الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الأرنبُ الصغير … يا وزير التعليم!

فاطمة ناعوت

2017 / 3 / 27
حقوق الانسان


=================

“فَرِحَتِ الأرَانِبُ وَرَقَصَتْ وَغَنَّتْ لِأنَّهَا تَخَلَّصتْ مِنَ الأسَّدِ. وَعَاشَتْ فِي سَلامٍ وأَمَانٍ.” كانت هذه قطعة إملاء لطيفة بعنوان: "الأرنبُ الصَّغِير"، كتبها طفلٌ في سِنيّ عمره الأولى بإحدى مدارس مصر التابعة لوزارة التربية والتعليم. كَتبَها التلميذُ الطفلُ بتنضيد جميع الحروف، تمامًا كما هي ظاهرة بالمقال. ولأمانة النقل لم يخطئ، إن كان يُعدٌّ خطأً، إلا في وضع "سكون" على حرف التاء في كلمة "فَرِحَتْ الأرانبُ"، تلك التي استبدلتُها أنا بالكسرة: "فَرِحَتِ الأرانبُ"، (لعدم التقاء ساكنين). فيما عدا هذه التفصيلة المعقدة على طفل، لم يخطأ التلميذُ أي خطأ لا في الإملاء ولا في النحو والصرف. كما ترون، طفلٌ واعدٌ أمسك بزمام اللغة العربية على نحو أرقى إجادةً ووعيًا من كثير من خريجي الجامعات المصرية، حتى من أبناء الكليات الأدبية. بارك الُله في الطفل الجميل وفي وعيه المبكّر، وبارك في أسرته التي دون شكّ كانت وراء ذلك الإحساس الجميل بأجرومية اللغة العربية الصعبة. لكن هناك عنصرًا آخر غير الأسرة يتدخل في تعليم الطفل. "المعلّم”. لا شكّ أن هناك معلّمًا جميلا أو معلّمة جميلة وراء هذا الوعي اللغوي. ولكنْ... وآهٍ من "لكن"، تلك التي تختبئ وراءها الكوارثُ دائمًا. لكنّ للأسف " يتعاقبُ المعلمون ويختلفون". هذ الطفلُ أنشأه معلمٌ ذكيٌّ أو معلّمة ذكية في العام الماضي، فتكوّنت تلك الإجادةُ اللغوية المبكّرة. لكن معلّمة هذا العام جاءت لتُفسد ما صنعته معلّمةُ العام الماضي.
بالقلم الأحمر الغليظ، شطبت المعلمةُ (المُصحِّحَةُ المِصَحْصَحَةُ المثقفةُ بتاعة المدارس )، شطبت على كلمة (تَخَلَّصت) التي كتبها الطفل على نحو الأصح والمُشكّل المُنضّد، وكتبت فوقها بكل جسارة وجرأة وثقة عجيبة بالنفس، وبذات القلم الأحمر الغليط: "تخلاصت"!!!! ثم خصمت درجةً من درجاته زورًا وظلمًا، وأعطته 10/9 !!!!! وكأنما أنقصتِ المعلمةُ تلميذَها درجةً من عشرة مقابل خطأها هي، لا خطأه هو!!!
الحكاية أخطرُ من درجة تزيدُ أو تنقص. الحكاية أن هذا التلميذَ سوف ترتبك موازينُه. لأن المعلم بالنسبة للتلميذ الصغير، له قيمةٌ تقترب من القداسة والتنزيه عن الخطأ. أذكر وأنا طفلة صغيرة، أنني كنتُ أنظر إلى معلّماتي كأنهن أنصافُ آلهة. ربّاتٌ إغريقيات من جبال الأولمب. كنتُ مؤمنة أنهنّ جمعن المعارفَ والعلومَ والفنونَ جميعَها في رؤوسهن. لا يُخطئن كما نخطئ نحن البشر العاديين. حتى أنني أذكر صدمتي المروّعة حين دخلتُ الفصلَ يومًا بعد الفُسحة ولمحتُ "ساندوتش" في يد ميس سميحة!!! هل تأكلُ المعلماتُ مثلما نأكل؟! هل يجُعن كما نجوع؟! كيف تجوعُ الآلهة وتأكل؟! دعكَ من سذاجتي كطفلة إذا ما قورنت بأطفال اليوم الأكثر منّا فهمًا والأقل خيالا وشاعرية ربما. لكن الحتميَّ أن اهتزاز تلك الصورة المُنزّهة الافتراضية عن المعلّم في ذهن التلميذ، وسقوط الهالة القدسية عن رأس أستاذه، يُربك، دون شك معايير الصغير ويجعله يفقد الثقة في العالم من حوله. إن كانت المعلمةُ لا تعرف، فمن ذاك الذي يعرف؟! إن كانت المعلمةُ تخطئ، فمن عساه لا يُخطئ؟!
تلك المعلمةُ المسكينة هي نِتاج منظومة التعليم الفاشلة منذ عقود طوال في بلادنا. وكذلك لأن حساباتٍ هزليةً جعلت كليات التربية التي تُخرج لنا المعلمين، ليست من كليات القمّة! وهي الأولى أن تكون! المعلّمُ أهمُّ من الطبيب ومن المهندس. لأنه هو الذي يعلّم من سيغدو طبيبًا ومهندسًا وقاضيًا ومحاميًا وسفيرًا وعالِمًا ورئيس دولة وملكًا وسلطانًا. فكيف تكون تلك الكلية بمجموع هزيل في الثانوية العامة؟!
التعليم في مصر كارثيٌّ يا معالي وزير التعليم. حِملك ثقيل كما كتبتُ لك في عمودي بالمصري اليوم يوم توليّك ذلك المنصب العسِر. عليك أن تُصلح ما أفسده من سبقوك. إليك رسالة كتبها أحدُ أبناء ذلك التعليم للإعلامية إسعاد يونس وأرسلتها لنا، نحن أصدقاءها، لكي نحلّ شفرتها معًا. اقرأ معي ماذا كتب:
((مساء الخير يا أوسازة، انا مصمم الأسياء حمادة بون سيواريه، كنت عايز أظهر مع حضرتشك في البرنامج، برنامج كمة كمة كمة، انا عملت استعراض أسياء في دبي!!!!!!! و عمل ضجة كوية جدا، بصمم أسياء و فساتشين كمة، و چِيَب و مناطيل أسطورة يعني، هه؟، أجيلك امتي؟؟؟؟؟"
يا سيادة وزير التربية والتعليم، فضلا، حاول أن تنقذَ هذا "الأرنب الصغير" قبل أن يتحوّل، بفضل تلك المعلمة ومثيلاتِها إلى: “سلحفاة".








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - والتعليم في سلطنة عمان
أنور نور ( 2017 / 3 / 27 - 08:47 )
منذ حوالي أربعين سنة ، كانت سلطنة عمان ، عندما تحتاج الي معلمين للمدارس الابتدائية ، تنشر اعلانا بصحف مصر ، وفي مقدمة الشروط : الحصول علي درجة الدكتوراة ، او الماجستير - علي الأقل

اخر الافلام

.. برنامج الأغذية العالمي يحذر من خطر حدوث مجاعة شاملة في غزة


.. احتجاجات أمام مقر إقامة نتنياهو.. وبن غفير يهرب من سخط المطا




.. عائلة فلسطينية تقطن في حمام مدرسة تؤوي النازحين


.. الفايننشال تايمز: الأمم المتحدة رفضت أي تنسيق مع إسرائيل لإج




.. رئيس مجلس النواب الأمريكي: هناك تنام لمشاعر معاداة السامية ب