الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أعياد (اكيتو) والدلائل التاريخية لميثيولوجيا الأشورية

فواد الكنجي

2017 / 3 / 31
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات


قبل ألاف السنين نظم الأشوريين حياتهم بنظام خاص حددوا بداية السنة الأشورية لتكون منطلقا لبداية مشوار حياتهم اليومية .
فعبر مكتشفات وتنقيب الآثار التي باشرت البحث عنها الكثير من البعثات العلمية القادمة من عدد من دول الغرب إلى منطقة الشرق الأوسط وتحديدا إلى بلاد الرافدين (العراق) قبيل منتصف القران الماضي أسفرت عن وجود دلائل بان سكان بلاد الرافدين ابتكروا فكرة بناء منزل ليؤوى فيها، وقد قاموا ببناء مساكن بسيطة لهم مصنوعة من الطين والحجر ليحتموا من ظروف المناخية ومن الحيوانات المفترسة، وقد اكتشفوا باحثي الآثار عن مستوطنات زراعية في منطقة ( جرموا ) قرب مدينة كركوك، وقد أجريت اختبارات عن طريق المسح بالاشعاء الكربوني لطبقات الأرض فوجدوا بأنها تعود للفترة لمحصورة ما بين( 8830 - 11240 ) سنة، وخلال الرقم الطينية المكتشفة في (جرمو) ومواقع أخرى من بلاد الرافدين وجدوا أسماء لسبعة عشر ملكا حكموا منطقة (جرمو) وكان الملك الخامس عشر من بين هؤلاء الملوك اسمه (اشبويا) كما ذكر في إحدى الرقم الطيني، الذي أمر ببناء بيتا ليكون بمثابة (هيكل الإله أشور ) مبني من الحجر والطين وكتب بالخط المسماري على رقم حجري وضع فوق بوابة الهيكل (( انا ملك اشبويا بنيت هذا البيت للإله أشور)) وقد كتب وصية لكل من يأتي بعده من ملوك ليحكم المدينة، بعدم مساس هذا البيت، وأمرهم بان يعيدوا بناه من جديد كل مائتان وخمسون سنه لكي يرسلوا رسالة إلى الإله (أشور) بأنه ما زال يعيش في بيت جديد، وفي فترة لاحقة اكتشفوا الاثاريين لوحة طينية تعود إلى ( القرن التاسع قبل الميلاد ) أشير فيها بان احد ملوك (الأشوريين) أعاد بناء هذا الهيكل للمرة (22) للإله (أشور)، ومن خلال اكتشاف لهذا الرقم الطيني تم تحديد( سنة 4700 سنة ق.م ) فترة التي حكم فيها الملك الأشوري (اشبويا) منطقة (جرمو).
وهكذا اعتمدت سنة (4750) وهي سنة التي تم بناء هيكل (الإله أشور) واعتبرت بداية لسنة (الأشورية) وعليه سيكون تاريخ السنة الأشورية لهذا العام (2017 - ميلادي) هو (6767 - أشوري)، حيث تنطلق امتنا الأشورية باحتفالاتها بعيدهم القومي الذي يصادف الأول من نيسان من ذلك التاريخ والى يومنا هذا.
فالأول من نيسان بخلفيته التاريخية والفلسفية له دلالات تراثية وفكرية وقومية عريقة لدى الأمة الأشورية حيث يعتبر شهر نيسان هو شهر انبعاث الطبيعة وتجددها، ولهذا فهو شهر مبارك بالنسبة للآشوريين وكل أبناء وادي الرافدين باعتبارهم من سلالة وأبناء امة أشور، كما كان يعتبر منذ آلاف السنين، حيث كان الاعتقاد السائد آنذاك بأن سبب انبعاث الطبيعة في شهر نيسان، حيث يتساوى الليل مع النهار ويعتدل المناخ، فينزل الآلهة إلى الأرض وينتصر بعد صراعه مع الآلهة الشرير، ليتم له زواجه من الإلهة عشتار(آلهة الخصب)، فتنبعث الحياة على الأرض بالحب والسلام مع انبعاث الربيع وبدئه، وقد سميت هذه الاحتفالات بـبداية رأس السنة الأشورية بـ(أعياد اكيتوا )، لنظر لكون احتفالات تمتد إلى (اثني عشر يوما) بقدر عدد أشهر السنة ويبدأ في الأول من شهر نيسان والذي يتقارب مع يوم 21/آذار من التقويم الحالي وهو يرمز لبداية فصل الربيع وتساوي زمن الليل مع زمن النهار.
