الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


قراءة في وثيقة حماس

عبد الغني سلامه
كاتب وباحث فلسطيني

(Abdel Ghani Salameh)

2017 / 4 / 12
القضية الفلسطينية


أصدرت حماس وثيقة سياسية جديدة، تضمنت 11 فصلاً و41 بنداً تفصيلاً، عرضت فيها المبادئ والمنطلقات التي تستند إليها الحركة في تكوين رؤيتها، وبناء خطابها، وتحديد سلوكها وأدائها السياسي.
أول ما يتبادر للذهن سؤالين، الأول: ما مغزى نشر الوثيقة في هذا التوقيت بالذات؟ والثاني: ما الجديد، والمختلف الذي تضمنته الوثيقة؟

بالنسبة للتوقيت؛ لا يشترط اقتران الإعلان عن أية وثيقة بالأحداث الجارية وقت إعلانها، فربما تكون أفكارها قد تشكلت وتبلورت خلال فترة سابقة، إلى أن نضجت وآن أوان إعلانها، وتصادف ذلك مع ما يجري من حولها من وقائع ومشاريع مطروحة، وبالتالي فإن تحليل مسألة التوقيت لا يغدو عن كونه اجتهادا..

مع ذلك، من الخطأ تجاهل الظرف السياسي الراهن، وإغفال ربطه بتوقيت الوثيقة.. خاصة في ظل تراجع شعبية الحركة، وإخفاقها في إدارة غزة، وتفاقم كل أزمات القطاع دفعة واحدة بعد أن تراكمت في العقد الماضي.. وأيضا في ظل المشاريع السياسية المطروحة، الهادفة لعزل غزة، والتفرغ لحل موضوع الضفة والقدس حسب الرؤية الإسرائيلية.

أما فيما يتعلق بالجديد، فإن الوثيقة لم تبين إذا كانت بديلا عن ميثاق حماس الذي أصدرته في تموز 1988، أم تطويرا له.. لكننا سنجد بعض الفروقات المهمة بينهما، وأبرزها إغفال طبيعة العلاقة التي تربط حماس بالإخوان المسلمين.. فبينما كان هذا الأمر واضحا في الميثاق القديم، لا نجد له أي أثر هنا، فهل هذا دليل على تطور في الخطاب السياسي الحمساوي، ونزوع أكثر نحو الوطنية الفلسطينية، أم تبرؤ ظاهري من الإخوان، خاصة بعد التهديدات الأمريكية بإدراج الجماعة على قوائم المنظمات الإرهابية، وبعد تدهور علاقاتها مع معظم الدول العربية، وتراجع مشروعها، بعد التغيرات الدراماتيكية التي حصلت في مصر وتونس..

المسألة الأخرى نجد في ميثاق حماس الأول هيمنة المصطلحات الدينية؛ فمثلا، بدلا من الشعب الفلسطيني: "المجتمع المسلم"، المرأة الفلسطينية: "المرأة المسلمة"، المقاومة: "الجهاد"، الغرب: "الدول الصليبية"، الصراع العربي الصهيوني: "نزاع اليهود أرض المسلمين".. في الوثيقة الجديدة سنلمس بعض التغيير، مثلا سابقا عرفت نفسها بأنها "حركة إسلامية"، بينما هنا هي: "حركة تحرر ومقاومة وطنية فلسطينية إسلامية".. في الميثاق القديم القضية الفلسطينية "قضية دينية، ويجب معالجتها على هذا الأساس"، في الوثيقة رفض لتديين الصراع، وإقرار بأنه صراع على الأرض، وليس ضد "أحفاد القردة والخنازير"، وفي تعريفه لفلسطين نجد "فلسطين أرض وقف إسلامي"، في الوثيقة الجديدة "هي أرض الشعب الفلسطيني ووطنه"، الهدف كان "منازلة الباطل وقهره ودحره"، ليصبح "تحرير فلسطين ومواجهة المشروع الصهيوني"..
أي تم استبدال التوصيفات الدينية بمصطلحات سياسية حديثة، كما أن الميثاق القديم يكاد لا يخلو بند فيه من آية قرآنية.. بينما الوثيقة الحالية لا تتضمن أية آية..

