الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الدكتور سيد فليفل رائد الدراسات الإقريقية

عطا درغام

2017 / 4 / 14
سيرة ذاتية


هو أحد الخبراء الكبار في الشئون الأفريقية وعميد معهد الدراسات الأفريقية الأسبق بالقاهرة ، زار معظم البلدان الأفريقية وخاصة دول حوض النيل ، وكانت له إسهاماته الواضحة في العمل علي تطوير أواصر العلاقات مع الدول الأفريقية ، وتخرج على يديه أكثر من خمسين دارساً لدرجتى الماجستير و الدكتواره فى دراسات تاريخ جنوب أفريقيا الحديث والمعاصر، وتاريخ السودان، والعلاقات العربية و "المنتدى الأفريقى " و إد ارة جلساته عبر 16 عاماً، حيث عقدت قرابة خمسمائة جلسة..كما عمل علي إعادة الاعتبار للدراسات السودانية بمصر، و الدخول فى شراكة علمية بين المعهد و الجامعات..وترأس "جمعية الملتقى الأفريقى " من 2003 إلى الآن.. وله العديد من الكتب والدراسات التي تتعلق بالشأن الإفريقي
مقومات الزعامات الأفريقية
يقول الدكتور سيد فليفل إن القارة الأفريقية قارة غنية وواعدة ولا يوجد معدن نفيس إلا وهو متوفر بالقارة بشكل أو بآخر، فضلا عن الثروات الزراعية الهائلة المنتشرة في دول مثل السودان وزيمبابوي والكونغو. لكن التوجه الأساسي لإدارة الموارد بشكل ذاتي لم يتحقق حتى الآن؛ لأن إرادة الزعامات غير دقيقة وتحتاج إلى كثير من المراجعات، وفي الغالب يقع الرئيس بعد توليه السلطة في أسر المجتمع التقليدي الذي يدور حول التبعية.ولا شك أن أي رئيس بمفرده لا يمكن أن يحقق إنجازًا في دولته إلا إذا تدثر بدثار إقليمي يوفر الحماية أو دثار قاري؛ ولكي يحدث هذا لا بد من إنهاء ظاهرة المنافسة بين الزعماء ومن يريد أن يكون الأول ومن الدولة الرائدة. فقدرة الزعماء على النظرة إلى الواقع وإلحاق القارة بحالة التقدم العالمية غير متحققة، ومع ذلك فالتغير الحادث لبعض الدول، ليس بفضل الزعماء؛ ولكن بفضل الدول ذاتها ووجود صفوة راغبة في التقدم ونجد هذه الظاهرة لكن لديه كثير من المعوقات والذي يصل إلى السلطة لا يريد أن يرى منافسًا له من المجتمع المدني. بينما المتنفذين الأساسيين للقرار الأفريقي يتخذون قرارات مناهضة لرجال الأعمال الشرفاء. وقد خضع الزعماء للمغريات الأمريكية .
ففيما يتعلق بالقادة الجدد الذين حاولوا تنفيذ ما تطلبة أمريكا وهو أن يبدو أحدهم ديموقراطيًا، وأن يفتح الأسواق أمام السلع الأمريكية، كل هذا أدى إلى مزيد من إلحاق الزعامات بالتبعية حتى الزعماء الذين ينتهجون عملا مخلصا لبلادهم مثل الرئيس روبيرت موجابي والذي يسعى إلى استرداد الأراضي المسلوبة من الأقلية البيضاء (ثلاثة آلاف أسرة بيضاء تسيطر على 70% من مساحة الأراضي) فعندما أراد أن ينفذ ما تم الاتفاق عليه سنة 1980م اتهم بالدكتاتورية ورفض تسليم الأرض، وللأسف شارك زعماء أفارقة آخرين في حصار الرجل. والحقيقة أنا أعتبره من أكثر الزعماء الأفارقة إخلاصا حتى أكثر من مانديلا الذي عمل في إطار هيمنة البيض، بينما موجابي يسعى إلى الاستقلال واستعادة الأرض، وإن تمكن من ذلك فهذا يعطي مؤشراً على إعادة الأمل لشعب جنوب أفريقيا لاستعادة أرضه التي استولى عليها البيض، وللشعب الفلسطيني الذي يكافح من أجل مقاومة الاستيطان والسيطرة على الأرض. الزعماء الأفارقة إذا أردنا أن نعطيهم درجة من مائة فهم بدرجة 20% من إرادة سياسية وإذا أرادوا استكمال الإرادة السياسية الكاملة فعليهم أن يحصلوا على الثمانين المتبقية عبر شعوبهم وليس عبر أجندات الدول الكبرى.
عودة الدور المصري لأفريقيا
وعن الريادة المصرية لأفريقيا وعودة الدور المصري ،يري الدكتور سيد فليفل أن المشكلة تكمن في فقدان الرؤية، وذلك لأن النخبة السياسية المصرية القائمة على العمل التنموي والثقافي لم تجلس حتى الآن لتضع مشروعاً جديدا. ومن هنا، يمكن استثمار فترة ما بعد الثورة كفرصة للانطلاق نحو القرن الحادى والعشرين، من خلال تكوين لجنة خاصة بإفريقيا في مجلس الأمن القومي المنصوص عليه في الدستور، تضم كل الجهات المعنية بالملف، وتضع خطة تحرك للدولة، بما يضمن تنسيق العمل في إطار مجلس موحد.
