الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


نهاية العولمة ..... ومستقبل الرأسمالية ....؟؟

علي الأسدي

2017 / 3 / 26
العولمة وتطورات العالم المعاصر


في مقال للأستاذ مايكل روبرتس المنشور على موقعه Michael Roberts Blog حول الآثار السلبية التي تركتها السياسة الاقتصادية النيوليبرالية على اقتصاديات الدول الفقيرة والطبقة العاملة في الدول الرأسمالية المتقدمة. لقد انتقد في مقاله أطروحات عدد من الاقتصادين الغربيين الذين برغم المصاعب الاقتصادية التي تواجه أغلبية الدول الرأسمالية يعبرون عن تفاؤلهم بقدرة النظام الرأسمالي على تجديد قواه والسير على طريق النمو وتحقيق الرخاء لمجتمعاته. حيث شرح فيه رؤيته كاقتصادي ماركسي لتطور الرأسمالية وآثار سياسة الليبرالية الجديدة على توزيع الدخل والثروة داخل المجتمعات الرأسمالية المتقدمة والفقيرة على حد سواء. فكما هو معروف ان تلك السياسة الاقتصادية قد انتهت إلى الفشل. حيث بلغ النمو الاقتصادي في أهم الدول الرأسمالية في الفترة 1980-2007 مستوى أدنى مما بلغه في الفترة 1948-1973 المعروفة بالفترة الذهبية.

ففي هذه الفترة الذهبية من تاريخ الرأسمالية لعب قطاع الدولة دورا قياديا فعالا في الشئون الاقتصادية والاجتماعية ، ففيها شرعت أنظمة التكافل المجتمعية ( Welfare State ) فيما فيما لعب قطاع الدولة العام فيها دورا فعالا في تطوير وادارة الخدمات العامة كالتعليم والرعاية الصحية ومكافحة الأوبئة والنقل والمواصلات وضمان وحماية الحقوق النقابية والمهنية وحقوق الإنسان. لقد أتت السياسة الاقتصادية النيوليبرالية التي انتهجتها الحكومات بعد ذلك (منذ البدء بتنفيذ تلك السياسة نهاية ستينات القرن الماضي) على معظم تلك المكاسب عن طريق الغاء بعضها وتقليص البعض الآخر وخصخصة المتبقي ليصبح هدف نشاط الرأسمال الخاص مضاعفة الأرباح على حساب المصلحة العامة بعد أن تم ازالة القيود والضوابط التي حدت من ذلك .

وبنتيجة تناقص الأرباح في الاقتصاد الحقيقي تعاظم دور رأس المال النقدي ( رأس المال الزائف) في النشاطات المالية كالمضاربات في ألاسهم والسندات والديون التي بنتيجتها ازداد الأغنياء غنى والفقراء فقرا مما عمق التفاوت في المستوى المعيشي وحيازة الدخل والثروة بين الناس ليبلغ مديات لم يبلغها من قبل.

فبحسب تقارير البنك الدولي لعام 2013 ان1.2 بليون انسان في العالم يعيش على أقل من 1.25-$- دولار في اليوم منهم 400 مليون طفل تقل أعمارهم عن 13 عاما. مثل هذا العدد الضخم من الناس المعدمين موجود في القرن الواحد والعشرين وليس في القرن الماضي. ان أكثرية أولئك الجوعى ينتمي إلى 35 بلد بينهم 26 في القارة الأفريقية وقد سجل أخيرا ان 103 مليون جائعا أكثر مما كان قبل العقود الثلاثة الماضية. لقد زاد عدد الناس الذين يعيشون في فقر مدقع في 2010 بنسبة 33% عما كان عليه الحال في عام 1981.

لكن هناك عددا من الاقتصاديين الغربيين لهم تقييمهم المختلف للحالة الاقتصادية التي تواجه الاقتصاديات الرأسمالية المتقدمة من أمثال Brad Delong الذي يصنفه البعض بكونه كينز عام 2016 نسبة الى الاقتصادي البريطاني John Maynard Keynes. ولهذا الأخير قول طالما ردده أمام طلابه في جامعة كامبردج التي كان محاضرا فيها عام 1931 ، يقول فيه " الرأسمالية ربما تمر حاليا بحالة الركود ، لكن اذا ما عدنا إلى السنين الطويلة الماضية سنلاحظ ان الرأسمالية هي أكثر نظم الإنتاج نجاحا لتجاوبها مع حاجات الإنسان ، فلا يجب أن تقلقوا فإنها ستعاود النجاح من جديد. خلال المئة عام القادمة سيتضاعف متوسط دخل الفرد ثماني مرات وسينخفض وقت العمل الى 15 ساعة في الاسبوع ، لذا عليكم الثقة بالرأسمالية ولا تصدقوا الآراء الماركسية السخيفة كما يفعل البعض هذه الأيام".

