الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ياهودايزم [13]

وديع العبيدي

2017 / 3 / 22
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


وديع العبيدي
ياهودايزم [13]
هل أكمل قسطنطين ما فات يسوع؟!!..

"بعد هذا رأى يسوع ان كل شيء قد اكتمل، فقال: أنا عطشان!.
وكان هناك وعاء ملئ بالخل، فغمسوا فيه اسفنجة، وضعوها على زوفا، ورفعوها الى فمه.
فلما ذاق يسوع الخل، قال: قد اكمل!.. ثم نكّس رأسه، واسلم الروح."- (يوحنا 19: 28- 30).
ونعرف ان يوحنا مدون الانجيل الرابع، هو (التلميذ الذي كان يسوع يحبه)، الذي رافق المعلم بعد اعتقاله وحضر مرافعاته في بيت قيافا وحنانيا –رؤساء اليهود-، وكان حاضرا في مشهد الصلب.
"فلما شاهد يسوع أمه، والتلميذ الذي كان يحبّه واقفا بالقرب منها، قال لأمه: ايتها المرأة!، هذا ابنك!.
ثم قال للتلميذ: هذه أمك!. ومنذ ذلك الحين أخذها التلميذ الى بيته."- (يوحنا 19: 26- 27).
وبحسب التقليد الكنسي، بقيت السيدة مريم ام اليسوع عند يوحنا بن زبدي ابن الرعد.
فالسيد المسيح اكمل مهمته بالتمام قبل انتقاله. ولو كان وراءه أمر تأسيس جيش أو انشاء مملكة أو حتى انشاء ديانة جديدة، لما أعوزته الوسيلة ولا عسر عليه أمر. ولو كان ترك بقية من مشروع يكملها سواه لأوكل بها الى أحد تلاميذه المقربين، مثل يوحنا الشاب الذي طلب منه كفالة والدته.
يوحنا بقي مع التلاميذ وبقية الاتباع في فلسطين حتى حادث تدمير القدس وتقويض الهيكل عام (70م) وقرار اخلائها من السكان ومنع اليهود وغيرهم من العودة اليها ثانية. فتشتت التلاميذ، وتم نفي يوحنا بن زبدي الى جزيرة بطمة في بحر ايجه، حيث بقي هناك حتى وفاته. وفيها انجز كتابة انجيله وسفر الرؤيا ورسائله الرعوية، وكان خلالها اسقفا لكنائس اسيا الصغرى التي أسسها بولس الطرسوسي في رحلته الكرازية الاولى.

