الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تشوّه مفهوم السنّة و تأثيره على الفكر الاسلامي

مولود مدي
(Mouloud Meddi)

2017 / 4 / 12
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


مصطلح السنّة من أكثر المصطلحات استخداما من طرف الفقهاء, كما أنه من أكثر المصطلحات اثارة للجدل في أوساط المشتغلين بالفقه الاسلامي و أيضا في أوساط عامة المسلمين, ولايزال هذا المصطلح ملتبسا في الفكر الاسلامي كما يعتبر جزء من اشكاليات الفكر الاسلامي التي أدت به الى الانحراف و جعلته فكرا يعاني الكثير من التناقضات بسبب التطاحن الفكري الكبير بين المدارس الفقهية الاسلامية و الاختلاف الواسع بين كل مدرسة في معالجة القضايا الفقهية, فشاعت عقليات و تصرفّات من محدّثين و فقهاء و دعاة اعتبرت من السنّة و الويل لمن يعترض عليها لأنه سيصبح منكرا للسنّة و هذا يعني تكذيب النبي, فتصبح معارضة الفقهاء تعادل معارضة المسلم للرسول! فانتشرت بين المسلمين مقولات على شاكلة " قال الرسول " و " قال الشيخ " فينصبّ كامل تركيز المسلم على الشيخ الفلاني وينسى علاقته مع الله و هذا ما أدى بأن تحلّ أقوال "حدّثنا فلان بن علان " محل النص القرأني.

ان أول ما اختلف حوله الفقهاء هو تعريف السّنة, فهناك من يقول ان السنّة هي ماثبت عن النبي من أقوال و أفعال و فتاوي و تشريع, وهناك من يعترض و يقول أن السنّة النبوية التشريعية هي ذات مشروطية تاريخية أي أنها انتهت بوفاة الرسول كما أن ما صدر من الرسول من أقوال و أفعال خارج دائرة الوحي لسنا ملزمين باتباعه فالرسول الذي تزوج خديجة بنت خويلد التي تكبر بعشرين سنة لا يعني هذا ان المسلم مجبر أن يقوم بنفس الأمر, وهناك من يرى السنة أنها شارحة للقرأن و مفصّلة لأحكامه لكن هذا المفهوم سيعني أنها مهمّة بنفس أهمّية القرآن ووجودها ضروري لشرح النص القرآني لكن هذا التعريف سيؤدي بنا الى تناقض كبير وهو كيف تصبح السنّة بهاته الأهمية في حين فشل الفقهاء في الاتفاق على وضع معايير مناسبة لقبول أحاديث الرسول ؟ كيف يعقل أن نقيم مساواة بين النص الالهي الذي اما يؤخذ أو يُرد عكس الحديث القابل للأخذ و الرد ؟ ,فنجد أن اختلاف الفقهاء حول مفهوم السنّة تسبب في تعدد السنّة حتى عند السنّيين أنفسهم.

المشكلة الثانية التي تسببت في تشويه مفهوم السنّة هي مشكلة خلط الحديث بالسنّة النبوية, فشيوع الوضع و التلفيق من طرف الروّاة ثم ترويج تلك الأحاديث عن طريق خطب المساجد و عن طريق وسائل الاعلام تسبب في تحويل الكثير من العقليّات و التصرفات الى سنّة و كما قلنا سابقا بأن تركيز المسلم على الشيوخ و محاولة تقليدهم في كل شيء لأنه ما روّجوه قالوا بأنه من السنّة ثم تصبح تلك التصرفات عاملا كبيرا في تكوين عقلية المسلم فتسبب ذلك في اهمال علاقة المسلم بالله, فتظهر المشادّات الكلامية و الملاسنات و اللعنات و التكفير بين المسلمين لأتفه الأسباب, فخرج من الفقهاء من يفتي بقتل من " يتلفظ بالنية " وظهرت الخلافات بين المذاهب الفقهية حول مسألة " رفع اليدين عند القيام من الركوع " في الصلاة و الأمر الخطير هو تحول الكثير من الأحاديث الى قوانين الهية لا وجود لها في القرأن أصلا كحد الردة و الرجم و غيرها.

