الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


اثر أحكام القضاء الدستوري على السلطة التقديرية للمشرع في العراق ( قانون مجلس القضاء الاعلى انموذجا)

سالم روضان الموسوي

2017 / 4 / 8
دراسات وابحاث قانونية


اثر أحكام القضاء الدستوري على السلطة التقديرية للمشرع في العراق
(قانون مجلس القضاء الأعلى انموذجاً)
إن مبدأ الفصل بين السلطات يعد من ركائز الحياة الديمقراطية لأي بلد وهذا المبدأ اقر بعد نضال طويل وسعي حثيث للمجتمعات الإنسانية حتى أصبح واقعاً ملزما ودستور العراق مثله مثل أي دستور في العالم اعتمده وعلى وفق ما جاء في المادة (47) من الدستور النافذ التي جاء فيها الآتي (تتكون السلطات الاتحادية، من السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية، تمارس اختصاصاتها ومهماتها على أساس مبدأ الفصل بين السلطات) وهذا الآمر يقضي بان تستقل السلطة التشريعية باختصاصاتها التي ذكرها الدستور ومنها تشريع القوانين لكن هذا الاستقلال مقيد بحدود لا يمكن تجاوزها لان مفهوم السلطة التقديرية للمشرع يقصد به حرية الاختيار الممنوحة له في ممارسة اختصاصه التشريعي، والسلطة التقديريِة لا تعني السلطة المطلقة للمشرع، وإنما له أن يمارس سلطته في التشريع بالقدر الذي أتيح له في الدستور، لان بعض الأحكام حددها الدستور وليس للمشرع العراقي ،ممثلا بمجلس النواب، سلطة تجاه تعديل تلك الأحكام، لأنها غير قابلة للتنظيم التشريعي بصفة نهائية، ومنها الاختصاصات والصلاحيات الممنوحة للسلطات مثل اختصاص التشريع الذي يكون لمجلس النواب حصرا على وفق حكم المادة (61/أولا) من دستور العراق لعام 2005 الصلاحيات الحصرية لمجلس الوزراء على وفق حكم المادة (80) من الدستور أو السلطة القضائية بفرعيها مجلس القضاء الأعلى والمحكمة الاتحادية العليا ومنها اختصاصات المحكمة الاتحادية العليا المشار إليها على سبيل الحصر في المادة (93) من الدستور وهذه الأحكام لا يملك المشرع إي سلطة تقديرية تجاه تعديلها بإنقاصٍ أو زيادة أو إلغاء، وبذلك فان المشرع له سلطة تقديرية تجاه المبادئ الدستورية التي ترك كاتب الدستور للمشرع سلطة تنظمها بقانون، وفي الدستور العراقي النافذ وردت هذه الحالة في أكثر من ستين مادةٍ تُرِكَ تنظيمها بقانون ، إلا أن كاتب الدستور تحسب لما سيحدث أثناء العمل التشريعي بان يتجاوز المشرع سلطاته بإصدار قوانين تتقاطع مع الدستور في مضمونه وهي التي تشكل العيوب الموضوعية التي تعتري القانون أو إنها تغفل عمداً أو سهواً عن بعض أحكامه عبر التجاوز على آليات التشريع وهي العيوب الشكلية التي تعتري القانون، لذلك اوجد الرقابة القضائية على القوانين التي يصدرها المشرع (مجلس النواب) وكما ذكر سلفاً حيث جاء في صلب دستور العراق لعام 2005 مبدأ الرقابة القضائية على الدستور لتفحص أي قانون من شاًنه أن يشكل اعتداء على نصوص الدستور وذلك من خلال وجود المحكمة الاتحادية العليا وعلى وفق أحكام المواد (92ـ 94) المتعلق بالسلطة القضائية بوصفها من السلطات الاتحادية الثلاث وهذا النوع من الرقابة تبنته اغلب دساتير الدول في الوقت الحاضر لما يتوفر على العديد