الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الاسطورة والتحليل النفسي

سعد سوسه

2017 / 4 / 14
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات


ان الموضوعات الرئيسية التي تناولها الأسطورة وهي خلق الكون والإنسان ، الموت ، وكيفية حصول الشعب على الموطنْ والذي يسكنه وما يشبه ذلك وتلعب الأسطورة دورا رئيسا في الحياة الاجتماعية والدنية للشعوب البدائية، خاصة وأن طقوس تلك الشعوب، واحتفالاتها، ونظمها الخلقية والاجتماعية تحتاج إلى تبرير، أو ربط بالماضي، وإلى جو من التقريب . 1
الأساطير: الأباطيل والأساطير أحاديث لا نظام لها ، كذلك يقال: سطر فلان على فلان اذا زخرف له الأقاويل ونمقها وتلك الأقاويل الأساطير والسطر . وقالوا عن الأسطورة أحدوثة وأحاديث ، ولابد لإكمال المعنى أن نتطرق إلى ورود كلمة الأساطير في القرآن الكريم والتي وردت في سورتين فقط. ففي سورة الأنفال نقرأ: (واذا تتلى عليهم آياتنا قالوا قد سمعنا لو نشأ لقلنا مثل هذا ، أن هذا إلا أساطير الأولين) .
ان مصطلح الأسطورة يدل على مجموعة خاصة من الرموز الدينية التي تتميز من مفردات السلوك الرمزي كالعبادات والطقوس وأماكنها، وأحداث الأسطورة وموضوعاتها خارقة ليست مألوفة ، شخوص الآلهة والأبطال من البشر الذين يقومون بأعمال غير اعتيادية، تختلف عن أعمال البشر الاعتياديين .
ان الموضوعات الرئيسية التي تناولها الأسطورة وهي خلق الكون والإنسان ، الموت ، وكيفية حصول الشعب على الموطنْ والذي يسكنه وما يشبه ذلك وتلعب الأسطورة دورا رئيسا في الحياة الاجتماعية والدنية للشعوب البدائية، خاصة وأن طقوس تلك الشعوب، واحتفالاتها، ونظمها الخلقية والاجتماعية تحتاج إلى تبرير، أو ربط بالماضي، وإلى جو من التقريب .
ويقول العالم الفرنسي كلود ليفي شتراوس: عن الأسطورة هي حكاية تقليدية، تلعب الكائنات ألماورائية أدوارها الرئيسة . أن الأسطورة الحية في المجتمعات البدائية القديمة تنتج نماذج السلوك البشري وتضفي على الوجود قيمة ومعنى .
فالأسطورة تروي تاريخا مقدساً جرى في الزمن البدائي هو زمن البدايات ، بعبارة أخرى تحكي لنا الأسطورة كيف جاءت حقيقة ما إلى الوجود ، بفضل مأثر أقرتها الكائنات العليا لا فرق بين أن تكون هذه الحقيقة كلية كالكون مثلا أو جزئية كأن تكون جزيرة أو نوعاً من نبات أم مملكا يسكنه الإنسان أو مؤسسة إذ هي سرد لعملية الخلق . 2
اذن فالأسطورة تركز على ماضي البشرية وحضارتها , لأنها في اساسها ليست لا ماضي البشرية , ولكن ماضي مقدس , او على الاقل ينحى الى القدسية, وهذه القداسة تلعب دورا" في حاضر البشرية ايضا وتشارك و تؤثر في حياتها المعاصرة و تاريخها و حضارتها . فالأسطورة وتصوراتها الشعرية لم تكن مجرد قصة رمزية بل هي ثوب اختاره البدائي بعناية للفكر المجرد .
ان دراسة الاساطير تقودنا الى استبانات متناقضة ففي الاسطورة متسع للحصول على أي شيء ويبدو ان تتابع الاحداث لا يخضع لأية قاعدة من قواعد المنطق او من قواعد التواصل . ومهما قبلت الاساطير على اوجهها , يبدو انها تظل مقتصرة على كونها شكلا اوليا من اشكال النظر النفسي .
ومن هذا كلة نجد ان الاسطورة هي نظام فكري متكامل , استوعب قلق الانسان الوجودي و توقة الابدي لكشف النواقص التي يطرحها محيطة و الاحاجي التي يتحداه بها النظام الكوني المحكم الذي يتحرك ضمنه
مع بداية العقد الثاني من القرن العشرين برزت مدرسة التحليل النفسي بزعامة كل من فرويد وكارل يونغ فلقد ركز هذا الاتجاه على الجانب النفسي وتحليله وقد اهتم كل من العالمان في تفسير الأسطورة في الجانب النفسي ولقد برزت أبحاث العالم فرويد لتشمل كل المسائل ذات الطابع الإنساني شاملة بذلك كل من الفرد والمجتمع والحضارة فمؤلفات فرويد مثل الطوطم و التايو، عن الحضارة والكثير من المؤلفات التي لم تهتم فقط بالجانب النفسي بل تعدته لتشمل كافة فاعلياته الثقافية.
أن الجهد العلمي الذي بذله فرويد ترك أثراً مهماً في الثقافة المعاصرة وأصبح أساساً فكريا وقاعدة انطلقت منها اتباعه ليطبقوا أبحاثهم في المجالات الاجتماعية كافة.
ويرى فرويد في نظريته النفسية بأن العقل البشري أشبه بجبل من الجليد يمثل الجزء الصغير الطافي منه على سطح الماء منطقة الشعور في حين يمثل الجزء الأكبر والذي لا يطفو على سطح الماء منطقة اللاشعور . وفي هذه المنطقة الفسيحة من اللاشعور توجد الدفعات الغريزية والشهوات والأفكار والمشاعر المكبوتة- عالم سفلي تابع من القوى الحيوية غير المرئية تمارس سيطرة طاغية على أفكار الإنسان وأفعاله الشعورية. 3 .
ومن هذا المنطلق فلقد وجد بأن الأسطورة وعلى الرغم من مظاهرها الكثيرة فأن لها قناع لشيء واحد وهو الجنس. وهي تراكمات تسببها تفاعلات اللاوعي (اللاشعور) والأخير هو مصدرها الأساسي. ويصور فرويد اللاوعي (اللاشعور) على صورة قبو تختزن فيه الخيالات الجنسية دون أن يعلم الوعي (الشعور) شيئا وأن الأساطير ما يتحرر من هذا الخزين . 4 ، لذلك فلقد اهتم بشكل خاص باللاشعور كمستودع للطاقة الغريزية وكمكنون تصوري هام للحياة النفسية. ولما كانت الأحلام تعتمد في مادتها على ماضي اللاوعي (اللاشعور) فأن فرويد قد ربط بين لغة الأساطير ولغة الأحلام باعتبار أن الأولى ماهي إلا تعبيرات لتجارب ذات دلالة، مستفيداً في بعض الأساطير لتوضيح رأيه. فأساس أسطورة أوديب مثلا هي مادة علمية قديمة الأزل، متصلة بهذا الاضطراب الأليم الذي ينتاب علاقة الطفل بوالديه من جراء نزعاته الجنسية الأولى . 5 ، وهنا يكمن سؤال ما هي علاقة الأسطورة بالحلم ويرى فرويد أن هناك تشابه في آلية العمل بين الحلم والأسطورة وتشابه الرموز لكليهما فهما نتاج العملية النفسية اللاشعورية ، ففي الأسطورة كما في الحلم نجد الأحداث تقع خارج حدود الزمان والمكان والبطل (كذلك صاحب الحلم) يخضع لتحولات سحرية ويقوم بأفعال خارقة ، وهي انعكاسات لرغبات وأمان مكبوتة ، تنطلق من عقالها بعيداً عن رقابة العقل الواعي الذي يمارس دور الحارس على بوابة اللاشعور. 6
وبينما اهتم فرويد باللاشعور الفردي بوصفه مصدرا للأساطير نجد أن العالم كارل يونغ قد اهتم بالا شعور الجمعي بوصفه مستودعاً للذكريات الموروثة عن ماضي الاسلاف الأقدمين . هذا الماضي الذي يشتمل فضلا عن تاريخ الإنسان على تاريخ أسلافه من البشر والحيوانات ويحتوي على المتخلفات النفسية كافة لنمو الإنسان التطوري والمتراكمة نتيجة لخبرات متكررة لأجيال متعددة هذه المتخلفات لا علاقة لها بشخص معين لأنها تكون مشاعة بين الجميع وسبب شيوع اللاشعور الجمعي عند البشر كافة، يرجع إلى ان البناء العقلي متشابه عند الجميع بسبب التطور المشترك. لقد نظر يونك إلى شخصية الفرد باعتبارها تناسباً ووعاء يحتوي على تاريخ أسلافه.
إن نظرة يونغ إلى الشخصية نظرة إلى المستقبل بمعنى أنها تنظر إلى الامام منطلقة إلى المستقبل. إلى مستقبل نمو الشخص إلى تطوره كما أن نظرة إلى الخلف بمعنى أنها تأخذ في الماضي في اعتبارها ويفسر يونغ اللاشعور الجمعي بأنه مخزن آثار الذكريات الكامنة التي ورثها الإنسان عن ماضي أسلافه الأقدمين وهو الماضي الذي يشمل التاريخ العنصري للإنسان بوصفه نوعاً منفصلاً فحسب، بل أنه يشمل كذلك علاقة من قبل الإنسان أو أسلافه من الحيوان. إن اللاشعور الجمعي هو المتخلفات النفسية لنمو الإنسان التطوري ، تلك المخلفات التي تتراكم نتيجة المنجزات المتكررة عبر الأجيال الكثيرة .
المصادر