ولأن التلفيق و الافتراء ظهر في عصر الفتن المذهبية التي تسببت في فوضى الأحاديث حتى خرج الوضع عن السيطرة, نجد أن الكثير من الأمور التي تعتبر من السنّة يوجد في الصحاح ما ينفيها فمثلا " صلاة النافلة " لدينا ما يناقضها بحديث اخرجه النسائي و قد أخرج مسلم و الترمذي في حديث طويل في " كتاب الايمان " ويقول هذا الحديث : ( عن انس بن مالك قال : سأل رجل نبي الله صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله, كم فرض الله على عباده من الصلوات؟ قال : افترض الله على عباده صلوات خمسا. قال : يارسول الله هل قبلهن أو بعدهنّ من شيء؟ قال : افترض الله على عباده صلوات خمسا. فحلف الرجل لايزيد عليها شيئا, ولا ينقص منها شيئا. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ان صدق ليدخلنّ الجنّة / انظر ابن الأثير, جامع الأصول من احاديث الرسول 182/5 ). وهذا قليل من كثير فلو تدرس الحديث النبوي ستجد انه لكل رواية نقيضها, فنستنج ان التكديس هو ما يميز علم الحديث بل لا يصح أن نسميه علما لان العلم لا يقبل الجمع بين نقيضين فيأتي الكهنة و يخوّفون العامة بحرمة الخوض في مثل هذه الأمور التي لا يحق للمسلم ان يمسّها فهي حكر على " أهل العلم " فقط, فلو يدرس المسلم مثل هذه الأحاديث التي تثير العجب سيجد أن هناك فرق شاسع بين الحديث و السّنة و يصبح من الخطير الخلط بينهما, لكن حدث العكس و أصبح ما يقوله فلان و علان تشريعا الهيا لا يجوز نقده حتى ان عارض القرآن و العلم, فمن هو المسؤول عن هذا الخلط ؟ انهم المحدّثون وخاصة أهل " علم الرجال " و " الجرح و التعديل و التخريج " فهؤلاء اختلفوا بينهم أكثر مما اتفقوا و هذا لأسباب مذهبية فهذا يدل ان التعامل مع الأحاديث لم يكن تعاملا علميا و موضوعيا بل تعامل اختياري فهناك فظهرت الكثير من مصنّفات الحديث التي تحمل في طيّاتها الكثير من الخزعبلات و ها نحن ندفع الأن ثمن الجهل و الرداءة.

ان السنّة الحقيقية لا تضع تشريعا معادلا لتشريع الله و لا تتعارض معه ولا تزيد فيه شيئا كما انها لا تفرّق بين الناس, ولا تدعوا الى العنصرية و تمييز الناس حسب جنسهم و لا تحتقر المرأة, كما أنها لا تدعوا الى التكفير و المناقشة بالتي هي أحسن, ولا تبيع الجنّة النار, ولا ترمي الناس بالجهل و الضلال لمجرد اختلاف مع الأخر في فهم مقاصد الدين, ان تحقيق السنّة الحقيقية لايأتي الا بـالعمل الصالح وذاك مقصد الدين, أما الذين يطلقون على انفسهم " السنّة و الجماعة " و يصفون الفرق الأخرى بـ" أهل البدع و الأهواء " فهم مجرد استمرارية و تكريس لفكر ديني تسبب في اقتتال المسلمين و ذبحهم لبعضهم البعض على الدنيا.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. لابيد: كل ما بقي هو عنف إرهابيين يهود خرجوا عن السيطرة وضياع


.. عام على حرب السودان.. كيف يعرقل تنظيم الإخوان جهود الحل؟ | #




.. خالد الجندي: المساجد تحولت إلى لوحة متناغمة من الإخلاص والدع


.. #shorts yyyuiiooo




.. عام على حرب السودان.. كيف يعرقل تنظيم الإخوان جهود الحل؟ | #