لقد اعتقد قسطنطين انه سيكون مثل بولس الطرسوسي الذي دعاه يسوع الجليلي بعد ارتفاعه ان يحمل البشارة للامم -(أع 9)، مكملا لدور الكرازة للامم. فيكون قسطنطين مكملا لدور يسوع السياسي. وبسبب من ذلك ستلحق بيسوع صفات رومانية جديدة مثل [ملك الملوك، وشمس الشموس ونور الانوار] وغيرها. وملك الملوك هو الامبراطور الذي تخضع لسلطته ممالك الارض. أما الشمس والنور فهي من صفات الاله (أبولو) ابن الاله الأكبر (زيوس).
ثمة نص كتابي يؤقلم دعوة بولس الطرسوسي ودوره الكرازي، ولكنه لا مرجعية كتابية/ انجيلية لما قام به قسطنطين، سواء بتحويل (عقيدة الطريق) الى ديانة، أو تعيينها (ديانة دولة)، وهو الاخر امر فات الكنيسة ومؤرخي المسيحية ولاهوتها تأشيره جيدا.
لقد اتبع ذلك القرار تنصيب قسطنطين نفسه – رأسا- للكنيسة، ورغبته في حضور اجتماعات المجالس المسكونية ورعايتها، وهو ما نجح رؤساء الكنائس يومذاك، في رفضه، لكونه يهدد سلطاتهم الكهنوتية، ويشكل بادرة خطرة، للتدخل في شئونهم، وتسييرهم حسب رغباته.
لم يتاخر قسطنطين في الحكم كثيرا، ولكن خلفاءه، تدخلوا في تعيين اساقفة روما والقسطنطينية وعزلهم، وساهموا في التدخل في امور الكنائس واللاهوت، وشكلوا هيئات استشارية برعاية الامبراطور لاصدار مرسوم امبراطوري كنسي في امور الخلافات اللاهوتية وتوحيد الكنائس والطوائف البلدانية.
لقد كان قرار تسييس التعاليم اليسوعية على يد قسطنطين وخلفائه، بداية المسيحية الرسمية وانفصالها عن ينابيعها النقية، لمسايرة اهواء الحكم وتقاليد العالم. وقد جوزت الكنائس لنفسها، تشكيل كنائس بلدانية ذات سلطات وهيراركيا بلدانية، وتعليم لا تختلط فيه تعاليم موسى بتعاليم يسوع الجليلي فحسب، وانما تضيف اليهما التقاليد والعادات الثقافية للبلد موطن الكنيسة.
فانشقت الكنيسة القبطية المصرية عن الكنيسة الاغريقية الارثوذكسية، كما اختلفت كنيسة روما عن الكنيسة الاغريقية/ القسطنطينية والقبطية/ الاسكندرية. وانشقت السريانية عن كنيسة اوروشالوم، ثم تفتت السريانية الى اشورية وكلدانية وارمنية، فضلا عن خلافات اخرى، ما زالت تترى وتزيد. والخلاف ليس اداريا هيكليا وانما يشمل التعليم واللاهوت ومختلف التفاصيل الداخلية.
في القرن الثالث والرابع، حيث اعتبار (المسيحية) ديانة رومانية امبراطورية، لم يكن أحد من التلاميذ الاوائل على قيد الحياة ولا تلاميذ التلاميذ، سيما وان الاعدامات والاضطهادات مسحتهم مسحا، ولم يتبق غير المتجددين الجدد من الامم او اليهود، ومنهم بعض اساتذة ومعلمي الفلسفة الاغريقية المتنصرين، تشكلت منهم قيادة المسيحية والكنائس في العصر الروماني والبيزنطي.
ولا يذكر التاريخ ان الاقباط او السريان باركوا قرار قسطنطين او ساندوه، وكانت العلاقات غير مناسبة بين الطرفين. ان بيزنطة المسيحية لم يباركها يسوع ولم يعترف بها، كما في كلمة ليوحنا ذهبي الفم، وكان انهيارها خرابا مفروضا، لمخالفتها التعليم.

مداخلة كتابية..
لا مملكة ليسوع في الارض..
"وعلم يسوع أنهم على وشك ان يختطفوه ليجعلوه ملكا، فعاد الى الجبل وحده!"- (يوحنا 6: 15)
"ان ملكوت الله في داخلكم"- (لوقا 17: 21)

ما هو المقصود بالمملكة؟.. ما معنى الدولة؟..
في الانجيل تتردد لفظتان متقاربتان هما: [ملكوت، مملكة] ولهما جذر لغوي واحد، مشتق من الثلاثي المجرد (م ل ك). ويستخدم البعض لفظة (ملكوت) للدلالة على ملك سماوي روحي، بينما تؤول (مملكة) دالة لدولة أرضية سياسية. وربما لعبت الترجمة دورها في المداخلة بين اللفظين والدالتين.
ولو كان يسوع قائدا دنيويا مثل الاسكندر أو موسى وداود، لصحت لفظة (مملكة) هنا.
أما أن (يسوع): (صورة الله الذي لا يرى)- (كو 1: 15) و(الله الظاهر في الجسد)- (1تي 3: 16 ) و (ضياء مجد الله وصورة جوهره)-(عب 1: 3)، فأن المفردة المناسبة هي (ملكوت). لتكون العبارة (ملكوتي ليس من هذا العالم).
"ليست مملكتي من هذا العالم، ولو كانت مملكتي من هذا العالم، لكان حراسي يجاهدون لكي لا أسلّم- (يو 18: 36). ان أحدا في مثل تلك الورطة، لن تنقصه الحيلة والوسيلة للتخلص من وشاية أعدائه، والهروب خارج اليهودية في أقل تقدير.
أليس يسوع الناصري قد جاء بنفسه من مقاطعة الجليل إلى أورشليم لمواجهة الصليب.
فما معنى أن يضحي شخص بنفسه ويسلم نفسه للموت، وهو في مقتبل الثلاثين؟..
أليس غرض كل مخلوق التعلق بالحياة وتملق سلاطين الأرض والمال؟..
فلماذا يكون يسوع الناصري، استثناء من أبناء الأرض؟..
وإذا كان يسوع يهدف لغرض دنيوي أو مجد بشري ينافس به قادة اليهود، وقادة الحكم الروماني، فما يعوقه عن ذلك؟.. هل تعوزه الفطنة، أم الحيلة، أم الجيوش؟..

