الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


صناعة الوعي

منير ابراهيم تايه

2017 / 3 / 31
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


صناعة الوعي ..
عندما يتساءل الإنسان عن شيء ما أو ينتبه من غفلته أو نومه أو يفكر في ذاته أو وجوده، فانه يلجأ إلى وعيه و إدراكه التلقائي، فوعي الإنسان يحضر كلما تساءل عن ذاته و حاول معرفتها ، وهذا ما يسمى بالوعي التلقائي، فالوعي يشكل السمة الأساسية الكبرى التي يتفرد بها الإنسان وخاصية جوهرية تميز الإنسان عن باقي الكائنات الحية الأخرى.
والوعي كلمة تعبر عن حالة العقل وإداركه لما يجول حوله، ويدل الوعي ايضا على التواصل المباشر مع المحيط الخارجي، عن طريق نوافذ الوعي المتمثلة بحواس الإنسان الخمس، والعديد من علماء النفس يعتبرون الوعي هو الحالة العقليّة للإنسان، يصاحب كل أفعال الإنسان. يتمظهر ذلك على مستوى الحياة العملية، فنتحدث عن وعي أخلاقي أو وعي سياسي مثلا. فللوعي أشكال ومظاهر
وبالمحصلة فان الوعي هو ما يتكون لدى الإنسان من أفكار ووجهات نظر ومفاهيم عن الحياة والطبيعة والمجتمع من حوله، لكن قد يكون الوعي وعيا زائفا عندما تكون أفكار الإنسان ووجهات نظره ومفاهيمه غير متطابقة مع الواقع من حوله، أو غير واقعي، وقد يكون جزئياً، وذلك عندما تكون الأفكار والمفهومات مقتصرة على جانب أو ناحية معينة وغير شامل لكل النواحي والجوانب والمستويات المترابطة، والتي تؤثر وتتأثر في بعضها.‏
ومن الناحية اللغوية كلمة وعى مصدر مشتق من فعل وعى يعي، فنقول وعى الشخص اي انتبه من نومه، وجاء فى القاموس المحيط ، وعى الشيء والحديث يعيه وعيا: حفظه وتدبره وقبله وجمعه وحواه، وأوعى الشيء والكلام: حفظه وجمعه، ووعى الغلام: ناهز الإدراك. فالوعى يعنى لغة الإحاطة بالشيء وحفظه واستيعابه والتعامل معه أو تدبره. إنها حالة إدراك الشيء وتعقله، وهكذا نلاحظ أن لمفهوم الوعي دلالات متنوعة قد يكون الوعي هو العقل او الشعور في مقابل اللاوعي.
ومن اكثر الاشياء التي نفقدها اليوم هو الوعي، ففي غيبة الوعي يتخبط الانسان ويتراجع المجتمع فكريا وحضاريا ودينيا، فالوعي هو الفهم وسلامة الإدراك، ويقصد بهذا الإدراك إدراك الإنسان لنفسه وللبيئة المحيطة به، والوعي والإدراك لا ينفصلان، فالوعي هو الإدراك الصحيح لما يدور حول الإنسان من وقائع وأحداث، فحين نقول وعى فلان: معنى ذلك انه انتبه من نومه أو غفلته او ادرك الشئ ثم عقله، والوعي ان هو محصلة لتلك الأفكار والمعلومات التي تدور في رأس الإنسان وفي عقله وتتأثر بها قراراته، والإدراك هو مفتاح الوعي والعامل الأساسي لحدوث الوعي... ويقصد بالوعي الفهم العميق، وإدراك الحقيقة، وتشخيص الواقع، وتحديد الأولويات، وتمييز الإلتباس، واكتشاف التزييف والواقع.
والإنسان الواعي من وجهة نظر الكواكبي ، هو الذي يملك رؤية فكرية نقدية ، ويتميز بضمير اجتماعي ينسجم مع الآخر، إنه الإنسان القادر على إدراك أوضاع العصر والمجتمع الذي يعيش فيه وتحليلها منطقيا..
