الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


هل ينبغي أن نحاكم تأريخنا أم نحاكم العقل الديني؟.

عباس علي العلي
باحث في علم الأديان ومفكر يساري علماني

(Abbas Ali Al Ali)

2017 / 4 / 10
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


من الظواهر التي تؤشر طبيعة المجتمع العربي خاصة والمجتمع الإسلامي عامة ظاهرة العيش في صراعات التأريخ والرجوع لها في كل ما يثار من إشكاليات وجودية لعالمنا المعاصر، هذه الظاهرة وإن كانت جزء من تأريخ البشرية في مراحل سابقة إلا أن تجذرها بالوعي الإسلامي والعربي تأخذ منحنى مفصليا لا يستطيع أحد أم يحد من تأثيراته المدمرة على الواقع والفكر والثقافة العامة، صحيح أن الكثير من الأصوات النخبوية سواء في محيط الفكر المعرفي أو في داخل المنظومة التأريخية الدينية تعي خطورة الظاهرة على الإنسان والدين معا، لكن حدود تأثيرها بقيت محصورة في دائرة ضيقة مقابل نبذ عام وممنهج تمارسه أكثر من جهة وأكثر من سلطة تقريرية وتقديرية متمكنة حفاظا على ما تنتجه من أثار منتخبة ومصالح فئوية محمية بقداسة الإرث التأريخي.
اليوم العرب والمسلمون في طليعة من يتضرر فعليا من نتائج ظاهرة ربط الواقع الراهن بالتأريخ وشده دوما إلى إنفعاىت وأحداث وشخوص رحلت ولم تعد قادرة أن تمارس أي نوع من الفعل الفكري أو الأنتاج الثقافي، لكن العقل الجمعي في غالبه لا يريد أن يفارق ما يعتقد أنه هويته المجتمعية الخاصة وبعنوان الأصالة وحماية الدين والمعتقد، فمن يمكنه أن يجرد عقله من الخرافة التأريخية ليعيد تقييم الواقع الذي كان بكل موضوعية ويقول الحقيقية كما كانت، بل من يجرؤ أن يقول أن كل الفكر الظلامي التكفيري اليوم تم صناعته في عقول متأدلجة ضاغطة نحو المزيد من طرح الكراهية من خلال قنوات الفقه والعقائد والحديث والتفسير والرواية وإلى كل المعارف الدينية، بل أيضا من يجرؤ أن يقول أن بوادر داعش والقاعدة وبوكو حرام ولدت من رحم صرخة (منا أمير ومنكم أمير).
التأريخ الذي يتبارى المسلمون يوميا على تنظيفه من غبار الزمن وتلميعه وتقديمه على أنها قصة حضارة وإنسانية أمه كانت مائلة الحياة وشاغلة الناس، لو قدر للباحثين المجدين أن ينقبوا فيه عن الحقيقية سيجدون الكثير منه مجرد أوهام وخزعبلات وأضغاث أحلام لم ينطق الواقع به ولم تنجب الأحداث غالبيته المقدسة، أقول أن تأريخنا الذي كتبوه بدماء الفقراء والمظلومين والتعساء جرى تدوينه وصياغته تحت سوط جلادي الشعوب ومترفي السلطة وخدم السياسة، هذا التأريخ الذي يقدم الأعتداء والنهب والسلب وقتل الناس وتكفيرهم على أنه من أروع صور البطولة التي يحبها الله ورسوله، لا يمكن أن أنتمي له وأجله وأسس عليه قيم مجتمعية تنتج مزيدا من الحس الإنساني الطبيعي، الإنسانية عندما تريد أن تكرم البطولة والمأثر تكرمها وهي صادقة ونافعة وحقيقية لأنها تبقى كما هي ولا تتغير.
السؤال الذي يثيره الكثيرون عن الخطوة الأولى في عملية المراجعة والنقد، هل تبدأ من محاكمة هذا التأريخ بكل حيادية وعلمية وجلبه لطاولة النقد والتشريح والتفكيك؟ أم جلب العقل الجمعي الذي يدرك أن الكثير من هذا التأريخ مزيف وكاذب ومحرف لأغراض سياسية تتعلق بالصراع الفكري والأيديولوجية، لكنه مع هذا اليقين لا يريد لهذا التأريخ أن يمس لسبب بسيط أن صياغة عقله وبناءه وترتيبة جرى في جزء كبير على بعض أحكامه وقصصه، لذا لا يريد الأنجرار وراء تهديم منظومته والمس بعقيدته من خلال تصحيح الكثير من أسس الإيمان ومرتكزات العقيدة، البعض يرى في هذا التأريخ جزء من المشكلة وهذا الجزء مرتبط أيضا بالمؤامرة عليه وعلى عقيدته، لذا لا يمنح الأذن لعقله أن يستمع وأن يفهم لأنه سيتعرى تماما أمام الأخر، ونسي أن الأخر هو كذلك سيكون عاريا أمامه بلا ورقة توت، فالكل هم ضحية الخديعة وضحية الزيف وضحية الوهم المقدس.
