الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


هل كان للكرد أدباء وفلاسفة قبل الإسلام- الجزء الحادي عشر

محمود عباس

2017 / 3 / 24
القضية الكردية


ستظل قائمة، جدلية وجود مكتبة الإسكندرية، ومكتبة كيتسفون(المدائن) وغيرها من مدراس الحضارة الساسانية، والتي خرجت على الأقل أولئك الكتاب والفلاسفة الكرد الذين نسخوا ثلاثون كتابا، تحدث عنهم أبن الوحشية في كتابه( الشوق المستهام في معرفة رموز الأقلام) المدعومون على الأغلب من قبل ملوك الكرد، الذين يذكرهم دون الأسماء في كتابه السالف، الباب السابع كما ورد في الصورة المرفقة " في ذكر أقلام الملوك التي تقدمت من ملوك السريان والهرامسه والفراعنة والكنعانيين والكلدانيين والنبط والاكرَاد والكسُدانين والفرس والقبط" والغريب في إشكالية التاريخ، غياب ليس فقط الشريحة الثقافية بل حتى أسماء ملوك الكرد الذين طمسوا تحت صفة الساسانيين، ليفرزوا لاحقا كملوك الفرس، علما لو كانوا أكثر أهمية في ذلك العصر لذكرهم أبن الوحشية في المقدمة، كما هي الدارجة في تاريخي العرب المسلمين والفرس، حيث احتماليات الفبركة أو التفضيل لغايات سياسية قومية، وعلى الأغلب حدثت هذه في مراحل يقظة اللغة الفارسية التي بدأت من القرن الرابع الهجري إلى مرحلة الاستقلال التام عن اللغة العربية الإسلامية في القرن السابع الهجري.
ففي دراسة المؤرخ شاكر مصطفى، للمدرسة الفارسية في الجزء الأول من كتابه (التاريخ العربي والمؤرخون) الصفحة (140) يذكر اسم أحد أهم ممثلي هذه المدرسة، ويقول " وممثلو هذه المدرسة كثيرون. كانوا جمهرة واسعة ومن أقدمهم وأهمهم: أبو سليمان يونس الكاتب بن سليمان بن كرد بن شهريار –المتوفي بعد سنة 132هـ/750م" ولا شك لولا ورود اسم (كرد) في نسبه والذي عاش في فترة ملوك ساسان وعلى الديانة الزرادشتية، لفرز حفيده مع الصفة الفارسية كما شاعت بين المؤرخين لاحقاً، وهو من أحد اهم مصادر الأصبهاني في كتاب الأغاني، وله كتب عديدة مفقودة، وأمثال يونس كثيرون.
وفي الواقع لا يمكن الفصل التام بين الكرد والفرس وخاصة في الفترة الساسانية الأخيرة، وحيث لغة آفيستا كانت هي اللغة السائدة في الكتابة، والمؤدية إلى أن يحافظ الكرد والفرس معا على ماهيتهم القومية- الشعوبية وعلى لغتهم رغم تمسكهم بلغة القرآن العربي، ورغم تشعب التكيات الدينية وظهور المذاهب الصوفية بينهم، فلم تمت فيهم الثقافة القومية، وبرزوا فيما بعد وخاصة في نهاية القرن الثالث الهجري في طرق صوفية تلاءمت ودياناتهم المانوية أو الزرادشتية والمزدكية وغيرها، وبعضهم ظل يحمل من أسلافه ثقافات حضارية أدبية، وفلكية، وشعر، وكتابة التاريخ، والفن أمثال (زرياب الكردي 777م- 852م) الذي اشتهر في شتى مجالات الفنون الموسيقية والثقافية والاجتماعية، وهو من أسس أول مدرسة منهجية لنشر وتعليم الثقافة الموسيقية، وغيرهم، ومن بداية القرن الرابع الهجري تنامت الكتابة عند علماء الكرد وحتى عند فقهاءهم بلغتهم الأصلية، رغم طغيان الصبغة العربية والدينية عليها.
