الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ماساة 67......أضواء على بعض خباياها.

حسين الجوهرى
باحث

(Hussein Elgohary)

2017 / 4 / 13
مواضيع وابحاث سياسية



ماساة 67......أضواء على بعض خباياها.
حسين الجوهرى.
---------------------------------------
تاريخيا هذا السرد سيغطى الفتره مابين 30 ابريل 67 وحتى الساعه 8:45 صباح 5 يونيو 67 وهو توقيت اول هجمه أسرائيليه على المطارات المصريه.
.
السرد عباره عن لقطات ومواقف حسب ترتيبها الزمنى. مواقف موصوفه من خلال رؤيتى لها ومطعّمه بتقييمى لها وقت حدوثها.
.
قبل البدء أريد ان أوضح موقفى من عبد الناصر. نقطة التحول من مؤيد الى معارض (وناقم وغاضب) كانت لحظة دخوله اليمن سبتمبر 63. أعلم يقينا أنه دبر الأنقلاب الذى قاده عبد الله السلال. (فى مجال آخر سوف أبين الطريقه الفريده فى تركيبتها والتى كانت تنتقل لى بها دقائق وتفاصيل ما كان يحدث فى الرئاسه فى زمن عبد الناصر ثم السادات والسنتين الاول من حكم مبارك). تبين لى عندئذ أن عبد الناصر رجل ضحل الثقافه فى كافة المجالات. وأن مصر وناصر هما شىء واحد فى نظره. وظهر لى بوضوح أنه كالصنم الذى شيدته وسائل الأعلام الموجه الذى كان يسيطر عليها الطبقه الجديده المستفيده من وجوده أى صانعى الصنم. الطبقه التى اطلقت عليها وقتها "طبقة كاشطى القشده من على سطح اللبن" تاركين ما تبقى سائلا سايط وعديم القيمه. وقررت أيضا انه سائر بمصر الى هاوية محققه. عبّرت عن ذلك فى جلسه ضيّقه فى باريس سنة 66 كان حاضر فيها عضو مهم فى الحزب الشيوعى السوفيتى. قلت له تقريبا بالحرف الواحد "وآدى دقنى لو ما عبد الناصر أودى بكم وبكل مخططاتكم ومصالحكم ألى التهلكه بسياساته الحمقاء. وأنكم طالما ماشيين وراه حتخسروا الجلد والسقط". وهذا هو ما حدث تحديدا على أثر نكسة 67.
.
عدت الى مصر يوم 30 ابريل 67 بعد بعثتين متعاقبتين, الأولى سنه فى باريس والثانيه سنه فى الدانمرك. فى طريقى توقفت لزيارة اخويا مجدى فى ألمانيا . شاهدت عنده فيلم تسجيلى عن هتلر وهو يخطب فى جماهير ألمانيه محتشده تقاطعه كل فتره بهتافهم الشهير والمزلزل "هايل هتلر" وبأديهم ممدوده للأمام (على الطريقه النازيه). كان تعليقى "هذا هو ما يفعله حكم الفرد. وكأنما الشعب داخل مقطف والدكتاتور شايل المقطف من ودانه وهوب ويروح دالقهم فى البحر".
.
يوم 2 مايو فى مصر شاهدت على التليفزيون عيد العمال فى كفر الدوار. وقف المذيع جلال معوض بصوته الجهورى وقال "يا شعب مصر العظيم.... ياعمال مصر...يا سواعدها الفتيه, أليكم قائدنا ومعلمنا وزعيمنا وملهمنا الرئيس جمال عبد الناصر". وفى طريق عبد الناصر الى المنصه تعالى زئير مزلزل من الحاضرين "ناصر..ناصر..ناصر..". أقشعر بدنى لما رأيته. وفورا جاء فى خاطرى هتلر والمقطف الذى سبق أن ذكرته.
