الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الدولة الحديثة منتج اقتصادي

فارس تركي محمود

2017 / 4 / 8
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي


لقد تمكن الانسان منذ أن وجد على هذه الارض من تأسيس وإنشاء الكثير من الدول الكبيرة والصغيرة وبكل انواعها كالدولة الدينية والدولة القبلية والدولة العسكرية الحربية والدولة العائلية او دول العائلات وكانت هذه الدول كلها تشترك بصفات وسمات وقواسم بعينها أبرزها أنها دول صنعت واوجدت بقوة خارجية وبقرارات وجهود بشرية ولا تمتلك مقومات ذاتية تساعدها على النهوض والبقاء والتطور والاستمرار حيث أن ولادة وظهور هذه الدول لم تكن في أي حالة من الحالات ولا في أي زمن من الأزمنة ولادة طبيعية ولا ظهور تلقائي بل هي عملية استيلاد قسري وإظهار جبري يكون نتيجة لطموح قائد او رجل واحد او مجموعة من الرجال ينجحوا في استغلال الظرف المناسب والاحوال المؤاتية فيفرضوا سيطرتهم بالقوة على أحد المجتمعات البشرية تحت شعارات متعددة دينية ، مذهبية ، طائفية ، عرقية ، قبلية ، جهوية ، . . . الخ ، ويتكئوا على هذا المجتمع ليكون نواة لدولتهم التي ستتسع وتمتد لتفرض سيطرتها على مجتمعات جديدة تكون هي الأخرى بدورها أداة لمزيد من التوسع والإمتداد ، وبالتالي لن تكون هذه الدولة نتاج وإفراز طبيعي وتلقائي للمجتمعات المسيطر عليها بل هي نزلت على هذه المجتمعات نزول الصواعق وبشكل مفاجئ وسريع جدا .
كما إن هذه الدول تتسم بأنها دول قمعية ودكتاتورية ومستبدة بل إنها لا يمكن أن تكون إلا كذلك ، أو بالأحرى أنه لم يكن يوجد في الفترة التي ظهرت بها هذه الدول ما هو عكس ذلك ، ولم يكن الناس يتخيلون أصلا وجود لدول ليست كذلك ، فالدولة لم تكن تعني إلا الاستبداد والتسلط والطغيان ولا غرابة في ذلك إذا كانت الدول اصلا في تلك الفترة لا تقام إلا عن طريق استخدام القوة ، ولم تكن البشرية تعرف طريق آخر او وسيلة مغايرة .
وعندما نقول أن هذه الدول كانت دكتاتورية واستبدادية فهذا يعني أنها لم تعرف ولم تمارس أي نوع من انواع الحرية سواء السياسية او الدينية او الفكرية او الفردية إذ لم تكن البشرية قد وصلت الى مرحلة من النضوج تمكنها من معرفة او ممارسة او ادراك وجود مثل هذه الحريات وجل معرفتها كانت قائمة على وجود ناس حاكمين وناس محكومين حيث يتمتع الحكام بكل شيء ويحتكرون كل السلطات والاموال والامتيازات المادية والمعنوية بينما يحرم الناس المحكومين من كل شيء ، ويستطيع الحاكم متى ما قرر أن يسلبهم أي شيء حتى حقهم في الحياة . ولم يكن ذلك بالأمر المستغرب او المستهجن او المرفوض في ذلك الزمن بل كان هو الأمر العادي والطبيعي والسائد ولا يوجد غيره .
ولسنا بحاجة إلى القول أن ما يعرف اليوم بالديمقراطية والليبرالية وحقوق الانسان لم تكن قد ظهرت بعد ولم يكن لها وجود اصلا بل إن الانسان نفسه لم يكن له وجود ولا نقصد هنا الانسان البيولوجي أي ذلك الكائن الحي الذي يتنفس ويتحرك ويتكلم ويأكل ويشرب ويتزوج وينمو ويمرض ويموت ، بل نقصد الانسان الفرد القائم بذاته المدرك لفرديته الواعي لحقوقه الذي يعترف المجتمع بفرديته ويتعامل معها كحقيقة لا يرقى اليها الشك . لذلك لم تكن التسميات والمصطلحات التي تطلق على ابناء المجتمع او رعايا الدولة تدل على وجود فكرة الفرد او الفردية أساساً ، بل كانت تدل على أنهم كتلة واحدة لا يتميز فيها أحدٌ عن أحد ، وكم مهمل لا قيمة له ومن هذه المصطلحات التي كانت سائدة : السوقة ، الدهماء ، العوام ، السواد ، الغوغاء ، الرعاع وهلم جرا ، أما مصطلحات المواطن والشعب ومفهوم الانسان الفرد فلم تظهر إلا في العصر الحديث .