براد ديلون اعترف أخيرا " في مقال له على موقعه على الانترنيت بأن النمو الاقتصادي العالمي بدأ بالتلاشي منذ عام 2008 وانه ليس هناك من سبب للتفاؤل بتحسن الوضع الاقتصادي في السنوات الخمس القادمة. ويعود السبب في رأيه الى فشل المؤسسات الدولية في تبرير الثقة بقدرتها على تأمين الرخاء الاقتصادي. لكن اذا ما نظرنا إلى النمو الاقتصادي العالمي خلال السنين الثلاثين أو الستين عاما القادمة فان الصورة تبدو أكثر اشراقا. والسبب بسيط. وهو ان الاتجاه العام الذي تطور خلاله النمو الاقتصادي العالمي بعد الحرب العالمية الثانية لم يتوقف ، حيث أصبح بمقدور عدد متزايد من الناس الانتفاع من التقدم التكنولوجي لزيادة انتاجيتهم الاقتصادية أو الانخراط في الأعمال التجارية. بنفس الوقت استبعد احتمال الانفجار السكاني( القنبلة السكانية ) أو تكرار كارثة الإبادة الجماعية التي شهدها العالم ابان الحرب العالمية الثانية.

وهناك الحائز على جائزة نوبل في الاقتصاد.Angus Deaton فيذكر هذا ان عمر الإنسان في العالم قد زاد بنسبة 50% خلال الفترة من عام 1900 وما يزال في تزايد. وان نسبة سكان عالمنا الذين يعيشون على أقل من دولار واحد في اليوم قد انخفض من 42% إلى نسبة 14% في عام 1981، وان تقدما كبيرا قد احرز في مجال علاج أمراض السرطان والقلب وان النجاحات مستمرة في الزيادة خلال 20-30 عاما الماضية. لكن التقدم الذي أشار اليه ديتون لم يحدث نتيجة الرأسمالية ، بل نتيجة تطور العلوم والثقافة التي يعود الفضل فيها للانفاق العام الذي قامت به الحكومات على التعليم وتحسين المياه الصالحة للشرب وحملات الوقاية والتوعية وانشاء المستشفيات.

لكن ديتون يعترف ان عدد الذين يعيشون على أقل من دولارين في اليوم يتزايد وفق آخر التقارير. ففي عام 2010 ظهر ان33% من الفقراء جدا يعيش في البلدان منخفضة الدخل مقارنة 13% في عام 1981. ففي الهند ارتفع متوسط دخل المواطن الفقير إلى 96 سنتا عام 2010 مقارنة 84 سنتا عام 1981. وفي الصين الشعبية ارتفع متوسط دخل الفرد الأكثر فقرا من 67 سنتا عام 1981 الى 96 سنتا عام 2010 ومثل هذا التغير لا يعني الكثير.

من جانبه يرى الاقتصادي الأمريكي Robert j Gordon ان نمو الإنتاجية في مختلف القطاعات الاقتصادية يتباطأ رغم التقدم التقني كالانترنيت ووسائل الاتصالات والاعلام وغيرها. وفي الوقت نفسه تستمر المناقشات بين الاقتصاديين حول ما اذا في مقدور التقدم التكنولوجي الدفع بالرأسمالية إلى الامام. فجزء مهم من الاقتصاديين البريطانيين يرى ان التقدم التكنولوجي سيرفع من وتيرة النمو الاقتصادي وزيادة العمالة كما كان الحال في الماضي. بينما يرى ‎آخرون ان التقدم التكنولوجي لن يكون سببا في بطالة واسعة لكنه سيدفع بمتوسط الأجور الى الارتفاع بنفس الوقت لن يؤدي إلى خفض ساعات العمل.اقتصاديو صندوق النقد الدولي أكثر حذرا في تقييمهم للتقدم التكنولوجي ، فهم يعتقدون ان زيادة الاستثمار في الروبوت سيقود الى خفض الأجور وزيادة البطالة التقليدية وما يترتب على ذلك من زيادة عدم المساواة في المجتمع بنتيجته.

ان عدم المساواة السائدة في المجتمعات ليست سمة النظام الرأسمالي وحده ، بل هي سمة أي نظام متعدد الطبقات وهي نتيجة مباشرة للسياسة الاقتصادية الليبرالية والعولمة التي أخذت بها غالبية حكومات الدول الرأسمالية. لقد تعاظمت بنتيجة تلك السياسة الأرباح على حساب الأجور مؤدية في الوقت نفسه إلى زيادة حدة التفاوت في حيازة الدخل والثروة وتفاقم ظاهرة عدم المساواة داخل المجتمع. ووفق اقتصادي ما بعد الكينزية أمثال رئيس البنك الدولي السابق جوزيف ستيكيليز ان ظاهرة عدم المساواة تعتبر سببا رئيسيا لأزمة الرأسمالية وليس تناقص ربحية النشاط الاقتصادي أوعدم استقرار حركة رؤوس الأموال.

