الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


سهرة حتى الصّباح

نادية خلوف
(Nadia Khaloof)

2017 / 3 / 26
المجتمع المدني


هذه الدّائرة من الخوف تقتلني. أعيشها كلّ لحظة.
التقيت بها بعد عشرين عاماً. الفتاة التي حسدتها يوماً كونها رسّامة وفنّانة في لباسها وتسريحة شعرها، وجمالها. كم تمنيت أن أحظى بما تحظى به.
الحقيقة أنّني لم أعرفها فقد أتى عليها الزمان أكثر مما أتى عليّ. دعوتها على العشاء ، والمبيت ليلة عندي، وافقت فابنتها الوحيدة متزوجة.
تقول صديقتي التي لم أرها منذ عشرين عاماً. اسمها " رفعت":
سألني أحد الأصدقاء: " هل السّوري متنمّر بطبعه، وهل هو عنصري، ويمجّد الدكتاتورية؟" طبعاً لم أجب على سؤاله ، وانصرفت من الجلسة بهدوء حيث كنت السورية الوحيدة.
راجعت نفسي في المنزل، وبقيت أراجعها حتى الصّباح والقمر يراقبني كلما ذهبت وجئت في غرفتي ثم جلست ودوّنت هذه الملاحظات:
كنت أخاف من المجتمع، وأفعل ما يريد. همّشني واحتضن الذين يخالفونه.
أخاف من رجال الدّين، فلو زل لساني بحرف لقتلوني، ولخرج ألف متطوّع كي يقتلني.
أخاف من رجال الأمن. لي معهم تجربة مريرة.
أخاف أن أقول أن نزار قباني ليس شاعر المرأة بل يمثل نرجسية الرّجل، فيقتلني الممجدون له.
أخاف أن أقول أنّ النظام السّوري إرهابياً، فيقتلني شيوعي ملتزم بحبّ الوطن، وفي يوم من الأيام كنّا رفاقاً، وأعرف كيف يموت الشّخص مدنيّاً عندما يطلق عليه اسم خائن.
أخاف أن أقول أن مظفر النّواب كان يقول الشعر مقابل رغيف الخبز ، وكأس العرق، والنظام السوري هو من يحميه.
أخاف ان أقول أن محمود درويش ألّف آية تشبه آيات القرآن الكريم في مديح صدام
أخاف أن أقول أن محمد الماغوط كان مدعوماً من أجهزة الأمن، وزوّج بناته لأمنيين فتتّهمينني أنت كونه من بلدتك وتحرضين على قتلي.
أخاف ان أقول أن المعارضة السورية التي تحمل كيانات تأتي لأشخاصها تبرعات من دول عربية بالاسم الشّخصي .
أخاف ان أقول أن الصحافيين السوريين وبخاصة الذين يدعون مساندتهم للثورة انتهازيين.
أخاف أن لا أجد رغيف خبز في الغد، فالدول صاحبة النفايات الغذائية مثل السعودية أصبحت القمامة عندها مصدراً للديزل. في السعودية يمكن أن يجد حتى الغريب عملاً وطعاماً. أما في سورية فقد فقدته.
أخاف أن أطلب من أصدقائي فنجان ماء فيعتذرون لضيق الوقت.
لن أكتب القائمة كلّها. لكنّني فكرّت بأن ليس جميع النّاس لديهم هذه المخاوف. بعضهم يخاف أن يموت من الجوع، وبعضهم يخاف أن يموت أبناؤه.
