الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


رؤية تنويرية لواقع الدين في العراق قراءة في آراء نعوم تشومسكي

عمار محمد علي

2017 / 3 / 25
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق


رؤية تنويرية لواقع الدين في العراق
قراءة في آراء نعوم تشومسكي
على الرغم من أن هناك الكثير من المواقف الايجابية تجاه المؤسسة الدينية (الكنيسة) التي قام تشومسكي بتبنيها، والتي منها –على سبيل المثال- اعتقاده بأن الدور الذي لعبته الكنيسة الكاثوليكية في الحضارة الغربية في مساعدة من هم بحاجة للمساعدة هو دور ايجابي واسع، إلا أنه يصرّح في أكثر من موقف بانتمائه الى الاتجاه التنويري وبأنه "طفل التنوير"، كما وانه صرح بعدم اطلاعه على سبب مقنع يدعوه الى الايمان بالله على اساس انه قوة تمد سيطرتها على الكون الفسيح.
ولا أود أن اخوض كثيراً في غمار هذا الموضوع كونه مرتبط بشخصية تشومسكي وإنما أود أن اسلط الضوء على ملاحظات كان قد ابداها هذا المفكر حول الدين، ملاحظات تم تدوينها من قبل صحفيين على شكل حواريات وكانت تدور –على نحو عام- حول واقع الدين والمجتمع الديني في اميركا إلاّ أن فيها الكثير من أوجه الشبه لواقعنا السياسي، البيئي والاجتماعي في العراق، لا بل إننا نشهد ما هو أسوأ وذلك بسبب تدخل "المتديونيون" في التفاصيل الدقيقة لحياة الناس وانماط عيشها.
لقد توقف تشومسكي عند مجموعة محطات في حديثه حول الدين ولكن كان ابرزها وأوسعها هو ما أطلق عليه بـ(المعتقدات غير العقلانية) التي تسيطر على الناس وشدد تشومسكي على ضرورة مواجهة مثل هذه الاعتقادات لا بل من الضروري القيام بحرب ضدها. ويعد هذا الأمر من الآفات التي تحرق الأخضر واليابس في واقعنا العراقي، آفة نخرت في واقعنا الاجتماعي جعلته يقدّس إطار السيارة التي يركبها مقتدى الصدر أو السيستاني، جعلت ذلك المجتمع يقدّس ماكنة زراعية لأن السائق "سيد" و"ينطي مراد" كما يعبرون، جعلت الناس تقف لساعات مغلقة الطريق السريع الدولي الرابط بين العراق والاردن وسوريا في خيم أطلقوا عليها خيم اعتصام تقديساً لمجموعة لا تفقه من الدين شيء سوى العمائم البيضاء التي يضعونها على رؤوسهم، ظاهرة جعلتنا اضحوكة بسبب عدد المراقد المنتشرة من هنا وهناك فكل من يروم تجارة ناجحة يختلق قصة وهمية لشخصية يرتبط نسبها بالرسول ويشيد مرقداً ويخضبه بالحنّاء فترى الناس تتقاطر عليه من كل حدب. وينقل لي احد اصدقائي من أسرة (آل ياسر) الهاشمية المعروفة بأن ابيه توفي وكان لأبيه علاقات واسعة بعشائر الجنوب فقاموا بدفنه في احد ضواحي النجف وشيدوا له مرقداً وصارت الناس تتوافد عليه وتقدم النذور حتى صار معلماً ومزاراً وكانت النتيجة ان الاخوة تقاتلوا في ما بينهم على الثروة الهائلة التي وجدوها تحت منجم الذهب هذا!!!! فمن المؤسف أن هؤلاء هم من يحددون القرار وشكل الحكم في العراق في هذه الايام.