حيث تبدأ الاحتفالات كما دونت في الرقم الطينية المكتشفة، في مكتبة الملك الأشوري(آشور بانيبال)*، منذ اليوم الأول وحتى يومه الأخير بكل ما يوحي لنا بأننا فعلا أمام حضارة إنسانية راقية جعلت طقوسها وأعيادها ومناسباتها تمثل شكلا من إشكال النضوج الفكري والعقائدي تناظر بالمحتوى والشكل الاحتفالات التي تقيمها الدول الحديثة والشعوب في مناسباتها وأفراحها رغم البعد الزمني فيما بينهما.
ورغم إن (الآشوريين) اليوم يؤمنون بالديانة المسيحية وبتعاليمها، إلا إن كنيسة( المشرق الأشورية) التي أغلبية الأشوريين يؤمنون بطقوسها الشرقية لم تمنع من مزاولاتها كجزء من تراث، بل سعت على الاحتفاظ بها وبغيرها من العادات وتقاليد الأشورية المتوارثة من جيل إلى جيل، والتي كان لها دور كبير في المساهمة بالحفاظ على بعض التقاليد القومية للأمة الأشورية على مر العصور، ومن هنا فان الأشوريين اليوم مازالوا يحتفظون و يحتفلون بأعياد (آكيتو)، وبقوا يعتبرون شهر (نيسان) شهر الانبعاث والتجدد، بنفس المعنى القائم قبل الميلاد، ولكن بطريقة تتماشى من روح العصر والتجدد والتحضر، ومن تلك العادات وتقاليد المتوارثة نلاحظ إلى يومنا هذا بان الكثير من العوائل الأشورية تعلق على مداخل ابواب منازلهم في مطلع الصباح الأول من شهر نيسان باقة من الإعشاب البرية الخضراء وتُسمى بـ( لحية نيسان او ذقن نيسان) وهو واحد من الممارسات الرمزية يمارسها الأشوريين لإثبات تمسكهم بالموروث والعادات القومية الأشورية التي نحتفظ بها إلى يومنا هذا، وباعتباره كرمز لبداية الربيع وانبعاث بركاته وخيراته وبداية السنة الأشورية، لكون الطبيعة تنبعث بالحياة حيث تنبت الحبوب المزروعة والإعشاب البرية وتنمو براعم الأشجار وتزهر وتخضر أغلبية النباتات والإعشاب والأشجار والشجيرات والزهور والإزهار البرية، وبهذا يكون شهر نيسان شهر الخير والعطاء ويعطي البهاء والجمال للطبيعة.
إما الاحتفالات المعاصرة بأعياد اكيتو (رأس السنة الأشورية) فتتميز بطابعها الشعبي المميز بتنظيم مسيرات شعبية ومهرجانات وتقديم العروض الراقصة وأغاني فلكلورية متنوعة ويرتدون أزياء شعبية زاهية حيث يتجمع المحتفلون بأعداد هائلة في أحضان الطبيعة التي تلبس ثوبها الأخضر وبألوانها و زهورها. ومنذ القدم ظل أجدادنا يواكبون ممارسة طقوسهم في الاحتفال بهذه المناسبة الميمونة منذ مطلع الصباح وحتى المساء، فمنهم من يقوم بذبح ذبائح وعمل مشاوي ومنهم من يوزع الحلوى ويعدون إشكال وأنواع من الأطعمة ...والخ والكل يشارك محتفلا بطريقته الخاصة بهذا اليوم المبارك من أول من شهر نيسان .
ولهذا يعتبر الأول من نيسان عيدا قوميا أشوريا بالدرجة الأولى بحيث من النادر أن نرى آشوريا لم يشارك ولم يحتفل بهذا الاحتفال، فمع شروق شمس في الأول من نيسان تنطلق الاحتفالات برأس (السنة الأشورية الجديدة - اكيتو) من كل عام، فتزين مداخل البيوت ويضع ( ذقن نيسان والورود الجميلة ) عليها، ويصبح كل شيء من حولنا ربيع حقيقي، وقد بات الاحتفال باكيتو من المناسبات القومية يحتفل بها آشوريين أينما وجدوا، كمناسبة لإثبات الوجود الآشوري في العصر الحديث، لتتحول مناسبة رأس السنة الآشورية (اكيتوا) إلى علامة تواصل الهوية القومية الآشورية على مر الزمن .