من المزايا ذكرها بإسهاب بعض المختصين من الكتاب في الفقه الدستوري فإذا ثبت لتلك الهيئة القضائية عدم دستورية القانون أو إحدى مواده بسبب مخالفة القانون أو إحدى مواده لأحكام الدستور تقضي تلك الهيئة بعدم دستورية القانون أو إحدى مواده وتقرر إلغاء القانون أو بعض مواده المخالفة للدستور . وبذلك يتحقق انعدام القانون او بعض مواده من الوجود لمخالفته الدستور وهذا المعنى يوضح لنا إن مفهوم القانون غير الدستوري وهو القانون الذي يصدر ويعد نافذاً وهو مخالف لحكم الدستور ويؤشر لنا ان المشرع الذي اصدر ذلك القانون لم يلتزم بأحكام الدستور النافذ وهو الإطار الذي نعمل بموجبه ونطابق مشروعية الإعمال القانونية بالاستناد إليه لذلك فان أحكام المحكمة الاتحادية العليا التي تقضي بعدم دستورية قانون أو نص في قانون فإنها باتة وملزمة ولا يجوز مخالفتها سواء في إمكانية العمل بذلك القانون المعطل أو النص المعطل الوارد في قانون، لان القضاء الدستوري يقضي احياناً ببعض مواد القانون وليس القانون كله ، وأحكام القضاء الدستوري في العراق مثل غيره في العالم ملزمة للجميع على وفق حكم المادة (94) من الدستور التي جاء فيها (قرارات المحكمة الاتحادية العليا باتة وملزمة للسلطات كافة) وفي عجز المادة أشير إلى أن الإلزام يشمل كافة السلطات وارى بان كاتب الدستور ثبت عبارة (كافة) ولم يذكر كلمة (جميع) لتأكيد شمولية فعل الإلزام على الكل دون استثناء حيث نجد ان معنى كلمة (كافة) عند أهل اللغة بمعنى (ما يكفّ الشيء في آخره) واستخدام كلمة كافة في تلك المادة لتشمل السلطات القائمة ولا تدل إلا على الكل ، ومن ذلك فان الدستور شمل كل السلطات القائمة في تاريخ كتابة الدستور أو التي ستقوم أو تتكون لاحقاً بوجوب الالتزام بأحكام المحكمة الاتحادية العليا ، ومن خلال ما تقدم فان المشرع ملزم بإتباع الأحكام التي تصدرها المحكمة الاتحادية العليا عند التصدي لتشريع القوانين لان الحكم بعدم دستورية قانون سواء لعيب شكلي او موضوعي لا يقف اثره عند الجهات من أطراف الخصومة في دعوى الطعن بعدم الدستورية وإنما على الجميع فإذا تعلق الطعن بقواعد تشريع القانون فان مجلس النواب ملزم بمراعاة ما قررته المحكمة الاتحادية تجاه الطعن عند تصديه لتشريع القوانين الأخرى وهذا ما أكد عليه فقهاء القانون الدستوري بان قرارات القضاء الدستوري لها قوة وحجة دستورية لا يمكن لأي جهة تعديلها أو إلغائها أسوة بالنصوص الدستورية وأحيانا يكون الطعن بنص محدد من قانون صدر خلاف لقواعد ومبادئ الدستور لكن يجد القضاء الدستوري إن هذا النص محل الطعن يشكل نقص كان مؤثر في بنيوية النص وذلك لوجود ارتباط بين النص المطعون فيه والتشريع بأكمله لان إغفال مبدأ أو وجود نص صريح مخالف للدستور يكون غير ذي اثر بدون القانون ككيان واحد وكتلة واحدة، مما يدعوا القضاء الدستوري إلى الحكم بعدم دستورية القانون بأكمله لعدم إمكانية التجزئة وهذا ما سار عليه المجلس الدستوري الفرنسي والمحكمة الدستورية العليا في مصر وغيرها من المحاكم الدستورية ويعد من أهم مبادئ القضاء الدستوري وفي العراق أمثلة عديدة في أحكام المحكمة الاتحادية