الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


التمرُّد على الله

عايدة الجوهري

2017 / 3 / 26
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


بالتعريف، المقاتل الجهادي، المعلن أو الصّامت، الإرهابي، هو من قرّر استعمال القوّة في سبيل تغيير مجريات الأحداث، وإجبار الأفراد والمجتمعات على الخضوع لنواميس وتعليمات وأوامر يعدّها إلهية، وتُشترى بدم البشر، وغير قابلة للنقض، بيد أنّ استعمال العنف لصناعة المتغيّرات، يُعدّ وفق المنطق الديني ذاته تمرّدًا على الله، على الرغم من وجود نصوص دينيّة تسوّغه وتشرّعه، مخالفةً بذلك مسلّماتها ذاتها. تلك المسلَمات التي تقوم على الإيمان المطلق بمشيئة الله النافذة، وقدرته الشاملة، فهو، ووفق لائحة أسماء الله الحسنى، تُختصَر مواصفاته بـ «المهيمن»، «المميت»، «الباعث»، «المحيي»، «الجبار»، «المانع»، «الباسط»، «القابض»، «الضار»، «النافع»، «الخافض»، «الرافع»، «الوهاب»، «الرزاق»، إلخ... وكلّها ملكات وقدرات تدخل في دائرة الفعل La Praxis، ودائرة التحكّم العلويّ الشّامل.
وعلى النقيض من ذلك، يُؤمن المجاهدون في سبيل الله بحقّهم في إعادة تشكيل الخلق وفق نظرتهم الممثلنة، أي التدخّل في الصيرورة التاريخية باعتبارها شرّيرة، وهم يعتبرون أنّ الإرادة الإلهية تتدخّل لتبارك هذا العنف ومفاعيله، ولتشكيل ظروف وأسباب استعماله، وكأنّ ما جرى ويجري من أحداث، ويدور من وقائع، يعدّونها موبقات، تخرج عن سيطرة الله، ونفوذه، وجبروته. وفي هذا الافتراض الذي ينقض المسلّمات، يكمن التباس الخطاب الديني اللاتاريخي وغموضه، وعلى وجه الخصوص الخطاب الديني التاريخي، المسوِّغ لاستعمال العنف.
إنّهم من حيث لا يدرون، يسلكون مسلكَ المتمرّدين العلمانيين، الذين لا يعوّلون على التدخّل الإلهي، لتسوية مشاكل الإنسان، ولا يرون الوجود خاضعًا لنظام غيبي، بل محكومًا بالبشر، ويريدون وضع حدّ للشرّ وتمظهراته وارتداداته في التاريخ، يورّطون يأسهم في التاريخ، لا في الغيب.
وباختياره السّبل العنفية القهرية، يمنح المجاهد نفسه حرية مطلقة لا تليق بالمتديّن الورع، تصل إلى حدود القتل، وتهديم كينونة الآخرين، وكينونة الآخرين، هي في المنطلق الديني، شأن إلهي، لا سلطة للبشر عليها، فكيف يكلّف الله، «العليّ»، «القدير»، «الجبّار»، عبيدَه بالقيام بالمهمّات التي كلّف نفسه بها، ووفقًا لأيّة فرضيّة؟
ومن جهة أخرى، وخلافًا للمقولة الدينية التي تساوي بين عبيد الله ومخلوقاته، لا يساوي القاتل المؤمن بالله بين طبيعته البشرية وطبيعة الآخرين، بين طبيعة بشرية وأخرى. وحدَه هذا الإنكار للمماثلة بين طبيعة بشرية وأخرى، يدفعه إلى القتل، بحيث لا يعترف بالحدّ الذي تبدأ معه الكرامة المشتركة بين البشر جميعًا. إنّه يرفض مماثلة الإنسان للإنسان، يضحّي بالمماثلة ويكرّس المباينة، يحطّم نظام الأشياء، ويجدّ في البحث عن ضحية يضخّم آثامها، ويريدها أن تتضخّم أخطاؤها، كي يبرّر ممارسته القوّة، القوّة التي تفعل في التاريخ، مثلها مثل الإرادة الإلهية، ودون تمييز.
وهكذا يخالف المجاهد باسم الدين، المنطق الديني، وإنّه طالما يسعى إلى تغيير نظام الأشياء، إلى تغيير الصيرورة الاجتماعية، إلى الحلول محلّ المشيئة الإلهية، والفعل في التاريخ، وإلى إحلال التراتبية بين البشر، عوضًا عن المساواة والمماثلة.
إنّهم بأية حال يتمرّدون على الله، وفق رؤيتهم ذاتها لدوره وحجم تأثيره في الوجود والكائنات ومصائرها.
فإلى متى سيستمرّ العبث بحسّ الناس السّليم، ويُخلط الوضعي بالمقدّس، بمنهجية عبثية؟