ويرى جون سكوت أن الوعي هو استيعاب "أو الانتباه إلى" الظواهر المتصورة أو التي يتم تجربتها. ويرتبط وعي الشخص بالعالم من خلال توسط الحواس بحسبانها الوسيلة التي يتم من خلالها بناء التوجهات ودورات العمل. وبالتالي، فإن ممارسة الانتباه والتفكير والحكم تسمح بدرجة من السيطرة الواعية على الغرائز الموروثة من خلال التقييم العملي للوسائل وتأجيل الإشباع. إنها القدرة على الوعي التي تسمح للبشر بالتأقلم التدريجي مع الواقع الخارجي والتكيف معه، من حيث أنه وسيلة لتحقيق أهدافهم
وبالمحصلة فان الوعي، هو ما يكون لدى الإنسان من أفكار ووجهات نظر ومفاهيم عن الحياة والطبيعة والمجتمع من حوله. لكن قد يكون الوعي وعيا زائفا، وذلك عندما تكون أفكار الإنسان ووجهات نظره ومفاهيمه غير متطابقة مع الواقع من حوله، أو غير واقعي.‏
وفي عملية الوعي فان العقل هو سيلة الإدراك، وصحة القرارات التي يتخذها الإنسان تعتمد على صحة المعلومات التي يتلقاها، فإن إستوعبها فذلك يعني إنه وعاها، وحين تتراكم المعارف الصحيحة يحدث الوعي الصحيح، بينما إذا تراكمت المعلومات الكاذبة والمضللة فيحدث تزييف الوعي، فالوعى هو نتيجة للتفاعل بين أنفسنا وعالمنا المادى المحيط بنا، وهو يلعب دوراً هاماً فى التطور الاجتماعى، سواء كان هذا الدور إيجابياً أو سلبياً، فالأفكار التى توجد لدى الناس قد تساعد على تطور المجتمع أو قد تكون عائقا أمام هذا التطور
تزييف الوعي يأتي من خلال السيطرة على الوعي الجماعي، بمعنى ان تزييف الوعي يحدث بتزييف الادراك، فمن يريد ان يزييف وعيك سيقوم بتزييف ادراكك اولا ثم التحكم فيه وبالتالي توجيهه وفق أجندات وأفكار وتوجهات تخدم الفئة المسيطرة على ذلك الوعي، ذلك ان المجتمع لا يرى الا ما يراد له ان يراه ، وحتى الحقائق عندما تظهر ، فستظهر بوقت محدد مسبقا، ومعد مسبقا، واغلب الحقائق يراد بها باطل، وهكذا نلاحظ أن لمفهوم الوعي دلالات متنوعة فقد يكون الوعي هو العقل او الشعور في مقابل اللاوعي.
يقول الدكتور فتحي الشرقاوي عن ظاهرة تزييف الإدراك: "نحن نرى العالم كما نريد أن نراه وليس كما يجب هو". ويرجع ذلك لغياب الثقة في مصادر المعلومات التي تتطابق مع الواقع وحقائقه الماثلة. فإن سمع احد أخبار مع ميوله فإنه يميل لتصديقها فورا حتى لو لم تكن موضوعية أو تنقل صورة حقيقية ليقع ذلك ان اغلب الناس تنظر للحياة بما يتلائم ورؤيتها الشخصية وذلك هو تزييف الوعي فمن هنا تأتي عدم النظرة الموضوعية لما حولهم فيسهل تزييف إدراكهم، لابد من نقل الواقع بالحقائق وإن كانت مرة ومواجهتها بمعايير واضحة حتى لا يسهل تزييف الادراك،.
ان السلطة غير الشرعية او المستبدة لا تستطيع الاستمرار لفترات طويلة إلا إذا قامت بعمليات تزييف للوعى فهى تريد أن تشكل هذا الوعى لكى يقبل منظومة السلطة وتوجهاتها ومصالحها دون الحاجة إلى الإفراط فى استخدام القمع الأمنى الذى ربما يكلفها ثمنا سياسيا أو اجتماعيا كبيرا، وتنجح عمليات تزييف الوعى أكثر فى المجتمعات ضعيفة الثقافة التى لاتملك عقلية نقدية تزن بها الأمور، تلك المجتمعات القابلة للإيحاء والاستهواء والتنويم والتغييب، تلك المجتمعات العاطفية التى يسهل تحريك مشاعرها فى الاتجاه الذى تريده الأدوات الإعلامية للسلطة.
