الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ضوء القمر ولغته البصرية المرهفة

عدنان حسين أحمد

2017 / 3 / 26
الادب والفن


خفتت النبرة العنصرية في حفل الأوسكار التاسع والثمانين إثر فوز الفيلم الدرامي "ضوء القمر" للمخرج الأميركي الأفريقي باري جينكينز بجائزة الأوسكار لأفضل فيلم، كما حصل الفيلم ذاته على جائزتي أوسكار لأفضل سيناريو مُقتبس استلهمهُ المخرج من قصة عنوانها "في ضوء القمر يبدو الأطفال السود زُرقًا" لتاريل ألفِن ماكرَيني، وجائزة أفضل ممثل مساعد لماهرشالا علي، هذا إضافة إلى فوز الممثلة الأميركية الأفريقية فيولا ديفيس بجائزة أوسكار لأفضل ممثلة مساعدة عن دورها في فيلم "أسوار" للمخرج الأميركي الأفريقي دينزل واشنطن.تُرى، ما الذي دفع هذا الفيلم إلى الصدارة؟ هل هي ثيمة الفيلم الحسّاسة أو المسكوت عنها التي يخشى بعض المخرجين من تناولها لأسباب أخلاقية واجتماعية، أم أنّ أداء الشخصيات كان مُبهرًا؟ هل تكمن البراعة في التصوير أم في المؤثرات الصوتية والبصرية، أم في المونتاج الذي يمنح الفيلم إيقاعًا خاصًا يمكن استشعاره على مدار الفيلم الذي بلغت مدته 111 دقيقة؟
ينتمي هذا الفيلم إلى حدٍ كبير إلى سينما المؤلف، فقد استعان المخرج باري جينكينز بقصة تريل ألفِن ماكرَيني المُشار إليها سلفًا وهي في الأصل مشروع لمسرحية دراسية، وقد اقتبس جانبًا منها للسيناريو الذي كتبه لتحقيق رؤيته الإخراجية التي يتقبّلها المجتمع الغربي عمومًا لأنها تنسجم مع منظومة قيمه وتقاليده الغربية المتفتحة التي لا تجد حرجًا في تناول هذه الموضوعات التي تتعلق بتناول المخدرات أو بيعها أو الترويج لها وما يستتبعها من انحلال أخلاقي، وتفسّخ أسري كما لمسناه لدى عائلة شارون "أليكس هيبرت" وأمه باولا "ناعومي هاريس" حيث تنهمك الأم بنتاول المخدرات، وتنقطع إلى إشباع رغباتها الجسدية مع أصدقاء عابرين قبل أن تترك هذه العادة السيئة التي أخذت من صحتها الشيء الكثير، كما أفضت بابنها إلى علاقات غير سويّة مع كيفن، صديق طفولته ويفاعته وشبابه وقد أدى أدواره تباعًا جيْدين باينر، جاريل جيروم، وأندريه هولاند.
لا شك في أن السيناريو الذي كتبه المخرج ناجح من الناحية الفنية، وقصته مبنية بناءً عضويًا متماسكًا حيث يمرّ شارون بثلاث مراحل وهي الطفولة والمراهقة وسنّ البلوغ. وكما أشرنا فإن طفولة شارون أو "ليتِل" يؤدّيها أليكس هيبرت، أما مرحلة المراهقة فيمثِّلها آشتون ساندرز، فيما يجسِّد سن الرشد والبلوغ تريفانتي رودز وقد نجح الثلاثة في تأدية هذه الأدوار ولعل هذا الأداء المتنوع والمعبّر هو الذي منح الفيلم زخمًا قويًا وضعه في مصاف الأفلام الثمانية المتنافسة على جائزة أفضل فيلم من بينها "الوافد"، "شخصيات في الظل"، "مهما كانت المصاعب" و "لا لا لاند" الذي حصد العديد من جوائز الغولدن غلوب والأوسكار وغيرها من الجوائز المحلية والأوروبية. كما ينبغي الإشارة إلى دور "جوان" المتفرد الذي جسّده ببراعة شديدة الممثل "ماهرشالا علي" ونال بسببه جائزة أفضل ممثل لدور ثانوي مهّد فيه الأجواء للمتلقين الذين كانوا يتابعون مكابدات شارون في طفولته وكيف تعلّم من "جوان" بناء شخصيته التي كانت ضعيفة ومهزوزة وعرضة لتنمُّر أصدقائه في الحارة والمدرسة وملعب كرة القدم.
يسلّط المخرج الضوء على العنف الموجّه ضد الأطفال واليافعين وطلبة المدارس الثانوية، كما لم تسْلم النساء من العنف المنزلي الذي ينعكس سلبًا على الأسر المتواضعة التي تفككت بسبب أمراض العصر التي نخرت الأميركيين من أصول أفريقية في ميامي، غير أن هذه العنف يولِّد عنفًا مُضادًا الأمر الذي دفع الضحية شارون إلى الانتقام من جلاده تيرل حينما اقتحم عليه الصفّ الدراسي وحطّم كرسيًا خشبيًا على ظهره قبل أن تأخذه الشرطة إلى أحد مراكزها في المدينة المكتظة بالأميركيين الأفارقة الذين ينغمس بعضهم في الأعمال الخطرة التي ينبذها المجتمع الأميركي المتعدد الأعراق.
