الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ياهودايزم [17]

وديع العبيدي

2017 / 3 / 29
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


وديع العبيدي
ياهودايزم [17]
سادة وعبيد.. من يصنع التاريخ؟..

قامت الامبراطويات القديمة وسقطت على أساس القوة العسكرية فحسب. فكان كل من ينشد جاها او سلطة يختار بضعة مقاتلين يكونون قوة قتالية، ونواة لجيش يقتل وينهب ويسيطر [السارق يأتي ليسرق ويذبح ويهلك/ (يوحنا 10: 10)]. وتطبيقات هذا السلوك تملأ التاريخ والحاضر.
وعندما جاءت الامبراطورية الرومانية، اضافت اليها عنصر الطبقة الارستقراطية التي تتحكم بالعسكر وتمسك بالادارة باسم (السينات). ثم اضافت اليها امبراطورية بيزنطه سمة (الدين). لكن جوهر الغزو والنهب كان سمة الحكم الروماني والفارسي والبيزنطي، وكانت البلاد المحتلة مصدرا للجباية والعبيد والانتاج الزراعي والحرفي.
ومن رحم تجربة بيزنطه، والبيئة السياسية العسكرية لتلك الحقبة، ولدت القوة العربية القتالية بقيادة تجار قريش. في وقت كانت فارس وبيزنطه قد تهالكتا، بفعل الصراعات العقيمة والمغالبة، دون الغلبة كما ارادها الاسكندر المقدوني.
ولما كانت القوات القتالية يتم اختيارها من الجماعات البعيدة عن الحضارة والتعليم، ومن اوساط الرعاع وقطاع الطرق، فتاريخ العالم السياسي وما ترتب عليه، من مظاهر اجتماعية وثقافية ودينية، هو من انتاج الرعاع اساسا، والنخب التي عرفت كيف تتحكم بهم وتسخرهم لاغراضها.
ولكي تستطيع النخبة/ الزعامة في التحكم بمجموعات المقاتلين، تحتاج لمسوغ منطقي تستميل به المقاتلة، وتلك هي الغنائم والملذات، او قوانين الحماية والحصانة، او المسوغات الدينية والغيبية، التي وجدت بيئتها في قرار قسطنطين الاول.

كان فردريك هيجل قد ناقش في دراساته، موضوعته الاشكالية المتمثلة: من يصنع التاريخ؟..
حتى ذلك الوقت كان الفكر الكنسي شديد الحضور، وتأكيد الكهان ان الذي يضنع التاريخ هو الربّ-(يهوه)-. وكان فردريك هيجل فيلسوفا محافظا واكادميا مرموقا مرغوبا من قبل الطبقة الحاكمة والبرجوازية في بلده. هنا تظهر شخصية اخرى اكثر ثورية وتماحكا مع حركة الجماهير، في زمن كانت فيه الثورة الصناعية والبرجوازية الاوربية تتسلق سورا اخر، على اكتاف الشغيلة هذه المرة، وليس العسكرتاريا.
وبالتقاء ماركس وانجلز في باريس عام 1843م، سوف تتأسس قواعد جديدة لنظام الحياة والاقتصاد والدولة، بالاستفادة من دروس الثورة الفرنسية وكومونه باريس الى جانب مستقبل البرجوازية الصناعية ومعاناة البروليتاريا.
وفيما صمت هيجل الكاثوليكي أمام سلطة – المقدس-، كان ماركس اليهودي البروتستانتي اكثر جرأة في القول ان قوة العمل هي التي تصنع التاريخ. وفي ضوء فكرته هاته، وضع نظريته القائلة ان طبقة الشغيلة هي التي تصنع التاريخ – المستقبل-.
ماركس، وليس ادم سمث أو ستيوارت كينز هو ابو الاقتصاد والدولة، والفكر الاجتماعي الحديث. وبقليل من الجرأة والعمق والتحليل في قراءة ماركس -[وجه/ قفا]- سوف يتأكد لدينا ان تاريخ القرن العشرين وما بعده، من بناء الدولة الحديثة والظواهر الاقتصادية والسياسية، الى الرأسمالية ومرحلتها الامبريالية والوحشية الراهنة، يستند الى -القراءة والقراءة المضادة- لفكر ماركس.
كارل ماركس هو انشتاين الفكر السياسي والاجتماعي في العصر الحديث. قد نختلف معه، ويختلف معه الرأسماليون والدينيون، دون الانفكاك والتخلص من ربقة طروحاته، ويبقى في تلافيف حياتنا وفكرنا المعاصر.
ربْطُ البعض بين كارل ماركس وبين الاشتراكية والشيوعية، اعطى الاخرين متنفسا لادعاء استقلاليتهم وبراءتهم منه. لكن الشيوعية والاشتراكية والراسمالية والامبريالية وما ينعكس عنها تاليا، تبقى كلها من بنات افكار ومدرسة الدكتور كارل ماركس [1813- 1882م]، بصورة مباشرة او غير مباشرة. وبعبارة اخرى، ان طروحات ماركس، هي الكتاب العبراني الثاني الذي يستكمل قراءة رؤية الحياة المعاصرة والمقبلة ويسهم في صناعتها من منظور اخر.

