الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حركة السب والشتم المعارضة في المَهجر تحت المِجهر: الأسباب والمبررات، ما لهم وما عليهم. (بإيجاز)

محمد بوعلام عصامي
(Boualam Mohamed (simo Boualam Boubanner))

2017 / 4 / 3
العولمة وتطورات العالم المعاصر



طفت على سطح الحراك المعارض في السنوات الأخيرة، مجموعة من المعارضين جلهم إن لم أقل كلهم يعيشون خارج الدول المغاربية، يتخذون من أسلوب السب والشتم بطريقة غير مسبوقة وسيلة للتعبير عن رفضهم للأوضاع السياسية والاجتماعية بشكل عمومي باستعمال مواقع التواصل الاجتماعي وعلى رأسها موقع اليوتوب وفايسبوك لايف والبالتوك.
وما يميز هذه الحركة أن عناصرها يتوفرون على مستوى معرفي ورصيد ثقافي جنوب متوسطي واحتكاك بالحضارة الغربية، وفي نفس الوقت يتشبثون ويهتمون إلى النخاع بقضايا أرض الوطن. ولكن طريقتهم غير المعهودة على المستوى العمومي في التعبير ومناقشة الأوضاع السياسية والاجتماعية أثار الدهشة بالنسبة للمتلقي المغاربي والعربي.
فطريقتهم لا تعرف الحدود ولا الخطوط الحمراء ولامفهوم المقدس ولا احترام ما يُراد له أن يكون محترما في دول شمال إفريقيا والشرق الأوسط..
فهم يعبرون عن سخطهم بسب وشتم ماعهدته المجتمعات التقليدية مقدسات ومقدسات وطنية، تتخذ أسلوبا عنيفا وراديكاليا وصداميا عن وعي وأحيانا عن غير وعي، مع توظيف مالديهم من معلومات ورصيد معرفي وإدماجه في خطاب سب وشتم الأوضاع التي يرفضونها وصفونها بغير العادلة والقاهرة الغير المنصفة، وويعبيرون عن انتقادهم ورفضهم وسخطهم بسب وشتم كل ماله علاقة بالدولة والمقدسات بل سب المجتمع والشعب نفسه ووصفه بأفضع العبارات والنعوت واتهامه بشعب البلطجة والإجرام والذل والهوان والانحطاط والمندمج في مكينة أللامدنية واللاعدالة وما يصفونه بالاستعباد، وغالبا ما تكون طريقتهم عنيقة بالدعوة إلى إزاحة البساط وقلب الطاولة وحرق الأخضر واليابس على المتسببين في حالة اليأس والمتسلطين.

وأثناء دراستي لهاته الشخصيات، وجدت أنها تنتمي إلى تلك الأوطان جنوب المتوسطية التي تعارض حكمها بأسلوب عنيف جدا، وجلهم قضى حقبة من عمره داخل وطنه الأول، ويكنون انتماءا وجدانيا وارتباطا عميقا بوطنهم الأصلي، كما يتوفرون على مستوى معرفي وعلمي ما بين المقبول والجيد، وهذا يدل على وعي تام بما يقومون به. وهو الأمر الذي يطرح السؤال الذي يطرح نفسه في أول تحليل: ما سبب هذه الشراسة والعنف اللفظي والرمزي في التعبير عن سخطهم على الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والحقوقية والإنسانية، ورفضهم لها بهذا الأسلوب التعبيري العنيف جدا، الذي لا يعترف لا بالخطوط الحمراء ولا المقدسات؟!

عند التمعن في شخصياتهم تجدهم أشخاصا يعيشون باندماج في أوطانهم الثانية، دون أي خلفيات أو سوابق إجرامية، سواء سابقا في أوطانهم الأم أو في أوطانهم الثانية التي استقبلتهم كمهاجرين أو مهجّرين.

إن هؤلاء الأشخاص المعارضين بهذا الأسلوب بخطاب متناقض، بين ما ينم عن مستوى علمي ومعرفي ولغوي وثقافي، وهو في نفس الوقت خطاب يدمج أفضع عبارات السب والشتم والقذف ضد كل ما يفترض الاحترام والتقديس في نظر الدولة والمجتمع التقليدي في نماذج أنظمة الحكم العربية في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا.