1. د. شاكر مصطفى سليم، قاموس الانثروبولوجيا ، ص660.
2. . ابن منظور ، لسان العرب ، ص364.
3. . الأزهري، ابو منصور محمد بن أحمد ، تهذيب اللغة، ج13، تحقيق الأستاذ أحمد عبدالعليم البردوني، الدار المصرية للتأليف والترجمة ، ص327.
4. . القرآن الكريم ، سورة الأنفال ، الآية31.
5. . عبدالقادر عبدالناصر محمد نوري (المترجم) الأسطورة وعلم الأساطير، عن الموسوعة البريطانية، بغداد، 1985، ص25
6. كلود ليفي شتراوس، الأسطورة والمعنى، ترجمة د. شاكر عبدالحسين ، بغداد ، 1986، ص234.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. هنية يزور تركيا لإجراء محادثات مع الرئيس التركي رجب طيب أردو


.. توقعات بموجة جديدة من ارتفاع أسعار المنتجات الغدائية بروسيا




.. سكاي نيوز عربية تزور أحد مخيمات النزوح في رفح جنوبي قطاع غزة


.. حزب -تقدّم- مهدد بالتفكك بعد انسحاب مرشحه لمنصب رئاسة مجلس ا




.. آثار الدمار نتيجة قصف استهدف قاعدة كالسو شمالي بابل في العرا