كان ليوحنا المعمدان أتباع أقوياء، وكان ثمة جماعة الغيورون (الغيوريون)/(Zealots) الذين لا يمشون بغير سلاح، وكان دم سمعان الحشموني (67 ق. م.) ما يزال طريا في الذاكرة الشعبية. وكل أولئك، بما فيهم قادة السنهدريم، كانوا ينتظرون القائد العسكري الذي يبني المملكة، ويخلصهم من حكم الرومان. فلِم لَم يستغل يسوع الناصري تلك الفرص والامكانات التي تنتظره، لتحقيق أغراضه الشخصية وأحلام شعبه سوية؟..
ان الذين لعبوا تلك الأدوار عبر التاريخ، كانوا أقل من يسوع في كل شيء، ولكنهم نجحوا في انشاء جيوش وقيادة معارك وانشاء دول وممالك، وتمتعوا بسلطان وجاه دنيوي. أولئك، لم تكن لهم مقدرة على احياء الموتى، ولا شفاء المرضى، ولا علاج الأكمة والمفلوج، ولا السيطرة على واحدة من شهوات الجسد، ولكنهم صاروا ملوكا وتبعهم كثيرون، فلم قصر يسوع عن بلوغ ما بلغوا؟..
"مملكتي ليست من هذا العالم"! تلخص الاشكالية التاريخية واللاهوتية في فهم يسوع من قبل معاصريه ومناوئيه. لوكان يسوع من هذا العالم – على شاكلة الناس-، ومملكته من هذا العالم – حكم أرضي-، لما عارضه اليهود في حينه، وقاومه مقلدو اليهود حتى اليوم،
"يظن الذي يقتلكم أنه يقدم خدمة لله"!- (يو 16: 2)، وهذه هي المشكلة، هؤلاء هم مركز المشكلة: خدام الله، وخدمة الله، والتنابلة!.. ففي غرة العقل، يحسب الذين يعبدون الله، ان الله عاجز عن خدمة نفسه، وبلوغ خطته، إلا بمعونتهم وفضلهم عليه.
فالذي خلق الكون والأجرام وقوى الجاذبية والرياح ونفس الانسان التي ما هي سوى نفخة، يكون عاجزا أمام عضلات جسد بشري مخلوق، لا يصبر على طعام او شراب أو رغبة! أو ألم سن!..
في غفلة من الزمن، يعجز الله عن استخدام القوات السماوية وجيوش الملائكة وكل قوى الطبيعة، ليكل بالمهمة لفرق من الشذاذ وناقصي الأهلية الاجتماعية والانسانية!..

