الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


قيود أمّي-الفصل الخامس-1-

نادية خلوف
(Nadia Khaloof)

2017 / 4 / 15
الادب والفن


أحاول أن أكشف أعماقي، يرعبني ذلك الخوف العميق، وتلك العزلة التي أغرقتني بتغريبة لا أعرف متى بدأت. لا أعرف صديقي من عدوّي. أغوص في السذاجة، أصبحت ألمّعها ، أقدّمها مع القهوة لضيوفي الذين يأتون من أجل الحصول على بعض المكاسب منّي . أعرف هذا، وأقوم بإرضائهم أكثر من المطلوب.
أبحث عن الصّداقة، عن الحبّ، وعن الأنس، ولا يستجيب أحد. أرى أمامي الوحدة تنزوي، آخذ بيدها، أحضنها، تصبح جزءاً منّي.
في سيرتي الذاتية أشياء أتجاهلها. أشياء تعني جميع الكائنات. لا أهتمّ لها. رغبت كثيراً بإرضاء الجميع. أخذوا حاجتهم، وانصرفوا، وعندما اجتمعنا ثانية كي يحاسبوني. أعلنوا عليّ الحرب.
أرغب في الانتماء إلى مكان، وزمان، ومجموعة بشرية تعاملني على أنّني بشر، لا أجد ما أريد، أنسلخ عن كل الانتماءات، وأحفظ لغة الغرباء علّها تمنحني بعض الأمان. في الحقيقة لا أعرف لغتي الأمّ، ولا لغتي المحلّية. لم أعثر على شخص يدرّبني على أصول القراءة، والكتابة. تعلّمت كلّ شيء من تلقاء نفسي مرجّحة أن يكون هو الكلام السّليم.
. . .
الحمد لله أنّني وصلت إلى هذا المكان. أخشى أن أكون قد أخطأت. سوف أقرأ اليافطة ثانية: ابتسم أنت في الفردوس! هذا هو الفردوس. لم أكن أعتقد أنّه يقع هنا، كنت أسير إلى المجهول فإذ بي أتعثّر بالفردوس.
لا شيء يثير. يجب أنّ يكون الأمر أفضل بكثير. أرى بعض النّاس تتسّول. الأمر الجيد أن الشّرطة لا تمنعها.
-مرحبا عليا. كيف حالك؟ الحمد لله أنّك وصلت أخيراً خفت أن لا تصلي!

-أهلا أبا النّورين! متى أتيت إلى هنا؟
-منذ الفتوى الأخيرة التي قلت فيها أنّه يمكن للإنسان أن يعبد ربّه بطريقته، وفعل الخير هو بحد ذاته عبادة.
-الآن فهمت!
هل يوجد حافلة هنا يا أبا النّورين؟ أرغب أن أعرف الأماكن قبل أن أختار سكني. أين تسكن أنت؟
-أسكن هنا في المركز، قرب تلك القبّة السماوية. وزعت كثيراً من المال عندما كنت أعمل، لذا أخذت قسماً من صدقاتي، واشتريت بيتاً صغيراً هنا.
أمّا الحافلة، فتكلفتها باهظة إن كنت ستزورين كل الأماكن، ولن تقدري عليها.
-حتى في الفردوس!
كنت أحلم أن أقوم كلّ عام برحلة إلى منطقة ما كي أتعرف على بلادي، لكنّني لم أستطع بسبب التّكلفة. لا أعرف غير الطريق الذي يوصل إلى الفرن، والآخر الذي يوصل إلى المقبرة.
-لماذا كنت مغفلة يا هذه!
تقولين أنّك لم تري الدّنيا. في هذه الحال لا بدّ من عودتك إليها. أنت لا تحملين خطايا، ولا حسنات. على ماذا سوف تحاسبين؟ أنت مؤقتة هنا. لكن اعطني اسمك الثلاثي كي أكتب لك التماساً علّهم لا يعيدونك. سوف أتقاضى نصف الأجر فقط.
. . .
لن أعود إلى من أخذ منيّ حكاية عمري
لم أكن أنا يوماً
لم يكن في حياتي أمري
أتلطى بظلال الوهم
أقذف بالأيّام خلفي
أقرأ الكتب المقدّسة على نيّة الغد
أتركها. أمشي على عكاز
أرغب أن أستعجل الأيّام
يحاصرني الصّبر

