الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الايمان بين الوجدان والعقل .. هل يتناقض الايمان مع العقل؟

الأسعد بنرحومة

2017 / 3 / 22
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


يحيا الانسان مع غيره في الكون , لكنّه كائن متفرّد ومتميّز عن هذا الغير , , فهو والحيوان ليسا شيءا واحدا ,بل يتميز عليه بالعقل رغم اشتراكه معه في الغرائز والحاجات العضوية.فالحيوان ليس في دماغه القدرة على الربط وبالتالي فهو لا يفكر ,وهو يندفع لاشباع الطاقة الحيوية التي فيه والتي تتطلب الاشباع عن طريق التمييز الغريزي الذي يتكون من الاحساس بالشيء وتكرار ذلك الاحساس واسترجاعه,وهو بخلاف عملية الربط التي تميز بها الانسان.فالحيوان عنده عملية الاحساس واسترجاع الاحساس وهي لا تكون الا فيما يتعلق بالغرائز والحاجات العضوية ,في حين أن عملية الربط تكون في الدماغ عند ربط انتقال حس الواقع الى الدماغ والمعلومات السابقة ,وهي تكون في كل شيء سواء فيما يتعلق بالغرائز والحاجات العضوية أو فيما يتعلق بالحكم على الأشياء.وهنا يحصل الشبه عند الكثير من المفكرين والفلاسفة وهو عدم التفريق بين عملية الاسترجاع وبين عملية الربط :فعملية الاسترجاع تكون عند الحيوان وهي لا تكون الا فيما يتعلق بالغرائز والحاجات العضوية وهي التي تسمى التمييز الغريزي. ولكن عملية الربط تكون عند الانسان وتحصل في كل شيء سواء فيما يتعلق بالغرائز والحاجات العضوية أو فيما يتعلق بالحكم على الأشياء.لذلك فان الادراك الغريزي أو الادراك الشعوري أو التصديق الوجداني ليس عملية فكرية يقوم بها الدماغ أي لا تقوم على الربط بين المعلومات والواقع ولكنها فقط نتيجة الاحساس واسترجاع الاحساس فيما يتعلق بالغرائز والحاجات العضوية.فكون الانسان يعرف من عوم الخشبة أنه يمكن أن يجعل من الخشبة سفينة هي مثل كون القرد يعرف أن اسقاط الموزة من قطف موز معلق يمكن أن يحصل من ضرب الموز المعلق بعصا أو بأي شيء آخر,فكله متعلق بالغرائز والحاجات العضوية. وحصوله حتى لو ربط وجعل معلومات هو عملية استرجاع وليس عملية ربط ,ولذلك لا يكون عملية عقلية ولا يدل على أن هناك عقلا أوفكرا. والغريزة هي الميل الطبيعي , والوجدان هو المشاعر التي يجدها الانسان عنده نتيجة وجود الغرائز والحاجات العضوية : أي هي المشاعر المتولدة عن الطاقة الحيوية التي تتطلب الاشباع. فميل الرجل للأنثى هو ميل طبيعي ولكن ميل الرجل للحيوان هو ميل شاذ وليس طبيعي .فالميل بشهوة من انسان للحيوان ومن ذكر لذكر ليس طبيعيا بل هو انحراف بالغريزة لأن الغريزة هي غريزة النوع وليس غريزة الجنس.لذلك فان استجابة الانسان لمشاعره أو لوجدانه ليس مأمون العاقبة وهو عرضة للخطأ والضلال والانحراف لأن الوجدان قد يوجد في ذهن الانسان تخيلات يتوهمها حقيقة , ولكنها تخيلات لا تؤدي للاشباع الصحيح الدائم المحقق للطمئنينة.