الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الشورى و الديمقراطية

مولود مدي
(Mouloud Meddi)

2017 / 4 / 6
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


لا نستطيع حقيقة ان نفهم الاسلامويين الذين كلما أثير موضوع الديمقراطية يبدؤون في البحث في ركام التاريخ الاسلامي ان كان مفهوم الديمقراطية موجود بنفس النضوج الذي نعرفه حاليا, رغم أن المفاهيم و المصطلحات السياسية تتغير و تتطور لتواكب العصر و مصالح الانسان الا أنه يبدوا أن الاسلامويين يرفضون هذه الحقيقة فلو كان العكس لعملوا بمبادئ الديمقراطية و لتفادى العالم الاسلامي كل هذه الفوضى الخلاّقة و هذا الارهاب الوحشي, لكن هم يقولون لا, لا حاجة لنا للديمقراطية فهي كفر بالله و رسوله! لأنه لدينا الشورى, و لو نسلّم بماقاله الاسلامويين أول سؤال بديهي يطرح نفسه إزاء سادتنا هؤلاء هو: إذا كنا نملك كل تلك الأدوات و كل تلك المبادئ و كنّا نعرف العلاقة بين الشعب والدولة، و فهمنا ان الحاكم يأتي بإرادة شعبية عبرانتخابات حرة، إذا كنا نعرف حقوق الإنسان فعلاً، إذا كنا نعرف ما هي الحرية؟ فلماذا نحن هنا في الحضيض نترنّح والغرب يستعد لارسال مليون شخص الى القمر ؟ أليس من المريب أن نضطر الى اصدار كل هذه الادعاءات كل ما رأينا شيئا جديدا عند الغرب ؟ لماذا اذ كانت موجودة عندنا لم نسبقها اليهم ؟ ان الجواب واضح أن الدين الاسلامي الذي حوّله الاسلاموييون الى ايديولوجية حزبية لم يأتي أصلا بمبادئ سياسية وهو لا يحتويها أصلا, بل هذه المبادئ عرفها الرومان قبل نزول الاسلام بمئات القرون ولو عرف المسلمين الأوائل معنى الديمقراطية لما اقتتلوا على السلطة و لما تم ذبح الصحابة و تكفيرهم و الا ان كانوا يعرفونها فكيف ينكرون ما هو معلوم في الدين ؟!.

نحن نعلم أن الديمقراطية تعني الحرية التي تتحد مع حكم الأغلبية فلو نفصل الحرية عن حكم الأغلبية تصبح الديمقراطية وسيلة لانتاج الديكتاتورية بكبت الحريّات واطلاق القوانين التي تحدّها, فلو نحاول أن نبحث عن شيء من الديمقراطية في حكم الخلفاء الراشدين و الامبراطوريات الاسلامية التي جاءت بعد دولة الخلافة سنجد ان الاسلام و لا المسلمين عرفوا الديمقراطية لا بمعناها القديم و الجديد بل حتى ان مبدأ الشورى الذي يتم مقارنته بالديمقراطية لم يتم احترامه أصلا و على أي حال لا يمكن مقارنة الديمقراطية بالشورى, فالشورى تعني عدم الانفراد بالرأي و في عهد الخلفاء تم عرض الشورى على أنها رأي الجماعة لكن هذا المبدأ يعاني من نقص خطير, فالشورى تحصر حق الاختيار في المسلمين و تمنعه عن أصحاب الديانات الأخرى و هذا أول تناقض مع الديمقراطية التي تعطي حق الانتخاب لجميع الناس دون النظر الى انتماءاتهم الدينية.

