الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


المتنورون في القرن الثامن عشر /ج2

يوسف الصفار

2017 / 4 / 7
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


المتنورون في القرن الثامن عشر ج/ 2
دي هولباخ نشأ كاثوليكيا ولد في المانيا عام 1733. جمع جده ثروة لادخاله عرق الذهب من هولندا الى ( فرساي ) .. عام 1748 استقر به الامر في فرنسا .. اطلق عليه لقب بارون لانه كان يمتلك ضيعة تدر عليه مالاً وفيراً استغلها في العلم والفن , وجمع من خلالها مكتبة ضخمة , واقام بعد زواجه صالونا ادبيا يجتمع به كل يوم خميس خيرة المتنورين امثال ديدروا , هلفيشيوس ,دالمبير , بولانجيه , موريليه وغيرهم حتى جان جاك روسوا الذي ارتاع من طروحاتهم الالحادية ..وكانوا يتحدثون في الفن والشعر وفكرة الخلود , كما تحدثوا عن الانسان والالهة والفضاء والزمن والموت والحياة ..
عام 1761 اصدر كتاب عنوانه ( المسيحية في خطر) شن فيه هجوما على الكنيسة وتحالفها مع الدولة , كما انه سبق ماركس في وصف الدين ( افيون الشعوب ) , وبين ان الديانة هي فن تخدير الناس , وتحول بينهم وبين مناهضة المساوىء والمظالم التي يعانوها من حكامهم .. واستطاعت الكنيسة ( بتهديد الناس بالقوى الخفية ), اقناعهم من ان يحتملوا ما يعانوه من شقاء واضطهاد وان سعادتهم تكمن في حياة الاخرة فيما لو ارتضوا بؤسهم في الحياة الدنيا ..
عام 1770نشر كتابه ( منهج الطبيعة ) باسم مستعار ,فاصدر الملك لويس الخامس عشر وبتأثير جمعية رجال الدين اجرائات بمنع الكتاب , فوصل مهربا من هولندا , فتهافت على شراءه جمهور كبير من الناس ..
اول ما تطالعه بالكتاب هو اعلانه بان الناس سيكونون اكثر سعادة فيما لو اداروا ظهورهم لرجال الدين والملوك واتبعوا الفلاسفة ورجال العلم (إن مصدر شقاء الإنسان وبؤسه هو جهله بالطبيعة . ان اصراره على التمسك بالآراء الخاطئة العمياء التي تلقنها في طفولته .. وما نتج عن ذلك من تحيز .. ضللا عقله وافسدا ذهنه .... قضيا عليه بالاستمرار على الخطأ .. ان الانسان الذي يستمد اسلوب تفكيره من الاخرين , ثقة منه بهم , سيجدهم هم انفسهم مخطئون , او ان لهم مصلحة في تضليله وخداعه , ولازالة هذه الغشاوة وإخراجه من هذه المتاهة فإن الامر يتطلب يداً حانية وحباً شديدا .. كما يقتضي منه اعظم شجاعة لايعتريها خوف ولا وجل ..) ثم يستدرك : (يتطلب ان نغرس بالانسان الشجاعة واحترام عقله مع حب لايفتر للحقيقة , بهدف أن يتلمس المشورة والرأي من خبرته فلا يعود كدمية توجهه السلطات توجيها مضللاً و يستلزم ان يبني اخلاقياته وفق حاجياته وحاجات المنفعة الحقيقية للمجتمع )..
والانسان كائن مادي خاضع لقوانين تحكم سائر العالم .. والروح ليس لها وجود مستقل وانما واجبها تنظيم الجسم ونشاطه ..ان الزعم باستقلالية الروح وبقائها بعد الموت مثل الزعم بان الساعة التي تتهشم لعدة اجزاء تستمر في دقاتها .. ان اعتقادنا باستقلالية النفس عن الجسد يعرقل مساعينا لمعالجة امراضنا النفسية , اما اذا اعتبرناها من وظائف الجسم , فان الطب سيتمكن بهذه الحالة من معالجة وشفاء كثير من الاضطرابات العقلية ..
ان الانسان من عمل الطبيعة لاقدره لديه لتغير مساره فهو خاضع لقوانينها .. والطبيعة هي التي تنظم اسلوب وجوده وتقرر طريقة تصرفه , فهو طيب او رديء سعيد او تعيس , عاقل او احمق , ليس لارادته دخل في اي من هذه الحالات .. لذا بدل البحث عن خلاصه من كائنات موجودة خارج العالم , عليه ان يدرس الطبيعة ويعرف قوانينها , ويخضع بصمت لما تفرضه عليه من الحماية او الوصايا التي ليس بمقدور احد تبديلها او تغيرها .. الحتمية التي فرضتها علينا البيئة و الوراثة يستلزم منا ان نستجيب في جد ونشاط لمتطلبات الحياة وتحدياتها ..
