الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


معنى الجسم البشري - تجارب (3)

محمد عبد القادر الفار
كاتب

(Mohammad Abdel Qader Alfar)

2017 / 4 / 9
العولمة وتطورات العالم المعاصر


تجربة (3)
جسد احتياطي، ووعي دائم

لو أمكن الوصول إلى تقنية تجعل الوعي والذاكرة لشخص ما يتخزن تلقائيا على سيرفرات عملاقة محمية في بناء مقاوم للزلازل والحرائق وكافة الانفجارات، وهذا التخزين يحدث على مدار الساعة كما تعمل كاميرات الحماية. فإذا أصاب الجسد عطل أو مات الدماغ أو تعرض الإنسان لحادث فجائي كأن يسقط أو ينفجر أو يسقط عليه شيء أو يتشظى جسده إلى مليون قطعة، وينسحق عظمه ويذوب جلده ويفقد كافة أعضائه، فإن وعيه أو "روحه" تنتقل بآخر تحديث إلى السيرفر في انتظار ربط الوعي بجسد جديد، ليعود المرء إلى الحياة مهما حدث، مواصلا لها من اللحظة التي فقد فيها جسده السابق، حيث تم الاحتفاظ بكافة المعلومات والذكريات والخبرات السابقة.

الوعي يبقى معلّقا –يمكن في حالة تشبه الحلم أو حتى في حالة brain in a vat – إلى أن يتم ربطه بجسد جديد سليم شاب كامل الأعضاء يواصل حياته السابقة بكامل خبراتها التي انتقلت من الدماغ السابق (بما فيها خبرات نقلتها كافة الاعضاء السابقة إلى الدماغ). وبهذا النظام الذي يشمل كافة البشر يمكن الوصول إلى الخلود. ويتحتم على البشرية هنا أن توسّع مكان إقامتها. لذا فتكنولوجيا غزو الفضاء وخلق بيئات مناسبة لحياة الإنسان في أماكن أخرى، وموارد طاقة عملاقة في المجرات الأخرى وإمكانية استخراج الطاقة من الشمس مباشرة، كلها ينبغي أن يتم العمل عليها بموازاة العمل على خطة التخليد المتعلقة بالحفاظ على الجسد.

الصراع ابن المحدودية. وكافة الصراعات القائمة في عالم اليوم على الجغرافيا والموارد وحتى أساليب الحياة، تنتهي وتبطل تماما مع خلق إمكانية التوسع اللانهائي في الفضاء الخارجي والموارد اللانهائية. التحكم في المكان ضروري لخلق بيئة تناسب الإنسان الكامل الذي سيتم خلقه. وهذا التحكم في البيئة والمناخ وخلق ظروف تواتي الحياة الإنسانية فزويلوجيا وسيكولوجيا في مختلف أنحاء الكون سيكون هندسة المستقبل، حيث العالم بأسره هو نموذج معلوماتي Building Information Model وقاعدة بيانات هائلة يمكن التحكم في أي من متغيراتها. عالم بارامتري منمذج، لكنه متحرر في نفس الوقت من القوالب في ما يتلعق بالسلوكيات. فهو رغم دقة نظامه، القائمة على منجزات الجنس البشري الذي قهر الموت وقهر العجز ومسح الاكتئاب وأعادة تعريف الأنا بقدرته على التحكم في الجسد والوعي، ورغم احترامه بالضرورة لهذا الجهد الجماعي الذي يجب الحفاظ عليه، إلا أنه حر في اختياراته الخاصة.

هذا الإنسان الحر ذو الجسد القوي، شديد الثقة في نفسه، وسيقبل على استخدام مبدلات الوعي المتنوعة لخوض الوجود بمناظير جديدة. فصناعة مبدلات الوعي بأقل أعراض جانبية ممكنة، وبجرعات مدروسة تناسب الجسد البشري –والذي سيتم تصميمه بشكل مقاوم للاكتئاب ومجهز لاستقبال أنواع معينة من مبدلات الوعي لا تنهك الجسد- ستكون أحد صناعات المستقبل الهامة.

إن هذه التجربة هي تجربة الحياة دون شعور بالذنب، ودون خوف من النهاية، ودون حزن من فراق لا مناص منه. هي تجربة أن يكون كل شيء ممكنا ومستمرا، وأن يكون لكل مشكلة بشرية حل، وأن يصبح الوقت لا محدودا. وتخليد الجسد هو حجر الأساس في هذا العالم. عالم الغد الفتي واهب الحياة، حيث لا موت ولا شيخوخة ولا حزن ولا فروقات جسدية مؤلمة للأقل حظاً.

هل من معنى في عالم لا محدود؟

في ظني، نعم. وإذا كان المعنى ابن المحدودية بالضرورة، فلا حاجة لنا به. ولا أتصور أن الحياة في عالم لا محدود، هي رذيلة، أو تحدّ لأي فضيلة أو وقار. وتجربة نظرية من هذا النوع خيال مشروع نتمنى أن يبصر النور.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. عقوبات أميركية على مستوطنين متطرفين في الضفة الغربية


.. إسرائيلي يستفز أنصار فلسطين لتسهيل اعتقالهم في أمريكا




.. الشرطة الأمريكية تواصل التحقيق بعد إضرام رجل النار بنفسه أما


.. الرد الإيراني يتصدر اهتمام وسائل الإعلام الإسرائيلية




.. الضربات بين إيران وإسرائيل أعادت الود المفقود بين بايدن ونتن