الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


اليمن في خطر!

منذر علي

2017 / 4 / 1
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي


يمكن القول ، دون مواربة، إنَّ إيران والسعوودية وأتباعهما المحليين، يدمران وطننا وينتهكان حقوق شعبنا في السيادة والاستقرار والسلام ، ويطوحان بكياننا الوطني، وعلينا ، كقوى سياسية وكأفراد وجماعات ، أن نخرج من المماحكة الصبيانية المنهكة والانتحار السياسي ، ونتحرر من التبعية للمهلكة السعودية التوسعية المجرمة ، ومن التبعية للمهلكة الإيرانية الإسلامية الطامعة الآثمة ، ونحرر وطننا ونصونه من التمزق ، ونساند شعبنا على الانعتاق من دائرة الموت التي تحيق به.
فاليمن اليوم في خطر كبير، والشعب اليمني مُعرَّض للقتل والتشرد والمجاعات والموت، ، بسبب التجاذب السعودي والإيراني الإجراميين في بلادنا ، وعلينا أن نخرج من أتون هذه الدائرة الجهنمية، التي تفتك بنا ، ليس من خلال الارتماء في أحضان المهلكة السعودية لكي نتحرر من المهلكة الإيرانية ، وليس من خلال الارتماء في أحضان المهلكة الإيرانية كي نتحرر من المهلكة السعودية، ولكن من خلال التحرر الكامل من المهلكتين الرجعيتين الآثمتين ، والركون إلى الشعب اليمني، المخلص الحقيقي من المهالك ، عَبْر التسلح بالكرامة والعزة الوطنيتين ، و السعي الحثيث لوقف الحرب الإجرمية ضد شعبنا ، وإقامة علاقات ندية مع العالم ، قوامها الاحترام ، والمنافع المتبادلة ، وليس التبعية الذليلة والتسول، وبيع وطننا وشعبنا بالمزاد العلني، تحت ذريعة عودة الشرعية السعودية أو طلب العون لصد العدوان السعودي ، كما هو الحال في الوقت الراهن، ومن ثم أرتهان اليمن شعباً وأرضاً لجحيم الحرب العدوانية المزدوجة.
وإذا كنا في الماضي البعيد قد وقعنا في خطئية الأعتماد على الفُرس للتحرر من الأحباش ، ثم أعتمدنا في وقت لاحق على البريطاننين للتحرر من العثمانين، وعلى العثمانيين للتحرر من البريطانيين، ثم أعتمدنا مرة أخرى على البريطانين والسعودين لمواجهة الطغيان الداخلي الإمامي ، وأسفرت تلك التبعية عن استعمار وطننا وتقسيمة ، والتفريط بأجزاء واسعة منه ، فأن علينا أن نتعظ من تجارب التاريخ، بأن لا نكرر تلك الأخطاء القاتلة.
السعودية قوة عدوانية ، توسعية ، غاشمة ، وهذا ما نعرفه عنها منذ 1934 ، غداة إحتلالها لجيزان ونجران وعسير اليمنية ، بالتنسيق مع الاستعمار البريطاني في الجنوب ، مروراً بالتنسيق مرة أخرى مع الاستعمار البريطاني ، للتآمر على ثورتي سبتمبر وأكتوبر المجيدتين في مطلع الستينيات من القرن المنصرم وحتى اليوم ، بصرف النظر عن ما تسوقه الأجهزة الإعلامية لها من فضائل كاذبة ، وبشكل لا يستقيم مع رذائلها الكثيرة ، باعتبارها: الحامية لحُمى الإسلام ، والناصرة للفقراء ، والداعمة لحقوق الإنسان "والمقاومة "للروافض" إلى آخر تلك التخريجات البليدة ، التي نسمعها صباحاً ومساء، وتلقى ترحيباً حاراً من الأتباع الخونة ،و قبولاً كبيراً بين السُذَّج من الناس.