لا شك سيستمر البحث عن محتويات المكاتب والمدارس التي احتضنت يوما ما أسماء وآثار الأدباء وفلاسفة الحضارة الساسانية الكردية-الفارسية التي امتدت على جغرافية متشعبة الأطراف، على الأقل تلك الكنوز الفكرية التي ربما لم تطالها الحرق المتعمد أو التدمير المرافق مع العمران أو الإهمال من قبل غزاة القبائل العربية الجاهلية. ولن تحسم (إشكالية التاريخ) هذه، وستستمر عقيمة من حيث النقاشات السفسطائية، تعكس غياب الحكمة، والاستقراء المنطقي، ولن تتحرر من الانحياز الديني أو تسيس الإسلام، عند المؤرخين العروبيين المعاصرين، المسلمين منهم خاصة قبل الذين يثبتون حدوثها.
ومن أحد اهم المصاعب، هي أن العديد من الأدباء والفلاسفة والعلماء عندما أسلموا أو فرض عليهم الإسلام، غيروا أسمائهم، وحملوا أبنائهم أسماء عربية، وتخلى الأغلبية عن ماضيهم أو ماضي أجدادهم، علماً أن أغلبية المؤرخين العرب المسلمين كانوا من الموالي، على الأقل في القرنين الأولين من ظهور الإسلام، ويقول في هذا المؤرخ شاكر مصطفى في كتابه (التاريخ العربي والمؤرخون) الصفحة(87) " ويمكن أن نضيف هنا أن عدداً كبيرا من الأقلام التي كتبت الأبحاث التاريخية- حتى في فيما بعد الفترة الأولى- كانت من الموالي، وهؤلاء وان كانوا مسلمين إلا أنهم ليسوا من العرب...ومن أبرز هؤلاء الموالي: الأولين...شرحبيل بن سعد، وابن إسحاق، وأبو معشر السندي، ثم في التالين الواقدي وأبو عبيدة وأبو مخنف وعوانة بن الحكم والمدائني وذلك قبل أن يظهر منهم كابن قتيبة الدينوري والبلاذري وابن طيفور وأبي حنيفة الدينوري واليعقوبي والطبري “ وهؤلاء لم يكنوا للأدباء والفلاسفة وعلماء ما قبل الإسلام مكانة ولا لكتبهم قيمة مقابل النص الإلهي وسيرة الرسول والصحابة، وفقهاء المسلمين، فطمسوا مع السلطات العربية الإسلامية على مدى اكثر من ثلاثة قرون، كل ما له صلة بما قبل الإسلام من علم وفكر.
وفي هذه الفترة طغى فقط أسماء الرواة والمحدثين والفقهاء، علماً أن معظم الفقهاء أصبحوا من الموالي بعد مرور أقل من قرن من وفاة الرسول، وفي التاريخ العربي الإسلامي يمكن معرفتهم فقط تحت صفة الموالي، ونادرا ما تم معرفة أصولهم أو الشعوب التي انتموا إليها، فقط فرزوا كموالي للأشخاص أو للقبائل العربية، فعلى سبيل المثال يورد محمد بن سعد(168هـ-230هـ)وهو من أحد موالي آل عباس في كتابه (كتاب الطبقات الكبير) الجزء الثامن، الصفحة(518) تحت رقم 3556 اسم الحسن بن ثابت، "من بني تغلب من أنفسهم، وكان يعرف بابن الرُوزكار...وكان معروفا بالحديث" والروزكار اسم كردي منتشر ومعروف حتى اليوم. ويكثر أمثال ابن الروزكار في كتاب طبقات بن سعد، خاصة في نهايات الجزء الثامن والجزء التاسع. ولأسباب دينية، حصر المؤرخون المسلمون العرب والموالي، وعلى مدى القرنين الأولين بعد انتشار العرب في الأمصار، التاريخ في سيرة الرسول، والأشخاص الذين عاصروه والخلفاء، وتلتها رواية الحديث وتاريخ الغزوات، وخارج هذا الحيز لم يكن وجود للتاريخ وإن وجد مثل الأنساب وعن الشعر العربي فلم تكن بذات أهمية، فأما النحويين والفقهاء فاعتبروا غير اللغة العربية لا حاجة للمسلمين بها، استغنت عنها لغة النص الإلهي، والفقه أصبح قمة العلوم، خاصة بعد الصراع المتفاقم بين الجبريين والقدريين، وعليه تم إزالة أو ضياع تاريخ عريق للحضارات التي احتلتها القبائل العربية الجاهلية، إلى أن برز علم الكلام وبدأت حركة ترجمة كتب فلاسفة الإغريق.
