الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تفضيل الدنيا على الآخرة والميتافيزيقا

طلعت رضوان

2017 / 4 / 9
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


أليس تفضيل الآخرة يتناقض مع طبيعة البشر؟
وأليس صحابة الرسول والخلفاء تشبثوا بمباهج الدنيا؟
كنتُ أعتقد أنّ الصوفى الكبيرمحيى الدين بن عربى يختلف عن غيره من الإسلاميين، بعد أنْ قرأتُ كتابه (الفتوحات المكية- عدة مجلدات) الذى طالب الأصوليون بمصادرته، و(ترجمان العشاق) إلخ، ولكن خاب ظنى بعد أنْ قرأتُ قوله ((إنّ أقل درجات العالـِـم أنْ يـُـدرك حقارة الدنيا وخستها وانصرافها، وعظم الآخرة ودوامها. ومن لايدرك هذا فهوفاسد العقل، مسلوب الإيمان، لأنّ القرآن من أوله لآخره صرّح بهذا (وبذلك) فإنّ من يجمع بين الدنيا والآخرة جاهل، فكيف يكون من العلماء؟ إنما هوأسيرالشيطان)) (رسائل ابن عربى- هيئة الكتاب المصرية- ج2- عام2016- ص357) ثم استشهد بآية ((والآخرة خيروأبقى)) (الأعلى/17)
وهكذا تأكــّـد لدىّ أنّ الإسلاميين متشابهون حتى الذين حلــّـقوا فى (خيالات الصوفية) بما فيهم ابن عربى الذى انحازللمطلق (الآخرة أفضل) ضد النسبى (حقارة الدنيا) وقد تأكــّـد هذا بانحيازه لآية ((إنما أموالكم وأولادكم فتنة..إلخ)) (التغابن/15) وتجاهله آية ((المال والبنون زينة الحياة الدنيا)) (الكهف/46) رغم أنه قرأ القرآن، بل وله كتاب فى تفسيره.
وأعتقد أنّ ماذهب إليه ابن عربى من تفضيل الآخرة على الدنيا، له علاقة بمجمل (شطحاته) الغارقة فى الميتافيزيقيا مثل ترديده لحديث ((أول ماخلق الله القلم.. فلما أراد الله أنْ يخلق الخلق قسّم النورأربعة أجزاء، فخلق من الجزء الأول القلم، ومن الثانى اللوح، ومن الثالث العرش، ثم قسّم الجزء الرابع أربعة أجزاء..إلخ)) (ص123) وذكرأنّ الله تعالى أوحى لموسى أنْ يأتى الجبل ليسمع كلامه ((فتطاول كل جبل طمعًـا فى أنْ يكون محلا لموسى)) (ص166)
ولتعلقه بأستارالميتافيزيقا استشهد بحديث ((يدخل الجنة من أمتى سبعون ألفــًـا بغيرحساب)) وفى الهامش ذكرأنّ هذا الحديث ((له روايات كثيرة، منها مارواه البخارى عن ابن عباس، ومسلم عن أبى هريرة..إلخ)) وفى تفاصيل الحديث أنّ الرسول قال ((عُرضتْ على الأمم.. فهذا موسى وقومه.. وقيل لى هذه أمتك ومعهم سبعون ألفــًـا يدخلون الجنة بغيرحساب ولاعذاب)) أما عن السبب فهوأنهم ((لايسترقون ولايتطيـّـرون وعلى ربهم يتوكلون)) (ص181) فلوأنّ ابن عربى استخدم عقله فكان عليه أنْ يسأل: هل مجرد عدم التنصت على الآخرين، وعدم التشاؤم (أى التطيركما جاء فى الحديث) من مؤهلات دخول الجنة؟ أما السؤال الثانى فهو: من الذى أحصى العدد (70 ألف)؟ وما الوسيلة؟ وطبعـًـا فإنّ تلك الأسئلة لايمكن أنْ تخطرعلى ذهن أى إنسان اعتمد على المرجعية الدينية، المُـتصادمة مع التفكيرالعقلانى.
وذكرحديث- يـُـفهم من معناه أنه حديث قدسى دون أنْ يذكرذلك- لأنّ نص الحديث ((كنتُ كنزًا مخفيـًـا فاحببتُ أنْ أعرف، فخلقتُ الخلق وتحببتُ إليهم بالنعم فعرفونى)) ثم أضاف ابن عربى ((وانظرأيضًـا ماذكره الحاكم فى المستدرك حيث قال: رُوى عن عمربن الخطاب أنّ آدم (عليه السلام) رأى اسم محمد (صلى الله عليه وسلم) مكتوبـًـا على العرش، وأنه عاد به ربه. فقال الله سبحانه وتعالى: لولامحمد ما خلقتك)) وفى رواية أخرى أنّ الرسول حكى عن ربه ((كنتُ كنزًا لم أعرف (على الأف ضمة) فخلقتُ خلقــًـا لأعرف به..إلخ)) (ص267)