ودعا الدكتور سيد فليفل إلي إنشاء " مجلس أعلي للشئون الإفريقية "لرعاية مصالحنا في القارة الإفريقية ومنطقة منابع النيل يكون برئاسة رئيس الجمهورية وعضوية الوزراء ذوي العلاقة ومنهم وزراء الري والخارجية وأمينه العام يكون وزير الشئون الإفريقية ،وتساءل كيف يكون لفرنسا وزير لشئون إفريقيا ولايكون لدينا نحن أيضا وزير مماثل ؟
حلايب وشلاتين والنزاع الحدودي بين مصر والسودان
يُعد النزاع علي حلايب وشلاتين من المشكلات التي عملت علي توتر العلاقة بين مصر والسودان ، وأوضح فليفل، أنه فى 1902 أصدر مصطفى فهمى، وزير الداخلية المصرى، قراراً بتعهد السودان بمغادرة حلايب وفى المقابل تقوم السودان بإعطاء منطقة حلفا فى 1907 للإدارة المصرية، ثم جاء الحاكم العام السودانى آنذاك بإلغاء القرار دون أن يخطر أحدا وذلك للحكم الثنائى بين البلدين.وأن مصر مارست كافة أشكال السيادة على السودان وحتى خرائط بريطانيا وأشهرها خريطة المساحة العسكرية البريطانية، لا توجد إدارة سودانية.
وأكد فليفل، عندما أعطى النظام السودانى تصريحات لشركات للعمل فى حلايب قامت مصر بتصحيح الوضع وإلغاء القرارات بإدارة السودان لحلايب، فالقضية بالنظرة التاريخية تثبت أن السيادة على مثلث حلايب مصرية خالصة، وأن مصر معلومة الحدود منذ زمن الفراعنة.
و أوضح الدكتور فليفل أنه أرسل للرئيس المخلوع حسنى مبارك فى 1991 يقول له بأن الوضع بالنسبة للمصرى فى حلايب لا يليق بمكانة الشعب المصرى، وعليه النظر إلى المصريين هناك.
الاستقلال الأفريقي
يؤكد الدكتور سيد فليفل أن الاتحاد الأفريقي قدم جهدًا ملموسًا للقارة الأفريقية؛ سياسيًا، واقتصاديًا. أما علي الجانب الثقافي فإننا لا نلحظ نشاطًا مماثلًا علي الرغم من التشوه الذي تعانيه صورة الإنسان الأفريقي، سواء عبر شبكات المعلومات الدولية أوالفضائيات أو وكالات الأنباء الوطنية في الدول المتقدمة، فضلًا عن سيادة صورة نمطية سلبية سواء للإنسان الأفريقي، أو للدول الأفريقية، أو لحالة التقدم الحضاري في القارة. واقترح الدكتور “فليفل” عقد قمة أفريقية مختصة بإعادة الاعتبار للشخصية الأفريقية ورفض امتهانها وتصعيد رؤية إيجابية عنها، كما دعا المثقفين إلي التركيز علي الجوانب الإيجابية للشخصية الأفريقية في أعمالهم حتي يُشكل هذا حافزًا علي التفاؤل ومقاومة الإحباط ويمنع الأجيال الجديدة من الاستسلام للتخلف والقبول به باعتباره واقعًا لا مناص منه.
فعندما طرحت مبادرة ( نيباد) للشراكة مع الخارج ، استبشر بها الأفارقة خيرًا بالشراكة مع الخارج (المستعمرين السابقين) آملين في التطور واللحاق بركب التنمية، لكن الحقيقة أن أنانية جنوب أفريقيا أدى إلى كون نيباد أداة لتنمية دولة جنوب أفريقيا وليس للقارة ككل؛ وهذا يقتضي مراجعة ولا أقول محاسبة جنوب أفريقيا في هذا الأمر. وأقول إن أي اعتماد على المستعمر لن يسفر إلا عن نفس النتائج التي أسفر عنها سابقا أثناء الاحتلال، وكما قلت في سؤالك، أنه لا بد للأفارقة أن يتدبروا أمرهم بأنفسهم دون تدخل خارجي ويفيقوا من غفوتهم.
يؤكد الدكتور سيد فليفل أن الاستقلال الافريقي لن يتحقق إلا بالوحدة الإفريقية، وإن الاستقرار المصري مرتبط باستقرار القارة السمراء.
وشدد علي أن تكون هناك شراكة حقيقية بين دول حوض النيل علي الأصعدة كافة ، وفي شتي المجالات، مستشهداً بسعي الرئيس الراحل جمال عبد الناصر طوال فترة رئاسته لتوحيد دول حوض النيل تحت راية واحدة.
تطورات الأوضاع الداخلية في السودان وتأثيرها على الأمن القومي المصري
أوضح الدكتور السيد فليفل أن السودان يعيش منذ انفصال الجنوب حالة غيبوبة/ إفاقة ما بعد الجراحة السلمية بسبب فقدان التمويل الذي كان يوفره نفط الجنوب وفقدان السوق التي كان يمثلها السكان الجنوبيون، علاوة على أن الانفصال جاء ليفاقم من عزلة النظام ويحرمه من نافذة التواصل مع الجوار الأفريقي وتبادل التأثير والتأثر ورد الضربات التي كانت توجه إليه بأخرى، حيث انقطع السودان عن جوار كل من كينيا في الجنوب الشرقي وأوغندا في الجنوب والكونغو في الغرب.
وأكد فليفل أن تجربة الإسلام السياسي في السودان قد باءت بالفشل، وأن هناك خللاً هيكلياً يمتلك النظام السوداني، وأن بنيته محكومة به، وأن انفصال الجنوب قد فاقم من ضعف النظام، حيث فقد معظم موارد التمويل بحصول الجنوب على 75% من البترول بعد انفصاله.
فعلى الرغم من الإخفاقات المتتالية للنظام السوداني، إلا أنه استطاع الاستمرار إلى الآن، وأن مرد ذلك هو التماسك السياسي الذي صنعته السلطة حول البشير من جهة وحول المؤتمر الوطني الحاكم من جهة أخرى، وأورد فليفل بعضاً من إخفاقات النظام الحالي في السودان وذكر من أهمها:
التورط الجهادي في جنوب السودان، ثم التورط العسكري في دارفور، وسوء إدارة الملف التفاوضي مع الحركة الشعبية والتفريط في وحدة البلاد، علاوة على التدهور الاقتصادي وغير ذلك من مظاهر الإخفاق.