وما اقصده بتزييف الوعي هو خلق اعداء وهميين للانسان بديلا عن اعداءه الحقيقيين او طرح اهداف امامه يتعارض سعيه لتحقيقها مع مصالحه الاساسية، فحين نشبت الحرب العالمية الأولى كان على الولايات المتحدة الأمريكية التزامات تجاه الحلفاء يجب أن تؤديها، ولكن حال بين الحكومة الأمريكية وتلك الالتزامات توجه الشارع الأمريكي الذي كان رافضا خوض حرب لا تعنيه، وكالعادة فان الحكومات لا تقف مكتوفة الأيدي أمام الشعوب؛ تكونت الحكومة لجنة أطلق عليها "لجنة كريل" تتلخص مهمتها في تغيير رأي الشعب الأمريكي تجاه الحرب. وفي غضون ستة أشهر نجحت اللجنة فيما أُسنِد إليها، وتحول الشعب الأمريكي إلى داعٍ للحرب وليس فقط موافقا عليها! … فماذا فعلت لجنة "كريل" وكيف تم الاستحواذ على الرأي العام الأمريكي؟
يشير آرثر آيا بيرغر، مؤلف كتاب "وسائل الإعلام والمجتمع" إلى تعرض جهازنا الحسي في الخطاب الإعلامي لوابلٍ مستمرٍّ من الصّور سريعة الحركة والمؤثرات التي تؤدي في نهاية المطاف إلى أن تصبح قدرتنا على اتخاذ قرارات ومواقف عقلانية إزاء أي شيء أمرا صعبا، فالأخبار التي تصلنا بحسب تود غيتلين مؤلف "وسائل إعلام بلا حدود" ليست مرآة تعكس العالم؛ إنها منتج صناعي ونسيج معرفي يعزز مجموعات من الأفكار والإيديولوجيات...، العالم بشكل، ووسائل الإعلام تظهره بشكل آخر وفق ما يفسره المحررون وغيرهم ممن يتحكمون في الصور التي يسمح لنا رؤيتها والكلمات المسموح لنا سماعها أو قراءتها...
من هنا تأتي اهمية تحرير العقل من سلطان الوهم والخداع ليصبح قادرا على فضح التزييف والتشويه الاعلامى المتعمد لادراك الواقع من حيث كونه واقعا كما يجب أن يكون لا كما يرغب آخرون فى رؤيته... ان الاعلام في النظام الديمقراطي هو بمثابة الهراوة في الدولة الشمولية لتضليل الشعوب لدرجة تدفعهم إلى الموافقة على أمور لا يرغبون فيها من الأساس، بل وخارج نطاق اهتمامهم .. والهدف هو أن تغزو وسائل الإعلام العقل وهو في هذه الحال "المحيرة" بعد تشتيته والتدليس عليه، فتشكله ما استطاعت، وتحركه ما أرادت، وتوجه عناصر تفكيره إلى ما هدفت بالتزوير على الواقع، لتفصل الناس عن واقعهم، وهذه المسألة واحدة من درجات ما يمكن تسميته بغسيل المخ الجماعي، أو تزييف الوعي ، إن التأثير على وعي المجتمع هو الهدف الذي تسعى إليه كل الأطراف المتداخلة في تشكيل وعي المجتمع بغض النظر عن توجهاتها الإيديولوجية والفكرية والسياسية مستعملة في ذلك كافة الوسائل المشروعة وغير المشروعة الظاهرة والباطنة، هدفها في ذلك كسب المزيد من المنخرطين في دائرة الوعي المنشود لديها، ولكن كلما ازدادت ثقافة الناس وتفتحت عقولهم، ضعف فيهم أثر التنويم الإجتماعي، وتزييف وعيهم ومخاطره ذلك ان الكثير من عوام الناس يعتمدون في تشكيل فهمهم للعالم على ما يصلهم عبر وسائل الإعلام.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - مقالة جيدة جدا
مجدي محروس عبدالله ( 2017 / 4 / 10 - 20:29 )
ممكن اسماء لمراجع اجنبية لقراءة عميقة لهذا الموضوع
وشكرا

اخر الافلام

.. أهلا بكم في أسعد -أتعس دولة في العالم-!| الأخبار


.. الهند في عهد مودي.. قوة يستهان بها؟ | بتوقيت برلين




.. الاحتجاجات المؤيدة للفلسطينيين تزداد في الجامعات الأمريكية..


.. فرنسا.. إعاقات لا تراها العين • فرانس 24 / FRANCE 24




.. أميركا تستفز روسيا بإرسال صورايخ سراً إلى أوكراينا.. فكيف ير