وحول ميثيولوجيا الأشورية (( وميثولوجيا تعني علم الأساطير المتصلة بالآلهة وأنصاف الآلهة والأبطال الجغْرافيين عند شعب من الشعوب))، في قصة أعياد (اكيتوا) المتوارثة يأتي منبعها حين فطن الأشوريون القدامى على علم الفلك والتنجيم الذي أورثوه من أجدادهم البابليين حيث استطاعوا مراقبة النجوم والكواكب والإجرام السماوية وسجلوا كل الظواهر الطبيعية، وعلى ضوء ما أرخوه نظموا مواسم الزراعة وحددوا أنواع الحبوب التي تزرع في كل موسم بدقة متناهية فقسموا السنة الواحدة إلى اثني عشر شهر والشهر إلى سبعة أيام واليوم قسموه إلى ساعات وظل هذا التقسيم الفلكي ودورانه أساس لتقسيم الأزمنة إلى يومنا هذا، وعبر هذا التقسيم الدقيق وضعوا تواريخ وأسماء الأشهر في تقاويم السنة فسموا شهور السنة بأسماء الإلهة، فشهر (نيسان) جاء نسبة إلى (الإله نيسانو) وشهر (تموز) نسبة إلى (الإله تموز) وشهر (ايلول) نسبة إلى (الإله أنليل) وعلى نفس المنوال كنيت بقية الأشهر.
ومن هنا فان (الأشوريين) اتخذوا من بداية شهر نيسان كأول يوم من بداية السنة الأشورية الجديدة، واعتبروه يوم (رأس السنة الجديدة) وكبداية الخليقة، نسبة لربطهم ببدء موسم اعتدال الربيع وتساوي ساعات الليل مع النهار ونمو العشب والزرع وتكاثر الحيوانات، والذي أصبح فيما عيدا دينيا وقوميا ليس فحسب للأشوريين بل لجميع ساكني حوض بيت النهرين (العراق) والذي أستمر لآلاف السنين والى يومنا هذا حيث يحتفل بهذا العيد الذي سمي بـ( أعياد اكيتو) كونه يستمر اثني عشر يوم لكل يوم طقسه الخاص .
ففي اليوم الأول يعتبر يوم خاص لشكر الإله (اشور) الذي أنعمنا باعتدال الطقس ونمو النباتات الذي كان مصدرا أساسا للحياة فيقوم الملك بالتجوال حول تمثال (الإله أشور) ويغطيه بنبات الشعير للتعبير عن شكره للمحاصيل الوفيرة بينما يقوم كاهن بيت(الإيساغيلا) لـ(بيت مردوخ- بيت اشور) بتلاوة طقوسٍ بمشاركة كهنة المعبد والشعب حيث يبادرون بتلاوة طقوسٍ معينه متجهين مع الكاهن الأعلى(الإيساغيلا) كل صباح لطلب الغفران من الإله(مردوخ - أشور) ، راجيا إياه حماية الأرض.
إما اليوم الثاني والثالث، فكانت الصلاة المقامة تقدم المجد للإله المقدس مع سلسلة الطقوس الدينية والسحرية التي كانت تجري على يد كاهن بيت (الإيساغيلا) في الهيكل الخاص بالإله، وكان يبدأ بالتجوال حول الهيكل ويقيم الصلوات وهم ساجدون باتجاه (القبلة) التي كانت باتجاه شروق الشمس حيث اعتبروا الشمس مركز الكون وينبوع الحياة على الأرض، وهذا الاتجاه للقبلة اتخذتها (كنيسة المشرق الأشورية) اتجاها لتمارس طقوسها الدينية إلى يومنا هذا عند الصلاة.
إما في اليوم الرابع، فتقام بتذكير الملك وحاشيته وجميع سكان المملكة بيوم بدأ الخليقة، حيث يقوم رئيس الكهنة بتلاوة سفر الخليقة (إينوما إيليش) بمعنى (عندما في العلى) بالكامل للملك ولجميع أبناء الشعب لتحكي عن بدء الكون وتكوين الفصول، وبان في إتحاد قوة كافة الآلهة في (الإله مردوخ – أشور) بعد انتصاره على التنين (تيامات)، وثم تقوم مجموعة بأداء مسرحية ترمز لتفاصيل ملحمة الخليقة، وبعدها يعلنون رسميا بدأ السنة الجديدة في الصباح، لتحضير لطقوس اليوم الخامس من آكيتو لخضوع الملك أمام الإله(مردوخ – أشور) .