ومما يميز هذه الدول أيضا أنها كلها كانت تستند بشكل او بآخر إلى فلسفة ما ورائية او مقولات مقدسة وأفكار دينية او أحداث وروايات خرافية ، إذ أن حكامها كانوا يتميزون عن بقية الناس بكونهم يمثلون الاله وفي بعض الاحيان يصبحون هم الآلهة او انصاف آلهة ، او أنهم يحكمون باسم الاله ، او أن الاله قد كلفهم بالحكم ، او أن حكمهم تحقيق لنبوءة قديمة ومقدسة ، او أنهم ينحدرون من سلالة أرقى وأنقى بكثير من تلك التي ينتمي إليها العوام ، او أنهم هم الذين لا غنى عنهم من أجل سلامة وديمومة واستقرار الدولة . وفي أحيان كثيرة لم يكن الحكام هم من يبتكر ويروج لمثل هذه الأـفكار بل الناس المحكومين أنفسهم يخترعونها وينشرونها ومن ثم يصدقونها ويحولونها إلى حقيقة مقدسة تتناقلها الاجيال ، فالعقلية البشرية البدائية لم تكن تقبل او تتصور أن انسانا عاديا حاله حال بقية البشر يمكن ان يحكم بل يجب أن يكون هذا الانسان متميز عن الآخرين وتقف خلفه قوى خفية وإلا لما أصبح حاكما .
إن هذا التصور البدائي أنتج لنا سمة اخرى من سمات هذه الدول وهي أن الناس الذين تحكمهم لم يخطر ببالهم البتة ولم يتصوروا أنه من حقهم أن يشاركوا او يشتركوا في الحكم بل كانوا يعتبرون أي توجه او تفكير من هذا النوع ما هو إلا نوع من الكفر والتجديف والمساس بالمقدسات وتجاوز الخطوط الحمراء ، وكانوا على قناعة تامة بأن لا شان لهم - ولا ينبغي أن يكون لهم - من قريب او بعيد بشؤون الحكم والدولة ومما يدل على قوة هذه الفكرة وهيمنتها على العقلية البشرية البدائية أنها وجدت طريقها الى التراث البشري الشفهي والمدون المقدس وغير المقدس بل وحتى إلى الأمثال الشعبية فها هو المسيح يقول : " اعطي ما لله لله وما لقيصر لقيصر " ، والناس هي من ابتكرت فكرة " ذوو الدماء الزرقاء " ، وفكرة " السلطان ظل الله على الارض " ، " والحق الالهي بالحكم " . . . الخ .
إن هذه السمات التي اتصفت بها هذه الدول من دكتاتورية واستبداد وغياب للحريات واستخدام وسائل القهر والقوة والإتسام بالقدسية وانقطاع صلتها بأفراد المجتمع وغيرها من صفات لم تكن إلا إنعكاسا وترجمة لصفات وسمات العقلية البشرية البدائية التي أنتجت تلك الدول .
إن الدول القديمة كلها كانت منتجاً بشرياً ولم يتغير ذلك إلا مع بداية العصر الحديث عندما أصبحت الدولة ولأول مرة بتاريخ البشرية منتجاً اقتصادياً ، فمع بداية القرن الثامن عشر شهدت بريطانيا حدثا جلل كانت له ولا تزال تداعيات ونتائج كبيرة وخطيرة وعلى كافة المستويات السياسية والاقتصادية والاجتماعية تمثل هذا الحدث بانطلاق ما بات يعرف بالثورة الصناعية هذه الثورة التي كانت نتيجة لتوافر بيئة جغرافية ساعدت على خلق وإدامة وتطوير ومراكمة مفاهيم حياتية بعينها كالحرية والمبادرة الفردية والاحتكاك الايجابي بالواقع والتعلم من الاخطاء والاعتماد اكثر واكثر على التفكير الواقعي التجريبي وغيرها من المفاهيم التي أصبحت من أبرز سمات الدولة الحديثة ، وبدوره أدى ظهور هذه المفاهيم وتجذرها وتزايد دورها وتأثيرها في مفردات الحياة اليومية الى ولادة وتفجر الثورة الصناعية .
