الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


معاوية محمد نور (1909- 1941) : من كتاباته الفلسفية

تاج السر عثمان

2017 / 3 / 28
سيرة ذاتية


معاوية محمد نور(1909- 1941) :
من كتاباته الفلسفية.
بقلم: تاج السر عثمان
معاوية محمد نور كاتب سوداني معروف في الثلاثينيات من القرن الماضي، ولم تكن كتاباته قاصرة علي الآداب والفنون، وانما امتدت للاهتمام بالمسائل الفلسفية، ومهما كان المستوي الذي تناول به معاوية هذه المسألة، فلابد من الاشارة اليه، اذا كنا نريد ان نتتبع بدايات ومسارات التفكير الفلسفي لكتّاب الثلاثينيات والعشرينيات من القرن الماضي، باعتبارها البذور التي قامت عليها نهضتنا الفكرية والسياسية فيما بعد.
اذا نظرنا بصورة عامة للفترة التي عاش فيها معاوية محمد نور، نجد أنها كانت تتميز بتطورات هائلة في العلوم الطبيعية، وانهيار النظريات القديمة في الفن والعلوم والفلسفة والسياسة، كما تميزت هذه الفترة بالثورات والهزات الاجتماعية مثل الثور الاشتراكية في روسيا، ونهوض حركات التحرر الوطني في بلدان المستعمرات، كما تميزت بصعود الفاشية والنازية للحكم والازمة الاقتصاية في اوائل الثلاثينيات. ومن أبرز التطورات التي حدثت في العلوم الطبيعية هي اكتشاف الالكترون والبروتون وانشطار الذرة، مما ادي الي انهيار الفرضيات القديمة حول المادة والتي كرسّتها نظرية دالتون الذرية، وانهيار المفاهيم القديمة حول المادة وتركيبها، بعد اكتشاف جسيمات أصغر من الذرة. وهذا التطور جعل بعض الفلاسفة المثاليين يطرحون من جديد أن المادة قد تلاشت ، وبالتالي التشكيك في قوانين الطبيعة باعتبارها رموز وفرضيات لاقوانين موضوعية. ثم كان اكتشاف النظرية النسبية علي يد البرت اينشتين التي احدثت ثورة عنيفة في ميدان العلوم الطبيعية، حيث تم تعديل وتطوير مفاهيم نيوتن عن الزمان والمكان، وأشارت الي الترابط بين المكان والزمان والمادة، واصبح جليا خطأ مفهوم المكان والزمان المطلقين، وليتم تعميق وتطوير قوانين الحركة لنيوتن لتشمل الأجسام التي تتحرك بسرعة الضوء وتصحيح مفهوم الجاذبية عند نيوتن..الخ.وترتبت علي ذلك نتائج حاول الفلاسفة المثاليون استغلالها لتوجيه ضربة قاصمة للنظرية المادية في المعرفة. وتصدي لينين في كتابه( المادية والمذهب النقدي التجريبي) لهذه الاتجاهات واكد أن الذي انهار ليس هو المادة، بل الفهم القديم عن المادة والمنهج المادي الميكانيكي في التفكير، واعطي تعريفه الشامل للمادة باعتبارها (الواقع الموضوعي المستقل عن حواسنا)، وان ماحدث يؤكد صحة المادية الديالكتيكية التي تقول بأن المادة لانهائية ولاتنفد، وانما تتغير وتتنوع أشكالها، كما تناول ديالكتيك الحقيقة المطلقة والنسبية، باعتبار ان الحقيقة المطلقة هي المجموع اللانهائي للحقائق النسبية.
واذا نظرنا الي الثقافة الغربية في ذلك الوقت، نجد انها كانت تتميز بالاضطراب والتناقض وتفاقم ازمتها، حتي وصلت درجة الافلاس والانهيار في القيم والمبادئ التي غرستها البورجوازية في مرحلة صعودها وشبابها في اذهان الجماهير.
احسّ معاوية نور بذلك الاضطراب في الثقافة الغربية والانهيار التام للنظريات الفلسفية البورجوازية وفي الفنون والآداب..الخ، وتوجه الفلسفة نحو الروح.يقول معاوية( ان هناك موجة قوية في سير العلوم الطبيعية وفي الفلسفات المعاصرة نحو الروح، ونحو نوع من القيم الانسانية التي لاترجع الي عمليات المنطق ومكتشفات الذهن الرياضي)( معاوية نور:دراسات في الأدب والنقد، ص: 86).
ثم يتابع معاوية تمزّق الثقافة الغربية فيقول: ( ذلك الروح هو روح النفي والشك في معظم الحقائق السابقة والقيم الماضية)(المرجع السابق ص:88). ويتابع الشك والنفي في كتابات (الدوس هكسلي) الأدبية وكتابات(د.ه. لورانس) ويتابع نفاق الآباء والاجداد الذين شرّبوا الأجيال الجديدة بقيمهم حول الحرب والمجتمع ويقول: (اذا كانت الأمور علي هذا النهج من الكذب والنفاق فمن أين لهم ان يطمئنوا الي أي حقيقة في أدب او فن؟ وظهر هذا الشك وذلك النفي وعدم الايمان في منتجاتهم الفنية، ولجاوا الي اللعب (بالقالب) اذ انهم لايعرفون الحقيقة واللباب ولايمكنهم ان يطمئنوا الي حق قديم اذا لم يلاحظوه ويجربوه مرارا علي النسق العلمي) (ص 89 .(