في سياق هذا المنظور الماركسي، تتطور الراسمالية الامبريالية ساعية الى قبرها، ولكي لا تموت لوحدها، فهي تسوق الجميع امامها الى المقبرة، وتتوج نفسها على العرش في العالم الاخر.
وما يجري اليوم، أنه ليس –(الله)- في الفكر الديني، ولا الشغيلة في فكر ماركس، وانما الرأسمالية الامبريالية هي التي تصنع التاريخ. وهي التي تسيطر بالكامل على قطاعات الوجود والحياة البشرية، بدء من ابحاث الفضاء والجيولوجيا والاقمار الصناعية، وفيزياء الوراثة وكيمياء البيولوجيا، الى التحكم بالأنظمة والدول والاقتصاديات ووسائل الاعلام والاتصال، والطعام والثياب والتعليم والطقس والتنفس. وهي التي تتحكم بجماهير الشعوب والمجتمعات المنقادة بحكم الغواية الاستهلاكية والالكترونية في تنفيذ املاءات وكالة الذكاء الاميركي. وليس في حياتك وحياتي، وفي أي لحظة، شيء لا تدس المخابرات الاميركية وعلماؤها وجواسيسها اظافرهم فيه.
عالم القرن العشرين، ومنه خريطة الشرق الاوسط، هو من انتاج الانتدابين البريطاني والفرنسي –حقبة ما بين الحربين الاوربيتين- ثم الهيمنة الاميركية لاحقا-حقبة ما بعد الخمسينيات-. ومغزى الصراع الراهن بين الولايات المتحدة والمملكة المتحدة والاتحاد الاوربي هو امر واحد، من يصنع مستقبل العالم، ومن يرسم خرائط عالم المستقبل!.. والحرب وراء الكواليس ضروس!.
من حقك وحقي السؤال: لماذا لا اصنع انا حياتي ومستقبلي؟.. لماذا لا يصنع بلدي وشعبي مستقبلنا مستقلا، -من غير تدخل الاخرين-، بحسب اكاذيب القوانين والمواثيق الدولية؟.. جوابا على هذا السؤال تم تدمير بيئتنا الوطنية ونظمنا وتقاليدنا الاجتماعية، وتسليط المرتزقة والمماليك على رؤوس العباد والبلاد!!..

هل نسأل بعد هنا، لماذا انقلبت حياة مجتمعاتنا – العالم الثالث وشرق اوربا وبلدان عدم الانحياز تحديدا-، وتحولت الى مجتمعات تشرد وجريمة، تنعدم فيها ظروف الاستقرار والتطور الطبيعي واللياقة الانسانية؟.. واقع الحال، ان التغير والدمار المنهجي حصل بأثر مباشر من الامبريالية الغربية، لتحويل العالم الى حظيرة ابقار خلفية للغرب المهيمن.
تيار [الطهوريين المثاليين] يرفض وجود شيء اسمه فكرة المؤامرة، ويرفض فكرة القدر والحكم المسبق، ويرفض فكرة العبث والصدفة ويرفض اشياء كثيرة، تشمل كل شيء ما خلا انفسهم والرفض نفسه. ولكن هذا البحث يربط ما حدث ويحدث الان بالجيل الثالث من الاستشراق الذي اطلق بريجنسكي شرارته في تقريره للامن القومي الاميركي.
ومراجعة تحليلية نقدية لمتغيرات العالم تكشف مدرجا، استهدف تهيئة العالم لـ(إما.. أو..)!. وعقب فشل مشروع (أما..) من خلال الجنرالات الوطنيين، انتقل البرنامج لمرحلة (..أو..) التي نستعرضها هنا.
والاشكالية في هذا المشروع، كما سلف ذكرها، هو الاستئساد والاستفراد بعصا الهيمنة، باسم المدنية او العلم او الدين. وقد بلغت عقدة/(مرض) السيطرة ذروتها في المثال الاميركي، الذي ابتدأ تدرجه بمسيات ملحوظة: العم سام، رعاة البقر، السيد الأبيض، البك براذر، الوطواط، الشبح، هرمجدون، القيادة المسيحية/ الصهيومسيحية(*).