.
بعد يوم أو اتنين خرجت علينا السيده أم كلثوم فى حفلتها الشهريه بأغنيه جاء فيها "جيش العروبه يا بطل الله معك...طلع الصباح..وراجعين بعد ليله مظلمه". أنا بقى "يانهار أسود ومطين, راجعين فينا داهيه؟"
.
فى يوم 8 مايو, عقد أجتماع لجنة شئون العاملين بمؤسسة الطاقه الذريه (محل عملى). كنا أربعة أفراد برئاسة د. عبد المعبود الجبيلى رئيس المؤسسه. كانت تجمعنى بالرجل علاقة صداقه حميمه منذ أن كنت أتصدى للدفاع عنه فى وقت قيادة المؤسسه السابقه التى كان فيها منبوذا ومضهدا. قلت له "ايه يا دكتور جبيلى حكاية التحركات العسكريه الغير عاديه اللى فى الشوارع دى؟". رد "فعلا. لسه سائل أبن عمى النهارده الصبح وهوه عقيد فى الجيش. قال لى على ما يبدو الريس عبد الناصر زهق من موضوع أسرائيل وقرر يعمل حاجه يجيب بيها الموضوع يا كده يا كده". هوه خلص الجمله من هنا ورحت واقف منطور "يعنى أيه ياكده ياكده يا دكتور؟ ازاى الكلام ده. دى أسرائيل من اقوى ما يمكن.وأحنا موحولين فى اليمن ومتدهولين أقتصاديا ولازيت ولا سكر ولا كبريت ولا حتى ملح. عبد الناصر ده كده بيهرج وحيودينا ف داهيه".
.
يوم 14 (أعتقد) أمر عبد الناصر بسحب قوات الطوارىء الدوليه من خطوط المواجهه مع اسرائيل. والسبب اللى أعلنه هو الأستعداد لاستخدام القوه ضد أسرائيل اذا نفّذ ليفى أشكول رئيس وزراءها تهديده بالزحف على دمشق أذا لم تتوقف سوريا عن عمليات التعدى من هضبة الجولان على المزارعين الأسرائيليين أسفل الهضبه. أصابنى رعب لأن العمليه دخلت فى دور الجد. وجود قوات الطوارىء فى شرم الشيخ (واللى لم يكن يعلمه غالبية المصريين بس انا كنت عارفه) كان شرط أسرائيل لأنسحابها من سينا بعد العدوان الثلاثى فى 56. شرم الشيخ مضيق وليس خط مواجهه. وفورا بعت أوثانت سكرتير الأمم المتحد لعبد الناصر يسأله "وعايزنا كمان ننسحب من شرم الشيخ؟". عبد الناصر رد بعد يومين. اليومين دول عشتهم وأنا مهموم ومليان قلق. أملى كله فى أن هذا الحيوان يعقل ويخليها فقط من خطوط المواجهه الأرضيه وآهى تبقى أزمه سياسيه بدون أضرار فعليه على الطرفين. أثناء اليومين دول عبد الناصر لم يغادر بيته. وكان أغلب الوقت بالبيجامه ومعاه فقط حسنين هيكل (كما ذكرت سابقا بعدين حأعرفكم أزاى أنا عرفت الكلام ده). معنى هذا لااستشارات ولادراسات وحاجه كده لا تزيد على كونها شغل حوارى..... ثم حدثت الكارثه وكان رد عبد الناصر على اوثانت "نعم وكمان من شرم الشيخ. بالاضافه الى أننا لن نسمح بمرور سفن العدو الاسرائيلى من مضايق تيران المصريه ألا بعد تفتيشها للتأكد من عدم وجود مواد أستراتيجيه يستخدموها ضدنا حيث أننا فى حالة حرب". فكرتين جم فى دماغى. الأولى هى أنى تصورت صوت أسرائيل الجمعى بيقول"حضرتك بتقول حرب؟ حاضر. وهاهى الحرب. وحأفشفشك أنت واللى جابوك واللى يتشدد لك كمان". الفكره التانيه كانت عن المقطف واحنا الشعب (أى مجموعة الأصفار) جواه والراجل متبت ف ودان المقطف وفى طريقه لدلقنا فى البحر.