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - رد شــخــصــي
غـسـان صــابــور ( 2017 / 3 / 26 - 20:06 )
سيدتي الكريمة
كلماتك بانتقاد الإرهاب الإسلامي صحيحة كليا.. وما نرى من أعداد ضحاياه بالعالم, يؤكد ما تبدين.. ولكن..... ولكن انتقادك للعلمانية والعلمانيين.. ووضعهم بنفس السلة مع القاعدة وداعش والنصرة وجند الشام وجند الزنكي والعديد من بقية الجحافل الإسلامية التي فجرت العراق وسوريا وليبيا.. وقامت بمئات العمليات الإرهابية بأوروبا وأمريكا وأستراليا.. وسببت آلاف الضحايا الأبرياء.. بلا سبب.. غير تحليلهم لقتل الآخر... بينما أن العلمانيين بالعالم كله لم يقتلوا أحدا على الإطلاق...وما دساتيرهم الحضارية سوى المساواة والتآخي بين جميع البشر......
تفسيراتك الدينية.. لن تجيب أبدا على تساؤلاتك.. ولا تعطينا أي حل لهذا السرطان الذي اجتاح الإنسانية كلها.. وخلق فجوة عميقة بين المسلمين.. وبقية البشر.. حتى بين المسلمين أنفسهم... ولم نسمع حتى اليوم أي تفسير ردع مفهوم واضح.. لا من شيخ ولا إمام ولا ملالي.... ومقال تساؤلك سوف يبقى بلا جواب...لأن الأنتليجنسيا الإسلامية... أو من تبقى منها... غائبة كليا عن الموضوع... لأنها ينقصها الشجاعة الفردية والجماعية.. للدفاع عن الحقيقة الحقيقية....


2 - تـــابــع
غـسـان صــابــور ( 2017 / 3 / 27 - 09:14 )
كل اعتذاري, سيدتي, لأن نظام التعليقات ــ حسب الزبون ــ لا يسمح بتعليق يتجاوز الألف حرف فقط... لذلك لم أتمكن من تقديم تحيات التهذيب المعهودة.. على تعليقي المنشور...
مع كل مودتي واحترامي.
غـسـان صــابــور ـــ لـيـون فــرنــســا


3 - معضله الله
على سالم ( 2019 / 12 / 21 - 01:59 )
بدون شك مقال قوى وشيق ويغوص كثيرا فى تفسير معضله الخلق والخالق والعداله الالهيه , من المؤكد اننا لن نتمكن من حل هذه المعضله فى المستقبل القريب

اخر الافلام

.. تونس.. ا?لغاء الاحتفالات السنوية في كنيس الغريبة اليهودي بجز


.. اليهود الا?يرانيون في ا?سراي?يل.. بين الحنين والغضب




.. مزارع يتسلق سور المسجد ليتمايل مع المديح في احتفال مولد شبل


.. بين الحنين والغضب...اليهود الإيرانيون في إسرائيل يشعرون بالت




.. #shorts - Baqarah-53