وبخصوص التغيير الوزاري الأخير الذي قام به الرئيس البشير –والذي أطاح بكل من "على عثمان محمد طه" نائبه الأول، ومساعده "نافع على نافع"-نوّه فليفل إلى أنه يهدف إلى تكريس السلطة في القيادات العسكرية على حساب الجناح الذي مثّله حزب المؤتمر الوطني من الإسلام السياسي، وإن كانت تعييناته لشغل المناصب العليا خلفاً لهم من الإسلاميين العسكريين، علاوة على أنه قد يكون محاولة لاسترضاء دعاة المؤتمر الشعبي وعلى رأسهم من يحملون السلاح في دارفور من تلاميذ الترابي، بل وقد يكون بداية لعودة تدريجية للإسلام التقليدي، والقوى التقليدية لتياري الأنصار والاتحاديين، الذين لايزالون في كنف النظام.
وشدد فليفل على أن السودان تعيش منذ استقلال الجنوب حالة من الفراغ الدستوري الذي يتطلب تعديلات في الدستور الذي أفضى إلى الانفصال ليلائم التعديل دولة السودان بحدودها الجديدة وأقاليمها الجديدة، علاوة على أن انفصال الجنوب لم ينه المسألة الإقليمية بالسودان، بل فتح شهية بقية الأقاليم لنيل مثل ما ناله إقليم الجنوب الذي صار دولة ذات رئيس وجيش ووزير خارجية ووزير مالية.
وكي يتخلص السودان من العزلة التي فُرضت عليه - والتي زادت بسقوط حكم الإخوان المسلمين في مصر- حاول إرسال رسائل ودية إلى جواره التشادي.
وفيما يخص إريتريا فقد بدأ في التضييق على المعارضة الموجودة منها بالسودان بما فيها رموز الاتحاد الإسلامي الإريتري.
أما فيما يخص إثيوبيا فقد اتخذ عدة خطوات لافتة منها: ملاحقة المعارضة الإثيوبية التي اعتادت اللجوء للسودان، وتصعيد التعاون الاقتصادي مع إثيوبيا إلى المستوى الاستراتيجي، علاوة على إجراء تعديلات جوهرية على السياسة المائية السودانية والوقوف بجانب الموقف الإثيوبي الذي يصر على استكمال بناء سد النهضة على الرغم من الأضرار التي تعود على كلا البلدين جراء هذا السد، لأن إثيوبيا باتت هي الرهان الإقليمي الوحيد للسودان، علاوة على أنها تمثل الحقيقة العسكرية الضاغطة على السودان من عند حدوده الشرقية ومن خط التماس مع جنوب السودان حيث تشكل القوة الإثيوبية عماد القوات الدولية على الحدود بين السودانيين.
وأكد فليفل على أن السودان يشكل هو نفسه ضغط على الحدود المصرية وهو ضغط مثلث الأبعاد: ضغط في اتجاه حلايب وشلاتين، ضغط في اتجاه سد النهضة، وضغط في اتجاه تدريب المعارضة الإسلامية وتسليح الإخوان.
جنوب السودان
يذكر الدكتور سيد فليفل إن جنوب السودان يُمثل أهمية كبيرة في حوض النيل بالنسبة للجانب المصري و علاقتها بالسودان ؛ لأنها مصدر سير مجري نهر النيل المتجه نحو مصر فهي منطقة بها مياه لا حصر لها .
وسياسة انفصال جنوب السودان عن شمالها قديمة وبدأت خطواتها منذ الاستعمار البريطاني بدءاً من العمل علي التمييز الديني والعرقي بين أهل الجنوب وأهل الشمال بالسودان, حتي استخدام القوة العسكرية بين الطرفين.
و إن استخدام فكرة تطبيق الشريعة الإسلامية التي تم استخدامها في السودان بدون تهيئة و تربية للمواطنين عليها قبل تطبيقها أدي إلي خوفهم من الإسلام , ويؤكد دكتور فليفل علي أن المشكلة ليست في الإسلام ذاته و لكن المشكلة تكمن في المنظور الذي يُطبق فيه الإسلام , مشيرا إلى أن أمريكا و الكيان الصهيوني يسعون منذ زمن إلى وضع برنامج تقسيم وتفتيت كامل للوطن العربي .
وصف حالة جنوب السودان الآن بالخطر بسبب خلافات قديمة بين بعض القبائل الجنوبية, مؤكداً أن ثمة مأزق استراتيجي يحيق بالدول العربية , حيث تحاول أمريكا و الكيان الصهيوني و الدول الغربية تفتيت الدول الإفريقية و الإسلامية, معتبراً أن رؤوس النظام السابق هي السبب في هدم أهم المشاريع النهضوية بين مصر والسودان.
ويوضح أن الرئيس مبارك بدأ خطوات للتواجد في الجنوب ، وقدم دعما للجنوب في مجالات متعددة مثل إنشاء محطات الكهرباء والمدارس والمستشفيات ، وتسيير الملاحة ، هذه الإجراءات ساعدت علي بناء الثقة بين الطرفين ، وعلي الرغم من ذلك إلا أنه لا بد أن تتحرك السياسة المصرية للعمل علي تماسك الدول الأفريقية وعدم تفتتها ، وإذا اختار الجنوبيون الانفصال يجب دعم وجود علاقات مستقرة وطيبة بين شمال وجنوب السودان وألا يتركا للصراعات ، لأن مصلحة مصر في الاستقرار والسلام
ويمكن أن يشير البعض إلى دور النخب في تحقيق الانفصال لكن العلاقة السيئة بالأساس بين الشمال والجنوب هي التي وفرت هذا المناخ الذي يرجح كفة الانفصال، كما لا يمكننا أن نطالب الجنوبيين بأن يجروا استفتاءًا شفافاَ إذا كنا نحن لم نجري أي استفتاءات أو انتخابات شفافة!!، لكن المهم هو النظر لما بعد الاستفتاء لمنع قيام أي صراع عربي أفريقي.
وسبق أن حذر الدكتور سيد فليفل من خطورة انفصال الجنوب، مؤكدآ ضرورة ألا يترك جنوب السودان نهباً لقوي من خارج القارة أهدافها معروفة وتسعي إلي تفتيت السودان.