فهل يـُـعقل أنْ (يـُـجهـّـل الله) نفسه وأنه لم يكن معروفــًـا؟ وهل يـُـعقل أنْ يقول أنه كى يـُـعرف خلق الخلق؟ وهل يـُـعقل أنْ يعترف (الله) بأنه فعل أشياء لايفعلها إلاّ البشر؟ مثل قوله أنه (تحبـّـب) إلى البشر((بالنعم))؟ وكيف يـُـمكن التوفيق بين ذلك الحديث مع ما ورد فى القرآن (عن المشيئة الإلهية) وعن (كـُـن فيكون)؟ وأليس كل ذلك يؤكد أنّ ابن عربى- مثله مثل أى (ناقل للتراث) لم يـُـحاول أنْ يستخدم عقله بطرح البسيط من الأسئلة؟
ونقل ابن عربى ماورد فى تفسيرسورة الإخلاص أنّ من قرأ ((قل هوالله أحد)) ثلاثين مرة كتب الله له براءة من النار، وأمانــًـا من العذاب، والأمان يوم الفزع الأكبر(ص285) فهل أى إنسان (مسلم) مؤمن، موحد، معترف بأركان الإسلام الخمسة، ويؤدى كافة الفروض الإسلامية المنصوص عليها فى القرآن، يعجزعن تلاوة (قل هوالله أحد) ثلاثين مرة؟ حتى يضمن البراءة من النار، مع ملاحظة أنّ الحديث لم يتعرّض للأسباب التى أرسلتْ صاحبها إلى النار. وربما يكون قد قتل الأبرياء أوأحرق المزروعات أواغتصب النساء..إلخ كما يفعل الأصوليون من الجماعات الإسلامية أمثال أعضاء تنظيم داعش.
وابن عربى شديد الولع باستخدام حروف اللغة العربية، وتفسيرها وفق توجهاته الميتافيزيقية من ذلك ما كتبه عن (حرف الميم) حيث قال ((الميم كالنون إنْ حقــّـقتَ سرهما.. فى غاية الكون عينــًا والبدايات. والنون للحق والميم الكريمة لى.. بدء لبدء وغايات لغايات. فبرزخ النون روح فى معارفه.. وبرزخ الميم رب فى البريات)) (ص311) وقد قرأتُ تلك الفقرة- أكثرمن مرة- لأفهم معناها، فعجزعقلى عن اللحاق بشطحات ابن عربى. فقلتُ أقرأ ماورد فى الهامش، فازداد (جهلى) حيث قرأتُ ((اعلم أيــّـد الله المؤمن أنّ الميم من عالم المُـلك والشهادة. والقهرمخرجه مخرج الباء عدده أربعة وأربعون، بسائطه الياء والألف. والهمزة فلكه الأول..إلخ)) وذكرمحقق الكتاب أنّ هذا الكلام ورد فى (الفتوحات المكية: 1/46)
والنتيجة أنّ ابن عربى (رغم تميـّـزه عن غيره) من الإسلاميين، فإنه لم يستطع التخلص من آفة الميتافيزيقا التى سيطرتْ على معظم التراث العربى/ الإسلامى. كما لفت نظرى أنّ الكتاب الذى استشهدتُ به صادرعن هيئة الكتاب المصرية، وعدد صفحاته 915من القطع الكبير. فلماذا تـُـهدرتلك الهيئة الحكومية المال العام؟ وهل الهدف هوالترويج للميتافيزيقا؟ ولماذا لايكون هذا المال المُـهدربهدف إشاعة فكرالتنوير؟
000
هامش: ابن عربى (1165م- 1240) من أقواله ((نحن قوم يحرم النظرفى كتبنا، وذلك أنّ الصوفيين تواطئوا على ألفاظ اصطلحوا عليها وأرادوا بها معانى غيرالمعانى المُـتعارف عليها، فمن حمل ألفاظهم على معانيها بين أهل العلم الظاهركفـَـر وكفــّـرهم))
***








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الشرطة الأمريكية تعتقل عشرات اليهود الداعمين لغزة في نيويورك


.. عقيل عباس: حماس والإخوان يريدون إنهاء اتفاقات السلام بين إسر




.. 90-Al-Baqarah


.. مئات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى وسلطات الاحتلال تغلق ا




.. المقاومة الإسلامية في لبنان تكثف من عملياتهاعلى جبهة الإسناد