الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


التعليم في تونس عنوان للفشل وطريق لليأس والانتكاس

الأسعد بنرحومة

2017 / 4 / 17
مواضيع وابحاث سياسية


لقد وصل مستوى التعليم في تونس الى حافة هاوية سحيقة لا ينفع معها الاستمرار في سياسة الترقيع ومنهج التضليل , ولم تعد تحتاج لأدلة لاثبات هذا الانحدار اذ يكفي العودة للأرقام المقدمة والمعلنة عن الجريمة وهجرة مقاعد الدراسة وانتشار المخدرات والبطالة وهجرة الأدمغة ... الى غير ذلك لادراك مدى سوء الواقع .
وقد عرف التعليم في تونس أزمة خطيرة ووضعا كارثيا على جميع المستويات ,وهو وضع يتجلى في صور مختلفة وأوضاعا متعددة سواء على مستوى البنية التحتية التي تمس المدارس والمعاهد والجامعات , أو ما كان يهم حالة التهميش المتعمد للاطار التربوي , أو على مستوى المنظومة التعليمية نفسها التي ما زالت تسير بالتلاميذ والطلبة نحو تدهور خطير حتى بات التعليم عندنا يعيش أوضاعا كارثية ولم يتعد نسبة 0,8نجاح في نتائج المنظمات الدولية. هذا علاوة على شعارات التضليل التي رفعتها الحكومة تحت اسم " المدرسة الجديدة " واصلاح التعليم والتي هي تنفيذ فعلي ومباشر لبرامج البنك الدولي والأمم المتّحدة والاتحاد الأوروبي ولا علاقة لها بواقع التعليم في البلاد...
وفي خضمّ الخلاف المفتعل بين وزير التربية ناجي جلول وزعيم نقابة التعليم الثانوي لسعد اليعقوبي تذكّرت البرنامج الحواري في احدى القنوات الفضائية المحلية لليلة27فيفري2015حضر فيه الشخصيتان السالف ذكرها حيث كشف الوزير عن عجز الدولة عن الايفاء بوعودها وصعوبة المرحلة التي تمر بها البلاد ,كما عبر عن رفض الحكومة لسياسة لي الذراع التي يتبعها الاتحاد والمؤسسات النقابية للحفاظ على "هيبة الدولة". أما ممثل النقابة لسعد اليعقوبي فقد اقتصر مطلبه فقط على التمسك بضرورة الزيادات في الأجور دون الخوض في تفنيد كلام الوزير ولا كشف خطورة الكثير من التضليل المقصود ,وهذا ما يندرج في سياسة الاتحاد التونسي للشغل المتواطئة دوما مع الحكومة من أجل البقاء في دوامة الصراع الوهمي بينهما لحفظ النظام وحماية الحكام.
وقد بين الوزير أن بحوزة وزارة التربية 480مليار وهي غير كافية لمعالجة البنية التحتية المهترئة للمؤسسات التعليمية ولزيادة الأجور في نفس الوقت.ولم يتطرق الطرفان لخطورة الاستمرار في معالجة الأمور من خلال التداين ورهن البلاد للمؤسسات المالية الاستعمارية سواء صندوق النقد والبنك الدوليين أو لغيرها, واقتصر الحديث عن كيفية التعامل مع المبلغ المذكور.
ان الأموال الطائلة التي تأخذها الدولة من المؤسسات المالية العالمية وضع البلاد فعليا تحت الاستعمار والنهب , وجعلت المديونية 58% من الناتج القومي يذهب لهذه المؤسسات , ومما زاد في سوء الأمر أن هذه الأموال تذهب في أغلبها لسداد كتلة الأجور وما بقي منها يعود لنفس البنوك الاستعمارية كأموال مهربة في حسابات سرية خاصة , ولا يساهم أي دولار في عملية خلق الثروة التي يروجون لها وهو ما جعل من البلاد مصدر تمويل دائم لصندوق النقد والبنك الدوليين عبر عملية سداد خدمة الدين السنوية ,وهذه المسألة قد فصلها كثيرا من الخبراء والمراقبين كالسيد ياسين اسماعيل والسيد الأسعد الذوادي وغيرهما...