ويضيف أن استقلال الجنوب عن الشمال يجب ألا يعني الانفصال التام، داعيآ إلي ضرورة المحافظة علي العيش المشترك وبناء وحدة إقليمية تنموية في منطقة حوض النيل بحيث يكون السودان جسرا للتواصل بين العرب والأفارقة لاسيما وأن قواسم التواصل ماثلة في كافة المناحي والمناشط
فانفصال جنوب السودان ليس مفاجئاً، ولكن الترتيبات معروفة ومنظمة منذ 6 سنوات إلى أن تم إعلانها أمام العالم. ويعود تاريخ هذا المخطط بداية من الاحتلال الإنجليزى لمصر عام 1882 الذى شمل مصر وباقى الدول جنوباً، وخاصة دول حوض النيل، وعقد اتفاق الحكم الثنائى عام 1899، وبالتالى تم فتح الباب أمام التجارة الأوروبية والبعثات التبشيرية، وخصوصا فى الجنوب ومارست إنجلترا سياسات من شأنها فصل الشمال عن الجنوب، حيث أنشأت الفرقة العسكرية الاستوائية فى عام 1917، وظلت الفرقة تعمل فى الجنوب حتى عام 1955 وتحت قيادة ضباط إنجليز، وكانت اللغة التى يتعاملون بها هى اللغة الإنجليزية، وبالتالى كانت البداية لاستبدال اللغة العربية باللغة الإنجليزية، والقضاء على الهوية والثقافة العربية فى الجنوب فى ظل انهيار النفوذ المصرى فى السودان عام 1924.
وإن إدارة إنجلترا للجنوب منعت التواصل مع الشمال السودانى، سواء كان هذا التواصل تعليميا أو سياسيا أو اقتصاديا، حتى فى الزى، حتى أنه تم حظر الزواج بين أبناء الشمال والجنوب حتى لا يكون هناك أية روابط اجتماعية تؤثر فى المستقبل، وتؤدى للوحدة بين الشمال والجنوب.
وبعد استقلال السودان بدأت كثير من مواقف الشد والجذب بين أبناء الشمال السودانى وأبناء الجنوب.
ويعلق دكتور فليفل على تعامل الشمال مع الجنوبيين قائلا إن الشمال لم يحتضن الجنوبيين، وعاملهم على أنهم خوارج، وهذا لم يكن صحيحاً إطلاقا لأن الجنوبيين منذ العام الهجرى الأول، وهم على ديانتهم المعروفة، ولم يخرجوا عن الإسلام مثلما يظن الشماليون.
إن الشماليين حصنوا بلادهم بالأسلحة ومحاربة الجنوبيين، ولم يحصنوا بلادهم بالعدل مثلما قال عمر بن عبد العزيز من قبل. مشيرا إلى وقوع الحكومة الانتقالية فى بعض الأخطاء عقب منح السودان الحكم الذاتى وانفصاله عن مصر فى عام 1953، حيث ربطت الحكومة البريطانية جلاءها عن مصر بجلاء مصر نفسها عن السودان ومنحه الحكم الذاتى، تمهيدا لاستقلاله وعدم دعوة أبناء الجنوب لأخذ رأيهم فى أى شىء يخص عملية الاستقلال
وعن تدخل إسرائيل فى عملية الانفصال، يقول الدكتور سيد فليفل إنه منذ عقد الخمسينات تسللت الأصابع الإسرائيلية الصهيونية إلى جنوب السودان، وأثرته على شماله، ونشبت حرب أهلية بينهما عقوداً طويلة انتهت بقتل أكثر من مليونين وهجرة أكثر من ثلاثة ملايين صحبه تدمير البُنية التحتية للشمال والجنوب، وعندما وقعت اتفاقية السلام الشامل عام 2005 التى نصت على استفتاء 9 يناير 2011، أثارت الأصابع الإسرائيلية الفتنة والتمرد فى دارفور، لتشغل الحكومة عن الجنوب والنهوض به.
ويوضح الدكتور فليفل دور الولايات المتحدة في عملية الانفصال فيقول نجد الولايات المتحدة التى دمرَّت البنية التحتية للعراق وأفغانستان قدمت من عام 2005 إلى الآن 6 مليارات دولار لجنوب السودان، لبناء بنيته التحتية وتسليح جيشه، ليس حباً فيه، ولكن لتشجعه على التصويت لصالح الانفصال.
وتهدف إسرائيل وأمريكا من انفصال جنوب السودان تنفيذ مخطط التفتيت، والسيطرة على ثروات الجنوب من نفط ومياه النيل.
وإن انفصال الجنوب سوف يكون مدعاة لكثير من القلاقل في القارة ، وقد يفتح الباب لتكرار التجربة في الكثير من الدول الأفريقية ، وقد نجد أنفسنا أمام 150 دولة أفريقية جديدة إذا ما استمر الحال علي نفس هذا التوجه ، وهذا سوف يؤدي إلي كارثة محققة ، وفوضي غير خلاقة ، وإذا حدث الانفصال فنحن سنواجه واقعاً جديدا حيث ستكون هناك دولة جديدة ، وقد لا تلتزم هذه الدولة بالاتفاقات الموقعة وتنضم إلي دول الحوض المطالبة بتغيير الاتفاقات السابقة ، لاغية بذلك حق التوارت الدولي المنصوص عليه في اتفاقية روما .
ويؤكد أن جنوب السودان يمثل أهمية إستراتيجية لكل من مصر والسودان؛ دولتي المصب، في موضوع مياه النيل، مطالباً بضرورة الاهتمام بدعم حل المشكلات التي تواجه الدولة الوليدة، وذلك في إطار تقاسم الأعباء والمنافع، كي لا يتحول الجنوب إلى دولة معادية.
وإن جنوب السودان لديه تحديات صعبة عقب الانفصال؛ منها: تعدد الأعراق واللغات لديه ووجود مشكلات تاريخية بين عدد من القبائل، وظهور حالة مستجدة من العصيان وحمل السلاح، وصعوبة الانتقال داخل الدولة الوليدة، إضافة إلى النزاعات الحدودية مع كينيا وشمال السودان، ووجود قضايا اقتصادية وسياسية عالقة بين الشمال والجنوب.
