الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


موظفو غزة والخيارات الصعبة

شفيق التلولي

2017 / 4 / 9
مواضيع وابحاث سياسية


موظفو غزة والخيارات الصعبة
بقلم/ شفيق التلولي

بات شبه المؤكد بأن القرار الحكومي القاضي باقتطاع رواتب موظفي قطاع غزة قراراً سياسياً بامتياز تَجلّت تداعياته بوضوح خاصة بعدما جاء عقب وثيقة حركة حماس السياسية المفترضة والتي حملت رؤىً بعيدة عن شرعية الإطار الوطني القائم، وعدم وضوح موقفها من المشاركة في المجلس الوطني المزمع عقده، الأمر الذي ربما اعتبر بمثابة إدارة الظهر لمنظمة التحرير الفلسطينية وسلطتها الوطنية.

ناهيك عن تشكيلها مؤخراً لجنة إدارية لغزة، وطعن مجلسها التشريعي في قرارات محكمتها الدستورية في وقت مضى، فيما ذهبت حكومة الوفاق الوطني إلى اعلانها إجراء الإنتخابات المحلية في الضفة الغربية دون قطاع غزة.

وجاء القرار الأصعب للحكومة الحالية قرار اقتطاع ما نسبته 30% من رواتب موظفي غزة بحججٍ مختلفة ومتباينة جاءت على لسان الناطق باسمها والتي كان أهمها الإشارة إلى العبء الذي أحدثته حركة حماس منذ استيلائها على قطاع غزة، وسيطرتها على موارده المالية دون توريدها لمالية الحكومة القائمة؛ مما أثقل كاهل مالية حكومة السلطة الفلسطينية.

مشيراً أيضاً إلى الأسباب المُدّعاة لهذه الأزمة خاصة الخارجية منها والمتعلقة في كل من تلكؤ حكومة الإحتلال الإسرائيلي في الإيفاء بالتزاماتها المالية المترتبة عليها وإصرار الإتحاد الأوروبي على اقتطاع مخصصات دعمها لقطاع الموظفين العاملين في صفوف السلطة الفلسطينية، فيما كان قد نفى ذلك الإتحاد الأوروبي كما جاء على لسان الناطق باسم الإتحاد في الأراضي الفلسطينية.

وفي هذا السياق نأمل ألا تكون السلطة الفلسطينية قد وقعت غيلة في مثلبة سياسة الصدمة الترامبية الأمريكية ضمن ترتيباتها الإقليمية المفترضة والتي قد تغرقها في بحر غويط، وعلى الشاطئ الآخر تُلقي لحماس بطوق نجاة تكتيكي من خلال أدواتها الإقليمية؛ لتقويض مساعي السلطة الرامية لإنجاز مشروعها الوطني وتدشين دولتها الناجزة العتيدة.

الأمر الذي أغضب موظفو المحافظات الجنوبية سيما وأن القرار أتى عليهم وشملهم جميعاً حيثما تواجدوا ولم يشمل كافة العاملين في الوظيفة العمومية في المحافظات الشمالية؛ مما يدل على أن هناك نوايا مبيتة لغزة قائمة على التمييز والتهميش والإقصاء والتخلي عن مسئوليات الحكومة تجاهها، وهذا يجعلنا نذهب لفرضية مواجهة محتملة مع حركة حماس في قطاع غزة من خلال إلقاء هذا العبء في وجهها كما أراد أرباب الحكومة وفقاً لمن أشار عليهم بذلك.

يأتي ذلك أيضاً في ظل أزمة جديدة ألمحت إليها حكومة الإحتلال الإسرائيلي خلال مطالبتها بمستحقاتها المترتبة على امدادها بالتيار الكهربائي المغذي لقطاع غزة، وهذه الأزمة قد تُغرق قطاع غزة في ظلام كامل، مما يزيد من حنق وغضب المواطنين فيها ويُنذر بكارثةٍ انسانيةٍ كبيرة، يأتي كل ذلك في الوقت الذي تمعن فيه حركة حماس هي الأخرى إلى إصدار قرارات متتالية بغرض فرض ضرائب على مختلف السلع والبضائع.