العليا منها قانون مجلس القضاء الأعلى رقم 112 لسنة 2013 الذي قضت المحكمة الاتحادية العليا بعدم دستوريته على وفق قرارها العدد 87/اتحادية/2013 في 16/9/2013 وكانت أسباب الحكم بعدم دستوريته شكلية تتعلق باليات التشريع وأخرى موضوعية تتعلق بمبدأ الفصل بين السلطات وهذا الحكم القضائي الدستوري يبقى مرعياً وعلى السلطة التشريعية إتباع ما ورد فيه عند التصدي لأي قانون مماثل ولا يجوز تكرار المخالفة عند إصدار قانون آخر مثلما حصل في قانون مجلس القضاء الأعلى النافذ رقم 45 لسنة 2017 حيث كرر مجلس النواب الأمور التي عدها القضاء الدستوري مخالفة للدستور في القانون السابق ومنها الآتي :
1. إغفال دور المحكمة الاتحادية العليا في بعض مواده التي تتعلق بها حصراً مثل إقرار ميزانيتها التي تختص بها لأنها ذات استقلال مالي وأداري عن مجلس القضاء الأعلى ومكونات السلطة القضائية الأخرى.
2. إغفال دور المحكمة الاتحادية العليا عند الترشح لعضويتها.
3. إغفال دور المحكمة الاتحادية العليا عند التصدي للأمور الإستراتيجية للسلطة القضائية بمجملها وليس فقط المتعلقة بمجلس القضاء الأعلى
4. منح مجلس القضاء الأعلى سلطة اقتراح القوانين على وفق حكم الفقرة (عاشراً ) من المادة (3) من القانون على خلاف ما جاء في الفقرة (2) من المادة (60) من الدستور التي حصرت اقتراح القوانين بعدد لا يقل عن عشرة من أعضاء مجلس النواب أو امن إحدى لجانه المختصة وعلى وفق النص الآتي (مقترحات القوانين تقدم من عشرةٍ من أعضاء مجلس النواب، أو من إحدى لجانه المختصة) وبذلك فان هذا النص فيه تعدي على اختصاص حصري لمجلس النواب دون سواه مما يشكل خرقاً دستورياً.
5. وجود خروقات موضوعية أخرى تقدم بها بعض الذين طعنوا في القانون وهذه بمجملها تشكل خرقاً دستوريا.
ونرى من خلال ما تقدم إن المشرع وان كان يملك السلطة التقديرية عند التشريع إلا انه يبقى مقيد بإطار الدستور لأنها ليست سلطة غير محدودة ، ويبقى القضاء الدستوري الرقيب الذي يبين مدى هذه حدود هذه السلطة التقديرية عبر الأحكام التي يصدرها ونأمل من السلطة التشريعية الالتفات إلى ذلك عند عملية التشريع من اجل الحفاظ على استقرار التعاملات القانونية وحفظ المراكز القانونية التي ينشئها مع التنويه إن قانون مجلس القضاء الأعلى رقم 45 لسنة 2017 قد طعنت به ثلاث جهات تنتمي إلى السلطات الثلاث التي تكون منها النظام السياسي في العراق فقد طعن عن السلطة التشريعية عدد من أعضاء مجلس النواب الحالي ومن السلطة التنفيذية رئاسة الجمهورية ومن السلطة القضائية مجلس القضاء الأعلى حيث قدم طعناً مفصلا بالعديد من المواد القانونية في القانون أو الأحكام الدستورية التي أغفلها التشريع .
القاضي
سالم روضان الموسوي








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. إيرانيون يتظاهرون في طهران ضد إسرائيل


.. اعتقال موظفين بشركة غوغل في أمريكا بسبب احتجاجهم على التعاون




.. الأمم المتحدة تحذر من إبادة قطاع التعليم في غزة


.. كيف يعيش اللاجئون السودانيون في تونس؟




.. اعتقالات في حرم جامعة كولومبيا خلال احتجاج طلابي مؤيد للفلسط