الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


إشكالية الدين والدولة الوطنية .. في مصر أولا والعراق ثانيا (1).

جعفر المظفر

2017 / 4 / 3
مواضيع وابحاث سياسية


إشكالية الدين والدولة الوطنية .. في مصر أولا والعراق ثانيا (1).
جعفر المظفر
في موضوعة الصراع العربي الإسرائيلي يتابع المفكر المصري السيد القمني جذور وإسقاطات هذا الموضوعة على العمق الثقافي المصري ليكشف عن حالة إرتباك واضحة تنال من هذا الأخير لصالح ضده الإسرائيلي. فحيث يمتلك هذا الأخير حالة من الإنسجام والوحدة ما بين البطل الديني والقومي (موسى النبي وموسى القائد = موسى الدين وموسى السياسة) فإن الخطاب الثقافي المصري تحكمه تاريخيا بشده حالة التناقض بين البطلين الوطني من جهة والبطل الديني من جهة أخرى. هنا أفضل ما يملكه المصري على صعيد العمق التاريخي هو الحضارة الفرعونية. بسهولة يمكن القول أن مصر محكومة إلى مستوى القَدَرية بتاريخها الحضاري الفرعوني. بوجود هذا التاريخ يستطيع المصري بكل سهولة ان يقول ان مصر سبقت الإنسانية برمتها في صنع الحضارة البشرية.
أمام كنوزه التاريخية التي تطوف العالم وتتلقفها متاحف نيويورك وواشنطن ولندن لتعرضها على ملايين الزائرين يستطيع المصري المرافق لمومياء توت عنخ آمون وبقية الكنوز التي يضمها المتحف الجوال, وكذلك المصري المقيم في تلك البلدان, أو المصري في القاهرة وفي ريف الصعيد الذي يستمع إلى اخبار الإنبهار الغربي بحضارته الفرعونية, يستطيع هذا المصري أن يجد في تاريخه العظيم هذا قيمة تعويضية تتجاوز قيمة الإنحطاط الذي قادته إليه جميع نكسات العصور التالية. بدون توت عنخ أمون وغيره من الملوك الفراعنة, بدون الإهرام وأبي الهول, فإن رنين كلمة مصر سيصير باهتا وستفقد الشخصية المصرية كثيرا من مقومات ثقلها التاريخي ولن يعود المصري قادرا على ان يقدم نفسه للعالم بنفس المباهاة التي يقدمها ضمن حديث يذكر فيه أن أرضه هي نفسها الأرض التي انجبت (الفراعنة العظام).
قبل ما يقارب العشرة سنوات وقفتٌ في صف ضم مئات من الأشخاص الذين ينتظرون دورهم للدخول في المتحف الذي نظم وقتها عرضا لنماذج من الحضارة الفرعونية المصرية. كان ذلك في واشنطن العاصمة. إن منظر المئات من الأمريكين وهم ينتظرون دورهم حتى تحت زخات المطر في إنتظار فرصة لرؤية المومياء الملكية الفرعونية وبقية كنوز تلك الحضارة العملاقة ينبئك أن أن الأمريكيىن والأوربيين يعرفون مصر من تاريخها الحضاري الفرعوني أكثر من معرفتهم بها في صيرورتها الحالية, أما عن الإنبهار بها فحدث ولا حرج, إذ لا أحد يعرف مصر هنا إلا كـ (إيجِبْتْ).
والآن لنتابع حركة أحد الموظفين المصرين الذين كانوا ضمن فريق العمل الذي أنيطت به مهمة متابعة المتحف الفرعوني المصري الجوال الذي إستقر حينها في واشنطن لفترة شهر. الرجل المصري الذي كان قبل دقيقة نافشا ريشه وهو يفتخر بتاريخ مصر الفرعوني, وجد نفسه دون أن يدري منحشرا ضمن موقف جَمَعَ الشيء ونقيضه. لقد حان موعد صلاة الظهر ولم تواجه الرجل صعوبة حقيقية حتى يجد له مكانا يؤدي فيه صلاته. والآن لو أن رجلا أمريكيا سمعه وهو يقرأ بعضا من آيات القرآن لنصحه فورا, وحال الإنتهاء من صلاته, أما أن يتخلى عن صلاته أو أن يتخلى عن وظيفته كواحد من المكلفين بمرافقة جثمان الملك الفرعوني العظيم.
إن الرجل الذي كان قبل لحظة نافشا ريشه وهو يشيد بعظمة الفرعون المصري أمام جمهرة من زوار المتحف سرعان ما إنتقل إلى هجمة معاكسة قادها بنفسه ضد نفسه حينما راح يتلو في صلاته بعض الآيات القرآنية التي تصنف الفرعون كأحد اشرس طغاة التاريخ وطواغيتها, مع تكراره لوعد إلهي بإلقائه هو وهامان وزير أشغاله في نار جهنم خالدين أبدا.
هذه الإزدواجية الثقافية التي أسستها إشكالية التناقض بين الوطني والديني تكشف إلى حد كبير عن محنة كبيرة وعميقة غالبا ما يكون لإسقاطاتها وقعا عنيفا على البناء الإجتماعي الجمعي والفردي على السواء لتجد الشخصية المصرية نفسها في مأزق ليس من السهولة تجاوزه.
في المقابل يقدم الإسرائيلي نفسه, لنفسه وللعالم, بشكل أفضل تماسكا وإنسجاما. إن الشخصية اليهودية الإسرائيلية, والصهيونية منها بشكل خاص, تحمل على العموم إنسجاما وتماسكا ثقافيا من شأنه ان يقدمها للمحيط بشكل خال من الإزدواجية والضدية, وإستذكار قرار الأمم المتحدة الذي أكد على عنصرية الصهيونية ولا إنسانيتها وتقدميتها لا يأكل هنا كثيرا من هذا التماهي بين الدين والقومية, فاليهودية تحمل خصوصيات سياسية وثقافية عرقية لا يحملها الإسلام والمسيحية.
على عكس المصري الذي يحمل في ذاته ثقافة وطنية وتاريخية عملاقة ولكن متضادة ومتخاصمة مع عمقها الديني (فرعون الكافر ضد محمد النبي) فإن الشخصية اليهودية يجتمع فيها التاريخي والمستقبلي بشكل يخلو من أية إشكالية ذاتية, فهي على العكس تعيش حالة إنسجام وتفاعل ما بين البطل القومي (موسى القائد) والبطل الديني (موسى النبي) والحالة من بعضها أيضا بخصوص (سليمان وداوود) كرجال دولة وأنبياء.
ومن المهم أن نلحظ أن كليهما, الإسرائيلي العلماني والإسرائيلي الديني, يلتقيان في مساحة قدسية حائط المبكى مثلا, فالديني يرى فيه فقها, والسياسي يرى فيه تاريخا, أما ابو الهول فهو تاريخ عميق ورائع من ناحية وطنية مصرية لكنه صنم لعين من ناحية دينية إسلامية.
وهنا هنا يجتمع النقيضان في ثنائية متضادة ومتخاصمة مؤسسة لإزدواجية قد تنتظر ضرورة الحسم ما بين الديني والوطني حينما يتقابلان ضمن معادلة ينتجها تفعيل الإسلام السياسي وبغياب ثقافة لدولة علمانية صارمة, ناهيك عن أنها حتى في حالة السلم فهي لا تعيش هذه الحالة إلا تعبيرا عن الهدنة القابلة للإختراق في لحظة فقدان التوازن.
وبالبنسبة للإسرائلي فإن البحث بنشاط عن هيكل سليمان يتشارك فيه كلاهما أيضا, الديني والوطني. إن قدسية المكان الدينية والرمز التاريخي السياسي هنا مشتركة. وفي حالة جواز الفصل بين ما هو علماني وما هو ديني فإن ذلك لن يأكل من قيمة تلك القدسية أو يٌرَجِّح, بحسابها, كفة أحد الطرفين على الآخر, فالأهمية واحدة لأن الدين والقومية والوطنية هي, يهوديا, متلازمة وحتى متداخلة إلى حدود التوحد, فما هو ديني هنا يمتلك جذوره وتفرعاته داخل مساحة التاريخ نفسه.
على الجانب العربي لا شك أن الأمر يختلف كثيرا, وحتى إلى حد الخصومة والتضاد, فالواقع الديني بهيمنته الإسلامية المطلقة سمح بوجود تاريخين متخاصمين يشكل الإسلام الحد الفاصل بينهما. بالنسبة للمتدين الذي يؤمن بالثقافة الإسلامية ويقدسها فإن الإسلام قد جَبَّ ما قبله, اي حذف ما قبله. عملية الجب هذه لا تشمل الجانب القيمي الأخلاقي والثقافي حسب وإنما هي تمتد لتشمل الجانب السياسي أيضا.










التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - اكعد اعوج شمّاس واحجي عدل
أمين Amin ( 2017 / 4 / 3 - 17:51 )

اكعد اعوج شمّاس واحجي عدل أبلغ تعليق + facebook على الرّابط من الموضوع نفسه:


http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=552507


2 - الدكتور جعفر المظفر
هشام حتاته ( 2017 / 4 / 3 - 23:21 )
الازدواجيه فى الفكر المصرى لها العديد من المظاهر ، بين النقل والعقل ، وبين الدين والعلم
مقالتك ياصديقى تضيف حاله من اهم حالات الازدواجيه فى الفكر المصرى .... بين الدين والدولة الوطنيه
بين الفخر بتاريخ الفراعنه وفى نفس الوقت الايمان بالمقدس الذى يكفر الفرعون
وفى نفس الوقت نجد الاتساق فى الحاله الاسرائيلية
شكرا لهذا التحليل الرائع وفى انتظار البقية
خالص تحياتى

اخر الافلام

.. احمد النشيط يصرح عن ا?ول راتب حصل عليه ????


.. تطور لافت.. الجيش الأوكراني يعلن إسقاط قاذفة استراتيجية روسي




.. أهم ردود الفعل الدولية حول -الرد الإسرائيلي- على الهجوم الإي


.. -حسبنا الله في كل من خذلنا-.. نازح فلسطين يقول إن الاحتلال ت




.. بالخريطة التفاعلية.. كل ما تريد معرفته عن قصف أصفهان وما حدث