الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


قيود أمّي-الفصل الرّابع-1-

نادية خلوف
(Nadia Khaloof)

2017 / 3 / 28
الادب والفن


هذا الصباح جميل. صحيح أنّني أمشي قرب المقبرة، أنام في الليل تحت قبة قبر الشيخ معاذ. ما افخمها! أشجار وماء، وفسحة. طلبت من عشيرة الميت أن أحرسه مجاناً، يزودونني بالخبز، وبعض فضلات الطعام. أجففها ثم أتناولها على مدار الأسبوع. البارحة أتى شيخ القبيلة معاذ الخامس والعشرين قال لجدّه دون أن يدخل القبّة: لا أعرف أيّها الجدّ العظيم ماذا سأخلّفه لأولادي. أرسلتهم إلى أمريكا، وملّكتهم شركات. أنوي أن تكون قبّتي هناك. هل تعتقد يا جدّي أنّه يمكنني العيش إلى الأبد؟ أو أن أكون مثلاً أشبه الإله.
اشترى معاذ الخامس والعشرين سفح التّلة المطلّة على المقبرة، وستكون نادي خيل. قال في الكلمة التي ألقاها عند افتتاح سفح المقبرة . أنه يفعل هذا كي لا يملّ المرحوم لو استفاق من قبره .
-مرحبا ! ماذا تفعلين هنا؟
-كأنّني أعرفكِ، ولا أعرفكِ. من أنتِ؟
-أنا صديق عائلتكم أبو مسعود.
-أعد ما قلت رجاء! أنت فعلاً تشبهه، لكنّكَ امرأة، وصوتك صوت مرأة. لا أستوعب.
-الأمر بسيط يا عليا. قمت بتحويل جنسي إلى امرأة. هربت من معركة الوطن الكبرى، وضعت هويتي العسكرية قرب جثة مجهولة. ثمّ حولت جنسي.
-هكذا. بتلك البساطة! لم أسمع أنه جرى في هذا الوطن الغالي أنّ أحداً غير جنسه. لكنّ الأمر ممتع، يمكنك أن تصبح صديقتي. أين تعيش؟
أعيش قربك في قبّة العلاّمة" منصور" وهناك الكثير مثلنا . نحن محظوظون حصلنا على قبّة شيخ، أو علاّمة أو بطل قومي، لكنّ البقيّة يعيشون تحت رحمة الله.
-اقتربي منّي يا ا
-اسمي ثورة. اسم جميل. أليس كذلك.
-تعالي يا ثورة. أعطني أذنك، سوف أشدّها قليلاً. تفضّلي إلى القبّة نتحدّث عن كلّ الأشياء، لكن هل أنت في حال أفضل ممن سمّيتهم يعيشون على باب الله؟
-شكراً لك. سوف جيب على أسئلتك كلّها، لكن قبل أن نبدأ أرغب أن أطمئنك بأنّني لست رجلاً. لا تخافي منّي. سوف أرفع ثيابي وسوف ترين.
-أنزل ثيابك يا هذا. عفواً! يا هذه. هذا منظر مؤذي. هذا ليس تحويل جنس. هو فقط استئصال للخصيّة. هذا ما يفعله الأغنياء بمن يوظفونهم في دوائرهم ، وربما كان قدر العبيد. وتقول أنّك حولت جنسك! قل أنّك مخصي. من خصاك أيّها العبد؟
-هوّني عليك سيدّتي! فلا أنا كنت رجلاً، ولا أنت كنت امرأة. أقدمت على الفعل بنفسي، وشاركت في مجلس عزائي ، وقبّلت أم مسعود وأنا أواسيها. قلت لها:
ياخيا قدر ومكتوب، الزمن غدّار
والأرض تحرق مثل النّار
والسما تنزل جرار
وانا وأنت ما عاد بيننا أسرار
هوّني عليك يا أم مسعود. يا خيا

ردّت:
يا خيا . أبو مسعود طار
كان متل القمر لما يطل
ما تهنينا سوا
ولا فادنا انتظار
قلي قبل الوداع: شوية صبر وبعدين
بجبلك من الذهب قنطار
لقد حزنت عليها وهي تشكو لي، لكن الحمد لله وضعها اليوم أفضل. أذهب في كلّ ليلة بعد منتصف الليل أرمي لهم ربطة خبز أسرقها من قرب حاوية القمامة. تلك الحاوية خاصة بقصر " قاهر الزمان، والمكان" لكنهم ينادونه " القاهر" عندما يهتفون له. مكبّ القمامة بعيد عن القصر يأتي الحرّاس بالقمامة، يقدّمونها باسم القاهر للشّعب، وفي كلّ يوم يتواجد عدد غفير من الشّعب يشكر ربه ويشكر القاهر على دوام النّعمة.