لابد للمغامر الذي يمتهن عملاً محظورًا أن يجد طريقه إلى السجون الأميركية التي تعاملهم بقسوة غير أن المخرج لم يلج إلى هذا العالم وإنما اكتفى بالإشارة إلى أن شارون قد خرج من السجن لأنه كان يتعاطى بالمخدرات وهو يعيش الآن في مدينة "أتلانتا" غير المكالمة الهاتفية الغريبة أعادته إلى طفولته حينما استمع إلى الصوت القادم من الطرف الآخر من الهاتف، صوت كيفن الذي يعمل الآن طبّاخًا في مطعم بمدينة ميامي وقد دعاه لتناول وجبة يعّدها له نفسه وكأنّ كاتب النص ومُخرجه يريد التركيز على جملة واحدة هي بمثابة الاعتراف الصريح بأن شارون لم يفكِّر بعلاقة حميمة مع أي شخص آخر، وقد كان ذهنه منغمسًا بالذكريات القديمة التي تربطه بكيفن،صديق طفولته وشبابه الأول الأمر الذي يدفع هذا الأخير لأن يأخذه بالأحضان في إشارة واضحة إلى أن المياه قد عادت إلى مجاريها من جديد.
لا يخلو الفيلم من بعض اللقطات والمَشاهد التي تحرِّك المشاعر الإنسانية مثل استشفاء باولا، والدة شارون، وإعادة تأهيلها في أحد المستشفيات المتخصصة لكي تتخلص من آثار السموم التي كانت تتناولها طوال الوقت بينما كان ابنها الوحيد يذهب ضحية للعنف والعلاقات العاطفية الشاذة التي ضلّت طريقها الصحيح في أقل تقدير.
لا شك في أن هذه الثيمة الرئيسة وتشظياتها الفرعية مقبولة في المجتمعات الغربية وتجد منْ يدافع عنها، ويروِّج لها بقوة باعتبارها جزءًا من منظومة قيمهم الأخلاقية والاجتماعية التي تتيح لهم حرية التصرف بالجسد مثلما يشاؤون الأمر الذي دفع الكثير من المصوّتين الذين يبلغ عددهم 6500 شخص جلّهم من الممثلين والمختصين بالفن السابع لأن يصوتوا لهذا الفيلم الذي وجدوه مكتملاً ولافتًا للانتباه بينما انحسرت أصواتهم تجاه الأفلام الثمانية الأخرى التي هزّت المشاهدين في مختلف أرجاء العالم.
تتجسّد عظمة هذا الفيلم، فضلاً عن الأداء المدهش لكل الممثلين، في التصوير السينمائي المُرهف الذي يُشعِرك بانسيابيته ونعومته في أماكن كثيرة من الفيلم لكن تظل لقطات البداية التي نرى فيها شارون وهو يلج البحر أول مرة ليتعلم السباحة على يد جوان، ولقطة النهاية التي يتداخل فيها مشهد شارون وهو يقود السيارة بالأطفال الصغار وهم يلعبون في مياه البحر هي من أجمل المَشاهد السينمائية التي رأيناها في هذا الفيلم الذي يرقى إلى مستوى التحفة البصرية من الناحية الفنية التي أبهرت المشاهدين في كل مكان بغض النظر عن الموضوعات الحسّاسة التي تفضي بكل تأكيد إلى انقسامات حادة بحسب عقلية المتلقين وخلفياتهم الثقافية المتنوعة.
جدير ذكره أن المخرج باري جينكينز قد أنجز فيلمه الدرامي الرومانسي الأول "دواء للكآبة" عام 2008 الذي تناول فيه الأميركيين الأفارقة الذي يشكِّلون أقلية في مدينة سان فرانسيسكو، وقد أثار في حينه جدلاً واسعًا في موضوع الزواج المهجن وتداخل الأعراق في المجتمع الأميركي المعاصر.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مهندس معماري واستاذ مادة الفيزياء يحترف الغناء


.. صباح العربية | منها اللغة العربية.. تعرف على أصعب اللغات في




.. كل يوم - لقاء في الفن والثقافة والمجتمع مع الكاتب والمنتج د/


.. الفنان أحمد سلامة: الفنان أشرف عبد الغفور لم يرحل ولكنه باقي




.. إيهاب فهمي: الفنان أشرف عبد الغفور رمز من رموز الفن المصري و