أما الامر الآخر فهو فرض الارادة من قبل المؤسسة الدينية على الجميع، إذ عد تشومسكي ما يقوم به الائتلاف المسيحي من محاولة فرض الارادة هو أمر خطر لدرجة لا حدود لها. ويعد هذا من المعضلات التي خُلِقَت في العراق فمفهوم فرض الارادة صار هوية للمؤسسة الحكومية التي مارست السلطة ومن ابرز دوافع الهيمنة هو الشعور بالسلطة المقدسة التي يمثلها الحاكم، فمن الواجب اطاعته في الصغيرة والكبيرة، وصار التظاهر عبارة عن حراك يقود اصحابه إلى الجحيم لأنه وقوف بوجه السلطة الالهية التي منّ الله بها على العراقيين بعد 2003 وما الى ذلك من هذا الهراء!!!
وفي مجال بحث تشومسكي عن الأسباب التي قد تدفع المجتمعات أو الاشخاص إلى التطرف الديني يستعين تشومسكي برأي الكاتب (ولتر ديين برنهام) والذي أشار إلى ان التفكير بعدم التسييس أو عدم المشاركة السياسية قد يدفع الناس إلى تأثيرات نفسية مهمة، إذ يقارن الباحثون في هذا الشأن بين المشاركة الشعبية الفعلية في الحياة السياسية في مقابل الشعور بالبعد والعجز من قبل هؤلاء الناس وهو أمر مماثل تماماً للفرق بين الثقافة المثالية والثقافة الحقيقية؛ هذا الأمر يقود الناس في الحقيقة إلى التطرف الديني لأنهم سيكونون بحاجة إلى منظمة ينسبون إليها أنفسهم، فإن لم تكن المنظمة هي اتحاد عمالي أو منظمات سياسية فيمكن أن تكون منظمة متشددة. ويعد هذا في حقيقة الأمر دعوة للعلمنة وللتفعيل نظام المؤسسات في المجتمعات.
فنحن نرى اليوم –مع كل الاحترام الى القوات الامنية ودورها الفاعل- خير دليل على قول ولتر السابق، حيث عندما تم فقدان الثقة بين الناس والاجهزة الامنية اخذت الناس بالتهافت على قوات الحشد الشعبي وهذا دليل على فشل الدولة في تسييس الناس عن طريق التنظيمات القانونية، وما يزيد الامر سوءاً هو أن كل السياسيين اصبح راعياً لتلك المنظمة غير القانونية، فنوري المالكي –الفاسد رقم 1 في العراق والذي تسبب بسقوط هيبة الاجهزة الامنية- صار زعيماً لتلك المنظمة، وتهافت الآخرون من المفسدين على تشكيل منظمات وتشكيلات قتالية متنوعة.
فالمشكلة برمتها تكمن في تأثير الدين اللاواعي على الناس ودفعهم إلى الطاعة لمن يأمرهم بذلك، ولمن يستخدم هذا الخطاب لتحقيق اغراضه وجعلهم يصدقون بغاياته؛ فكما تشير التقارير الصحفية الى أن بيل كلنتون قال في البيت الابيض "لا يمكننا اعادة تجديد بلدنا مالم ينضم غالبيتنا، بل الجميع، إلى الكنائس"، نرى أن نبرات مماثلة -ولكن بشكل أسوأ بكثير- لهذا الخطاب ظهرت في العراق فالجعفري يدّعي توليه السلطة بحق لأنه مبعوث من سلطة عليا، وذلك يظن أنه حامي المذهب، والآخر يظن أنه حامي السنّة حتى انخرط الجميع بتكتلات مذهبية فصار الشيعي ينتخب الشيعي حتى ولو كان فاسداً والسني يفعل المثل وكل هذا بسبب شيء اسمه "الدين"، فاحتفظوا بدينكم لأنفسكم يا مؤمنون ودعونا نعيش بسلام فقط.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ما ردود الفعل في إيران عن سماع دوي انفجارات في أصفهان وتبريز


.. الولايات المتحدة: معركة سياسية على الحدود




.. تذكرة عودة- فوكوفار 1991


.. انتخابات تشريعية في الهند تستمر على مدى 6 أسابيع




.. مشاهد مروعة للدمار الذي أحدثته الفيضانات من الخليج الى باكست