثقافة ،لايعرف شيئاً عن المقولة الفرنسية الشهيرة وللناقد الفرنسي الشهير ( سانت بيف) . عذرناه لأنه لم يسمع بظاهرة الأضداد اللغوية العربية ،كونه فرنسي الثقافة ،لكن أتضح لنا ان حتى ثقافته الفرنسية مطففة الكيل ضعيفة ،بدليل عدم معرفته بهذه المقولة .

الأخضر ودار الحرب!

ويظل العفيف الأخضر يفصح عن ثقافة محدودة بسيطة ،وهو يتصدى لهذا الأمر الخطير ،كما يحاول لَيَ الحقائق و النصوص – كما سبق وقلت – كي تتفق مع آرائه فهو يصف شكوى العديد من الكتاب الجزائريين من الكتابة بالفرنسية بأنها لاشعورياً ( محاولة للتكفير عن خطيئة الهجرة إلى فرنسة ،التي تمثل في الوعي الجمعي الإسلامي ( دار الحرب ) ،و حَمْلَ جنسيتها بما هي ،لا شعورياً على الأقل ،قطيعة مع الوطن الأم ،و الدين الأم واللغة الأم …شأن محمد ديب ،روائي فرنسي معروف من أصل جزائري ،الذي يشتم اللغة الفرنسية ،التي لا يكتب إلا بها لأنها ( قطعت لسانه ) فلم يعد قادراً على الحديث و الكتابة بلغة الأم ).

عجيب أمر هذا الأخضر ،من منا بقي يصف فرنسة بـ ( دار الحرب )؟! محمد ديب يعاتب فرنسة لأنها استعمرت بلده أكثر من قرن ووأدت لغته القومية ،وجعلته لايستطيع النطق بها والكتابة ،وما الضير في هذا العتاب ؟ هو الذي أمضى أكثر عمره في باريس ومات فيها وحصل منها على جائزة الكونكور في الرواية .

ولتأكيد كرهه لهذا النحو العربي الذكوري النخبوي يلغي جزم ( لم ) كاتباً ( لم يرى السيوطي مصلحة في إعادة رواية ابن عباس ) ص225 ،ويظل يستعمل نون النسوة بشكل اعتباطي ،وإذ يعيب على القرآن ما يسميه بـ ( لغته الفصامية ) مستعيناً بمصطلحات الطب النفسي ،في إهمال النحو أو تشويه الكلمات ،نسي أو تناسى أنه هو من أستخدم هذه اللغة الفصامية المهملة للنحو والمعطلة لقوانينه.

قلت هذا الرجل العفيف الأخضر كلف نفسه أكثر من طاقتها للخوض في هذا الأمر الشائك المستعصي ،وإذ لم يفهم الأضداد ولا القراءات القرآنية ،فانه لايعرف معنى ( نفي الصفات) فيهرف بما لا يعرف ليقول : ( بعد (10) قرون من قبر المحدثين والحنابلة ،لكلام ( نفي الصفات ) الاعتزالي ،يعود إليه اللاهوت العالمي المعاصر ،تأكيد (…) جميع صفات الله : من القدرة الكلية الجبروت ،التي جعلت من المسلم إلعوبة في يد الأقدار،إلى القضاء والقدر التعسفي ،الذي صادر من المسلم حقه في صنع حاضره وتحضير مستقبله ..) ص279.

الأخضر هذا لايعرف ان المقصود بـ(الصفات ) أو ( نفي الصفات ) نفي شبه الإنسان بالإله ،يده ،رجله ،مثلاً وهم الذين عرفوا بـ( المجسمة) مفسرين الآية ( يد الله فوق أيديهم ) تفسيراً تجسيمياً ظاهرياً ،وأحتج ناكروا الصفات ونفيها عن الذات الإلهية بقوله تعالى ( ليس كمثله شيء ) .

يصف النبي الكريم بـ ( النسّاء ) كثير النسيان ،إذ أراد الاستفادة من هذه الصفة،حتى إذا فرغ منها وصفه بالذكي الذي يحفظ النصوص ولاينسى ،ولا يأخذ زمان نزول الآية بالحسبان ،ودراسة علم أسباب النزول مهم في تفسير النص القرآني ،عاداً الأمر وكأن الآيات تأتي مترادفة من غير فواصل .

ويبلغ الأخضر منتهى هذيانه وهلوسته في مسألة الأخذ من اليونانية و الترجمة عنها في الآية الأربعين من سورة الأعراف ( … حتى يلج الجمل في سم الخياط ) ترى من أين لنبي الإسلام – كما يصفه المؤلف – معرفة باليونانية أو حتى الآرامية هو وكل أركان هيئته العلمية ،صحابته ؟ منطق متهافت مبني على الأوهام ،ورد فعل لا يقل سخفا ًوبلادة من أقوال المتعصبين قاطعي رؤوس الناس . وما هكذا يكون الرد ،الوهم بالوهم و السخف بالسخف .

وبعد : هل حللنا كل مشاكلنا وأدوائنا وتخلفنا ،كي نأتي إلى نقد هذا الموضوع الأهم ،في الحياة البشرية ،بل محاولة نقضه وتسفيهه ؟ هل أصبحنا مثل سويسرة أو السويد أو اليابان ،من يسر الحياة وبلهنية العيش ،فلم يبق أمامنا سوى طرح هذا الموضوع ،نقد الفكر الديني ،ومحاولة نقضه ؟ الم يراجع الأخضر نفسه مرةً ويحاورها : كيف ستغدو الحياة لو أزلنا منها كل عوالم الروح و الروحانيات ؟ لا شك أنها ستمسي كئيبة صخرية ثقيلة مثل لغته التي يقترحها لنا ,نافياً كل الصور البلاغية و المحسنات البديعية عنها؟!.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - اقرا هذا الكتاب
عربي ( 2017 / 3 / 23 - 17:55 )
وتعطينا رايك فيه مع الشكريا ريت ان تقرا كتاب تاريخ الاسلام المبكر وستجده في مكتبة الحوار المتمدن


2 - نقد الفكر و الموروث اول خطوة نحو الصواب
مولود مدي ( 2017 / 3 / 23 - 21:27 )
هل أصبحنا مثل سويسرة أو السويد أو اليابان ،من يسر الحياة وبلهنية العيش ،فلم يبق أمامنا سوى طرح هذا الموضوع ،نقد الفكر الديني ،ومحاولة نقضه ؟ انا لم أتوقع هذا السؤال من الكاتب .. كيف لكاتب يحاول استعراض عضلاته أمام كاتب أخر ثم يتجاهل او يجهل أن التخلف الفكري هو فاتحة التخلف في جميع المحالات ؟؟

اخر الافلام

.. تونس وإيطاليا توقعان 3 اتفاقيات للدعم المالي والتعليم والبحث


.. #إندونيسيا تطلق أعلى مستوى من الإنذار بسبب ثوران بركان -روان




.. الجزيرة ترصد آثار الدمار التي خلفها الاحتلال بعد انسحابه من


.. وسائل إعلام إسرائيلية تناقش صفقة التبادل والرد الإسرائيلي عل




.. شبكات تنشط في أوروبا كالأخطبوط تروّج للرواية الروسية