مسألة أخرى أثارتها الوثيقة، هي تعريف الفلسطينيين بأنهم "المواطنون العرب الذين كانوا يقيمون في فلسطين حتى سنة 1947"، فهل هذا يشمل اليهود؟ هل هي تهيئة لتقبل فكرة التعايش! الميثاق الوطني للمنظمة أشار لهذه المسألة بوضوح، بأن "اليهود الذين كانوا يقيمون إقامة عادية في فلسطين حتى بدء الغزو الصهيوني لها، يعتبرون فلسطينيين". وثمة فرق كبير بين من كانوا يقيمون في فلسطين قبل بدء الغزو الصهيوني، وبين من يقيمون فيها قبل العام 1947..

ومن الملاحظات أيضا أن الوثيقة لم تربط بين المشروع الصهيوني والإمبريالية العالمية، فقد عرفت الكيان الإسرائيلي بأنه "أداة المشروع الصهيوني".. دون أية إشارة لعلاقته بالغرب الإستعماري ومشروعه الإمبريالي.. كما اعترفت الوثيقة بما يسمى "العداء للسامية"، وأكدت بأنه "سبباً أساسياً في ظهور الحركة الصهيونية". وهذا غير صحيح؛ فالعداء للسامية فرية صهيونية (واستعمارية) تستخدمها إسرائيل لأغراضها الدعائية.. ومن الخطأ الوقوع في هذا الفخ..

الأمر الآخر أن حماس في الوثيقة لم تعترف بمنظمة التحرير كممثل شرعي ووحيد للشعب الفلسطيني، واكتفت بالقول: "منظمة التحرير الفلسطينية إطار وطني للشعب الفلسطيني في الداخل والخارج يجب المحافظة عليه". فهي إما أنها تطرح نفسها بديلا عن المنظمة، أو تنازعها التمثيل، أو أنها تقبل بغياب التمثيل الفسطيني برمته.. أي تكريس الانقسام.

نأتي للبند الأبرز في الوثيقة: "إن إقامة دولة فلسطينية مستقلة كاملة السيادة وعاصمتها القدس، على خطوط الرابع من حزيران 1967، مع عودة اللاجئين والنازحين إلى منازلهم، هي صيغة توافقية وطنية مشتركة، ولا تعني إطلاقاً الاعتراف بالكيان الصهيوني، كما لا تعني التنازل عن أي من الحقوق الفلسطينية". هذا البند يعني قبول واضح بدولة فلسطينية بنفس المواصفات التي تدعو إليها منظمة التحرير، ويعني ذلك بكلمات صريحة دون مواربة "حل الدولتين".. فعندما تدعو لدولة بحدود معينة لا يمكن تجاهل حدود الدولة المتاخمة، أو تجاهل وجودها.. هذه تصلح للشعارات، ولكنها غير مقبولة في العمل السياسي، وإذا كانت الدول العربية غير مطالبة بالاعتراف بإسرائيل، أو يمكنها تجاهل الاعتراف.. فذلك لأنها دول مستقلة، وقائمة منذ زمن.. بينما إقامة دولة فلسطينية، وطرد الاحتلال من أرضها، لا يمكن أن يتم دون اتفاق سياسي مع الاحتلال، ومع المجتمع الدولي (خاصة أمريكا).. وبالتالي الحديث عن عدم الاعتراف هنا مجرد شعارات خطابية..

وهنا يجدر التأكيد على أنه لم يعلن أي فصيل فلسطيني (بما في ذلك فتح) اعترافه بإسرائيل، بل إن هذا الأمر غير مطلوب من الفصائل أساسا، وهذا دور المنظمة فقط..

بالمجمل، الوثيقة تعبر عن نضوج في الخطاب الحمساوي، وقبول بالديمقراطية والتعددية، وتغير في مفاهيم الصراع وأدواته، ومع ذلك، فإن كل التغييرات التي أدخلتها حماس لا تؤهلها لدخول المجتمع الدولي، بدلالة عدم اهتمام العواصم المختلفة بالوثيقة، بل وتجاهلها.. ولكنها في نفس الوقت تكسبها الكثير من المرونة في التعاطي مع مشاريع التسوية، ما يعني أن هناك ما يبرر الخشية من أن تكون البنود التي تتشدد في مسألة عدم الاعتراف، ورفض مشاريع التسوية وحدود فلسطين التاريخية... هي فقط لطمأنة جمهورها وأنصارها في حال تبنت مشروع "دويلة غزة"، وتبرير ذلك بأنها مجرد محطة مؤقتة.. وهذا وهم كبير، أو خدعة كبرى، إذا أن مشروع "دويلة غزة"، ستكون آخر مسمار في نعش المشروع الوطني الفلسطيني.