أصبح عندي شيء من راحة البال. استطعت أن أرسل ربطة خبز إلى عائلتي، وهو مالم أكن أقدر عليه عندما كنت رجلاً، ويبدو حال زوجتي لا بأس به اليوم . البارحة راقبتها وهي تحتفل بالعيد الوطني. لبست ثوباً مزخرفاً من التراث، وألبست الأولاد أيضاً أشياء تبدو جديدة، ومع أنّني لا أحبّ اللباس الفلكلوري، ولا الاحتفال بالأعياد في مناطحة للطقس حيث الزمهرير، أو الشمس الحارقة، والتراب يلفّ الدبكة. كنت أهرب قبل يوم الاحتفال عندما كنت رجلاً.
-اقتربي منّي يا ثورة، سوف أهمس في أذنك. أنت في منتهى النذالة. أنا أيضاً لا أحبّ الاحتفالات الكاذبة، لكنّني لا أهرب. أغلق بابي، أضع سجادة صلاتي، وأخر ساجدة دون أن أنبس بكلمة، وفي إحدى المرّات وجدت أنّني أغفو على شكل دولاب وأنا لا زلت أسجد، رأيت الله يحدّثني. أنا لم أره متجسداً. فقط سمعت نداءه. وعدني بالجنّة، وقال لي: تحلّي بالصبر، فهناك أماكن لا يوجد فيها خبز . يرعون مثل الماشية. أجبته: وهناك قصور. انظر إلى مراكب القاهر، وثروته. إلى مصانع الماهر, وإلى فخامة العسس. أجاب: هل تشبّهين انفسك بهؤلاء؟ ثمّ اختفى. ماذا كان يعني؟
تمرّ عليّ الأعياد كالأشباح، وتمرّ المناسبات مرور اللئام، ويمرّ الزمن عليّ مثل مروره على حمار.
-كم أحبّ كلامك! ليتني لا زلت رجلاً!
فات الأوان. نحن صديقتان. اختارنا القدر لنواسي بعضنا في كلام يشبه الشّعر. أتدرين انّ كلماتك التي تحدّثت بها عن حالتك. لو نفضت نفسك قليلاً، وأعطيت بضع ساعات من حياتك لرئيس العسس، لكان اليوم لديك منابر أدبية، يمكنك بعدها مغادرة المقبرة، وقد
يشتري ودّك رئيس عسس آخر ، تشتمين الأوّل بضعف ما كان يعطيك، وتتحول حياتك إلى الحصول على المال من الشتيمة، لكنه بمفهوم العامّة شعر حماسي.
أرغب في طرح سؤال: هل يمكن أن أتحوّل إلى شبح؟ أحلم أن أكون هكذا.
-فكرة لا بأس بها، النّاس تخاف من الأشباح. لو كان لدينا المال لاستطعنا تنفيذ الفكرة. هي فكرة سينمائية. لو استطعت أن تسرق لنا ثياب الأشباح.
-سوف أحاول. اسمعي هذه الأبيات التي ألفّتها حول حلمي في أن أكون شبحاً عندما كنت رجلاً أخدم الوطن:
لو كنتَ داخل معركة يموت فيها البشر
لرغبتَ أن تطير من بين الجيوش
أن تمشي على أمواج البحر كالنّوارس
أو أن تصبح شبحاً لا يقتله الرّصاص
أنت لستَ مثلي. تطلب منّي الموت
وتطلب لنفسك الحياة
. . .

حلمت في السفر تحت جنح الليل
إلى أماكن بعيدة ليس فيها فداء
أيّها العالم! لا أريد أن أكون بطلاً
أرغب أن أعيش حتى لو كنت شبحاً
أعيش الحياة. لا أرغب بالموت
. . .
لو كنت تشعر أنّك تدبّ على أربع
وأنّ البرسيم كثير عليك لأنّك بطل
لتمنيت أن تكون غراباً تنعق على الخراب
ويبقى الشّبح هو الحل الأمثل لي
-تصفيق. جميل جداً. اسمع ماذا كتبت أنا عندما كنت السّيدة أم تميم:
لو كنت تدري أنّك امرأة مثلي لحزنت
تسأل: لماذا؟
أحبّ أن أكون امرأة لها قيمة
أن يجلب لي حبيبي الجواهر والحليّ
أن يقول لي كلمات حبّ حتى لو كانت كاذبة
ان أملك المال، والعطور، والأناقة
أن أكون أنثى. فليس كل امرأة أنثى
لا. أنا لست رجلاً، ولست أنثى
لا أعرف جنسي، ولا لوني
هل يمكن أن تتحقّق أمنيتي. أن أكون أنثى
-تصفيق. ليتني بقيت ذكراً. رغم أنّه جميل فهو لا يثيرني. نحن اثنتان أو اثنان. لسنا رجلاً ولا أنثى.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الفنان هاني شاكر في لقاء سابق لا يعجبني الكلام الهابط في الم


.. الحكي سوري- رحلة شاب من سجون سوريا إلى صالات السينما الفرنسي




.. تضارب بين الرواية الإيرانية والسردية الأمريكية بشأن الهجوم ع


.. تكريم إلهام شاهين في مهرجان هوليود للفيلم العربي




.. رسميًا.. طرح فيلم السرب فى دور العرض يوم 1 مايو المقبل