وشدد الدكتور سيد فليفل على أن اتفاقيات مياه النيل لا يمكن إلغاؤها طبقا للقانون الدولي، مقللا في هذا السياق من الدعوات التي تطلقها بعض دول حوض النيل بشأن إلغاء تلك الاتفاقيات بدعوى أنها كانت مستعمرة إبان توقيع تلك الاتفاقيات، وأنها مجحفة بحقهم.
ونوّه إلى أن سياسة فصل جنوب السودان عن شماله قديمة منذ الاستعمار البريطاني الذي وضع قوانين واتبع سياسات للتفرقة بين الشماليين والجنوبيين، مضيفا أن الأحزاب السودانية والنظم الحاكمة هناك لم تسهم في تشجيع الوحدة، كما أن مصر لم تقم بدورها أيضا في هذا الإطار. وقال إن شمال السودان قبل انفصال الجنوب كانت تسوده ثلاثة اتجاهات: وحدوي، وانفصالي على أساس أن شمال السودان دون جنوبه سيكون حاله أفضل ، وأخير ينفذ الانفصال إرضاءا للولايات المتحدة والغرب. وكشف دكتور فليفل عن أن مصر تواجه مأزقا إستراتيجيا يكمن في تشجيع الولايات المتحدة وإسرائيل وقوى غربية للحركات الانفصالية في الدول العربية من أجل إضعافها والسيطرة على مواردها.
إسرائيل وإفريقيا
يقول الدكتور سيد فليفل ،كانت للصهيونية العالمية خططها المبكرة للتواجد في أفريقيا ، واستهدف المشروع الصهيوني مناطق عديدة بالقارة وفي وقت من الأوقات طرحت أسماء بعض الدول الأفريقية لتنفيذ المشروع الصهيوني مثل أوغندا وكينيا وليبيا ، وكانت فلسطين تالية بعد القارة، وهذا يوضح الموقع الذي احتلته القارة في الاستراتيجية الصهيونية منذ البداية .
وبعد قيام إسرائيل حاولت النفاذ مرة أخري إلي القارة ، وكانت هناك إستراتيجية تقوم علي محاصرة الدول العربية من الجانبين الآسيوي والأفريقي بمعني ( تطويق المطوق) ، ولكن الثورة المصرية نجحت في تأسيس علاقات قوية مع أفريقيا تقوم علي دعم مصر لأفريقيا لنيل الاستقلال مقابل الدعم الأفريقي للقضايا العربية .
وبعد توقيع معاهدة السلام المصرية – الإسرائيلية عادت إسرائيل تعمل بقوة في القارة الأفريقية وخاصة دول حوض النيل ، وقدمت لهم الكثير من المساعدات في تأمين الرؤساء والتسليح والمشروعات الزراعية وغيرها ، كما أن الولايات المتحدة تعمل مع كينيا وأوغندا وأثيوبيا وجنوب أفريقيا ونيجيريا في مجالات التنسيق الأمني.
والوضع الحالي للمشروع الصهيوني لا سيما بعد أن زار رئيس الوزراء الإسرائيلي في جولة إلى دول القارة ذات الصلة الوثيقة بالولايات المتحدة مثل غانا نيجيريا وأوغندا وكينيا وأثُيوبيا جنوب أفريقيا، هذا الوضع ينم عن تواجد فعلي قوي بتنسيق أمريكي مع تلك الدول.
دربت إسرائيل أحد لاعبي كرة القدم ثم بيع لإحدى الأندية، وفي منتخب غانا خلع ملابسه وارتدى علم إسرائيل وطاف به، ولم يتعرض لضغوط كما تعرض محمد أبو تريكة عندما أبدى تعاطفاَ مع أهلنا في غزة. وهذا الموقف ينم عن حرفية عالية لهذا الكيان في استثمار هذا النوع من الرياضة المسيسة لنشر قضيتها وتحقيق أهدافها.
وليس مصادفة أن تكون جولة ليبرمان الإفريقية إلي نفس هذه الدول ، كما أن إسرائيل تعمل بقوة مع دول جوار الصومال علي بقاء الوضع في الصومال علي ما هو عليه حاليا وعدم خروج الصومال من دوامة العنف وغياب الدولة ، أيضا ليس مصادفة أن يتم التوقيع علي الاتفاقية الجديدة لدول حوض النيل يوم 14 مايو عشية الاحتفال بقيام إسرائيل .
ويؤكد الدكتور السيد فليفل أن بناء السدود على حوض نهر النيل مخطط أمريكي “إسرائيلي” الغرض منه منع تدفق المياه ووصولها إلى مصر؛ لأن هذه السدود مهمتها حجز وتخزين كميات هائلة من المياه، مؤكداً أن مشروعاً أمريكياً قديماً معلناً عنه منذ خمسينيات القرن الماضي يستهدف بناء 33 سداً في إثيوبيا، ولنا أن نتصور هذا الكم الكبير من السدود وقدرتها على تخزين المياه وبالتالي منع وصولها إلى مصر . ودلل د . فليفل على ذلك بأن السد العالي يحتجز مياه النيل عند أسوان لتخزين المياه للسحب منها طوال العام.
الدور العربي في إفريقيا
ينتقد الدكتور فليفل الغياب العربي ودوره الاقتصادي في أفريقيا ، مما جعل المجال الإفريقي مفتوحا أمام التوغل الإسرائيلي والإنتاج الصيني والهيمنة الأمريكية ، مؤكدا أن أفريقيا تُستلب مرتين في الوقت الراهن، مرة عند رواج الإنتاج الصيني الرخيص الذي يقضي على الصناعة الوطنية، وتُستلب مرة أخرى بالهيمنة الأمريكية والقواعد العسكرية والتسهيلات التجارية، والحرب على الإرهاب بحجة ملاحقة القاعدة.