وبقراءة أوسع لوثيقة حماس الجديدة سنجد أن الكثير من النقاط الجوهرية فيها جاءت متطابقة إلى حد كبير مع النظام الداخلي لحركة فتح، خاصة فيما يتعلق بعروبة فلسطين وحدودها، وبتعريف الكيان الصهيوني، والشعب الفسطيني ووحدانيته، وحق المقاومة (بكافة أشكالها)، وحق العودة، والقدس، ورفض مشاريع التسوية التي لا تلبي الحقوق الوطنية، ولا تضمن حق تقرير المصير، واستقلالية القرار الوطني، واعتبار وعد بلفور وقرار التقسيم وصك الانتداب باطلة، وعدم التدخل في شؤون الدول العربية الداخلية، وتوثيق العلاقات مع الدول المؤيدة للحقوق الفلسطينية، والتفريق بين اليهودية والصهيونية، وأن قضية فلسطين هي القضية المركزية للأمة العربية والإسلامية، وأهمية التسامح والتعايش بين مكونات الشعب الفلسطيني، وإدارة العلاقات الفلسطينية على قاعدة التعددية والخيار الديمقراطي والشراكة الوطنية وقبول الآخر واعتماد الحوار، والانتخابات، ونبذ الإرهاب والتعصّب الديني والعرقي والطائفي.. وهذه القضايا أصلا موجودة في الميثاق الوطني الفلسطيني لمنظمة التحرير الصادر سنة 1968. إلا أن المجلس الوطني المنعقد في غزة 1996 ألغى البنود التي تدعو للقضاء على إسرائيل.

كما أن الوثيقة تتشابه في مضمونها مع "برنامج النقاط العشر" الذي أقرته المنظمة عام 1974، وأصبح عماد وركيزة الإستراتيجية الفلسطينية الجديدة، حيث أدخلت حماس في وثيقتها المفردات التي تتقاطع معه، كالحل المرحلي، وجعل المقاومة المسلحة جزءا من أساليب ووسائل المقاومة. ما يعني أن حماس تمهد، أو تعمل على استنساخ تجربة فتح..

فهل هذا نضوج وتطور في الخطاب الحمساوي، أم هو تغير براغماتي استوجبته الظروف والمستجدات؟ سيما وأن أغلبية النقاط السالفة الذكر لم تكن واردة في ميثاق حماس الأول، أو كانت بصورة مختلفة كليا.

وثمة فرق بين الحالتين؛ إذ أن حماس حين صاغت ميثاقها عام 1988 لم تكن وليدة اللحظة، ولم تنبثق حينها من العدم؛ بل كانت نتاج تحول سياسي قامت به جماعة الإخوان المسلمين، التي كان لها تجربة أربعة عقود من العمل السياسي والحزبي في فلسطين، سبقت تأسيس حماس.. سنلاحظ في ذلك الميثاق طغيان السرد الإنشائي المغرق في التنظير الأيديولوجي، ذي الطابع الدعوي السجالي، بينما في الوثيقة الجديدة نجد لغة سياسية ناضجة وعبارات موجزة واضحة، تعبر عن تغير في الوعي والخطاب السياسي لحماس.. ولكن المسألة ليست في حُسن الصياغة، وجزالة الألفاظ، والتشدد أو حتى المبالغة في العبارات.. الأهم في مدى واقعية الخطاب المطروح، والقدرة على تنفيذه، ووجود برنامج سياسي وآليات عمل توضحه وتمهد لتطبيقه.

وهذا يقودنا إلى جملة أسئلة، منها مثلا: هل كانت قيادات حماس (الإخوان آنذاك) غير مدركة لطبيعة المرحلة، ومنفصلة عن الواقع بذلك الخطاب الإنشائي الدعوي؟ أم أنها كانت منهمكة في سجال ضد فصائل منظمة التحرير، للإستحواذ على الشارع الفلسطيني، وإفشال برنامج المنظمة، لتطرح نفسها بديلا عنها حينما تنضج الظروف! والسؤال المهم الذي ستحدد إجابته ملامح المرحلة المقبلة: هل استوعبت حماس متطلبات العمل السياسي على الساحة الدولية واشتراطاته وأدواته؟ وكيفت نفسها على هذا الأساس؟ أي كيفت مفاهيمها إزاء قضايا الصراع، وأدواته وأساليبه؟ فإذا كانت الأجابة نعم، فإنها بذلك تتناغم وتنسجم مع البرنامج السياسي لمنظمة التحرير، وبالتالي فإن الخطوة المتوقعة هي التقاء حماس مع فتح وبقية فصائل المنظمة على قاعدة برنامج سياسي واحد (كما جاء في وثيقة حماس)، ما يعني أنه لا مبرر لإدامة الانقسام.. وبالتالي فإن هذا التغير في خطاب حماس يعد أمرا إيجابيا، حتى لو كانت قد تأخرت كثيرا في الوصول إليه.