يخطف أحلاماً لم أبدأ بها
يتوه قلبي بين أزقّة الظلم
أهتف للحياة
أراها تعانق ظلّي
ويستمر النّهار بألف ساعة
يضيق منه صدري
أعاتبني لقلّة حيلتي
أختبئ فيّ
أخشى أن ينكشف أمري.
ويرحل دون أن أراه غدي
. . .
أعرفهم. هؤلاء الرّجال يطاردونني منذ كنت في الحياة. أخاف أن يقبضوا عليّ.
سوف أختبئ في ظلّ دوالي العنب التي تجود بعصيرها على نهر الخمرة قربي.
داليتي " المجنونة" تلوّح لي. أحضنها نبكي معاً عشرتنا الطويلة.
-توقّعت أن تأتي. لم أقم دعوى ضدّك، لا زالت لمساتك تشعرني بالحبّ.
لماذا تركتني وحيدة يا عليا؟
-لم أتركك أيتها المجنونة. كنت سوف أغيب عنك بضع ليال، ثم أعود، أوكلت أمر رعايتك إليه. أنت لم تقبلي أن ترقصي في غيابي.
كنت سوف أعود بالتأكيد. لم أحسب الزمن، عندما بدأت أحسبه كنت قد غادرت، أنا التي سوف أعاتبك على قلّة صبرك.
-هل عدّت عندما حسبت الزّمن؟
-كنت عائدة ، ضعت، رأيتني هنا في الفردوس.
-عناقيدي الحمراء النّاضجة تذرف دمعها كلّ يوم في هذا النهر، يشرب منه هؤلاء الغرباء. لا أعرفهم. كان لنا جنة هناك. لا أحبّ العيش هنا. النّاس مختلفون. لا ينظرون إلى أوراقي. ولا إلى ارتجاف أغصاني عندما يأخذني الحنين إلى أماكن أخرى نجتمع فيها من جديد، أسمع صوت الأطفال. تغنين لي كلّ صبح، أشاركك الحياة. كم كانت الحياة قاسية هناك، لكنّك كنت دائماً تروضينها على الحبّ.
. . .
أسند ظهري إلى فراغ ، أرنو إلى الأفق البعيد، أسأل:
هل كانت الحياة مزحة؟
ماذا لو بدأت من جديد؟
البئر الذي نعيش فيه ليس له قرار، كلّما حاولنا الصّعود ننزلق إلى القاع. لم نعد نحلم بالصّعود. استعملنا قاع البئر ، أحببناه، أصبحنا نصفه بأجمل الأوصاف. صدّقنا ما نقول، وهذا أسوأ ما فعلناه. أتى الطّوفان ، وامتلأ البئر بالماء، وبدلاً من أن نطفو غصنا بعد أن امتلأنا.
لم أكن أعلم أنّنا نعيش في دائرة بئر، نصطدم ببعضنا لقلّة المساحة. لو استطعت أن أعيش على السّطح لغيّرت طريقة حياتي، وصنعت أماكن للمستقبل تخلّد أفكاري. أنظر إليها قبل الرّحيل، وأنا أغبط نفسي على العطاء.
لكنّني أعطيت الكثير.
-لا . لم تعطي. المعاناة، والصبر ليس عطاء. هو قهر ورثته عنك يا أمّي!
-تميم! أنت هنا؟
نعم. لو تكفّي عن تعذيبي، فطالما بكيت لأجلك. يمكنك أن تصنعي الفرح. تعالي نعود إلى مسرحنا هناك، وندع الألعاب تغنّي معنا.
-طبعاً يا تميم. أشعر بالسّعادة الآن. تعال اجلس في حضني.
تهت في الطّريق يا بنيّ. آسفة. كنت أبحث عنك.
لم أعد أهتم لأيّ أمر. عاد تميم.
تميم. أين أنت؟
أين تميم؟








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. في ذكرى رحيله الـ 20 ..الفنان محمود مرسي أحد العلامات البار


.. اعرف وصايا الفنانة بدرية طلبة لابنتها في ليلة زفافها




.. اجتماع «الصحافيين والتمثيليين» يوضح ضوابط تصوير الجنازات الع


.. الفيلم الوثائقي -طابا- - رحلة مصر لاستعادة الأرض




.. تعاون مثمر بين نقابة الصحفيين و الممثلين بشأن تنظيم العزاءا