هذا ما وضع وسيضع هؤلاء الموظفون في خيارات صعبة؛ فإما أن يخرجوا إلى الساحات والميادين في خطوات احتجاجية متواترة ومتدحرجة وقد بدأت بواكيرها منذ صدور القرار وربما تطول أيام وأسابيع أو حتى أشهر؛ فإذا افترضنا بأن المطلوب دفعهم إلى مواجهة مفترضة، فأين ستوجه هذه المواجهة؟ هل ستوجه للسلطة غير الموجودة في غزة أصلا؟ً أم ستنفجر في وجه حماس وأجهزتها التي تقبض على غزة؟ وفي هذه الحالة قد تكون النتائج غير محسوبة؛ مما يمكن أن يدفع بحماس إلى مواجهة ممتدة معهم وإما تحتوي ثورتهم وتحولها باتجاه السلطة، ومن الممكن أن تستخدم جماهيرها أيضاً في حراكٍ موجه ضد السلطة؟

أيٍ كان الأمر فإن كل الخيارات مفتوحة ويبقى الذي يحسم الأمر هو قدرة حركة فتح على وقف هذا القرار من خلال ضغط أطرها القيادية وبخاصة لجنتها المركزية، أو أن تقع القطيعة بين فتح في غزة وفتح في الضفة الغربية، وهذا سيعزز ويكرس الإنقسام الفتحاوي ويؤسس إلى فك الإرتباط فيما بين غزة والضفة حتى على المستوى الوطني ويُصاعد من حدة وتيرة الإنقسام؛ مما يدفع بالإنفصال قدماً إلى الأمام، بل وربما يدفع قرار اقتطاع الراتب بالموظفين إلى اللجوء لمحاكم دولية ورفع قضية ضد الحكومة وهذا سيعمق الهوة ويزيد الطين بلة.

باعتقادي أن ما ستُحدثُه التداعيات وما تفرضه من وقائع ستكون فيها كل الخيارات صعبة أمام الموظفين وأسرهم ومن خلفهم الغالبية العظمى من الغزيين الذين بدأوا بالفعل في حراكهم الجماهيري؛ لما يؤثر عليهم هذا القرار ويجلب لهم كارثة اقتصادية كبيرة ويبقى الأمر مرهوناً بنتائج المساعي الجارية لشطب هذا القرار.

إن سياسة السحب والدفع التي تُنتَهج ضد غزة عبر زج موظفي السلطة ممثلة بحكومتها وبين حماس في آتون تجاذب الأمواج المتلاطمة؛ ستؤدي إلى انفجار كبير سيسمع صوته كل العالم بيد أن الأخيرة أي حماس ستستفيد منه أكثر؛ نتاج تداعيات هذا القرار الذي يعزز ويكرس الجغرافيا والجهوية؛ مما يعطيها فرصة تعميد وتصليب وثيقتها الأخيرة، كما ومن الممكن أن يؤهلها ويجعل لها دوراً متنامياً في إطار متغيرات سياسية درامتيكية تُطال تغيير مسارها الفكري والأيديولوجي؛ وبالتالي تغيير خطابها السياسي انطلاقاً من غزة التي تسيطر عليها بما تمثله من عمق استراتيجي للدولة الفلسطينية المفترضة.

لذلك فإنه ينبغي على السلطة الفلسطينية أن تلتقط النتائج الوخيمة المترتبة على قرار حكومتها الأخير والعدول عنه فوراً حتى لا تقع فيما لا يحمد عقباه؛ فلا هكذا ترد الإبل يا ساسة القوم.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ألمانيا والفلسطينين.. هل تؤدي المساعدات وفرص العمل لتحسين ال


.. فهودي قرر ما ياكل لعند ما يجيه ا?سد التيك توك ????




.. سيلايا.. أخطر مدينة في المكسيك ومسرح لحرب دامية تشنها العصاب


.. محمد جوهر: عندما يتلاقى الفن والعمارة في وصف الإسكندرية




.. الجيش الإسرائيلي يقول إنه بدأ تنفيذ -عملية هجومية- على جنوب