إن الثورة الصناعية لم تكن حدثا طارئا ولم تظهر على حين غرة او صدفة ًولم يتم استيلادها قسريا وبتدخل بشري فج ومباشر وقهري في الأحداث والتطورات بل كانت نتيجة لعملية تراكمية طويلة استمرت لمئات السنين شبيهة بتلك العمليات الطويلة والمعقدة التي يقوم بها علم الجيولوجيا ليتمكن في نهايتها من انتاج النفط مثلا ، او العمليات التي قامت بها الطبيعة والتي أدت الى إبداع وخلق شلالات نياغارا او جبال الهملايا او نهر الأمازون . أما فيما يخص الثورة الصناعية فإن الجغرافية لعبت ذات الدور الذي لعبته الطبيعة ولعبه علم الجيولوجيا ، حيث أن الشروط الجغرافية لأوربا والمتمثلة بالغطاء النباتي الأخضر الذي يغطي أكثر من تسعين بالمائة من اراضي القارة وانعدام المساحات الصحراوية ، والبيئة المشجعة على الفعل الانساني والمحفزة للإبداع البشري والمنشطة للقدرات العقلية سمحت بظهور ونمو البذور الاولى لما بات يعرف في الوقت الحاضر بإيقونات التمدن كالحرية والتعددية والديمقراطية والعقلانية وحقوق الانسان واعتماد المنهج التحليلي التجريبي في طريقة التفكير والفعل ، وصاغت ونحتت الانسان الاوربي عقلا ونفسيةً وسلوكاً بالشكل الذي يتوافق مع تلك الإيقونات . إن انطلاق الثورة الصناعية كانت إحدى نتائج الاثر التراكمي لتلك الإيقونات والأثر التراكمي لأفعال وسلوكيات الانسان الأوربي ، فعندما بلغ هذا الأثر في بداية القرن الثامن عشر مرحلة او درجة معينة من التراكم - وبمساعدة اسباب غير مباشرة اخرى – ادى ذلك إلى تفجر الثورة الصناعية ، ولأسباب لا يتسع المجال لذكرها اختارت بريطانيا مهدا لها .
لم تكن الثورة الصناعية مجرد حدث مكَّن الانسان من مزيد من السيطرة على محيطه ، وساعده على اختراع وابتكار المزيد والمزيد من الآلات والمكائن ، بل كان بمثابة الزلزال الذي امتد بآثاره الى كل مناحي الحياة وطالت هزاته الارتدادية كل المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والفكرية والثقافية ليهدم العالم الذي كان قبله بسياسته باقتصاده بأفكاره ورؤاه ومسلماته وليشيد عالما جديدً ، ولتتمخض عنه نتائج وفلسفات وطروحات كان من أهمها ولادة النظام الرأسمالي القائم على فلسفة الربح والخسارة ، حيث أن النظام الرأسمالي لا يعرف ولا يعترف بأي معيار إلا معيار الربح والخسارة ولا يفهم اأية لغة الا لغة الربح والخسارة ، فوفقا لفلسفة الرأسمالية فإن إي منهج وإي توجه وإي سلوك يؤدي إلى الربح يعد هو الصح بعينه وكل ما يسبب الخسارة هو الخطأ بعينه بغض النظر عن أية اعتبارات أخرى .