واقع الحال ان عدم المساواة في الدخل والثروة التي تعيشها مجتمعات الدول الرأسمالية حاليا لم يشهدها العالم منذ صدور كتاب رأس المال لماركس. فخلال تلك الفترة 1867-2013 وصلت حالة عدم المساواة ذروتها ما يؤكد استنتاج رأس المال بأن معاناة الطبقة العاملة تزداد سوءا مع استيلاء الرأسماليين على حصة متزايدة من قيمة عمل العمال.فيما يرى الاقتصادي Simon Kuznets انه مع مباشرة الرأسمالية نموها الاقتصادي فان قوى السوق ستقود إلى مجتمع أكثر مساواة بشرط عدم تدخل الدولة. لكن واقع الحياة في الاقتصاديات الرأسمالية بثبت عدم صحة هذا الرأي فعدم المساواة في حيازة الدخل والثروة تتسع ولا تضيق برغم سيادة قوى السوق الحرة وعدم تدخل الدولة في النشاط الاقتصادي.

ففي الولايات المتحدة الأمريكية اليوم هناك 116 مليون مواطن يعيش على 16.20 ألف دولار قبل خصم ضريبة الدخل. وان 1% المجتمع الأمريكي يستحوذ على 20% من الدخل القومي مقارنة ب 12% عام 1978 ( بحسب المكتب الوطني الأمريكي للبحوث الاقتصادية). وبنفس الوقت يحصل 1% من الصينيين على 12% من الدخل الوطني للصين وهي ضعف ما حصلوا عليه عام 1978 أي 6% ، هذا في وقت لم تتحقق أي زيادة في دخل 50% من الشعب الأمريكي.

ان قوى السوق تأخذ مداها كاملا في الولايات المتحدة ومع ذلك لم تتلاشى عدم المساواة التي يكابد منها الشعب الأمريكي برغم عدم تدخل الدولة ، بينما حقق الاقتصاد الأمريكي أعلى وأسرع معدلات النمو بعد الحرب العالمية الثانية بفعل تزايد تدخل الدولة في التنمية الاقتصادية وليس العكس. ونفس الشيئ يقال عن نمو الاقتصاد الصيني بعد عام 1978. فلولا التسهيلات المصرفية والقروض وسياسة ضريبية متساهلة تجاه الاستثمارات لما تسنى للصين تحقيق معدلات نمو عالية تجاوزت في بعض السنوات 15% سنويا. وعلى العكس تعاني الدول الرأسمالية من الركود الاقتصادي والبطالة لتمسكها بمبدأ عدم التدخل في النشاط الاقتصادي.

في دراسة أعدها البنك الألماني أخيرا جاء فيها ان العولمة ( اشاعة انتشار الرأسمالية عالميا ) قد توقفت وان إنتاجية العمل كمقياس للتقدم الاقتصادي المستقبلي قد ضعفت بشكل أو بآخر في أهم الاقتصاديات المتقدمة. استراتيجي البنك الألماني Jim Reid , Nick Burns , and Sukano Chanda ذكروا في دراسة أعدوها انه يبدو وكأننا وصلنا نهاية مرحلة اقتصادية ، فمثل هذه المراحل تأتي وتختفي على شكل موجات متباعدة. ففي الثلاثين عاما الأخيرة شهدنا تغيرات عاصفة ، فالصين الشعبية تعود للاقتصاد العالمي في السبعينيات ، ثم انهيار الاتحاد السوفيتي ، وبدرجة ما تبنت الهند الليبرالية الاقتصادية. هذه التغيرات الثلاثة أضافت أكثر من بليون عامل الى سوق العمل في البلدان المذكورة.

بنفس الوقت بدأت ربحية المشاريع الاقتصادية في الدول الرأسمالية المتقدمة بالتناقص والاستثمارات الجديدة بالانكماش . ومع تردي النمو السكاني يبدو من غير المرجح عودة النمو الاقتصادي إلى المستوى الذي كان عليه قبل الأزمة الاقتصادية الراهنة. واذا ما شهدت الإنتاجية نموا رصينا فان التفاؤل بعودة الانتعاش الاقتصادي لها ما يبررها. لكن في هذه المرحلة لا توجد أية مؤشرات على ذلك.
علي الأسدي

* - Michael Roberts Blog
The End of Globalisation And The Future of Capitalism “








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. امتعاض واعتراض وغرامات.. ما رأي الشارع العراقي بنظام المخالف


.. عبد الله حمدوك: لا حل عسكريا للحرب في السودان ويجب توحيد الم




.. إسرائيل أبلغت دول المنطقة بأن استقرارها لن يتعرض للخطر جراء


.. توقعات أميركية.. تل أبيب تسعى لضرب إيران دون التسبب بحرب شا




.. إبراهيم رئيسي: أي استهداف لمصالح إيران سيقابل برد شديد وواسع