فالنظام السعودي ، أيها اليمنيون والعرب ، ليس فقط مخاتل و معادٍ ويملك أطماعاً توسيعية في اليمن والكويت والأمارات وقطر وعمان ومصر، ولكنه يحتقركم، أي يحتقر كل الشعوب العربية الفقيرة، التي تناضل من أجل الحرية والعدالة والديمقراطية والكرامة الإنسانية ، وفي المقابل، فهو نظام صاغر ، خانع ، ذليل أمام العدو الصهيوني والقوى الامبريالية الكبرى في العالم. والأمر ذاته، يصدق أيضا على الأنظمة الشائنة الموالية له في كل من الإمارات، وقطر، والبحرين، وحتى النظام الفاجر والمُأجور في الخرطوم، الذي يشارك العدوان السعودي على بلادنا.
أما النظام الإيراني ، فأنه لا يرى في اليمن مجرد "مليحة عاشقاها السل والجرب" ، ولا يرى في العروبة مجرد خريطة مصبوغة بالدم "لا ينم على وجودها اسم ولا لون ولا لقب" ، على حد تعبير شاعرنا الكبير عبدا لله البردوني ، فحسب ، بل يرى في الأنظمة العربية مجتمعة ، المزدحمة بالجنون و بوباء التخلف، أقل من " فسوة دجاجة" عابثة تتمرغ فوق مزابل التاريخ، منذ إنحسار المد القومي العربي ، وانكسار النزعة التحررية الديمقراطية التقدمية في العالم العربي، عقب سقوط المعسكر الأشتراكي و أنحطاط الأنظمة الرجعية العربية، وتوحش الأنظمة الغربية في عصر العولة الأمبريالية التي تكتسح العالم.
حقاً إنَّ دول الخليج متخمة بالمال، الذي أكتشفته بالصدفة ولم تخلقه عن جهد وسابق تدبير ، ولكن هذه الدول الغازيِّة ليس لديها فائض أخلاقي. الأدهى من ذلك إنَّ فوائضها المالية الهائلة، تجعلها قادرة على تشويه الإخلاق ، وعلى نشر الإملاق ، و على شراء أنماط معينة من الأفراد والحكام والأنظمة المنحطة ، رخيصية القيمة، ولكنها لا تستطيع شراء الشرفاء، باهظي القيمة. فالسعودية ، مثلاً ، لم تستطع شراء رجالاً وطنيين من الوزن الثقيل ، أمثال الرئيس إبراهيم الحمدي ، أو الرئيس سالم ربيع علي، أوالقائد اليساري عبد الفتاح إسماعيل أو غيرهم، ولكنها أستطاعت شراء القاضي عبد الله الحجري ، الذي تنازل لللسعودية عن جيزان ونجران وعسير في 13 مارس 1973 ، وشراء المقدم أحمد حسين الغشمي ، الذي غَدربالرئيس الوطني إبراهيم الحمدي في 11 أكتوبر 1977 ، وشراء الرئيس عبد ربه منصور هادي ، الذي سوَّغ لها العدوان على اليمن في 26 مارس 2015 ، وهي تستطيع شراء دول تلعق بؤسها وهوانها ، مثل القيادة السودانية ، ولكنها لا تستطيع شراء دول حرة ومقاومة للشر الامبريالي المستطير مثل كوبا أو فنزويلا. فالنظام السوداني المكركب ، مثل سفينة خربة ، بقيادة الحاكم المستميت، رمز الطواغيت ، المتبجح الخرتيت، المستلهم للعفاريت ، الصانع للتوابيت ، الذي نجح في جلد فتاة سودانية ، لمجرد أنها لبست بنطالا ، و لكنه خلع ملابسة كاملة ورقص عارياً أمام القوى الرجعية والصهيونية، وفشل في الحفاظ على وحدة السودان ، فهذا الزعيم المسخ، لم يكن لديه من خيار آخر سوى أن يبيع نفسه بثمن بخس "لدول الغاز" المعجونة بالدم ، التي تشكل عار على الأنسانية، في العقد الثاني من القرن الواحد والعشرين.