عند التعمق في الجانب النفسي والحقوقي وميكانيزما الفعل وردة الفعل، نجد أن لهم أسبابهم العميقة جدا، وهو تعرض جلهم لإقصاء وعمليات عنف تسلطي عنصري فئوي ممنهج واضطهاد ومظالم مجحفة في حقهم، ضدهم أو ضد أسرهم الصغيرة أو ضد أحد أفراد عائلتهم المقربين، كعمليات انتزاع ملكية وتشريد من طرف أعيان أو رجال سلطة أو عمليات تلفيق وزج في السجون، أو عمليات ترهيب وعنف جسدي أو عمليات تحريض بلطجية قد تصل إلى العنف الجسدي، أو عمليات تحريض معنوية نفسية قد تصل إلى الدائرة العائلية والخاصة، أو إقصاء ممنهج من الحياة اليومية إداريا وحرمانهم من أبسط حقوقهم في العمل والأمن وإعاقة الاستفادة من حقوقهم الأساسية، ووضعهم في قائمة المكينة الإقصائية والتحريضية، وتقويض استثمار إمكاناتهم الخاصة، ونهج عراقيل محبوكة لغايات تفقيرية تركيعية قهرية، وعدم حمايتهم قانونيا وأمنيا، وإمكانية تعرضهم لعمليات نصب واحتيال تسلطية وتزوير محاضر ومظالم كبير، وغيرها من الأمور التمييزية التنمرية القهرية، التي تفضي وتنتهي إلى التخويف والترهيب والإحساس بالعنف الممنهج الممارس في حقهم.

إن ذاكرتهم مليئة بأعمال عنف همجية إقصائية تحريضية وقعت ضدهم، جعلتهم يقومون برد فعل تعبيري عنيف، عما تعرضوا له، في سياق رفضهم وسخطهم لتلك الأوضاع غير العادلة بطريقة راديكالية جدا، بمجرد فك الارتباط تماما بوطنهم الأصلي، مكنهم من الاحتجاج بطرق مختلفة تعتمد أسلوب السب والشتم العنيف ضد الحكم والدولة و المجتمع الذي يصفونه بالمهين والمتواطيء مع مظاهر العبودية، أسلوب يطال كل شيء بعنف ودون حدود، إلى ما يصطلح عليه في الدول العربية بالمقدس.

سب جميع المقدسات وربطها بمظاهر العبودية وربطها بالمسؤولين، لدرجة أن أحدهم سبَّ والديه وأجداده وحمّلهم المسؤولية على توريثهم له ما يسميه بالعبودية.

في نظري الخاص كمدون بسيط، أن ما يعبرون عنه ما هو إلا صورة تراكمية قديمة لعنف جسدي ورمزي ولفظي عانوا منه باجحاف، في الدولة والمجتمعات العربية، التي تبدو وكأنها صُنعت لممارسة العنف والهمجانية والتسامي العنصري الفئوي أو الطبقي وانتاج العنف والتخلف والعبودية، إن حركات السب والشتم من خارج الأوطان العربية، يُفرغون ما تعرضوا له من قمع وتمييز وتسلط وترهيب عانوا منه في فترة ما في حياتهم الخاصة في وطنهم الأصلي، في مجتمعات تعرف تغييب العدالة والعدالة الاجتماعية واحتقار الإنسانية، وما أفضت عنه من نتائج تغييب ثقافة التعايش والديمقراطية والحوار بإعدام العدالة والعدالة الاجتماعية وقيم المساواة والجانب الإنساني.

إن أسلوبهم ما هو إلا ردّة فعل طبيعية عن فعل قديم ومتراكم عبر عصور مظلمة معتمة رمادية قاتمة مفجعة، يفهمها جيدا الراسخون في دراسة المجتمع والسلطة والتاريخ بشكل عميق وجيد، الذين يفهمون آلية عمل ماكينة الاضطهاد الهاديء الهولوكوستي المرعب، ضد قمع الحرية والعدالة وحقوق وكرامة الإنسان، والفشل في البناء والتأسيس لظروف مواتية لبناء مجتمعات إنسانية حضارية لاهمجانية، تؤمن بالحوار لا بالعنف.

باختصار شديد: الإنسانية والعدالة هي أم المقدّسات وأقدس المقدّسات، وبدونهما يسقط كل الاحترام وكل المقدسات.

محاور:
- المقدس
- العنف والعنف الرمزي والعنف المضاد
- المجتمع_المغاربي - شمال_إفريقيا
-التاريخ المعاصر في شمال إفريقيا








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. طيران الاحتلال الإسرائيلي يستهدف سيارتين في بلدة الشهابية جن


.. 11 شهيدا وعدد من الجرحى في قصف إسرائيلي استهدف سوق مخيم المغ




.. احتجاجات ضخمة في جورجيا ضد قانون -النفوذ الأجنبي- الذي يسعى


.. بصوت مدوٍّ وضوء قوي.. صاعقة تضرب مدينة شخبوط في إمارة أبوظبي




.. خارج الصندوق | مخاوف من رد إسرائيلي يستهدف مفاعل آراك