فكان لا بد من تدخل العقل ليقيم البرهان على صحة ما صدقه الوجدان. وبما أن العقل هو انتقال حس الواقع المادي الى الدماغ مع وجود معلومات سابقة لتفسير ذلك الواقع, فان البحث فيما يصح أن يجري فيه التفكير وما لا يصح أن يجري فيه يقضي بداهة أن التفكير انما يجري فيما هو واقع أوله واقع, ولا يصح أن يجري في غير الواقع المحسوس.فاذا لم يكن هناك واقع محسوس فان العملية الفكرية لا يمكن أن تحصل.فعقيدة الثالوث في النصرانية مثلا والتي تقول بأن كل من الآب والابن والروح القدس هو الله وأن الآب ليس هو الابن والابن ليس هو الروح القدس والروح القدس ليس هو الآب فكل واحد مستقل في جوهره عن الآخر ولكنهم جميعا واحد ,ويستدلون على ذلك بأن النار تتكون من اللهب والنور والحرارة وكلها تكون واحدا وهو الله : كلام مثل هذا لا يعتبر فكرا وهو ليس مما يصح أن يجري فيه التفكير لأنه كلام لا يقع عليه الحس ولا على أثره ولا هو موصولا بالحس فليس له واقع . وأما استدلالهم بالنار فهذا ليس دليلا على أن عقيدتهم هذه هي تفكير بواقع يقع عليه الحس لأنهم قاسوا الخالق على المخلوق فجعلوا المحدود واللامحدود شيءا واحدا لا فرق بينهما وهذا يجعل اللامحدود محدود والخالق مخلوق وهو غير صحيح.وكان ما يعتقد فيه النصارى هو وهم وخيال لا وجود له.وعليه:فالعملية الفكرية أو العملية العقلية أي التفكير لا يمكن أن يكون الا بواقع يقع عليه الحس . الا أن هناك أمور أو أشياء لها واقع ولكن هذا الواقع لا يمكن أن يحسه الانسان ولا يمكن نقله بالحس , ولكن أثره يقع عليه الحس وينقل الى الدماغ بواسطة الحواس ,فان هذا النوع من الأمور يمكن أن تجري فيه العملية العقلية ولكنه تفكير بوجوده وليس بكنهه لأن الذي نقل الى الدماغ بواسطة الحس هو أثره,وأثره انما يدل على وجوده فقط ولا يدل على كنهه.وهذا النوع من التفكير فيما لا يقع عليه الحس انما هو خاص فيما يقع الحس على أثره لأن أثر الشيء هو جزء من وجوده .أما ما عدى ذلك فلا يمكن أن يجري فيه التفكير ولذلك لا يكون فكرا.فالله سبحانه وتعالى لا يقع الحس على كنهه لأنه غير مدرك كنهه ولا يستطيع العقل التفكير فيه فادراك ذات الله مستحيل لقصور العقل عن هذا الادراك وهذا القصور نفسه هو من مقويات الايمان وليس من عوامل الارتياب والشك .ولكن حس الانسان وقع على أثر الخالق وهو مادة الكون والحياة والانسان , وادراكنا للناحية المادية في هذه الأشياء كونها عاجزة وناقصة ومحتاجة فهي محدودة , والمحدود لا يكون الا مخلوقا , هذا الادراك هو الذي قادنا لادراك الناحية الروحية في هذه الأشياء كونها مخلوقة لخالق وهو الله تعالى , مع أن كنهه غير مدرك عقلا.وبما أن التفكير يجري فيما هو واقع سواء أدرك العقل كنهه أو أثره فان وجود الله سبحانه وتعالى ليس غيبا"وهو موضوع الايمان" بل هو حقيقة حاضرة في حياتنا , ملموس وجودها لأن العقل أدرك وجوده من ادراك أثره وادراك أثره جزء من ادراك وجوده. وحتى صفات الأولوهية كالعلم والارادة والأزلية وكونه واجب الوجود فهي مدركة عقلا وهي مما يقع عليها الحس لأنها صفات لازمة للخالق بوصفه خالقا والا لما كان خالقا وكان مخلوقا فهي ليست من المغيبات.