بعد الخلاف السياسي الذي حصل في السقيفة حول من الأجدر بخلافة الرسول في قيادة الدولة الاسلامية التي أسسها تم الاتفاق على تعيين " أبوبكر " خليفة للمسلمين فنظر بعض المعاصرين الى ما جرى في السقيفة على أنها عملية انتخابية بالمفهوم الحديث و نحن نعلم أن الانتخاب هو ألية من أليات الديمقراطية لكن لو نعيد النظر في المدلول التاريخي لاجتماع السقيفة و بيعة ابو بكر تظهر جليا أنهما جريا و فق مبدأ مغاير لا علاقة له بالمبدأ الانتخابي المعروف حاليا, وهذا لأن اجتماع السقيفة لم يكن شاملا لجميع المسلمين و انما اقتصر على زعماء المهاجرين و الأنصار, و بالتالي الاغلبية التي تحصّل عليها " أبو بكر " كانت أغلبية الحاضرين لمداولات السقيفة و ليس أغلبية المسلمين, و لما تمت بيعة ابو بكر في السقيفة من قبل اكثرية الحاضرين اعتبرت بيعته أمرا لا نقاش و لا معارضة فيه و تم تكفير كل من رفضها و الدليل على هذا الأمر الحروب التي شنها اول خليفة للمسلمين ضد القبائل الممتنعة عن البيعة فتم اتهامها بالردة لكن المؤرخين حاولوا التستر على هذه الحقيقة و قالوا ان سبب تلك الحروب هي رفض تلك القبائل دفع الزكاة, فهذا ادّعاء لا يستقيم حتى شرعا فالشريعة الاسلامية لم يسبق لها و أن أجازت قتل المسلم الذي لا يدفع الزكاة.
لو نغوص أكثر في تاريخ دولة الخلافة و نبحث عن الكيفية التي مارس بها المهاجرون و الأنصار مهمة اختيار الخليفة فانها لم تكن واحدة فكما قلنا سابقا ان اختيار " أبو بكر " تم بحضور زعماء المهاجرين و الأنصار, في حين حصل خرق لمبدا الشورى عند تولية " عمر بن الخطاب " الخليفة الثاني للسلمين فتم تعيينه خليفة للمسلمين بوصية من " أبي بكر " و عند تعيينه احتج المسلمون على ذلك خوفا من بطش و عصبية " عمر بن الخطاب " التي عرف بها عندهم لكن لا الشورى و لا غيرها حمت المعترضين على قرار " ابو بكر " فالمعارضين يعلمون تمام العلم أنه ان تصلّبوا في موقفهم سيتم سحقهم بعد تكفيرهم.
و عند تولية الخليفة الثالث " عثمان بن عفان " تم التعيين على يد لجنة من ستة صحابة اتفقوا على " عثمان " وبالتالي لا ذكر لعامة المسلمين هنا و لكن على ما يبدوا ان أنصار الاسلام السياسي لا يحسنون قراءة التاريخ أو يحاولون التستر عليه لان الشورى لم تكن يوماً سبباً لشرعية أحد, فلو كانت الشورى تعبيرا عن ارادة المسلمين فلما رفض الخليفة " عثمان " التخلي عن منصب الخلافة بعد مطالبة المسلمين بذلك ؟ لقد ردّ بـ "والله لا أخلع قميصاً سربلنيه الله " لذا يرى ان توليته هو ارادة الله و بعد ذلك يخرج علينا الاسلاموييون ويقولون أنه لا دولة دينية في تاريخ الاسلام !.
أما بيعة " علي بن أبي طالب " فكانت الاستثناء فتعيين " علي " كخليفة للمسلمين كان ناتج عن غليان الجماهير و سيطرة الثائرين على الوضع العام و الدليل ما قاله " علي " " للزبير بن العوام " و " طلحة بن الزبير " عندما طلبا الاقتصاص من قتلة " عثمان " فقال ( كيف أصنع بقوم يملكوننا و لا نملكهم ؟ ).

