الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ذكريات مدينة كان من الصعب الخروج منها (5 )

عبد الله عنتار
كاتب وباحث مغربي، من مواليد سنة 1991 . باحث دكتوراه في علم الاجتماع .

2017 / 4 / 9
الادب والفن



إن أعظم نعمة نحظى بها هي النسيان، لكن لا يمكن أن أنس تجربة واد زم مهما حييت، من ينسى السوق الأسبوعي ليوم الاثنين ؟ من ينسى الصراخ واللغط والضجيج ؟ في عامي الأخير أقلعت نهائيا عن الذهاب إلى السوق ولكن في عامي الأول كنت أجلس مع المرتادين في المقاهي والاحظ المتسولين والباعة المتجولين والريفيين الذين أتوا من بعيد لزيارة السوق، كانوا يتحدثون عن الأمطار والجفاف والفلاحة والصراع حول الأرض ، كانوا مازالوا يرتدون "الرزز" والجلابيب ويتكلمون بلكنة قروية قحة، كان السوق هو هاجسهم وحلمهم وافقهم الذي جاؤوا من أجله من الريف القصي، كان يجلس بالقرب مني حسن، كان صامتا في كل الأوقات، بعد أن نغادر المدرسة، نتناول الغداء في السوق ونشتري حاجياتنا ونعود الى المنزل للنوم أو القراءة . كان حسن يحب الانصات للإذاعة، بينما أنا أهيم في نوم عميق لا أستيقظ إلا في غضون المغرب، وحينما يحل الليل ويختفي البشر نطوف أرجاء المدينة للخوض في الذكريات، والنقاش في اليومي والشوق إلى الرحيل عن مدينة رتيبة.
لم يكن يفوتني أن أزور المكتبة الوحيدة في وادي زم، والتي لا يزورها أحد وتقبع في زنقة سوق الاثنين، كانت كتبها قديمة، ولا يتردد عليها أحد، كان يشرف عليها رجل بالغ في السن، يبدو قلقا على الدوام وعلامات اليأس بادية عليه، كلما حاولت مفاوضته على الثمن، ينتابه القلق، ومذاك لم أعاود المجيء عنده بالمطلق . في أوقات الشتاء تأتي رياح باردة من الأطلس المتوسط، فلا ترى أحدا في الشارع، بينما تمتلئ الشوارع في ليالي الصيف وتغص الحديقة المجاورة لمحطة القطار في شرق المدينة حيث لازالت هناك أشجار غرسها الفرنسيون باقية إلى يومنا هذا، القطار لا يذهب إلا مرة واحدة إلى وادي زم، يصل في الثانية عشرة ليلا ويغادر في السادسة صباحا، طيلة مكوثي في واد زم أتيت في القطار مرة ورجعت فيه مرة، ذهابي اختلف عن ايابي، ذهابي كان ملؤه الفرح ورافقني فيه صديقي هشام وأيوب، الأول غادرني في برشيد والثاني غادرته في المحمدية، أما ايابي فكان في عامي الأول، فحللت في الظلام وتعلمت أن أسير وحدي بين الأزقة ذات الضوء الخافت.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الفنان أحمد سلامة: الفنان أشرف عبد الغفور لم يرحل ولكنه باقي


.. إيهاب فهمي: الفنان أشرف عبد الغفور رمز من رموز الفن المصري و




.. كل يوم - د. مدحت العدل يوجه رسالة لـ محمد رمضان.. أين أنت من


.. كل يوم - الناقد الرياضي عصام شلتوت لـ خالد أبو بكر: مجلس إدا




.. كل يوم - -الجول بمليون دولار- .. تفاصيل وقف القيد بالزمالك .