هل يُعقل أن تُحتل الصومال لأن أمريكا تبحث عن أربعة عناصر من القاعدة بين بلد يبلغ تعداده 13 مليون، هذه جريمة لا تقل عن جريمة احتلال العراق، وشارك في هذه الجريمة دول الجوار مثل كينيا، أوغندة، إثيوبيا مثلما تورطت إيران في غزو العراق وتدمير بنيته التحتية وإعادته إلى القرن السابع عشر.
كل هذا يؤكد أن الاستلاب مستمر عن طريق المتنافسين الكبيرين الآن، إضافة إلى المتنافس الآخر الذي لا يُذكر كثيرًا وهو الاتحاد الأوروبي.
وعندما أسس ساركوزي الاتحاد من أجل المتوسط، كأنما يخلع رأس القارة الشمالي ويوجهه إلى أوروبا ويفصله عن بقية القارة لكي تتحقق مسألة الانفراد بتقسيم العالم العربي وإفريقيا، والحيلولة دون تواصل العرب الأفارقة مع بقية القارة، وعدم إبقاء العرب ضمن الاتحاد الأفريقي.
وعلى هذا فإن العرب لم يحزموا أمرهم ،بل إنهم يراعون المصالح الأمريكية إلى أبعد مدى، ولو كانوا يراعون مصالحهم لأمكن تنسيق اجتماع الأموال النفطية مع الدول التي تملك قواعد صناعية مثل مصر مع الدول الزراعية مثل السودان كي ينتجوا ويحلوا أزمة الغذاء دفعة واحدة كمثلث تنموي عملاق.
وكما قدرها أستاذنا الدكتور حلمي نمر - رحمه الله- أن فجوة الغذاء للعرب والأفارقة ستُحل في غضون عامين لو أُحسن هذا التنسيق الثلاثي. لذا فالعالم العربي لم يهمل أفريقيا فحسب، لكنه أهمل حقه أيضًا في أمن غذائه.
الصومـــــــال
يشير الدكتور سيد فليفل إلي الدور الوطني وكفاح السيد محمد عبدالله حسن ضد الاستعمار البريطاني ، وأن استراتيجيته قامت على محاربة بريطانيا وأثيوبيا، وأن الوثائق البريطانية استغربت من أن شيخا معمما استطاع أن يتفوق على خريجي كليات حربية مرموقة.
فبريطانيا عملت كل ما في وسعها لإخماد ثورة السيد محمد عبدالله حسن حتى أنها اتصلت بشريف مكة ليدين تصرفات السيد محمد ضد بريطانيا.
ويذكر الدكتورسيد فليفل أنه عثر على قصيدة للسيد محمد عبدالله حسن باللغة الصومالية ،وهي تدل دلالة قاطعة على أنه درس في مصر وعاد من مصر بكم هائل من الكتب.
وعن دور الإسلام وانتشاره في الصومال يشير الدكتور سيد فليفل إلى أن هناك شخصين قاما بتعزيز الدور الإسلامي في الصومال وهما الشيخ علي صوفي، وجراد مقتل طاهر، وأضاف إن الشيخ علي صوفي أصبح أول مفتي للصومال بعد الاستقلال وكان يعلم الناس القرآن والتجويد مشيرا إلى أن هناك مقولة شهيرة في ذلك الوقت تقول بأنه إذا كان هناك شخصان قارئان فلا بد من أن أحدهم تعلم على يديه.
وأما الرجل الثاني جراد مقتل طاهر، فكان شابا صغيرا عندما قُتل والده في صراع قبلي لكنه لم يقبل منهم الدية ،وبدلا من ذلك عاهدهم على الخروج لمحاربة الإثيوبيين، ثم أسس مجموعات صغيرة لمقاومة الاحتلال الأثيوبي.
وعن الصراعات القبلية في الصومال يؤكد الدكتور سيد فليفل أن الانقسامات القبلية عملت على تَفريق كلمة ووحدة الشعب الصومالي، مُضيفاً أنّ الوضع حالياً في الصومال يُعد “مُتأزما للغاية”.
والعاصمة الصومالية لا زالت أسيرة للتجاذبات المختلفة، والانقسامات القبلية، والاختراقات المتعددة للشخصية الصومالية، موضحاً أن بعض السياسيين والحزبيين في الصومال لديهم ارتباطات ومصالح دولية، وهذا سبب رئيسي فيما تعانيه دولة الصومال.
وإن ما يجري في الصومال وجود أحزاب سياسية ومليشيات تحمل اسم الخلاص الوطني، وأن هذا بأكمله غطاء للوضع القبلي، وإن الشعب الصومالي يستنكر كل هذا وذاك، متابعاً أن الانقسامات القبلية فرقت هذا الشعب الصومالي. وكانت الدول الإفريقية تنظر بإعجاب للشعب الصومالي إلا أن هذه النظرة تغيرت الآن.
فالصومال قضية أمن قومى، ومصر قدمت شهيداً هو السفير كمال الدين صلاح من أجل استقلال الصومال ووحدته ،فلابد من دور مصرى قوى لإعادة بناء الدولة الصومالية ومؤسساتها لأن ذلك يصب فى مصلحة مصر والعالم العربى ،كما يجب تفعيل دور الجامعة العربية والإتحاد الأفريقى فى هذا الشأن..
اللوبي الأسود في الولايات المتحدة
يشير الدكتور سيد فليفل إلي نقطة مهمة يمكن أن تلعب دورا حيويا في العلاقات الأمريكية الإفريقية من خلال تشكيل لوبي للأفارقة السود في الولايات المتحدة كاللوبي اليهودي قائلا: إن المواطنين الأفارقة السود في الولايات المتحدة يشكلون عددا كبيرا ، ولكن علي الرغم من ذلك لم تنجح إفريقيا كما نجح اليهود في عمل لوبي داخل الولايات المتحدة الأمريكية، وهذا مهم للغاية ؛ لأن أمريكا توظف مواطنيها من ذوي الأصول الإفريقية لصالح الأهداف الأمريكية، والقارة الأفريقية تحتاج إلى رهان كبير لاستثمار من ذلك النوع الوارد في السؤال؛ وهذا لم يحدث؛ بل على العكس فإن الولايات المتحدة الأمريكية تستخدم هؤلاء المواطنين في تكريس النفوذ والهيمنة الأمريكية. ويحضرني مثال عملي لهذا، كولن باول وكونداليزا رايس من أصول أفريقية، وقد قدما نماذج للعدوان والإهمال للقارة الأفريقية.