ان الشورى التي يتشدق بها أنصار الاسلام السياسي لم يسبق و أن تحققت دون تشويه فكان الحاكم يأتي بالسيف و قلما تجد خليفة مسلم لم يحصد رؤوس الذين عارضوه, واستبعادا للشورى جنّد خلفاء الدولة الاموية و العباسية مجموعة من الفقهاء ليصيغوا لنا تشريعات تحرّم المعارضة و تجعلها كفرا بالله ! و هذا يعني اقصاء لرأي المسلمين و حقهم في محاسبة حكّامهم فخرج فقهاء الحنابلة يفتون بشرعية الخلافة التي تقوم على القهر و الغلبة و هذا أكبر دليل على عدم استحقاق الخلفاء الأمويون و العباسيون الخلافة فنجد الاحاديث على شاكلة الحديث المشهور بين المسلمين المنسوب للصحابي حذيفة بن اليمان " الذي يعتبر من الصحاح عند الفقهاء : ( إسمع لحاكمك وإن ضرب ظهرك وإخذ مالك) ، وكذلك عن الحسن البصري: ( لا تعصوا أولى الأمر منكم فإن عدلوا فلهم الأجر وعليكم الشكر، وإن بغوا فعليهم الوزر وعليكم الصبر .. ) فالخليفة ان سرق و اغتصب و قتل فذلك أمر عادي بل يجب على المسلمين القبول و الصبر و منه ان ظهرت الفتن في المجتمع المسلم فذلك يعني أن المشكل في الشعب و ليس في الحاكم!, و خرجت مذاهب فقهية مثل المذهب المالكي الذي يفتي بأنه يجوز للحاكم قتل الثلثين من الشعب لاصلاح الثلث الباقي! و لذا ان لم تطبق الشورى حرفيا في عهد الصحابة و التابعين ( الذين سبقونا بالايمان ! ) رغم أنها مدعّمة بنص قرأني فكيف سيطبقها الذين يدّعون تطبيق الشريعة ؟, التاريخ يقول لنا ان الخليفة فعل كل شيء في الحكم ما عدا تطبيق الشريعة!, لذا كفى تدليسا و محاولة خلط المفاهيم ببعضها و إخفاء للكثير من تاريخنا الميمون, و كفى ادعاء باننا عرفنا الديمقراطية قبل الغرب فلا نحن عرفناها و لاعرفنا كيف نطبقها, الحقائق التاريخية بيّنت أن المسلم لم يسبق و أن اختار من يحكمه بل كلما تبحث عن قضايا السياسة و الحكم في التاريخ الاسلامي و تجد التكفير و السجن و القمع و القتل كجزاء من عارض حاكمه, لكن الاسلاموي يدّعي عكس ذلك ثم يقدم لنا درساً في السياسة و يضرب الأمثال بالشورى التي لم تستطع حماية نفسها حتى بالنص القرأني, وسبب هذا الادعاء بتساوي الشورى و الديمقراطية هو محاولات انكار منجزات الغرب في المجال الانساني و الاستكبار عن النماذج الغربية الناجحة لان الاستفادة منها هو اعتراف ضمني بفشل جميع المشاريع الاسلامية بسبب الفراغ الابستمولوجي لدي المسلمين الذين ضنوا ان الحضارة تأتي بحل المشاكل التي تعترضهم من زاوية دينية فقط وسبب هذا الفراغ هو تسفيه علماءهم و تكفيرهم و تحريم الفلسفة و دراسة العلوم السياسية فجاء الغرب و أخذ من علمهم ( الذي يعتبر محاولات خجولة و محتشمة بسبب البيئة الفقهية المتشددة) و زاد عليه حتى تضائل الدور الاسلامي في صناعة العلم و أصبح من المحرج اعادة الكلمة الببغائية التي يعرفها كل مسلم " الغرب أخذ عنا ".

و خلاصة القول ان الشورى لم ترقَ لتصبح نظاماً مؤسّسيا له ضوابط محددة يمكن التحاكم إليه. بل كانت شيئا زائدا قابل للاستغناء عنه من طرف الحاكم وبهذا المعنى لم تتحول إلى نظام أو آلية سياسية تجري مجرى العرف والعادة في واقع المسلمين, لذا يجب ان يوضع المفهوم في سياقه التاريخي الخاص ويجب الابتعاد عن المقارنات التي تضر الاسلام أكثر مما تنفعه او أدلجته عموما, لقد كانت آلية الشورى تناسب مجتمعاً تقليدياً بسيطاً خالياً من التركيب، تطبعه البداوة وتغيب فيه الدولة و القوانين، بما هي وحدة سياسية مهيمنة على مختلف الوحدات الاجتماعية الأخرى، كالفرد والأسرة والقبيلة, اما نحن فلسنا في عصر القبيلة و البداوة بل في الطريق الى الدولة الديمقراطية الحديثة التي ستتحقق لأن العالم الاسلامي تعب من الاستبداد المتحالف مع الدين و الامبريالية و لا حل له الا بالديمقراطية و بناء دولة حقوق الانسان و المواطنة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مزارع يتسلق سور المسجد ليتمايل مع المديح في احتفال مولد شبل


.. بين الحنين والغضب...اليهود الإيرانيون في إسرائيل يشعرون بالت




.. #shorts - Baqarah-53


.. عرب ويهود ينددون بتصدير الأسلحة لإسرائيل في مظاهرات بلندن




.. إيهود باراك: إرسال نتنياهو فريق تفاوض لمجرد الاستماع سيفشل ص