إن التلازم بين مسارات المحاكمة وأخضاع كل المعرفة الإنسانية لقاعدة أن كل شيء مشكوك فيها ما لم يقوم الدليل العلمي والنقدي المنطقي بطرح نتائجه، سيكون منهجا حقيقيا للعودة للذات والعودة لأكتشاف الهوية الأصلية التي أخفتها صراعات التأريخ ومأزق السياسة، وأستخدم الدين فيها سلاحا للطرفين، وميدانا لتباري في تقديم كل أشكال التحريف بالتأويل والتفسير وأعتماد الصورة المزاجية التي تناسب التوجهات الفكرية، وطمس كل الصور والأحداث التي تتناقض مع الحقيقية حتى لو كان كتاب الله نفسه، في الوقت الذي نحتاج لهذه العملية النقدية ما زال التكفير والإرهاب والتموضع في جبهات الصراع التأريخي يأخنا إلى منحى خطير، منحى مواجهة الدين ذاته بأعتباره الأساس الذي يبني عليه المتصارعون نظرياتهم وأفكارهم وخططهم، وهذا هو الأخطر والأكثر قدرة على تجييش جنود التأريخ المسلحين بالظلام والكراهية والإقصاء.
إذا أراد العرب والمسلمون أن يكونوا جزءا من المسار الكوني وأن يستعيدوا جزء مما فقدوه من وجودهم، عليهم أن يكونوا أكثر شجاعة وأقرب للمنطق الواقعي من مسارات منطق الإرث والتأريخ، وأن يباشروا في نقد المعصوم عليهم والمحذور المساس به ليكتشفوا حقيقة الجريمة التي أرتكبها جنود منهج التزيف والكذب، وما رسخوه في العقل الجمعي العربي من أوهام التفوق والمغالات والعنصرية الدينية، وأن يفهموا أن الدين ليس مدفع ولا رصاص نرمي به خصومنا المفترضين، بل الدين أصلا خارطة طريق للعقل أن يكون إنسانيا في تعاطيه مع الواقع، لأننا جميعا وبمختلف دياناتنا وعقائدنا نعبد ربا واحدا وإن بمسميات مختلفة.
لكن المؤكد أن الجميع يعلم من حيث يعلم ومن حيث ينكر أن للكون هذا ربا وصانعا وخالقا واحدا، لا يمكن أن يحب بعضا ويكره بعض ولا حتى يؤمن بنظرية أن لله جنود في الأرض تقاتل نيابة عنه، بل كل ما في الوجود هم عائلة واحدة ومجتمع واحد قدر لهم أن يتنوعوا ويختلفوا بالرأي والرؤية لأنها أساس لكل حراك منج، ولكل تنافس إيجابي يزيد من نتاج المعرفة ويطور من أليات العقل والتفكر، وأختراع شتى أنواع ومنهاج العيش المشترك.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - شمس الحقيقة
حسين البصري ( 2017 / 4 / 10 - 20:11 )
بعد الحرب الكونيه الثانيه خرج امبراطور اليابان الى الالاف من اليابانيون المحتشدون امام القصر وخاطبهم بقوله أنا لست سليل الشمس أزيلوا من أذهانكم هذه الفكره ... ورغم ان الكثير منهم لم يستوعبوا حجم الكلام والكثير منهم فضل الانتحار الا ان الحقيقه سادت وترسخت .... متى يعلن فينا انصاف الألهة انهم مجرد بشر وهم ليسو وسطاء بيننا وبين الله ... وأن الله ليس له ظل في الارض ... أم أنهم سيقولوا ذلك حتف أنوفهم

اخر الافلام

.. مئات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى وسلطات الاحتلال تغلق ا


.. المقاومة الإسلامية في لبنان تكثف من عملياتهاعلى جبهة الإسناد




.. يديعوت أحرونوت: أميركا قد تتراجع عن فرض عقوبات ضد -نتساح يهو


.. الأرجنتين تلاحق وزيرا إيرانيا بتهمة تفجير مركز يهودي




.. وفاة زعيم الإخوان في اليمن.. إرث من الجدل والدجل