أما النظام الإيراني ، ذو التوجهات القومية العنصرية ، والنزعة الثورية المتنامية ، والميول الإسلامية الأممية التوسعية المعروفة، فله قصة آخرى. فهو وأن كان لا يمثل المستقبل ، إلاَّ أنه و بصرف النظر عن موقفنا منه ، ليس لديه المال الوافر، على الأقل في الوقت الحاضر ، بسبب الحصار الاقتصادي والمالي المضروب حوله ، والذي لم يُرفع بعد بشكل كامل ، ولكن من الواضح أنَّ لديه الطموح الهائج والمذهب الرائج ، المصبوغ ، أيديولجياً، بدم الشهيدين النبيلين، الحسن والحسين، و الانتشار الواسع ، والنفوذ الناجح والمتزايد ، ليس فقط بسبب نزوعه الطائفي الجليّ ، والاستفادة من ذلك، من خلال الأتكاء على روح الأنقسام التاريخي بين المسلمين، الشيعة والسنة، كما يروِّج ضيقي الأفق ، ولكن أيضاً بسبب عدائه الفعلي والمُعلن للعدو الصهيوني ، و بسبب دعمه الكبير للمقاومة الفلسطينية واللبنانية ، وبسبب نجاح تلك المقاومة في مواجهة العدو الصهيوني في كلٍ من غزة و جنوب لبنان؛ وبسبب إنفتاحه على القوى التقدمية في العالم ، وخاصة في أمريكا اللاتينية وأفريقيا وآسيا ، و بسبب دفاعه المعلن والمحتمل، عن المستضعفين في الأرض ، وبسبب نخبته السياسية الماهرة وحكمتها المتميزة ، وصبرها الاسترتيجي المعهود ، التي مكَّنها أن تبحر بنجاح منقطع النظير عَبْر العواصف السياسة الدولية الهائجة ، وتتجنب حتى الآن الوقوع في المصيدة الأمبريالية الأشد فتكاً .
ولئن كان النظام الإيراني ، لا يمثل المستقبل ، إلاَّ أنه و بسبب استقلاليته السياسية وعزته القومية الأكيدة ، وبسبب نهضته العلمية ، التي تثير الإعجاب. فصناعته العسكرية المبهرة ، على الرغم من الحصار الخارجي ، الذي يطوقه من كل حدب وصوب، هي إنجازات كبيرة ومشهودة ، يعترف بها حتى أشد خصوم إيران عداءً ، من الطائفيين المحسوبين على "التيار السني" ، أمثال الشيخ أحمد الأسير وغيره. أما الحوثيين ، المضحُوك عليهم ، المستأجَرين بقليل من المال، وبكثير من البنادق والمدافع، والمدجنين بالأوهام والبلاهة ، فأنهم مسكونين حتى التشَّبُع، بكم هائل من الخرافات والحماقات، وبالتالي ، فأنهم يسعون ، بجنون وتهور، وتحت ذرائع غبية مختلفة ، للهيمنة الطائفية على الشعب اليمني، و قد أفلحوا ، وبشكل لا يحسدون عليه، في تفعيل النفوذ الإيراني المتزايد في اليمن ، و تمزيق النسيج الاجتماعي والوطني ، وإضعاف المقاومة الوطنية للعدوان الخارجي السعودي، وهم ، على أية حال ليسوا قادرين حتى على إدارة كهف للموتى ، ناهيكم عن إدارة دولة مدنية حديثة ، كما يزعمون.
نحن في مأزق كبير ، فإنحسار قوى اليسار ، أدى إلى هيمنة القوى التقليدية المتخلفة على المسرح السياسي في اليمن ، كما توقع ، ببصيرة نافذة القائد اليساري البارز الشهيد جارالله عُمر منذ آواخر الثمانينيات. إنَّ قوى الشر الطائفية المهيمنة كان لا بد وأن تصطدم مع نقيضها الطائفي ، وحظيت القوتين الطائفيتن المتصارعتين بدعم من قوى الشر التوسعية المتعارضة في الخارج. وعليه ليس أمامنا من خيار سوى التحرر من قوى الشر.
غير أن مقاومة الشر الداخلي لأنصار إيران ، المسنود خارجياً بقوى شريرة متخلفة كأيران ، لا يتأتى من خلال الأعتماد على القوى الأكثر شراً وتخلفاً في تاريخ الأنسانية كالسعودية ، الوثيقة الأرتباط بالقوى الصهيونية والأمبريالية. كما لا يمكن ، بالمقابل ، الأعتماد على أيران الرجعية الطائفية التوسعية للتحرر من المهلكة السعودية الطامعة.