ان رسالة الحضارة والمدنية وتطور المعارف والعلوم، هي ايقاظ العقل وتفتيح الأمخاخ للتمييز بين الخير والشر، الحسن والقبيح، البر والعهر، السماوي والأرضي، الله والشيطان، (تعرفون الحق والحق يحرركم!)- (يو 8: 32)/ (فتشوا الكتب، فأنها تشهد لي)- (يو 5: 39)!. .
لكن التمييز يحتاج إلى معيار، وقد اختار البشر معيار المال، وسعر البورصة، للتمييز بين الخير والشر، والله والشيطان، ما ينفعهم وما يضرهم!.. .
وكل ما يدر المال فهو يشبع حاجاتهم الجسدية، ويملأ فراغات أنفسهم وأنواتهم. الله بالنسبة لكثرة عباد الديانات اليوم، هو الغني الكريم، القوي الشافي- صاحب مؤسسات خيرية لاشباع حاجات الناس وأطماعهم مجانا وبأسهل وأسرع الطرق.
هذا ما تقدمه العيادات الدينية وحذلقات ببغاوات الدين وأيديهم المفتوحة لتسلم التبرعات والعطايا وصكوك الخمس والعشر والزكاة والصدقة، ولو كانت من غنائم الرشاء والسرقات والجرائم. لصوص يتشاركون مع لصوص، وعميان يقودون عميان.
الفكر السياسي القديم اعتبر الملك الأرضي خلافة ووكالة للملك السماوي.
لكن الحكم الأرضي، وإن لم يكن متشابها ومتقاربا بين الشعوب والثقافات، توزع بين قاصرين وخائنين للأمانة السماوية.
الانسان وكيل السماء في الاشراف والعناية بالبيئة الطبيعية. ولكن هذا اختار أن يكون سارقا وقاتلا على ملة قايين، يفسد ويسفك الدماء.
وجعل الملوك والحكام وكلاء للسماء في إدارة البشر وتنظيم أمور الحياة بينهم، فاختلفت الرياسات من واحد لآخر، حتى كان الاستبداد أمرهم. وتلك هي شكوى عبد الرحمن الكواكبي [1855- 1902م] في رسالته (أهوال الاستبداد) التي ما زالت ترهب سلاطين العرب وترعد فرائصهم، وستبقى كذلك، طالما استأثروا ديانة المال وسياسة الشر.

أين مكان العلم والفضيلة الاخلاقية بين ذلك؟..
الضمير والأخلاق والقيم والله الحق نفسه يبقى في إجازة، طالما الانسان مجتهد (بالفهلوة)، ليس على الناس، وانما على رب العالمين، وباسمه أيضا. اليس طريفا أن السارق والقاتل وهو يبدأ عمله الاجرامي يدعو باسم الله!.. ابليس وحده يجعل الله الحق شريكا له في مكره.
ما اشبه هذه الدوامة الاشكالية، بدوامة سيد قطب [1906- 1966م] وهو يتحدث عن (الحاكمية الالهية) مستخدما كل ما بحوزته من فذلكات اللغة، وينسى – ويجعل قارئه ينسى معه- انه يفسر الماء بالماء. ويدعو لتكفير الحكومات الأرضية، لأن قادتها (بشر)، فمن يتولى أمور (الحاكمية الالهية) سوى (بشر) ملتحين. فالنتيجة ان (البشر) هم هم، في كل الحكومات الأرضية، دينية، سياسية، اقتصادية، مآفيات تهريب وتجار رقيق، وكل هؤلاء هدفهم المال، وأداتهم العنف والسرقة.
المال والله لا يجتمعان/ (متى 6: 24). و(رأس المال) من تأليف ماركس [1818- 1883م]، وليس وحيا سماويا، وماركس هو أبو المادية التاريخية. لكن ماركس أخلاقي أيضا، شأن معظم الفلاسفة والاقتصاديين؛ وهذا أمر لا يفهمه ببغاوات الدين.
أما العنف، الذي تحذق به بعض الديانات، وتنافس فيه جنكيز خان وأحفاد هولاكو، فليس الله في لزومه. لأنه بنفخة يمكنه تغيير مسارات العالم. بنفخة من نفخات الهاريكان يمكنه أن يجعل أمريكا أثرا بعد عين. وبنفخة تسونامي يمسح جنوبي غربي أسيا بقضها وقضيضها. أم حسبوا الله عاجزا عن مد سلطانه في وقته.

الله ليست ليست له ممالك أرضية، وممالك الآرض ليست الهية.
الحكم اساسه الجور، والسياسة أساسها الكذب!.
فلم المراوغة إذن!..
ــــــــــــــــــــــ
* انظر: وديع العبيدي- في رثاء يسوع (2: 6)- موقع جماليا الالكتروني للثقافة والفنون- صفحة الكاتب.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. إيهود باراك: إرسال نتنياهو فريق تفاوض لمجرد الاستماع سيفشل ص


.. التهديد بالنووي.. إيران تلوح بمراجعة فتوى خامنئي وإسرائيل تح




.. مباشر من المسجد النبوى.. اللهم حقق امانينا في هذه الساعة


.. عادل نعمان:الأسئلة الدينية بالعصر الحالي محرجة وثاقبة ويجب ا




.. كل يوم - الكاتب عادل نعمان: مش عاوزين إجابة تليفزيونية على س