الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


يا لهم من أصدقاء...

أوري أفنيري

2006 / 1 / 23
مواضيع وابحاث سياسية


يهودا الاسخريوطي على وشك اجتياز عملية ترميم. مقربو البابا الجديد يوصون بتغيير صورته في أعين الكنيسة الكاثوليكية: ليس اليهودي الخائن، الذي يسلم المسيح إلى جندي الكاهن الكبير الشرير، بل تلميذ أمين ليسوع، يقوم بوظيفته في البرنامج الإلهي. فالله هو الذي قرر مسبقا أن يموت ابنه على الصليب.

محاولة إيجابية ولكنها ساذجة. لا يمكن لأي قرار يصدره الفاتيكان أن يغير صورة يهودا كما هي موصوفة في العهد الجديد: واشي محتقَر، يحصل على "ثلاثين وزنة من الفضة" من اليهود، وهي دفعة مقابل خيانته لابن الله. المسيحي الذي يقرأ هذه القصة في طفولته لن يغير صورة الخائن البغيض، الذي يقبل يسوع في اللحظة التي يسلمه فيها إلى أيدي مهلكيه. تغيير "العهد الجديد" فقط يمكن أن يمنع ذلك، وهذا بطبيعة الحال غير ممكن.

لو كان أحد الأحد عشر تلميذ الآخرين هو الذي نفذ الخيانة، فمن الممكن أن تكون النتائج ليست وخيمة إلى هذا الحد. ولكن لأن اسم يهودا هو كاسم اليهود كلهم، فإن خيانة الرجل الواحد تتحوّل في وعي المسيحيين إلى خيانة اليهود كلهم. الكثير من اليهود ذبحوا على مر التاريخ لهذا السبب. شعار النازيين !JUDAH VERRECKE ("الموت ليهودا!") – مهّد الطريق للكارثة.

من المحتمل أن يكون ذلك قد أثر أيضا على النازي الجديد الشاب ألكسندر كوباتشف، الذي أثار الفوضى هذا الأسبوع في كنيس في موسكو وجرح عشرة من اليهود بسكين. هذا العمل أضاء كل الأضواء الحمراء مرة أخرى. دار الحديث مرة أخرى على تفاقم معاداة السامية في العالم، وها هي أجراس الإنذار تقرع ثانية.

بالفعل، هناك خطر من تزايد معاداة السامية ومعاداة الإسرائيليين وهما ظاهرتان مختلفتان، تظهران معا وكل على حدا. ولكنهما غير متعلقتان بحليقي الرأس الرجعيين على شاكلة حامل السكين الملطخة بالدم في موسكو. إنهما أكثر خطورة، والوقود الذي يزودهما موجود في أماكن أخرى وعلى مستوى آخر.



في خطاب من سلسلة خطابات جورج بوش، يحاول تبرير اجتياحه المأساوي للعراق، قال هذا الأسبوع جملة يجب بالفعل أن تضيء كل الأضواء الحمراء. في هذه الجملة وجّه نقدا لاذعا لمعارضيه، الذين يدعون بأن اجتياح العراق قد أتى "من أجل النفط أو من أجل إسرائيل".

لقد كشف بذلك عن ادعاء كان يُسمع حتى الآن بشكل علني بين أوساط مجموعات هامشية معادية للسامية. كانت هذه المجوعات تدمج بين ثلاث حقائق: (أ) أن على رأس الدافعين للحرب كانوا أعضاء فئة "المحافظين الجدد" ("نيو-كونس")، الذين يتقلدون مناصب بارزة في حكومة بوش، (ب) أن معظم الأعضاء المركزيين تقريبا في هذه المجموعة هم من اليهود، و (ج) أن تدمير العراق قد حرر إسرائيل من تهديد عسكري مهم.

حتى الآن كانت وسائل الإعلام الأمريكية تتطرق باستهتار لهذا الادعاء، وكأنه "نظرية مؤامرة" تثير السخرية. الآن وبعد أن تطرق الرئيس إليها بنفسه، فمن شأنها أن تتحوّل إلى عنصر شرعي في الحوار العام في الولايات المتحدة والعالم.

إن في ذلك خطر محدق لإسرائيل. المؤسسات الإسرائيلية كلها تؤيد الهجوم الأمريكي. (في الوقت الذي أجرينا فيه، نحن معارضو الحرب، مظاهرة في تل أبيب ضد الحرب، في اليوم الذي تظاهر فيه الملايين في مختلف أنحاء العالم، كانت تلك مظاهرة صغيرة وقد قاطعتها وسائل الإعلام). من الممكن أن يحدث الآن ما حدث أكثر من مرة في التاريخ: المذنبون في الكارثة سيتملصون من المسئولية. سيمحى جورج بوش من الذاكرة بعد بضع سنوات. في النهاية سيبقى مذنب واحد فقط: إسرائيل واليهود هم الذين جروا أمريكا المسكينة إلى المغامرة الخسيسة.



بالصدفة صدر هذا الأسبوع أيضا في أمريكا كتاب بعنوان "حالة حرب - التاريخ السري للسي آي إي وإدارة بوش" من تأليف جيمس ريزن. تتصدر الكتاب، بطبيعة الحال، الحرب على العراق.