إن هذه الفلسفة ساعدت على تجذير وتقوية عدد من المفاهيم كالفكر الواقعي العقلاني والاعتماد على المنهج التحليلي التجريبي لأن من يريد أن يحقق الربح لا بد أن يكون واقعيا عقلانيا ولا بد أن يحلل ويجرب ويخطئ ويصيب لكي يصل الى أفضل النتائج ويحقق أعلى الارباح ويتجنب الخسائر ، كذلك ساعدت هذه الفلسفة على رفع سقف الحريات بكل أنواعها السياسية والاقتصادية والفكرية والحرية الشخصية وحرية الاعتقاد ، فالنظام الرأسمالي ولكونه نظام تنافسي يحرص حرصا شديدا على ادامة وتطوير قاعدته الصناعية والتجارية وتحديث وسائله وهو في عطش دائم لا ينتهي الى المزيد والمزيد من الافكار الجديدة والابداع الخلاق والاختراعات والابتكارات الحديثة وهذا لا يتم إلا في بيئة حرة ومتحررة بالكامل لا تحدها حدود ولا تقيدها قيود من أي شكل او لون وهذا كله سيؤدي حتما الى رفع سقف الحريات ويجعل من الحرية قيمة متأصلة ومتجذرة في نفوس ابناء المجتمع الرأسمالي الذين يمارسون الحرية اكثر مما يتحدثون عنها بعكس ابناء المجتمعات الاخرى الذين يتحدثون دائما وبإسراف عن الحرية لكنهم لا يمارسونها أبداً لأنها ليست قيمة متأصلة في نفوسهم بل كلمة تلوكها السنتهم .
كذلك عززت الرأسمالية وفلسفة الربح والخسارة مفهوم النسبية والاعتراف بالآخر ، وزادت من إدراك العقل البشري بعدم وجود حقيقة مطلقة وبأن الحياة لا تتكون من لونين فحسب أسود وأبيض بل مجموعة من الالوان تتدرج وتتداخل فيما بينها بحيث يصعب التفريق فيما بينها ، وإن ما تراه أنت حق قد يراه الآخر باطل . وربَّت الرأسمالية رويدا رويدا عقلية نقدية تنظر الى كل ما يدور حولها والى كل ما تسمعه وتقرأه وتراه بعين فاحصة محللة تنتقد وتقيِّم وتميِز الغث من السمين والخطأ من الصواب والخرافة من الحقيقة وفقا لمنهج علمي عقلاني . ونمَّت الروح الفردية والمبادرة الفردية وجعلت الانسان يشعر بفرديته وبأنه كيان قائم بذاته وليس سائمة ضمن قطيع او أحد افراد السوقة والدهماء ، وسمحت بتعدد الآراء والافكار والفنون والآداب والمشارب والاذواق وغير ذلك الكثير الكثير مما اصبح لاحقا من أهم ما تتميز به الدولة الحديثة المتمدنة .
لقد تمخض عن الثورة الصناعية وظهور وتبلور النظام الرأسمالي نتائج كثيرة أهمها التطور الصناعي والتكنولوجي وظهور الاسلحة الحديثة وتنامي الظاهرة الاستعمارية وتغير شكل وتاريخ المجتمعات البشرية إلا أن اهم ما أنتجته الرأسمالية هو الدولة الحديثة . فلأول مرة بتاريخ البشرية أصبحت الدولة منتجا اقتصاديا إتسم بكل ما إتسم به النظام الرأسمالي الذي انتجها فالحرية التي لا غنى عنها للرأسمالية أصبحت من اهم سمات الدولة الحديثة حيث تغلغلت في كل مفصل من مفاصل الحياة وتنوعت اشكالها وتجلياتها فأصبح الانسان الذي يحيا في ظل دولة الحداثة والتمدن انسان حر في كل ما يقوله ويفعله ويقرأه ويكتبه وينشره ، وحر في افكاره وآرائه ومعتقداته وقناعاته وفي الكيفية التي يشكل بها حياته وفي نظرته للحياة ولكل ما يحيط به , وقد نتج عن هذه الحرية التعددية السياسية وظهور الاحزاب والديمقراطية والانتخابات والمجالس النيابية فكل حزب – ووفقا لمنطق السوق ولقانون العرض والطلب - يعرض ما لديه من برامج وافكار ويحشد كل قواه وامكانياته للتنافس مع الاحزاب الاخرى ويفعل المستحيل لإقناع المواطن باختيار بضاعته وفي النهاية المواطن حر في اختياره ، والطرف الذي يخسر سيعمل على تطوير افكاره وبرامجه ويسعى الى كل ما هو جديد ومبتكر لتحقيق الفوز والنجاح وكأنه مؤسسة اقتصادية تسعى لتحسين وترويج بضاعتها ، وبهذه الطريقة ومن خلال المنافسة يترقى ويتطور العمل السياسي ويتطور معه المجتمع اقتصادا وفكرا وثقافةً وخدمات والعكس صحيح .