وخلاصة القول، فإن الدول الخارجية كالسعودية ودول الخليج ، وإيران ، تسعى جاهدة ، وتحت ذرائع ماكرة، لأن تجعل اليمن ، الأكثر خلوداً في التاريخ ، مجرد مستعمرة تتقاسمه فيما بينها ، وها هي القوى الشريرة قد بدأت تعمق سيطرتها على بعض المناطق اليمنية. فنفوذ أيران يتزايد في صعدة ، وسيطرة الإمارات على عدن وسقطرة لا تخطئها العين ، والنفوذ السعودي يتسع ويتعمق في كل من مأرب وحضرموت.
والرئيس المخلوع علي عبد الله صالح ، الغارق في بحر من الأزمات حتى أذنيه ، يسعى لإنقاذ نفسه من الغرق ، ولكنه ، وهو السياسي الماكر ، يأمل ، وبمساعدة إيرانية ، أن يجعل الوطن مستعمرة لعائلته، والشعب مجرد عبيد وأتباع له، سوى حقق ذلك بمفرده ، أو مع حلفائه الحوثيين ، وفقاً لصيغة طائفية مقيتة، قد تنجح في الأمد القصير ولكنها حتماً ستبؤ بالفشل على المدى الطويل.
أما الرئيس المخلول عبد ربه منصور هادي، الذي قذفت به الأقدار السياسية ليكون رئيساً لليمن ، فهو مظلوم بائس ، ليس له قاعدة شعبية في اليمن ، وغدا مجرد أجير خاضع لتنفيذ الأملاءات السعودية ، والإماراتية ، والتنسيق بين مواقف القوى المتعارضة ، المناهضة لأنصار إيران وعلي عبد الله صالح ، التابعة لكل من السعودية والأمارات وقطر، ولن يكون في مقدوره العودة بشكل نهائي إلى عدن والأستقرار فيها ، ناهيك عن العودة إلى العاصمة التاريخية صنعاء.
هذا هو، باختصار شديد، المشهد السياسي اليمني، وهذا هو خيار أعداء الوطن ، المتمثل في القوى الخارجية وأتباعها في الداخل. والسؤال ، هو ماذا ينبغي أن يكون عليه خيارنا ؟
في تصوري لا ينبغي أن نكون عبيداً لهيمنة القوى الإقليمية والدولية في الخارج، أو عبيداً لهيمنة القوى الطبقية والطائفية في الداخل . نقطة على السطر. و بعبارة أكثر وضوحاً ، لا ينبغي أن نقبل ، بأي حال من الأحوال، بالاستعمار الخارجي، أو بالاستعمار الداخلي ، وعلينا أن نبحث عن مصادر للقوة الحقيقية ، ليس هناك خارج الحدود ، ولكن هنا في أرضنا ، وفي نفوسنا وبين أبناء شعبنا ، وليس لدي طغاة الخارج ، مثل السعودية وإيران ، وليس لدي طغاة الداخل ، مثل علي عبد صالح والحوثيين والقوى الأنفصالية والدينية المتطرفة كالاصلاح والقاعدة وغيرها من القوى الفاجرة ، المعتمدة على الخارج، التي لا تريد لشعبنا سوى التبعية والعبودية.
إذَنْ ، لنوحد طاقات الشعب الحيَّة على أهداف واضحة من أجل صد العدوان الخارجي الماكر ، وكسر شوكة العدوان الداخلي الفاجر. وعلينا ، كشعب ، أن ننتزع حريتنا بأنفسنا ولأنفسنا، ونحكم أنفسنا بأنفسنا ، دون وصاية عدوٍ خارجي ، أو طاغية داخلي .