الرئيس أوباما كذلك من أصول أفريقية، وها هو يكافح من أجل البقاء في كرسية والاستمرار في السلطة، ولا يبدو مستقبله واعدًا بسبب الطبيعة شبه العنصرية للنظام السياسي الأمريكي والتي أبان عنها أوباما.
إيواء مصر لمتمردين إثيوبيين
يرد الدكتور فليفل علي تصريحات الرئيس الأثيوبي بإيواء مصر متمردين ، وأن هذه التصريحات جاءت مخالفة للثوابت المصرية من عدم التدخل في شئون الدول الأخرى، وقد أشار زيناوي إلى أن مصر تريد أن تعود بالتاريخ إلى القرن 19 في إشارة إلى توسع أسرة محمد على في القارة.
وفي الحقيقة أن المصريين عانوا كما عاني الآخرون من أسرة محمد على وبرغم كافة المساوئ التي قدموها إلى أن المصريين أفادوا تلك الدول في تجاوز حالة التأخر التي عاشتها باعتنبار أنها كانت تملك مقومات من التنمية لم تكون موجودة لديها.
والذي يعيش في القرن19 هي إثيوبيا، ففي ذلك الحين تضاعفت مساحتها ثلاث مرات على حساب جيرانها، عندما احتلت جزرأورومو وأوجادين الصومالية وأريتريا وهي إلى الآن لاتزال تعامل هذه الشعوب معاملة المواطنين من الدرجة الثانية.
ويري أن تصريحات زيناوي هي غير مناسبة سياسياً، وهي محاولة للهروب من المشكلات الداخلية، وباعتبار أديس أبابا هي ممثل الولايات المتحدة في المنطقة ولم تكافأها الأخيرة كما ينبغي على غزو الصومال مما أثقل كاهل الاقتصاد الأثيوبي.
أزمة حوض النيل
من أهم القضايا التي شغلت اهتمام الدكتور سيد فليفل هي أزمة حوض النيل ، فالدولة المركزية في مصر منذ أقدم العصور اهتمت بمتابعة النهر والبحث عن منابعه
ولعل هذا يفسر الرغبة الجارفة في تأمين مياه النيل طوال تاريخ مصر قبل ثورة 23 يوليو في الاستحواذ على البلاد المطلة على ضفتيه سواء قامت بذلك حكومات مصر الوطنية في العصر القديم أو أسرة محمد علي في مطلع القرن التاسع عشر أم الاستعمار البريطاني قرب نهايته.
بعد الثورة تبنى النظام الجديد في مصر نهجاً مغايراً يقوم على تأمين احتياجات مصر المائية داخل أراضيها وإنهاء فكرة الإستحواذ على الأرض.
جذور وأسباب أزمة حوض النيل
ويتناول الدكتور سيد فليفل جذور هذه المسألة الشائكة من جذورها وأسبابها ،فالمسألة أقدم من الأزمة الحالية ، وهناك دول مثل تنزانيا لها اعتراض علي معاهدة عام 1929 ، ومعاهدة 1959 ، بزعم أن هذه الاتفاقات وقعت وهذه الدول كانت تحت الاحتلال .
والحقيقة أن هذه الاتفاقات لم تكن اتفاقات خاصة بالمياه فقط ،وإنما هي اتفاقات شاملة تشمل ترسيم الحدود بين الدول وتشمل حصة هذه الدول في المياه ، فإذا كنا سنلغي تلك الاتفاقات فسيكون هذا الإلغاء شاملاً بما في ذلك ترسيم الحدود ، فالطعن في بعض المواد يعنى الطعن علي جميع المواد ، والقانون الدولي يؤكد علي الحقوق التاريخية والحقوق المكتسبة ، ويرتب حقوقا خاصة لدول المصب لتأثرها بالمشاريع التي تُقام في دول المنبع .
أسباب إثارة هذه المشكلة الآن
لما يتم إثارة هذه المشكلة الآن ..؟ وحول ذلك يقول الدكتور سيد فليفل :إن دول المنبع تعتبر أنها تقدم الماء ، وبالتالي فهي تتطلع إلي مصر لحل مشاكلها ، وكل هذه الدول تعاني من نقص في مصادر الطاقة ، وإمكاناتها محدودة في هذا المجال ، وإذا استطاعت مصر تقديم العون في هذا المجال ،فأعتقد أن جانبا كبيرا من المشكلة سوف يُحل .
ويشير إلي أن اتفاقية "عنتيبى" تسمح لإثيوبيا ببناء سدود على مجري النيل دون استئذان دول المصب، وذلك جاء نتيجة الإهمال وعدم الشعور بالمسئولية من قبل النظام السابق الذي سمح بوجود فجوة إستراتيجية بالدول الإفريقية استغلتها بعض الدول الأجنبية ومنها إسرائيل، مشيرا إلى ضرورة فتح صفحة جديدة من العلاقات مع دول حوض النيل في إطار برامج للتعاون الثلاثي أو الرباعي، يتم خلالها تنفيذ مشروعات للبنية الأساسية، والتنمية البشرية، وزراعة الأراضي بدول الحوض.
مخطط أمريكي:
ويدلل الدكتور سيد فليفل على ذلك بأن السد العالي يحتجز مياه النيل عند أسوان لتخزين المياه للسحب منها طوال العام، مؤكدًا أن هناك مشروعًا أمريكيًا قديمًا معلنًا عنه منذ خمسينيات القرن الماضي يستهدف بناء 33 سدًا في إثيوبيا، ولنا أن نتصور هذا الكم الكبير من السدود وقدرتها على تخزين كميات هائلة من المياه وبالتالي منع وصولها إلى مصر.