من بين ما ورد هناك قيل أن وزير الدفاع الأمريكي ومجموعة المحافظين الجدد المسيطرين في واشنطن لم يستمعوا إلى وكالات الاستخبارات الأمريكية، التي نصحت بالتصرف في العراق بحذر، بل استمعوا إلى "رجالات الاستخبارات الإسرائيلية"، الذين حضروا جماعات جماعات إلى واشنطن لتقديم الإرشاد للموظفين الكبار فيها. يقول المؤلف: "محللو وكالات الاستخبارات الأمريكية شككوا في تقارير الاستخبارات الإسرائيلية. لقد أدركوا أن للموساد آراء رجعية قوية جدا، وحتى أنها منهورة، فيما يتعلق بالعالم العربي".

بعد زيارة الإسرائيليين، شطب قادة السي آي إي أغلبية المواد التي تم تزويدها من قبل الإسرائيليين. "بول فولبوفيتش (نائب وزير الدفاع، وهو أيضا يحمل اسما يهوديا بارزا) ومحافظون آخرون في وزارة الدفاع الأمريكية غضبوا جدا على هذا التصرف".

الاستنتاج الذي لا بد منه: الإسرائيليون وحلفاؤهم، اليهود في واشنطن، دفعوا أمريكا إلى الحرب.



وكأن ذلك لم يكن كافيا، تهب الآن عاصفة كبيرة في واشنطن ذات علاقة وثيقة بإسرائيل. يقف في مركزها شخص يدعى جاك أبراموف - وفي هذه المرة أيضا يكشف اسمه النقاب فورا عن هويته اليهودية.

جاك (يعقوب) وصولي كبير، رمز ظاهرة حوّلت السياسة الأمريكية كلها إلى حظيرة ملوّثة بالفساد، حتى أن البطل هرقل غير قادر على تنظيفها. لقد سرق أموالا من عملائه، وخاصة الهنود الحمر، وأدخل جزءا منها إلى جيبه واستخدم الباقي ليرشي كبار الموظفين الأمريكيين بالجملة، سيناتورات وأعضاء مجلس الشيوخ. لقد تكرم عليهم بهدايا ثمينة، رحلات في العالم، مكوث في فنادق فاخرة، وعلى ما يبدو عاهرات أيضا. لقد قدم معظم حسناته لسياسيين جمهوريين، إلى أن الديمقراطيين قد حظوا بفتات لا بأس به.

تبدو هذه القصة حتى الآن قصة عادية، ولكنها كبيرة الحجم. صناعة الوصولية – لوبيينغ – متطورة جدا في واشنطن، فقد سيطر عليها آلاف الوصوليين كقمل على جسد إنسان. أفراد اللوبي الإسرائيلي لا يختلفون عن زملائهم. يفسد الوصوليين كل شيء جيد. إنهم يرشون السياسيين الذين بإمكانهم سن القوانين التي من شأنها أن تدخل المليارات إلى جيوب عملائهم على حساب الجمهور المسكين. إنهم يلعبون دورا مركزيا في تمويل الحملات الانتخابية للسياسيين، ابتداء بالرئيس ذاته وحتى أصغر رئيس بلدية. نادرا ما يكشفون أحدهم عند زلته ويجزون به في السجن، كما حدث الآن لأبراموف هذا.ثمينة

إن ما يميز أبراموف هو كونه صهيوني متشدد. وكما نشر في أمريكا، فإن جزءا من الأموال التي سرقها قد تم تحويلها إلى مجموعات من المستوطنين المتطرفين في البلاد. لقد أرسل إليهم أبراموف معدات قتالية وعسكرية أخرى لكي يتمكنوا من إيذاء الفلسطينيين، وربما ليستخدموها أيضا ضد حكومة إسرائيل. من بين ما اشتراه لهم كان أزياء للتخفي، نواظير تلسكوبية للقناصة، معدات للرؤية في الليل وغيرها.

تذكر الأنباء الأمريكية مستوطنا باسم شموئيل بن تسفي من بيتار عليت، وهو صديق أبراموف من المدرسة الثانوية، على أنه قد تسلم منه مثل هذه المعدات. أنكر بن تسفي الأمر، إلا أن لجنة تحقيق تابعة لمجلس الشيوخ قد حصلت على رسائل أرسلها بن تسفي بالبريد الإلكتروني، تكيل المديح للـ "الإمدادات" التي حصل عليها من أبراموف، في الوقت الذي كتب فيه أبراموف لبن تسفي: "لو كانت هناك دزينة أخرى مثلك، لكان بالإمكان القضاء على جميع الجرذان القذرين".

يدعي أبراموف ذاته أنه شخص له مثالياته، يستخدم المال "الذي منّ الله عليه به" لكي يساعد إسرائيل. من بين أمور أخرى، قدم الدعم لمجموعة من المهاجرين السوريين، وهي مجموعة كاذبة على ما يبدو، تدعمها إسرائيل. يذكر أحد الأنباء الأمريكية في هذا السياق الموساد وشعاره "بالحيلة تصنع لك حربا".