باختصار عالمي هو دائرة كاملة من الخوف. حتى زوجي تحمّلته على مضض، أرسل لي أنه لو التقى بمن تناسبه لتزوجها لأنّني شريرة، وبينما كان يكتب الرسالة أنهى أوراق الطلاق والزواج الجديد فهو صاحب قيم لا يؤمن إلا بعمل شرعي، وخلال وصول الرسالة أقام العرس. هذه النعمة الوحيدة التي حلت عليّ فمنذ أن غادر المنزل انتهت كوابيسي حول سرّ استمرار العائلة والدفاع عن وجودها، وعندما رحل اكتشفت أنّ الرّجل إن لم يكن أباً، وزوجاً، وربّ عائلة يقدّر مشاعر تلك العائلة فإن عدم وجوده أفضل. بعد رحيله بيوم شعرت أنني أفضل. الشيء الوحيد الذي لمت نفسي عليه أنّني كنت أفسّر تصرفاته على محمل حسن"
حتى الآن هذا كلّ ما قالته صديقتي.
أصبحت الواحدة بعد منتصف الليل يا صديقتي. حدثيني عن معارض الرّسم التي تقيمنها، ريثما أعدّ الشّاي والجبن. هل لا زلت مهتمّة به؟
-نعم. أنا مهتمة به. أرسم لنفسي، لكن عندما تكونين في سورية لا يمكن أن تطوري نفسك إلا إذا عرفت اللعبة الأمنية. لا كاتب، ولا شاعر، ولا فنان يستطيع العمل خارج هذا الإطار. لذا لم أقم معارض، ولم أربح من عملي. الآن فقط عملت موقعاً على الفيس بوك لأعمالي اليدوية والفنيّة الجديدة، وبدأت أربح قليلاً.
التفتت رفعت إليّ فجأة: هل لا زلت مسلمة.
ضحكت: لماذا أغيّر ديني فأنا ولدت بجنسي وديني واسمي ، لو شئت أقول لك نعم، ولو شئت أقول ربما بالأصل أنا بعيدة عن هذا الموضوع.
--بالنسبة لي: غيرت عقيدتي. أصبحت مسيحيّة.
-لا تعليق!
-لست مؤمنة بالمسيحيّة فقط سوف أجرّب نعمة الحريّة. في العام المقبل سوف أصبح يهوديّة.
وبعدها أصبح في ديانة أخرى. أريد أن أسلخ جلدي عدة مرّات كي أفهم الحياة.
-تحدّثت عن خوفك اللامتناهي بينما تجرئين على هذا. أخاف من مجرّد التفكير بالحديث حول طائفتي، وقد ناصبني الكثير من الأصدقاء العداء لأنّني قلت في بعض مقالاتي بأنّ السّنة قد ظلموا في سورية، فماذا لو فعلت مثلك؟
-أخشى أن تقاطعيني أنت أيضاً لو قلت رأيي.
-عليك الأمان!
-أنتم طائفيون. أغلب أصدقائي منكم يمجدون زعماءهم ويدعون أنّهم علمانيون مع أنهم طائفيون حتى العظم.
-لا أعرف عمّن تتحدثين. قلت أنتم، وأنتم دالة على الجمع. هناك كلمة أنت، وأنتما، ولكل قاعدة شواذ. على كل أطمئنك لست أنا هي أنتم!
-ما رأيك بالفيدراليّة؟
-يبدو أنّك جريئة في كل الطروحات. لا رأي لي يا صديقتي. الرأي رأي أمريكا، وكما عهدتني شعاري "لا قومي، ولا ديني"، ولا أعرف ما هو رأيي الآن على الأقل، فذهني مشغول بالقتلى والمشردين، وهذا التّشدد القومي سواء كان عربياً أو غير عربي لست أنا.
السّاعة السادسة صباحاً. هيا بنا نركض أمام الشمس، ثم نتناول الإفطار، ومن ثمّ اذهبي إلى بيتك. يوم واحد في الشهر يكفي.
عودي بعد شهر. . .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. كيف قارب أبو عبيدة بين عملية رفح وملف الأسرى وصفقة التبادل؟


.. الولايات المتحدة: اعتقال أكثر من 130 شخصا خلال احتجاجات مؤيد




.. حريق يلتهم خياما للاجئين السوريين في لبنان


.. الاحتجاجات المؤيدة للفلسطينيين تجتاح الجامعات الأميركية في أ




.. السعودية تدين استمرار قوات الاحتلال في ارتكاب جرائم الحرب ال