إما في مطلع يوم الخامس، فهو يوم خاص لتقديم القربان والذبيحة للإله وتقديس الهيكل بمسح جدرانه بالدم، وتقديس مياه (نهر دجلة) بإلقاء الذبيحة والمحرقة فيه، ليكون يوم الخضوع لملك أمام الإله (مردوخ - أشور)، حيث سيدخل الملك الى بيت(الإيساغيلا) برفقة الكهنة، ويتجهون نحو المذبح، فيدنو الكاهن الأعلى لـ(لإيساغيلا) من الملك ليأخذ دور الإله (مردوخ- أشور)، ويبدأ بتجريده من حليه وصولجانه وحتى تاجه، ثم يصفع الملك بقوة حيث يركع الأخير ويبدأ بتلاوة الغفران وإعلان خضوعه للإله (مردوخ - أشور) قائلا:
(( أنا لم أخطئ يا سيد الكون، ولم أهمل أبدا جبروتك السماوي...))
ويرد عليه الكاهن بدور الإله (مردوخ- أشور) :
(( لا تخف مما يقوله (مردوخ - أشور) ، فسوف يسمع صلواتك ويوسع سلطانك، ويزيد عظمة ملكك...)).
وبعدها يقف الملك فيعيد إليه الكاهن حليه وتاجه ثم يصفعه مرة أخرى بقوة على أمل أن يذرف الملك دموعه، لان ذلك سيعبر عن المزيد من الخشوع للإله (مردوخ- أشور) والإجلال لسلطانه، وعندما يقوم الكاهن بإعادة التاج إلى الملك، وهذا يعني تجديد السلطة من الإله (مردوخ - أشور)، وبذلك سيعتبر نيسان تجديدا ليس للطبيعة وللحياة فحسب، بل لنظام الدولة كذلك.
وهكذا ستجعل هذه المراسيم أعظم وأرهب الشخصيات في ذلك الزمان من ملوك (بابل ونينوى)، ترضخ للإله الأعظم، وتعيش لحظة تواضع مع عامة الشعب ومن كافة الطبقات، مما سيؤدي إلى تضرعات يشارك فيها الشعب بأكمله، ليثبت إيمانه أمام جبروت (الإله أشور)، وبعد نزول الإله إلى بيته الأرضي (بابل- ونينوى)، وتجديده لسلطان ملكها، يبيت الإله (مردوخ – أشور) في (جبل العالم السفلي)، وهو برج مؤلف من سبع طوابق، عرف بـ(برج بابل)، وفيه بيت (مردوخ – أشور)، أو(إيساغيلا)، ففي هذا اليوم من تقليد (آكيتو) يكون الإله (مردوخ - أشور) قد دخل بيته ويفاجئ بالآلهة التي سيتعارك معها ويؤسر في الجبل، بانتظار وصول أبنه الإله (نابو) الذي سينقذه من الموت والعدم ويعيد مجده.
إما في اليوم السادس، وهو من أهم أيام الاحتفال للملك والطبقة السياسية، حيث كانت تجري تغيرات سياسية وقانونية في المملكة، حيث يصل الإله (نابو)، برفقة أعوانه من الآلهة الشجعان القادمون من (نيبور) و (أوروك) و (كيش) و (أريدو) وهي مدن تقع في بيت نهرين - جنوب العراق، بواسطة المراكب، (كانت الآلهة المرافقة لـ(نابو) متمثلة بتماثيل رمزية توضع في مراكب صنعت خصيصا لهذه المناسبة)، وهنا يبدأ الشعب بالسير بأعداد هائلة وراء الملك باتجاه بيت(الإيساغيلا) حيث (مردوخ - أشور) أسير هناك، مترنمين أغنية مطلعها:
((..هو ذا القادم من بعيد ليعيد المجد إلى أبينا الأسير..)).
وفي هذا اليوم يصغي الملك الأسير ويستمع للإله المقدس ويقدم صلاة الغفران، ويؤدي القسم اليميني لإتمام الواجبات الموكلة إليه لحماية مملكته من الأعداء، وكذلك كان يقوم الملك بالتضرع والتوسل للإله لأعطاه حكم عادل ليحكم وتقديس مملكته من قبل عامة الناس.