.
لم يكن لى أى كلام بعد كده الا أن الزلزال قادم قادم. فى نفس الوقت أنتشرت يفط على محلات كثيره على طول مصر وعرضها "قريبا أفتتاح فروع لنا فى تل أبيب". وأغنية راجعين بعد ليله مظلمه لام كلثوم شغاله فى الأذاعات عمال على بطال. وأنا ماشى أصرخ فى كل مكان أتواجد فيه. "ياأخوانا بطلو هبل وخلّونا ندّى فرصه للراجل أنه يتراجع".
فى أجتماع مكبر فى الطاقه الذربه قمت وشرحت القوانين الدوليه وحكمها بشأن حق الأرتفاق. وان حكم شعوب العالم علينا هو أن اللى حصل ده عملية بلطجه دوليه. ثم بينت للحاضرين اللى عرفته عن قوة أسرائيل أثناء تواجدى فى الخارج وأقترحت أختيار مجموعه منا للذهاب لمقابلة عبد الناصر لتنبيهه للقوه الفائقه بتاعة أسرائيل (على اساس أن موقف القيادات متضمنة عبد الحكيم عامر القائد العام للجيش هو "رقبتنا يا ريس"). وده بصفتنا عارفين يعنى أيه علم وما يعنيه تفوق أسرائيل العلمى علينا. وطبعا وقع أقتراحى على آذان صماء.
.
1 يونيو كان القرار اللى قفل الحلقه واللى كان بالنسبه لى زى الشومه اللى نزلت على دماغى وفلقته. (قريت بعدها بحوالى 6 أشهر كتاب لأبن ونستون تشرشل ذكر فيه أن ده فعلا كان القرار اللى أسرائيل بعده بنص ساعه استدعت موشى ديان وعينته وزير دفاع واتخذت قرار الحرب)......أيه بقى التصرف اللى عمله هذا الجحش جمال عبد الناصر فى هذا اليوم؟
.
الرجل وقف فى مؤتمر صحفى قبلها بأسبوع (25 مايو أعتقد) وأعلن أنه مش حيهاجم ,حيدافع بس. كويس. نقوم نفاجأ يوم 1 يونيو الساعه 4 العصر بالملك حسين (ومعاه أحمد الشقيرى بتاع منظمة تحرير فلسطين) سايق طيارته ونزل بيها فى القاهره وعلى قصر القبه وأتفاقية دفاع مشترك بين مصر والأردن. والبهايم فى الشوارع بيزغرطوا ويهللو على التضامن العربى ونيد الخلافات قصاد العدو الأكبر أسرائيل. فى الأربع خمس سنين السابقه كان لايذكر حسين فى الأعلام المصرى ألا ب"الملك القزم" وعبد الناصر لا يرمز له ألا ب"حسين أبن زين".....نحلل بقى ونشوف أيه أشكالية اتفاقية الدفاع المشترك مع الأردن.
.
جبهة الأردن محميه بطبيعة العلاقه بينها وبين الغرب وبالتبعيه أسرائيل. سلاحها كله أمريكانى وأنجليزى. يعنى هى ليست فى حالة عداء مع أسرائيل. ثم أن بينها وبين أسرائيل كوبرى وسور يفصل القدس الشرقيه من الغربيه. ليه بقى يا جمال زفت يا عبد الناصر تاخد على عاتقك عبء الدفاع عن جبهه هى فى أمان بطبيعتها وأنت بتقول أنا حأدافع بس. ألا لو كانت العمليه (لؤم فلاحى وغبى) وأن غرضك الحقيقى هو الهجوم على أسرائيل من الأردن. يبقى كده وعدك بأنك حتدافع مش حتهاجم تبله وتشرب ميته. وبالتالى كان قرار أسرائيل بالحرب بعد نص ساعه من أعلان هذه الأتفاقيه وصارت الحرب مسألة تحديد التوقيت المناسب لا أكثر.