وكشف النقاب عن أن الدولة التي تسعي لبناء عشرات السدود علي نهر النيل خاصة في إثيوبيا بهدف تقليل كمية المياه الواصلة إلي مصر هي أمريكا وبتحريض إسرائيلي ،وسيزداد الخطر إذا تم بناء هذه السدود علي روافد نهر النيل من جهة المنابع وداخل إثيوبيا مشددا علي ضرورة منع أي تدخل أمريكي وإسرائيلي في إفريقيا حفاظا علي المصالح العربية والمصرية وحفاظا علي ميثاق السلم والأمن الإفريقي .
ولفت الانتباه إلي أن الوجود العسكري الإسرائيلي في إفريقيا يتمثل في طواقم المدربين العسكريين والاتفاقيات الأمنية والعسكرية وتصدير السلاح وأجهزة الاتصال والمراقبة التي تعطيها للدول الإفريقية إلي جانب أعمال التجسس والوجود العسكري الإسرائيلي في اريتريا والأخطر في المشهد كله هو العلاقات الإسرائيلية الإثيوبية الوثيقة والتي من شانها تهديد مصالح مصر .
عمل عسكرى ضد دول حوض النيل..
وفي الفترة الأخيرة أثير القيام بعمل عسكري لضرب سد النهضة الذي تقيمه أثيوبيا ، ويرد الدكتور سيد فليفل :أنه لا يمكن إطلاقاً الحديث عن عمل عسكرى إزاء أشقاء، ومصر لن تستخدم سلاحها ضد القارة الأفريقية، فتاريخها فى القارة كان دائماً فى نصرة حركات التحرروقدمت العديد من التضحيات من أجل القارة واستقلالها فلا يمكن ان يأتى اليوم الذى تتنكر فيه مصر لتاريخها ودورها الأفريقى، نحن نتحدث عن مفاوضات وبرامج تنمية وتعاون فى كافة المجالات والحديث عن العمل العسكرى هو حديث مغرض وجاهل.
خطوات حل الأزمة
يعطي لنا الدكتور سيد فليفل خطوات للتعامل مع هذه الأزمة ، وإنه:
أولاً: لابد أن تراجع مصر رؤيتها تجاه القارة الأفريقية ، فمصر ليست دولة عربية فقط ، وليست دولة متوسطية فقط ، وإنما هي دولة أفريقية ،كذلك يجب أن تعبر عن بُعدها الإفريقى من خلال سياستها ، وفى كافة المجالات.
ثانياً: لابد من إنشاء تجمع إقليمى قوى لدول حوض النيل يعمل فى إطار تكاملى لبناء وحدة النهر المائية وتأسيس برامج متبادلة فى الصناعة والزراعة والسياحة والقيام بدور فى تأهيل هذه الدول .
ثالثاً: لابد من عقد ورش خبراء فى الهندسة المائية والقانون الدولى مع الأفارقة لوضع الإطار القانونى وفقاً للالتزامات 1929و 1959،والتفاوض فى مسائل المياه يأخذ وقتاً طويلاً ،وعلينا أن نسترشد باتفاقيات الأنهار المشتركة مثل نهر "الدانوب" ونعرف ماذا صنعت هذه الدول .
لابد من تحرك وطنى شامل يربط بين مخطط التنمية الداخلى وتنمية حوض النيل، فمشروع ممر التنمية فى الصحراء الغربية ونقل السكان للوادى الجديد لابد من إنشاء طرق قارية تصل بين الأسكندرية ودارفور والخرطوم وتشاد وربطها ببقية طرق القارة،كذلك إقامة مشروعات الربط الكهربائى بين دول القارة لإمدادها بما تحتاجه من طاقة وضرورة تفعيل دور مراكز البحث العلمى فى القارة ودول حوض النيل وتبادل البحوث والطلاب والأساتذة وتفعيل الدور الثقافى للأزهر والكنيسة والفن وكافة المجالات.
سيناريوهات مقترحة
يطرح الدكتور سيد فليفل عددا من السيناريوهات المقترحة والمباشرة، وتتمثل في الدخول كشريك في مشروع سد النهضة -علماً بأن إثيوبيا لديها أزمة مالية فيما يتعلق بتمويل السد- وهو حل موجود في التاريخ القديم.
وتأكيد آثار ومخاطر بناء السد، ليس على مستوى التأثير في حصة مصر فقط، ولكن في امتداد آثاره إلى البيئة، وعلاقة ذلك بطبيعة التربة الإثيوبية، وقدرتها على الاحتفاظ بالمياه تحت ضغط كبير. ومن ثم، فإن احتمال انهيار السد جائز، مثل عدد من السدود القديمة، وبالتالي لا بد من تجسيد هذا الخطر أمام المفاوض الإثيوبي، والمواطن المصري، حتى يستجيب لمسألة الترشيد،والمحافظة على المشروعات الكهربية التي تطرحها ألمانيا والاتحاد الأوروبي. وفي هذه الحالة، سيكون هناك فائض كهرباء في إثيوبيا، مع العلم بأن مصر أكبر مستهلك للطاقة مستهدف من السد. وفي هذه الحالة، ستكون إثيوبيا مضطرة للتفاوض.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - تعديل عنوان الموضوع
عطا درغام ( 2017 / 4 / 14 - 14:19 )
أرجو تعديل كلمة (الإفريقية) في عنوان الموضوع بدلا من الٌإقريقية


2 - خطأ في العنوان
عطا درغام ( 2017 / 4 / 15 - 11:40 )
رجاء تصحيح كلمة الإفريقية بدلا من اللقريقية في العنوان

اخر الافلام

.. وزير الخارجية التركي: يجب على العالم أن يتحرك لمنح الفلسطيني


.. غارات إسرائيلية تستهدف بلدتي عيتا الشعب وكفر كلا جنوبي لبنان




.. بلومبيرغ: إسرائيل طلبت من الولايات المتحدة المزيد من القذائف


.. التفجير الذي استهدف قاعدة -كالسو- التابعة للحشد تسبب في تدمي




.. رجل يضرم النار في نفسه خارج قاعة محاكمة ترمب في نيويورك