ولكن كيف؟
لنعود إلى تاريخنا الوطني ونتعلم منه. لقد ضربت المقاومة الشعبية الوطنية في آواخر الستينيات ومطلع السبيعينيات من القرن الماضي، عقب جروج الجيش المصري من اليمن، نموذجاً ثورياً فذاً ، من خلال حشد الشعب اليمني ، من مختلف مناطق اليمن، دون حساسيات قبلية ، أو طائفية أو جهوية ضيقة ، و تم تدريبه ، ومنحه اللياقة البدنية اللازمة ، وتم تسليحه بالوعي الوطني ، أولاً ، من خلال المشاركة الفعالة للمثقفين الطليعيين ، أمثال ، عمُر الجاوي ، ومالك الأرياني ، ويحيى الشامي ، وزين السقاف ، ومحمد الفضلي ، ويوسف الشحاري ، وناصر الكميم ، وعلي الأشول ، وناصر السعيد ، وسيف أحمد حيدر، ومحمد حنيبر ، وعبد القادر سعيد ، ويحيى عبد الرحمن الأرياني ، وجار الله عمر ، ويوسف الشحاري ، وعلي مهدي الشنواح ، وعبد الله الأشطل ، وأحمد قاسم دماج ، وعبده علي عثمان ، وسلطان أمين القرشي ، وعبد الوارث عبد الكريم ، وأخرون كثيرون، ومن ثم تسليح الشعب بالبندقية ، فقبض العقل على البندقية ، وتحكم في تصويبها تجاه العدو ، حيث لم يكن امامه من خيار آخر سوى إستخدامها للدفاع عن السيادة الوطنية ، وصد العدوان الملكي المدعوم من السعودية وإيران الشاه والقوى الأمبريالية الكبرى ، وخاصة بريطانيا و الولايات المتحدة الأمريكية. وأمكن للمقاومة الشعبية المنظمة ، الواعية ، في تعاضد مكين مع الجيش الوطني ، بقيادة النقيب البطل عبد الرقيب عبد الوهاب ، رئيس هيئة الاركان العامة ، ورفاقه أمثال عبد الرقيب الحربي ، وحمود ناجي ، ومحمد مهيوب الوحش وغيرهم ، أن أن يفكوا الحصار عن العاصمة صنعاء ويدحروا العدوان الملكي السعودي الأمريكي الغاشم ، ويتمكنوا من النصر، بصرف النظر عن ما آلت إليه الأوضاع السياسية بعد ذلك ،جراء المؤمرات والمساومات بين الجناح الجمهوري التقليدي في السلطة و المهلكة العربية السعودية، التي أمكن لها أن تهيمن سياسياً وأيدلوجياً ، في توازٍ مشين مع الهيمنة الصهيونية العسكرية ، عقب هزيمة 1967 ، و أنكفاء المد القومي العربي ، عقب وفاة الرئيس جمال عبد الناصر ، وبروز التيار الأرتدادي الإنفتاحي الساداتي المساوم ، والمتوائم مع التوجهات الإسرائيلية والأمريكية.
وهناك مثال آخر، سبق حصار صنعاء ، وتجسد في منطقة ردفان الأبية ، المشهود لها ، بالمبادرة والإقدام ، عند انطلاقة ثورة 14 أكتوبر 1963، ضد المستعمر البريطاني ، بقيادة الشهداء الأبطال أمثال غالب لبوزة ، وعلي عنتر وعلى شائع وصالح مصلح وغيرهم، فقد اعتمدتْ على أبنائها ، وعلى أشقائها في عموم الوطن اليمني ، دون تدخل خارجي مباشر ، وشكلت تلك النواة الثورة الباسلة مركز استقطاب للثوار وإلهاماً للحركة الكفاحية المسلحة ، بقيادة الجبهة القومية في عموم الجنوب اليمني المحتل، وهزمت تلك النواة الثورية جحافل القوى الاستعمارية و الأقطاعية المتخلفة ، في ردفان والضالع وإبين وغيرها من المناطق ، وشكلت ، وفي تضافر وثيق مع غيرها من الفرق الثورية المسلحة في الوطن ، ومع عموم الشعب اليمني ، أداة ثورية فاعلة، أفضت بالمحصلة إلى تحرير الشطر الجنوبي من اليمن من الاستعمار البريطاني ، والتطويح بأذنابه من العملاء الأقطاعيين ، وقيام دولة اليمن الديمقراطية الفتية ، التي كانت تهتز لها رواسي الجبال.
ولذلك يمكن لنا أن نتعلم من هذه النماذج الكفاحية المتميزة في تاريخنا ، من أجل هزيمة القوى العداونية الداخلية والخارجية التي تعصف بوطننا اليمني اليوم.