في حالة دفاع المؤرخين المسلمين المعاصرين، ودحض احتمالية وقوع أحداث المكاتب المذكورة ومنها كيتسفون والإسكندرية وكندي شابور، والطعن فيها، يتوجب التمييز بين ما خلفه الغزاة باسمها وتحت غطائها، عند نفي التاريخ، والحوادث، والبشائع التي حصلت، ومحاولة عزلها عن ماهية الدين، ومفاهيمه، استناداً على قول الإمام علي بن أبي طالب " الحق لا يعرف بالرجال، وإنما يعرف الرجال بالحق". أو لنقل في عدم الانتباه أو الحيطة من عدم السقوط في مستنقع الخلط بين الإسلام كرسالة، أو إيديولوجية (لسنا في بحورها الأن) والشخصيات التي تبوأت قيادته وأضفت عليه الغطاء السياسي، ومن بينهم الصحابة أو الذين حملوا راياته، ومعهم القبائل الجاهلية التي شاركت في الغزوات، ودمرت، إلى جانب المدن والحضارة العمرانية، الأثار الأدبية؛ وقتلت من العلماء والشعراء والفلاسفة ما أدت إلى جفاف المنطقة من المفكرين لعقود طويلة.
فالاحتماء بالدين لا يعطي لهؤلاء العصمة بعدم القيام بالأعمال الكارثية، ولا النقاء الفكري أو الروحي، أو المعرفة التامة بغايات الدين، خاصة في السنوات الأولى ما بعد وفاة الرسول. فقد كانوا ولا شك بشر مثل غيرهم من الناس، حتى ولو أضفي عليهم صفات استثنائية، فلم يبلغوا الصفات الإلهية، المطلقة، لذا ظلوا في الحيز الإنساني، ومعارفهم لم تتجاوز معارف قادة قريش في الجاهلية، وأخلاقهم لم تخرج من جغرافية الأخلاق البشرية، ولم يبلغوا يوما مفاهيم المطلق الإلهي التي أحاطوهم بها المسلمون لاحقاً، أي أنهم من شريحة المخلوق وليس الخالق، كانت لهم أخطاؤهم، بل وأخطاء كثيرة، كقادة نجحوا في بعضه وفشلوا في كثيره، وماتوا، والبعض منهم أهملوا أثناء موتهم وتم دفنهم في غير المقابر الإسلامية كرهاً، وعلى مدى القرون اللاحقة أحيوا أسماً وفبركت أفعالهم وتاريخهم، فيما بعد ولغايات، وقدسوا مع الرسالة الإلهية ومفاهيمها، وهم جميعا خارج جغرافية العصمة، فالعصمة أن وجدت فهي للأنبياء، من البعد الديني، وفي هذا خلاف، لذلك لا يمكن أن يكونوا بريئين من الدمار الذي خلفته الجيوش العربية الإسلامية التي قادوها، بتخلفها الحضاري، وجهالتها بالأدب وفلسفة وآثار المدارس الثقافية ومكتبات مدن الحضارة الساسانية. فلم يكن الأدب والثقافة بذات أهمية، من عدة نواحي ذكرناها سابقا، وفي بعضها يقول المؤرخ شاكر مصطفى، نفس المصدر السابق، الصفحة (103) "... فليس في اللغة العربية من تراث مكتوب تقرأ به تلك الأمور ولا كان في تواريخ الأمم الأخرى وهي مكتوبة بلغات (فارسية ويونانية وسريانية) من القيمة الفكرية والسياسية بالنسبة للعالم الإسلامي، ما يدفع إلى معرفتها والتبحر الواسع فيها. ظلت معرفتها إما قاصرة على أصحابها من السكان الأصليين في مصر والشام والعراق وإيران ومكتوبة بلغاتهم السابقة نفسها وإما ترفاً فكرياً لا يطلبه ويبحث عنه إلا أصحاب التوق العلمي لمجرد استكمال المعرفة"
يتبع...

د. محمود عباس
الولايات المتحدة الأمريكية
[email protected]
9/12/2016م








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تضامناً مع الفلسطينيين في غزة.. عشرات الطلاب يتظاهرون بالموت


.. ممثل صندوق الأمم المتحدة للسكان في فلسطين: ما رأيته في غزة ي




.. آلاف اليمنيين يتظاهرون في صنعاء دعماً للفلسطينيين في غزة


.. إيرانيون يتظاهرون في طهران ضد إسرائيل




.. اعتقال موظفين بشركة غوغل في أمريكا بسبب احتجاجهم على التعاون