أما إذا كان هذا التغير رغبة من حماس في دخول الساحة الدولية (منفردة)، من خلال إظهارها درجة من البراغماتية والمرونة تسمح للمجتمع الدولي التعاطي معها، فإن هذا يعني أن حماس لم تتطور بالمعنى الإيجابي؛ بل تغيرت تكتيكيا لغايات تحقيق برنامجها القديم، وطرح نفسها بديلا عن السلطة، وبديلا عن المنظمة، والاستفراد بجكم غزة، وللأسف ثمة ما يشير إلى ذلك: الوثيقة نفسها، تشكيل لجنة إدارة القطاع، الإصرار على رفض إجراء الانتخابات، الدردشات مع الطرف الإسرائيلي..

ربما كان البند الأهم في الوثيقة ما يتعلق بقبول حماس إقامة دولة فلسطينية على حدود الرابع من حزيران.. وهذه ليست المرة الأولى التي تتطرق فيها حماس لقضايا الحل السياسي على أساس التسوية السلمية؛ فمثلا طرحت عدة مرات (أثناء الانتفاضة الثانية) هدنة طويلة الأمد مقابل وقف العمليات المسلحة، وفي برنامجها السياسي الإنتخابي عام 2006، وكذلك في تبنيها وثيقة الأسرى، وفي بيان حكومة الوحدة الوطنية، وفي عشرات التصريحات لقياداتها والناطقين باسمها كانت تدور في فلك التسوية السلمية، بقبولها الصريح لها وفقا لمعايير الشرعية الدولية تارة، وبشكل موارب تارة أخرى.. فبينما كانت القيادة السياسية للحركة تعلن عن تفاصيل واقعيتها السياسية، واستعدادها للتنازل وإبداء المرونة المطلوبة، وبسقوف أقل بكثير من مواقف قيادة السلطة ومنظمة التحرير.. كان ناطقين آخرين باسم الحركة ينبرون للتنصل من تلك التصريحات، ويؤكدون تمسكهم بالثوابت، بلغة يطغو عليها الخطابة والمناكفة وتسجيل المواقف.. وهو أسلوب كانت تتبعه فتح وفصائل المنظمة في عقود القرن الماضي.. أي الخطاب المزدوج..

وفي العقيدة السياسية للإخوان المسلمين (وضمنا حماس) ما يُعرف بالتقية، أي إخفاء ما يضمرونه، وإظهار مواقف براغماتية معاكسة لإيدولوجيتهم، وفي وثيقة حماس الجديدة نجد الكثير من البنود التي تناقض بعضها، أو تناقض ما جاء في ميثاقها، أبرزها التنصل من الإخوان، لأن حماس بحاجة لموافقة مصر لفتح المعبر؛ ومصر التي يسيطر عليها السيسي تعتبر الإخوان عدوها الأول، ولا يناسبها في هذه المرحلة أن تكون حماس جزءاً منهم. وبالمثل يمكن القول فيما يتعلق بالموقف من اليهود، والدول الغربية، والمجتمع الدولي، والإرهاب، التسوية...

لا أحبذ إطلاق الأحكام المسبقة، لننتظر، بتفاؤل.. فالأيام القادمة ستظهر نوايا حماس الحقيقية..








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. لحظة تدمير فيضانات جارفة لجسر وسط الطقس المتقلب بالشرق الأوس


.. بعد 200 يوم.. كتائب القسام: إسرائيل لم تقض على مقاتلينا في غ




.. -طريق التنمية-.. خطة أنقرة للربط بين الخليج العربي وأوروبا ع


.. سمير جعجع لسكاي نيوز عربية: حزب الله هو الأقوى عسكريا لأنه م




.. مجددا .. حماس تحاول تحريض الشارع الأردني |#غرفة_الأخبار