ولكن علينا أن ندرك ، قبل فوات، إن نجاح الثورة في الأنتصار على قوى التخلف ، و تحقيق التقدم ، لا يتحقق بالاعتماد على غيرها من القوى المتخلفة. فالتخلف لا ينتج سوى التخلف. ولذلك فأنني لا أبالغ، إذا قلتُ اليوم إنَّ نجاح الثورة ضد قوى التخلف، سيعتمد ، بدرجة أساسية، على قوى اليسار التقدمي، بمختلف مكوناته ، الذي يتوجب عليه، في البدء ، كشرط للأنتصار، أن يتحرر من الأوهام ، التي تعصف به ، والتي تجعله ، يتأرجح بين رفض الثورة المضادة ، المدعومة منإيران وأتباعها ، بالاعتماد على قوى الثورة المضادة التابعة للسعودية وحلفائها. ذلك أن عليه أن لا يصبح مجرد أداة رخيصة في يد الامير محمد بن سلمان ، و الأمير محمد بن زايد ، والأمير تميم بن حمد، أو مجرد أتباع تافهين لآية الله خامنئي وقاسم سليماني ونوري المالكي ، وحيدر العبادي ، ومن ثم الدخول في الدائرة الأثمة للصراع السني الشيعي ، الذي ما فتئت تدفع به المراكز الاستخباراتية الغربية ، التابعة للقوى الصهيونية والأمبريالية النافذة ، و تسعى من خلاله إلى تدمير العالم العربي والإسلامي والسيطرة عليه، بغرض تجاوز أزماتها العضوية، ومواجهة القوى السياسية والاقتصادية والعسكرية الصاعدة في كل من روسيا والصين والهند والبرازيل وغيرها، في أطار الصراع الكوني الأكثر شمولا.
وسيتوجب على هذا اليسار ، جملة من الصفات الذاتية ، لكي ينال ثقة الشعب اليمني ، ويضعف قابليته لقبول الحِيَل الأيديولوجية الماكرة والإغراءات المالية ، لكل من السعودية وإيران والإمارات وقطر ، لكي يتمكن من قيادة الشعب صوب معركته الثورية التحررية ، دفاعاً عن الكيان الوطني وعن مستقبل الشعب في وطن حر وموحد وعادل ومتقدم.
ومن بين هذه الصفات التي يتوجب على اليسار أن يكتسبها، هي ، أن يتخلص من أوزار الماضي الملتبس ، و يتحرر من روح المغامرات الصبيانية ، ويتجاوز النزعات القبلية والمناطقية والجهوية الضيقة ، ويوسع من دائرة تواصله وتفاعله الخلاق مع كل أبناء الشعب اليمني ، في كل مناحي الوطن. كما سيكون عليه أن يتجنب الممارسات العشوائية الفجة ، وأن يسترشد برؤية فلسفية تقدمية ، كما عمل ثوار 14 أكتوبر وثوار كوبا وفيتنام وفنزويلا . باختصار على اليسار أن يمتلك رؤية فلسفية ، تصوِّب توجهاته الفكرية والسياسية ، وتحكم ممارساته العملية و الأخلاقية ، وتجعل منه ، بالنتيجة ، قوة جذب طاغية ، تتيح له تشكيل " كتلة تاريخية"، فعالة ضاغطة ، تتشكل على أساس وطني ، تشمل كل اليمن ، وتكون قادرة على استقطاب الملايين من أبناء الشعب ، التواقين للحرية والعدالة والاجتماعية والتقدم . و عندئذ فقط سيكون ذلك التيار التقدمي ، المتسلح بالوعي ، قادر على ممارسة الضغط الشعبي الواسع على قوى التخلف المتصارعة ، بشقيها الداخلي والخارجي ، والتواصل مع العالم التقدمي في الخارج ، من أجل المطالبة بالوقف الفوري للحرب، وإعادة بناء الوطن ، و السير بثبات، ووضوح نحو غاياته التقدمية النبيلة ، وسيكون النصر المؤزر حليفه الأكيد، كما كان حليف كل الثوار العظام في التاريخ الذين سعوا، دون تردد أومهادنة، لتحقيق الحرية والعدالة والتقدم لشعوبهم.

كاتب يمني مستقل








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تونس وإيطاليا توقعان 3 اتفاقيات للدعم المالي والتعليم والبحث


.. #إندونيسيا تطلق أعلى مستوى من الإنذار بسبب ثوران بركان -روان




.. الجزيرة ترصد آثار الدمار التي خلفها الاحتلال بعد انسحابه من


.. وسائل إعلام إسرائيلية تناقش صفقة التبادل والرد الإسرائيلي عل




.. شبكات تنشط في أوروبا كالأخطبوط تروّج للرواية الروسية