وكذلك بالنسبة للايمان بالقرآن كونه من الله تعالى وليس من غيره ,فالعقل أدرك هذا القرآن وحقيقته ,وأدرك الاعجاز الذي فيه وهذا الاعجاز مدرك في كل عصر .فأدرك بأنه ليس من الانسان بادراك اختلافه في أسلوبه عن كلام العرب من نثر وشعر والذي لا يمكن أن يكون من العرب أو من محمد وبالتالي من باب أولى أن لا يكون من عند غيرهما .والاعجاز حقيقة ظاهرة وليست غائبة وهي مدركة لجميع البشر وفي كل عصر,وهي تتجلى في جميع آياته وسوره وفي كل تراكيبه وبنائه اللغوي من سجع وازدواج و نحو وصرف وبلاغة وصور تركيبية عجزت العرب على الاتيان بمثله ومازالت تعجز عن ذلك وستبقى عاجزة حتى يرث الله الأرض ومن عليها. والاعجاز هنا ليس المراد منه ذلك الاخبار عن أشياء أكتشفها العلم بعد مدة ,لأن العرب لم تدع يوما تفوقها في العلوم ولكن كانت مبدعة في اللغة وما تبعها ظهر جليا في أدبها وخاصة الشعر العربي..وكون محمد ابن عبد الله العربي القريشي رسول من الله تعالى هو كذلك حقيقة ظاهرة متمثلة أمامنا ,فبما أن القرآن لا يكون الا من الله تعالى وهذا القرآن جاء به محمد وليس غيره فهو دليل على أن محمد رسول من الله تعالى ,وهذا مدرك عقلا وهو مما يقع عليه الحس .أما المغيبات عن الحس والتي هي ما وراء العقل فلا يمكن ادراكها كالملائكة والجنة والنار والحساب واليوم الآخر والشياطين وغيرها ,فانه ينظر فيها ,فان نقلت أو رويت عن المقطوع بصدق قوله وكان قد ثبت وجوده بالدليل القاطع فانها حينئذ تعتبر فكرا ,ويكون اشتغال الدماغ بها عملية عقلية أي تكون تفكيرا وذلك أن قطعية وجود الناقل أو الراوي ثبتت عن طريق الحس وعن طريق الفكري القطعي ,وكذلك صدق قولجدان فكانت الطمئنينة الدائمة وكان انعقاد القلب على العقل.يقول الله تعالى"يا أيها الذين آمنوا آمنوا بالله ورسوله والكتاب الذي نزل على رسوله والكتاب الذي أنزل من قبل ,ومن يكفر بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر فقد ضل ضلالا بعيدا".ويقول الله مخاطبا العقل الذي يفكر به الانسان ليكون هو البرهان والدليل على ايمانه:"أئله مع الله قل هاتوا برهانكم ان كنتم صادقين""ومن يدع مع الله الها آخر لا برهان له به فانما حسابه عند ربه""أم اتخذوا من دونه آلهة قل هاتوا برهانكم"كما شدد الله سبحانه وتعالى على ذم أخذ الظن في العقيدة وكذلك ذم التقليد فقال"إِنْ هِيَ إِلَّا أَسْمَاءٌ سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ ۚ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَمَا تَهْوَى الْأَنْفُسُ ۖ وَلَقَدْ جَاءَهُمْ مِنْ رَبِّهِمُ الْهُدَىٰ""وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلا اتِّبَاعَ الظَّنِّ""وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ .فالعقيدة الاسلامية ثابتة عن طريق العقل ,وهي ليست غيبا محضا أو غيبا مفصولا عن الحس فلا يمكن ادراكها أو التفكير فيها ,فكان الايمان بالله تعالى آتيا عن طريق العقل وكان بذلك هو الركيزة التي يقوم عليها الايمان بالمغيبات كلها ,وبكل ما أخبرنا به الله ,لأننا مادمنا قد آمنا به تعالى وهو متصف بصفات الألوهية يجب حتما أن نؤمن بكل ما أخبر به سواء أدركه العقل أو كان مما هو من وره ثبت عن طريق الحس وعن طريق الفكر القطعي ولذلك يعتبر هذا الايمان بالمغيبات في الأصل صادرا عن محسوس هو أو محسوس أثره ,وفوق ذلك فقد ثبت وجود المصدر وثبت صدقه بالفكر القاطع فهو ليس غيبا محضا ,بل هو موصول بالحس ,ومن أجل ذلك يعتبر تفكيرا أو فكرا ,ويعتبر اشتغال الدماغ به تفكيرا."ومن هنا فان جميع ما ورد من مغيبات عند المسلمين سواء ورد في أحاديث الآحاد المقبولة للاستدلال أو ورد في القرآن الكريم فانه يعتبر فكرا ويكون اشتغال الدماغ به تفكيرا" التفكير ص68 .لذلك فالعقيدة الاسلامية بجميع أركانها سواء ما كان من المغيبات أو لم يكن كذلك هي حاضرة حضورا حقيقيا ملموسا في حياتنا الدنيا ,لأنها جميعها اما يقع الحس عليها "على كنهها أو أثرها"أو هي موصولة بالحس وليست غيبا محضا.فنحن نؤمن بالله تعالى كما نؤمن بالملائكة والجنة والنار وكما نؤمن بنبوة محمد صلى الله عليه وسلم وبالحساب واليوم الآخر .وهذا الايمان ليس ايمان العاجزين ولا ايمان اليائسين ولا هو ايمان الوجدان وحده .بل هو ايمان جاء عن طريق العقل وصدقه الواء العقل لأنه موصول بالحس .فكان وجوب الايمان بالبعث والنشور والجنة والنار والحساب والعذاب ,وبالملائكة والجن والشياطين وغير ذلك مما جاء بالقرآن الكريم أو بحديث قطعي .وهذا الايمان وان كان عن طريق النقل والسمع لكنه في الأصل ايمان عقلي لأن أصله ثبت بالعقل.فعقيدة المسلم مستندة الى العقل أو الى ما ثبت أصله عن طريق العقل ,وعلى ذلك كانت العقيدة الاسلامية عقيدة حاضرة في حياتنا الدنيا حضورا حقيقيا معلوما مدركا ,نقرأ آيات الجنة ونعيمها فنشتاق اليها ونرغب بنعيمها ,ونبذل حياتنا في سبيل الوصول اليها , كما نقرأ آيات النار ولفيحها والعذاب وشدته فتدمع أعيننا خوفا من عذاب الله تعالى ونبذل الغالي والنفيس من أجل الابتعاد عن نار جهنم والفوز بالجنة , كل ذلك لأن ايماننا بالجنة والنار بالنعيم والعذاب هو ايمان بوجود واقع حقيقي موصول بحسنا وليس مقطوعا عنه فهو ليس غيبا محضا كما يتصور البعض.والمسلم كما آمن بالله تعالى يؤمن بحقيقة الوعد الذي وعد الله به عباده المؤمنين الصادقين ,كما يؤمن بحقيقة الوعيد الذي أعده الله للكافرين الجاحدين من عباده,فيرغب المؤمن بالجنة ونعيمها لأنها حقيقة فهي فكر يتعلق بواقع موصول بالحس.ويخاف من نار جهنم فيرغب عنها لأنها أيضا حقيقة مادامت موصولة بالحس .ولولم يكن الايمان على هذا النحو لما وجد رغبة في جنة ولا خوف من عذاب .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مئات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى وسلطات الاحتلال تغلق ا


.. المقاومة الإسلامية في لبنان تكثف من عملياتهاعلى جبهة الإسناد




.. يديعوت أحرونوت: أميركا قد تتراجع عن فرض عقوبات ضد -نتساح يهو


.. الأرجنتين تلاحق وزيرا إيرانيا بتهمة تفجير مركز يهودي




.. وفاة زعيم الإخوان في اليمن.. إرث من الجدل والدجل