يبدو الأمر للأمريكيين على هذا النحو: رمز الفساد هو يهودي يدعم إسرائيل.



هذا لم يكن كافيا أيضا. صديق آخر من أصدقاء إسرائيل أحدث هو أيضا ضجة في وسائل الإعلام الأمريكية. إنه صديقنا غيري بولفول، وهو زعيم عشرات ملايين المسيحيين المتشددين في الولايات المتحدة، وصديق ميناحيم بيغن رحمه الله.

أحب بولفول الافتخار بنجاحاته. لقد نشر مؤخرا في الأسبوعية الأمريكية الشهيرة "ونيتي بيير" سرا من الماضي يتعلق ببنيامين نتنياهو.

نذكر أن نتنياهو، وقد كان رئيسا للحكومة في حينه، زار أمريكا عام 1998 بهدف اللقاء بالرئيس بيل كلينتون. حاول كلينتون في تلك الأيام تنفيذ ضغط على إسرائيل بهدف دفع السلام قدما. لقد دعا نتنياهو إليه لهذا الهدف. عشية لقائه بكلنتون، التقى نتنياهو بشكل علاني ببولفيل بالذات، وهو عدو لدود للرئيس، وقد حضر اللقاء جمهور يبلغ ألف شخص. وكما كشف بولفول النقاب الآن، كان هذا مخطط مسبقا لإغاظة الرئيس.

قبل عدة أيام من اللقاء، كشف ويليام كريستول، أحد زعماء "المحافظين الجدد" اليهود، وهو صديق نتنياهو الشخصي أيضا، أن هناك فضيحة جنسية كبيرة متعلقة بالرئيس. غداة اللقاء انفجرت بالفعل فضيحة مونيكا لوينسكي، الشابة اليهودية التي أقام كلينتون معها علاقات جنسية في البيت الأبيض. قبل أسبوعين من زيارة نتنياهو نشر في صحيفة يهودية في أمريكا إعلان طالب الرئيس بالعدول عن الضغط على إسرائيل. اشتمل الإعلان على صورة لكلينتون من الخلف - نفس الصورة التي يضم فيها مونيكا والتي نشرت لاحقا في العالم كله.

قال بولفول بشكل واضح تقريبا أن هو الذي ساعد نتنياهو على ابتزاز الرئيس. إذن، فالابتزاز قد نجح بالفعل: تمت إزالة الضغط عن إسرائيل. تنتمي الأسبوعية التي نشرت أقوال بولفول إلى عائلة ملياردرات، وهي أحد أكثر الداعمين للوبي الإسرائيلي.

(على فكرة، زعيم بارز آخر في المعسكر المسيحي المتشدد في أمريكا، بات روبرطسون، قال قبل عدة أيام أن الله يعاقب أريئيل شارون الآن على أنه سلّم جزءا من الأرض المقدسة إلى العرب. لقد اعتذر الرجل بسرعة لينقذ اتفاقية أبرمها مع حكومة إسرائيل لإقامة منشأة سياحية ضخمة بجانب بحيرة طبريا).



الصورة التي من الممكن أن تبدو لأعين الجمهور الأمريكي هي أن إسرائيل واليهود يسيطرون على واشنطن وأن حكومة الولايات المتحدة ترقص على أنغام ناييهم. من المؤكد أنها صورة مبالغ بها جدا، ولكنها يمكن للكثيرين أن يؤمنوا بها. هذا لن يؤثر على المدى القريب، ولكنها صورة خطرة جدا جدا على المدى البعيد. عندما تتكرر الأمور كثيرا سيتراكم هذا التأثير.

على هذه الأحداث أن تشكل لنا إشارة تحذيرية. على حكومة إسرائيل وزعماء الجالية اليهودية في الولايات المتحدة أن يعيدوا التفكير في هذا الخطر. الكلمات الرنانة والبكاء على تعاظم معاداة السامية لا تكفي، وهناك حاجة إلى تغيير جوهري في طريقة التصرف. يجف وقف أي اتصال بالمفسدين، وخاصة إذا كانوا مليونيرات يهود، وكذلك بالمتشددين على أنواعهم. كل من تهمه مصلحة إسرائيل يجب أن يطالب بذلك. هذا الأمر يتعلق بأمننا الوطني، وخاصة في وقت تستند سياسة حكومتنا فيه إلى دعم الولايات المتحدة.



أريئيل شارون كان متكبرا أكثر من اللازم ليأخذ هذا الخطر بالحسبان. ليت ورثته يكونون أكثر ذكاء.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. التجسس.. هل يقوض العلاقات الألمانية الصينية؟ | المسائية


.. دارمانان يؤكد من الرباط تعزيز تعاون فرنسا والمغرب في مكافحة




.. الجيش الأمريكي يُجري أول قتال جوي مباشر بين ذكاء اصطناعي وطي


.. تايلاند -تغرق- بالنفايات البلاستيكية الأجنبية.. هل ستبقى -سل




.. -أزمة الجوع- مستمرة في غزة.. مساعدات شحيحة ولا أمل في الأفق