هذه الثقافة والأوضاع المضطربة والمتناقضة قذفت بمعاوية نور ليتبني منهجا فلسفيا متكاملا هو منهج الشك الفلسفي في فترة من حياته، واتخذه هاديا ومرشدا له في دراساته الأدبية والنقدية. ولتأكيد ما ذهبنا اليه يقول معاوية نور في مقالة: عالم القيم والنظريات في الفلسفات والفنون: (والناس في الأغلب الأعم يرتاحون الي الشك الفلسفي وما اليه من مثارات التفكير ودواعي التيقظ والحيرة وهم لايرتاحون الي مضطربي الحال، بل يرحبون بآرائهم في شئ من الاطمئنان والهدوء)( ص:47).
ومعاوية هنا لايرضي بالقليل ولايقبل بالحال كما هو ، وانما يمعن التفكير في العالم، ويبذل الفكر ويجهد عقله من اجل معرفته، ولايؤمن بقيم نهائية ثابتة، وانما يطرح كل شئ للجدل والنقاش. وهذا المنهج كما قلنا توصل اليه معاوية بعد احساسه بانهيار القيم والنظريات التي كانت تعج بها الثقافة الغربية: انهيار في النظريات الفلسفية القديمة لتحل محلها نظريات جديدة، ويتابع معاوية تاريخ الفلسفة من الأغريق الي الفلسفات الحديثة(افلاطون،ارسطو، دارون، سبنسر،..الخ)، ويشير الي التغيرات الهائلة التي حدثت في الفلسفة وكيف أن الفلسفة الجديدة تقضي علي الفلسفة القديمة وتضارب النظريات)(ص: 48(.
ويضع معاوية نور يده علي أزمة الفلسفة البورجوازية فيقول: ( فهذه النهضة الأخيرة التي يقوم بها أمثال (لودج)، (وانجتون) و(بلكان)..الخ واضرابهم بان عنصر الحياة غير مادي، وانما هو قوة وروح وحركة، وهذه الحالة الفكرية التي نعيش فيها الان قمينة أن تفتح عيوننا لتظورات الافكار والنظريات. أصحيح كما قال ناقد أديب اننا نعيش في عصر قد تحول علماؤه الي متصوفة ورجال دين شكوكيين)( ص 49(.
ثم يتوصل معاوية بعد ذلك الي فقدان الثقة في عالم النظريات فيقول: (فما الذي تدل عليه هذه الظاهرة؟ تدل علي أن ليس هنالك نظرية واحدة ثابتة، وان عالم الفلسفات والآراء هو عالم أشد مايكون تنقلا، واننا يجب أن نحتاط في التشيّع لهذا الرأي او ذاك، وان ناخذ الآراء في شئ كثير من التيقظ والشك، فليس هناك مايسمي صدقا كله أو خطأ كله! ونحن اذا شككنا ايضا، فلا يجب ان يكون شكنا ايمانا بالشك)(ص 49).
ومعاوية عندما يطرح الشك، لا يرفض دراسة الفلسفة ولكن مع ذلك لايؤمن بمذهب فلسفي معّين، دون ان يمنعه ذلك من الارتياح لبعض الفلسفات كما يقول كفلسفة(وليم جيمس) وفلسفة(برجسون) ويعرف امان قوتها وضعفها. يقول معاوية( فالشك الفلسفي مفيد، ولكن يجب الا ينزل من نفسنا مكان الايمان القوي، فان ذلك لايدل الآّ علي الضيق ومناقضة الشك نفسه)(ص 49(.
وموقف معاوية من الفلسفات عموما هو النظر اليها كمجرد نظريات قد تخطئ وتصدق يقول: ( يحسن بنا أن ننظر الي الفلسفات علي انها مجرد نظريات وفروض قد تصدق وقد تخطئ)( ص 50). ويهاجم سلامة موسي لأنه يكتب بصيغة فيها الجزم في العلم وعلم النفس بنوع اخص.
وبعد ان استقر معاوية علي منهج الشك الفلسفي، حاول تطبيقه علي النقد الفني، فنجده يطبق هذا المنهج في عالم الفن في مقاله: عالم القيم والنظريات، وبالتحديد عند تعرضه للتحف الفنية المتفق علي جودتها وعلوّها في عالم الفن)( ص 50(.
وفي قصة ايمان يستخدم هذا المنهج عندما يصور(هاشم عرفات) الذي جعل جلال افندي يشك في حياته، وهاشم عرفات شاب كثير الاطلاع، كثير الشك الفلسفي، لايؤمن بالاقاويل ولايستطيب الحزم في شئ)( راجع قصة: ايمان ص 110 في كتابه: قصص وخواطر).
أخيرا، هذا نموذج لبدايات تفكير فلسفي في الثلاثينيات من القرن الماضي قصدنا تسجيله والتوثيق له، وكما عبر عنه معاوية محمد نور باعتباره من ابرز كتاب ومثقفي تلك الفترة والذي يعكس الاضطراب والتناقض الذي كان يعاني منه المتعلمون الذين نهلوا دون منهج ناقد من الثقافة الغربية.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. انفجارات أصفهان.. قلق وغموض وتساؤلات | المسائية


.. تركيا تحذر من خطر نشوب -نزاع دائم- وأردوغان يرفض تحميل المسؤ




.. ctإسرائيل لطهران .. لدينا القدرة على ضرب العمق الإيراني |#غر


.. المفاوضات بين حماس وإسرائيل بشأن تبادل المحتجزين أمام طريق م




.. خيبة أمل فلسطينية من الفيتو الأميركي على مشروع عضويتها | #مر