إما في اليوم السابع، فهو يوم خاص تقام فيه مقارنة بين ألنظام السياسي الحاكم المستقر والأمن وبين السلطة السياسية المضطربة والفوضوية وتأثيرهم على حياة الناس وكيفية اهتمام السلطة الشرعية بحياة الناس، حيث كان الملك ينزل في هذا اليوم من عرشه ويعلن للناس بأن الإله قد هاجر وصعد الى السماء بعد إن قام الإله (نابو) بتحرير الإله (مردوخ- أشور) في اليوم الثالث من الأسر، حيث كانت الآلهة الشريرة قد أغلقت بابا كبيرا وراء (مردوخ – أشور) بعد دخوله بيته، وتعارك (مردوخ - أشور) معها، لحين مجيء (نابو) الذي يكسر الباب الصلب، وتبدأ معركة بين الفريقين ينتهي بهم الأمر إلى انتصار الإله (نابو) وتحرير الإله (مردوخ - أشور).
اما في اليوم الثامن، وهو يوم الذي يلي بعد تحرير الإله (مردوخ – أشور)، حيث تجمع تماثيل الآلهة في غرفة الأقدار(أوبشو أوكينا)، ليتم اجتماع الآلهة لتقرر مصير (مردوخ - أشور)، وينتهي الأمر بتجميع قوى جميع هذه الآلهة لتوهب مجددا إلى الإله (مردوخ - أشور)، وهنا يأتي الملك راجيا كل من الآلهة للسير مع (مردوخ- أشور) إكراما له، وهذا التقليد يدل على خضوع كافّة الآلهة إلى سيدها (مردوخ - أشور)، الوحيد في مرتبته، حيث يعود الإله إلى الأرض والملك يصعد إلى عرشه في المساء ويعود الأمن والنظام للمملكة مرة أخرى.
إما في اليوم التاسع، فان موكب النصر ستسير إلى بيت (آكيتي) وهو بيت الصلاة وهو المكان الذي يحتفل به بانتصار (مردوخ - أشور) في بدء الخليقة - على التنين (تيامات) آلهة المياه السفلى، على بعد حوالي 200 متر خارج سور المدينة، حيث الأشجار الغريبة المزينة، والمستقية بعناية فائقة لتليق بمستوى الإله الذي يعتبر واهب الحياة في الطبيعة، ويعبر هذا التقليد (موكب النصر) عن مشاركة عامة الشعب بالفرحة بتجدد سلطان (مردوخ - أشور)، وتدمير قوى الشر التي كادت أن تتحكم بالحياة منذ البدء.
إما في اليوم العاشر، فبعد الوصول إلى بيت (آكيتي- بيت الصلاة)، يبدأ الإله (مردوخ - أشور) بالاحتفال مع آلهة العالمين العلوي والسفلي، ومن ثم توضع تماثيل الآلهة حول طاولة كبيرة، بشبه وليمة، ويعود إلى قلب المدينة للاحتفال بزواجه من الآلهة (عشتار) في المساء، حيث يدخل الملك إلى غرفة خاصة في المعبد لزواج مع إحدى كاهنات المعبد ابتهاجا بهذه المناسبة وهذا ما يسمى بـ(الزواج المقدس) حيث يتم هذا الزواج بمشهد درامي يقوم فيه الملك بدور الإله (تموز) بينما الكاهنة بدور (عشتار) ويرمز هذا الزواج إلى استمرار الحياة وعدم توقفها وتتكرر هذه الاحتفالية في بداية كل عام، حيث تتحد الأرض مع السماء، وتطابقا مع زواج الآلهة يطبق هذا الزواج على الأرض كذلك، فيقوم الملك بتمثيل هذا الزواج مع كبرى كاهنات بيت(الإيساغيلا) حيث يجلسان سوية على العرش أمام الشعب ويبدآن بتبادل الأشعار الخاصة بهذه المناسبة، على أن هذا الحب هو الذي سيولد الحياة في الربيع.
إما في اليوم الحادي عشر، ففي هذا اليوم تعود الآلهة برفقة سيدها (مردوخ - أشور) لتجتمع في بيت الأقدار (أوبشو أوكينا) الذي اجتمعت فيه في اليوم الثامن للمرة الأولى، ولكن هذه المرة تجتمع لتقرير مصير الشعب، شعب (مردوخ - أشور)، وفي الفلسفة القديمة لبلاد (آشور) يعتبر الخلق - بشكل عام- هو تعهد بين الأرض والسماء على أن يخدم الإنسان الآلهة حتى مماته، وبالتالي لا تكمل سعادة الآلهة إلا بسعادة الإنسان الذي يخدمها لذا سيكون مصير الإنسان السعادة ولكن شرط أن يخدم الآلهة، إذ سيقرر (مردوخ - أشور) مع الآلهة عهدا جديدا لكل مدنه ويصعد عائدا إلى بيته العلوي (السماء).