وكما اتصفت الرأسمالية بتبنيها للفكر الواقعي المنطقي العقلاني وللمنهج التحليلي التجريبي لتحقيق اكبر قدر ممكن من الارباح ، فقد كان من الطبيعي أن تنقل هذه الصفة الى منتجها حيث أصبح المنهج العقلاني المنطقي التحليلي من اهم سمات الدولة الحديثة وتراجع وانحسر أمامه العقل البدائي الخطابي الوعظي المؤمن بالخرافات والاساطير مما أدى الى تطور وارتقاء المجتمع وازدهار معارفه وعلومه وآدابه وفنونه وتحقيقه المعجزات في المجالات كافة . كذلك فان الرأسمالية تعادي الجمود والاحكام المطلقة والرؤية أحادية الجانب والتعصب الأعمى والمسلمات والاحكام المسبقة وغيرها من افكار وطروحات لا تنتج أي ربح اقتصادي بل على العكس لا تورث الا البور والخسران ، لذلك فقد ساهمت الرأسمالية في تعزيز مفهوم النسبية ، وقبول الاخر المغاير ، ومفهوم المواطنة ، وإدراك عدم وجود حقائق مطلقة ، ومغادرة الثنائيات الاخلاقية مما ساعد على خلق المجتمع المتمدن والانسان المتمدن المتحضر . ولولا النظام الرأسمالي لما ظهرت لدينا أية تعددية من أي نوع لا تعددية فكرية ولا تعددية سياسية ولا تعددية اقتصادية وثقافية ، ولما دب على هذه الارض الانسان الفرد القائم بذاته الواعي بفرديته المتمرد على عقلية وفلسفة القطيع ، ولما تلاقحت الافكار وتكاملت الجهود وتنافست الارادات ، ولما حلقت العقول المبدعة في سماوات المعرفة والعلم ، ولما فتحت للبشرية آفاق لم تكن تحلم بعشر معشارها ، لأن الرأسمالية لا تبتغي الا الربح المادي وهذه المفاهيم تحقق لها ذلك .
إذاً فإن الدولة الحديثة بكل ما تحتويه من حرية وليبرالية وديمقراطية وحقوق الانسان ودساتير واحزاب وانتخابات ليست إلا الوجه السياسي للرأسمالية او بكلام آخر فان الرأسمالية عندما عبرت عن نفسها سياسيا خلقت لنا الدولة الحديثة ، بينما حرية السوق والاقتصاد الحر والتجارة الحرة والشركات العابرة للقارات تمثل الوجه الاقتصادي للرأسمالية . وبالتالي فإن أي محاولة لإنتاج الدولة الحديثة من خلال طريق آخر غير طريق الرأسمالية هي محاولة محكوم عليها بالفشل ، نعم يمكن أن تنجح في انتاج دولة الاسر والقبائل ودولة الانقلابات العسكرية ودولة الفوضى والتخلف وعدم الاستقرار أي اعادة انتاج للدولة القديمة بكل ما تمثله من استبداد وطغيان ورجعية ، لكنها أبداً لن تنجح بإنتاج الدولة الحديثة العصرية المتمدنة لأن إنتاج هذه الدولة حق حصري للنظام الرأسمالي ، مع الاخذ بنظر الاعتبار أن النظام الرأسمالي لا يستورد ولا يخلق بقرار اقتصادي او قرار سياسي او فرمان سلطاني او بإرادة بشرية بل هو نتيجة لعملية تراكمية طويلة المدى تديرها وتوجهها ظروف ومزايا جغرافية بعينها كما ذكرنا سابقا ، ومن لم يتصادف وجوده في مثل هذه الجغرافية عليه ان يكف عن المحاولة ويكتفي من الغنيمة بالسلامة . لقد كنا ولا زلنا نسمع من يطلب منَّا أن نتعلم دروس التاريخ لكن الأهم هو أن نعي ونفهم جيدا دروس الجغرافية .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. توترات متصاعدة في جامعات أمريكية مرموقة | الأخبار


.. !الرئيس الألماني يزور تركيا حاملا 60 كيلوغرام من الشاورما




.. مئات الإسرائيليين ينتقدون سياسة نتنياهو ويطالبون بتحرير الره


.. ماذا تتضمن حزمة دعم أوكرانيا التي يصوت عليها مجلس الشيوخ الأ




.. اتهام أميركي لحماس بالسعي لحرب إقليمية ونتنياهو يعلن تكثيف ا