.
يوم السبت 3 يونيو عقد موشى ديان مؤتمر صحفى سأل فيه عن أمكانية ضرب الطيران المصرى زى ماحصل فى 56. كان رده "اللى قام بكده كان دول عظمى أنجلترا وفرنسا من حاملات طائراتهم فى المتوسط. عمل ليس بمقدور أسرائيل القبام به نظرا لأمكانياتها المحدوده والأهم نظرا لبعد المسافه. وبالتالى أذا لم تلتزم المصريين بتعهدهم بعدم البدء بالهجوم فسوف تدفع أسرائيل ثمنا غاليا. ولهذا السبب سوف نعمل كل ما نستطيعه للتوصل الى حل سلمى للأزمه. وأملنا كبير فى نائب الرئيس المصرى (زكريا محيى الدين) المتوجه الى واشنطن بعد ايام".
.
وتانى يوم الاحد 4 يونيو تداولت وسائل الأعلام صور العساكر الأسرائيليين وهم يستحمون فى البحر حيث تقرر تخفيض حالة الطوارىء من ج الى ب. وقام المصريين "الأذكياء" بعمل المثل. كانت المخابرات المصريه تصدر "بيان تقرير حاله" كل ساعتين توزعه على كبار مسئولى الدوله. اطلعت شخصيا على تقريرين منهم صادرين يوم الاحد 4 يونيو. الأول تحدث عن الأحتمالات المتعاظمه بأيجاد حل سلمى للأزمه وأن "الدور حيتلم". أما التانى فكان يتحدث عن غباء الولايات المتحده الأمريكيه وأصرارها على التعامل مع الأزمه على طريقة جيمس بوند فى اهمال واضح لقدرة الشعوب وفى مقدمتها الشعب المصرى الذى لايقهر.
بأختصار مصر بلعت طعم موشى ديان ومجموعة بهايم بيكتبوا تقارير عن الحاله موجهه لمجموعة بهايم تانيين ليقرأوها.
.
الأثنين 5 يونيو 8:45 ص كنت أحتشى الشاى فى شرفة القسم الهندسى بانشاص مع زميل. سمعنا أزيز طياره. وفجأه قبض زميلى على يدى بعصبيه وقال "بص. نجمة داوود ع الطياره". وبعدها بدقايق سمعنا صوت أنفجارات وشفنا الدخان من بعيد (مطار أنشاص العسكرى)...كان هذا هو البدايه.
أتضح فيما بعد ان 8:45 صباح 5 يونيو كانت الطائرات الأسرائيليه مغطيّه كل مطارات مصر. وقاموا بضرت ممرات الأقلاع والهبوط بقنابل زمنيه عنقوديه. كل 5 دقايق تفرقع وده لمنع المصريين من استخدام الأسمنت سريع الشك لاصلاح الممرات. رجعت الطيارات لاسرائيل مونت بنزين وذخيره وعادت مره تانيه وابادو كل ما تملكه مصر من طائرات وهى على الارض بلا اى وسيله للهرب او لتفادى الضربات.....والبقيه تاريخ معروف








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. التصعيد بين إيران وإسرائيل .. ما هي الارتدادات في غزة؟ |#غرف


.. وزراء خارجية دول مجموعة الـ7 يدعون إلى خفض التصعيد في الشرق




.. كاميرا مراقبة توثق لحظة استشهاد طفل برصاص الاحتلال في طولكرم


.. شهداء بينهم قائد بسرايا القدس إثر اقتحام قوات الاحتلال شرق ط




.. دكتور أردني يبكي خلال حديثه عن واقع المصابين في قطاع غزة