وفي اليوم الثاني عشر، وهو اليوم الأخير من (آكيتو)، حيث تعود الآلهة إلى معبد سيدها (مردوخ - أشور) ، وتعاد تماثيل الآلهة إلى المعبد حيث تختتم الاحتفالات بإعطاء البركة للملك والشعب من قبل الإله وتوديع الضيوف والمشاركين والمتفرجين وتعود الحياة اليومية إلى بابل ونينوى... وباقي المدن الآشورية .
__________
* مكتبة الملك الأشوري العظيم (آشور بانيبال)، هو ملك الإمبراطورية الأشورية عاش في القرن السابع ق. م. حوالي 669 وتوفي في 627 ق.م.
لقب بملك العالم وهو آخر ملوك للإمبراطورية الآشورية الحديثة، عرفه اليوناني باسم (ساردانابالوس) ، وسمي في التوراة تحت اسم (أوسنابير).
كان آشور بانيبال هو حفيد الملك( سنحاريب)، وقد ذاعت شهرته كفاتح وملك عظيم بحيث عرف بلقب ( ملك العالم ) وقد وصل الملك( أشور بانيبال) إلى ذروة العظمة التي لم تعهدها في تاريخها، ولكنه اشتهر، بصورة خاصة، باهتمامه بالإنجازات السلمية وتشجيعها، فشيد في نينوى قصرا رائعا، تزين بعض جدرانه الداخلية بالمنحوتات والتماثيل الرائعة. وأنشأ مكتبة كبيرة، وجمع الكثير من ألواح الطينية والقوانين، وكل أنواع المواد المكتوبة وأسس مدارس وشق الطرقات وعبدها، وشيد مباني عامة، ومن أعظم انجازاته هو قيامة بانشاء مكتبة حيث أسسها في القرن السابع قبل الميلاد وسميت باسمه مكتبة الملك( آشور بانيبال( ، حيث احتوت مكتبته على مجموعة تقدر على آلاف ألواح الطين احتوت على موضوعات مختلفة تعود للقرن السابع قبل الميلاد.
وهذه المكتبة تعتبر أشهر المكتبات ليس في بلاد النهرين( العراق) فحسب بل في العالم اجمع، وقد اختلف العلماء حول عدد مقتنياتها حيث قال البعض بأنها تحتوي على إلف رُقم طيني، ويذهب البعض الأخر بالقول بأنها أكثر من ذلك بكثير، حيث احتوت هذه المكتبة على موضوعات مختلفة تعود للقرن السابع قبل الميلاد. ومن ثابت القول، بأن الملك (آشور بانيبال) قد جمع في هذه المكتبة كل ما وجده في القصور الملكية لأجداده من الملوك السابقين وأضاف إليها كل ما استطاع جمعه في عصره وحفظ فيها ألاف الألواح الطينية التي تمثل تراث حضارات ما بين النهرين في جميع فروع المعرفة وكانت المكتبة مفهرسة ومنظمة بصورة جيدة.
لقد تم العثور على بعض البقايا المتعلقة بالمكتبة في موقع حفر أثري في(كيونجيك) نينوى القديمة وعاصمة أشوريين والتي بنيت عليها مدينة نينوى الحالية، فمعظم اكتشافات الموقع تمت من قبل الرحالة وعالم الآثار البريطاني( أوستن هنري لايارد) حيث تم نقل معظمها إلى إنجلترا وتعرض بعض من بقايا المكتبة في المتحف البريطاني في لندن ومتحف اللوفر بباريس".








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. هل ساعدت كوريا الشمالية إيران بهجومها الأخير على إسرائيل؟ |


.. مسلسل يكشف كيفية تورط شاب إسباني في اعتداءات قطارات مدريد في




.. واشنطن تؤكد إرسال صواريخ -أتاكمس- بعيدة المدى لأوكرانيا


.. ماكرون يدعو إلى أوروبا مستقلة أمنيا ودبلوماسيا




.. من غزة| 6 أيام في حصار الشفاء