اذا اعتبرنا عالم ما قبل الحرب العالمية الثانية، امتدادا للنظام العالمي الكلاسيكي الذي توفر على قدر من المرونة والمراوغة، فأن عالم ما بعد الحرب الثانية، هو عالم امريكي بامتياز(**). وبدء من خمسينيات القرن الماضي وسمت الانقلابات العسكرية المفاجئة واعلان الانظمة الجمهورية أواخر القرن العشرين. وقد شهدت الانظمة عدة تمرحلات في اطار صراعات الضباط والتنافس حول السلطة، وصولا لمن يستجيب للاملاءات المطلوبة افضل من سواه.
عند النظر الى شخصية الجنرال ضياء الحق -ما بعد علي بوتو- في باكستان، وشخصيات: محمد انور السادات، وصدام حسين، وزين العابدين بن علي، على الصعيد العربي(*)؛ نجد مدى تماهي هؤلاء مع الاملاءات الاميركية، بل ان بعضهم كالسادات وزين العابدين ومشرف اشتهروا بنزعتهم الاميركية.
بينما بقيت شخصية صدام لغزا محصورا بين السفارة الاميركية في بيروت الخمسينيات ورعاية عبد الناصر، وشكل اعدامه المفاجئ، اعداما لمذكراته وتاريخه الشخصي ،–وحقبة اشكالية من تاريخ العراق والشرق الاوسط-، الذي ما يزال بعض منه رهين دوائر المخابرات الاميركية.
وبفضل هؤلاء.. يشهد الشرق الاوسط ربيع الفوضى -الخلاقة-، وتفكيك الانظمة والسياقات، تمهيدا لاعادة تشكيلها بمنظور بيولوجي اميركي، تم اختطاطه مسبقا بقدرة قادر، وليس بحكم تطور طبيعي.
ــــــــــــــــــــــــــ
• يدعو الكاتب، القارئ المعني لقراءة تحليلية لسفر رؤيا يوحنا اللاهوتي، سيما من الاصحاح الخامس لنهاية السفر.
• انظر في هذا الصدد سلسلة روايات الباحث الاكاديمي والروائي المتميز عبد الرحمن منيف: شرق المتوسط وسباق المسافات الطويلة تحديدا، وجميعها تدور حول حيثية التغير الاجتماعي والسياسي والدافع الانكلوميركي فيها.
• يميز الكاتب بين المنظور الغربي والياته ومقابله السوفياتي، ويعتبر لهاث الغرب للهيمنة على العالم، دافعا للسوفيت [جوزيف ستالين تحديدا] لقبول التحدي ومضارعته، بحيث انهك الغرب داخليا وخارجيا من جهة، فيما قاده –أي الغرب- لاستخدام التآمر الخارجي والطابور الخامس لاختراق جدار موسكو ونسفه من خلال الجاسوس ميخائيل غورباتشوف الذي اصدر قرارات حلّ الاتحاد وتفكيك الياته وفق املاءات الغرب.
• أزاح ضياء الحق في انقلاب عسكري، زعيم حزب الشعب الباكستاني المحامي ذو الفقار علي بوتو المنتخب، بتهمة الفساد وحكمته محكمة عسكرية بالاعدام. وكان انقلاب الجنرال ضياء الحق اشارة التدخل الاميركي المباشر في الباكستان، والذي وفر الغطاء السياسي للتمدد الوهابي السعودي وانتشار المدارس الدينية السلفية بدء من القرى والمجمعات السكانية الفقيرة والكثيفة، ومنه وصولا الى قرى افغانستان لانتاج طبقة طالبان التي سوف تهيمن على المشهد حتى اليوم. وفي مصر ازاح السادات سلفه عبد الناصر الذي جرى تسميمه بالقهوة/(1970م)، وقلب هيكلة مصر السياسية والاقتصادية والاجتماعية، التي يحار السيسي اليوم في كيفية الخروج منها لاستعادة عافية مصر واستقلاليتها. وفي العراق قام صدام حسين بازاحة احمد حسن البكر، واغتياله بعد تسعة أشهر بوضع السم في قهوته/(1979م)، ادخل البلاد في مستنقع الحروب وقاد حملة البيروستريكا في الثمانينيات التي سبق اعلنها غورباتشوف، وما يزال العراق يتمرغ في وحل سياساته. وفي سيناريو مماثل، قام الجنرال زين العابدين بن علي بازاحة سيده الحبيب بورقيبه زعيم الحزب الدستوري وبطل المقاومة الشعبية في حرب لاستقلال، بذريعة الخرف والتقدم في السن.. وكان بن علي من ضباط امنه الشخصي وسكرتيرا ومديرا لمكتبه ثم وزيرا للداخلية. لكن الاخير لم يقتل بالسم، وانما ابعد الى بلدته ومسقط راسه (المنستير) في جنوبي تونس، منشغلا ببناء قصر سوف يضم ضريحه ومقبرة عائلته، حيث توفي ودفن فيه. ولا غرم ان التدخل الاميركي ليس خافيا في مصر السادات وعراق صدام وتونس بن علي، وهؤلاء الانقلابيون ازيحوا لاحقا بطرق مسرحية سابقة الاعداد، للمضي الى مرحلة ابعد في التبعية الاميركية، كما هو الامر اليوم!.
• ان صناعة التاريخ يلزمها الشجاعة والمبادرة. وبحسب قراءات المحللين، فأن الوضع الدولي الحالي، لن يبقى حتى عام 2025م على ابعد تقدير!.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. التهديد بالنووي.. إيران تلوح بمراجعة فتوى خامنئي وإسرائيل تح


.. مباشر من المسجد النبوى.. اللهم حقق امانينا في هذه الساعة




.. عادل نعمان:الأسئلة الدينية بالعصر الحالي محرجة وثاقبة ويجب ا


.. كل يوم - الكاتب عادل نعمان: مش عاوزين إجابة تليفزيونية على س




.. كل يوم - د. أحمد كريمة: انتحال صفة الإفتاء من قبل السلفيين و