ليس في فلسفته مكان للاله لاننا اذا رجعنا الى الوراء الى البداية فنجد ان الخوف والجهل هما خلقا الالهة .. يزينها الخيال , وابقت عليها السذاجة . وساهمت على استمرارها الاعراف والعادات, ونصرها الطغيان ..مؤكدا ان نظام الكون وتناسقه لا يوحي اليه بضرورة وجود إله لان هذا التناسق الكوني يعمل لاسباب طبيعية وبطريقة ميكانيكية وبهذه الحالة لايتطلب ان نعزوه الى اله الذي هو اكثر تعقيدا وابهاما على الفهم والتوضيح من الكون ..
ولكن هل يمكن ضبط الدوافع الانانية لدى الناس بقانون اخلاقي مجرد من الدين . واجه هولباخ هذه المشكلة عام 1776 في كتابه ( الاخلاق العامة ) فيقول ( رغم الوصف المروع للجحيم فنجد حشودا من المجرمين يملئون مدننا ) ..ثم يتسائل ( هل اللصوص او القتلة المعاقبون ملحدون او متشككون ؟؟ .. ان هؤلاء البائسين يؤمنون بالله ففي مقابل انسان واحد تكبح فكرة الجحيم جماحه هناك الاف من الناس لا تؤثر فيهم هذه الفكرة مطلقا , وهناك غيرهم تجعلهم هذه الفكرة غير عقلانين وتحولهم الى ادوات اضطهاد وتعذيب وحشيين , وتحولهم الى خبثاء واشرار,.. متعصبين .. عقولهم وتصرفاتهم فاسدة تبعدهم عن واجباتهم الاخلاقية نحو المجتمع ).
ويؤكد ان المسيحية بتأكيدها على فكرة الخلاص الفردي في الدار الاخرة , اماتت الشعور الانساني والاجتماعي في مثل هذا الفرد وتركت الناس غير شاعرين ببؤس رفاقهم وبالجور والاجحاف الذي يتعرضون اليه من الجماعات والحكومات الظالمة .
يعتبرهولباخ بان الضمير, ليس صوت الله بل صوت رجال الشرطة متمثلا بالقانون .. وبهذا هو يناقض فولتير الذي يقول ان الانسان يولد ولديه حاسة الخطأ والصواب , فما الضمائر غير ردود افعالناعلى انفسنا , ويمكن ان يوجه بشكل مشوه نتيجة تعليم منحرف .فالزنا على سبيل المثال مهما يكن من امر تحريم الدين له , عمل يبعث على التفاخر من وجهة نظر بعض الاشخاص . (انا لنرى رجالاً اغنياء لايعانون من وخز الضمير لما جمعوا من ثروة على حساب مواطنيهم , ووطنين متحمسين اعمت ضمائرهم الافكار الباطلة فاغرتهم بابادة من يخالفونهم بالرأي دون شعور بالندم او تأنيب الضمير )
وهو مثل هلفشيوس يقبل الانانية على انها جوهرية في سلوك البشر ويتطلب بناء القانون الاخلاقي عليها ..( فالاخلاق تصبح علما عقيما اذا لم تثبت للانسان ان مصلحته تكمن في تمسكه بالفضيلة )
في مجلداته (منهج الطبيعة ) و ( المنهج الاجتماعي ) و(روح الشعب) عالج هذا المليونير مشاكل المجتمع والحكومة وانتقل من تهجمه على الكنيسه الى ارتيابه بالدولة وهو يتفق مع ( لوك ) وماركس في ان العمل هو مصدر الثروة .. لكنه يتفق مع ( لوك ) بان الملكية الخاصة حق طبيعي للانسان كنتاج لعمله وحده لكنه عارض الارستقراطية الوراثية ..اما رجال الدين فطالب بتركهم يدبرون امورهم بأنفسهم وضرورة فصلهم عن الدولة وليس امام الدولة غير ان تسد منافذ التعصب امام اي ديانة او مذهب ..








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الشرطة الأمريكية تعتقل عشرات اليهود الداعمين لغزة في نيويورك


.. عقيل عباس: حماس والإخوان يريدون إنهاء اتفاقات السلام بين إسر




.. 90-Al-Baqarah


.. مئات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى وسلطات الاحتلال تغلق ا




.. المقاومة الإسلامية في لبنان تكثف من عملياتهاعلى جبهة الإسناد