ان ما صرح به وزير التربية "ناجي جلول"لا يعدو الا أن يكون مجموعة من المغالطات وعملية تضليل مقصودة للرأي العام ,اذ أن الدولة قادرة فعليا على الرفع من مستوى عيش الناس الى حده الأقصى ودون الاستمرار في سياسة الاقتراض ,وفي البلاد من الأموال ما يمكنها من ذلك بل وفيها ما يبني لسياسة صناعية متطورة تساهم فعليا في خلق الثروة وتنتشل طوابير العاطلين من البطالة .
أما ما تحدث عنه الوزير بخصوص عدم كفاية مبلغ480مليار لعملية الانقاذ في التعليم فهذا كلام غير صحيح ,بل هو يفي بالغرض وزيادة وذلك من ناحيتين:
*أولا:بمعدل 100ألف أستاذ,وبزيادة لكل واحد تقدرب200دينار ,يكون المجموع 20مليون دينار .أما فيما يخص البنية التحتية للمدارس وباحتساب 2000مدرسة تحتاج للتدخل السريع بمبلغ 50ألف دينار ,فان المبلغ الجملي لا يتجاوز 100مليون دينار , وباحتساب الكلفة الجملية يكون المبلغ لا يتجاوز 120مليون دينار , وأما الباقي وهو 360مليون دينار فهو يكفي للاستمرار في الزيادة الشهرية لكتلة الأجور عن 18شهرا آخر أي حتى موفى شهر أوت2016.
*ثانيا:أنه فعليا لا حاجة لهذا القرض أصلا ,اذ أن الدولة فرطت خلال عشرية واحدة لصالح الاتحاد الأوروبي باسم الامتيازات الجبائية ما يفوق عن20مليار دينار أي ما يعادل 80%تقريبا من ميزانية 2015المقدرة ب29مليار دينار,ومن خلال اعادة صياغة طريقة التعامل مع الاتحاد الأوروبي وحده سيتوفر لدى الدولة قرابةملياري دينار سنويا يمكن تحويلها لمشاريع تخلق الثروة حقيقة وليس كما يفعل هؤلاء الحكام من بيع الأوهام لشعوبهم.
ومن الحلول أيضا فانه يمكن الابقاء على مستوى كتلة الأجور الحالية دون زيادة , ولكن في مقابل ذلك على الحكومة أن تعيد النظر في المبالغ المالية المقتطعة من الأجور كضرائب ,وتتخلى عن الكثير منها ,فلا يعقل اقتطاع 200دينار شهريا تقريبا عن كل أستاذ في حين يكتفى بمبلغ قدره500دينار في السنة عن الطبيب أيقرابة20دينار شهريا.
ولا يعقل أن تتعذر الحكومة بالعجز وفقدان المال وفي حين هي تجد الأموال الطائلة من أجل الشركات الأجنبية المنتصبة في البلاد سواء فيما يتعلق بالامتيازات الجبائية وغيرها أو بتحمل تكاليف تهيئة البنية التحتية لها باسم تشجيع الاستثمار الأجنبي.
أما الحديث عن فقر الدولة وعجزها فهذا غير صحيح من ناحيتين:
*أولا ان الواقع والأرقام تكذب هذا الادعاء ,فالبلاد ودون ذكر ما تمتلكه من نفط وغاز ممنوع على وزير الطاقة نفسه أن يعرفه ,فان مناجم الملح والفسفاط المنتشرة في البلاد تكفي حاجة الدولة للمال وزيادة .ولكن للأسف هذه الثروات مازالت حتى الساعة تحت سلطة الغرب المستعمر وشركاته تنهبها وتستغلها استغلالا فضيعا كل يوم.فالفسفاط ينهبه الأمريكان تحت شركة "جاكوبس"الأمريكية ,وأما الملح فهو نهب للفرنسيين "كوتوزال" وللنرويجيين وشركائهم"سالينز".وأما الحديث عن نقص شديد في احتياطات البلاد من النفط والغاز فماذا تفعل أكثر من 50شركة موزعة بين أوروبا وأميركا وكندا في البلاد اذن؟؟
*ثانيا:النعلل بفقر الدولة هو نتيجة لفساد عميق في المنظومة الاقتصادية في النظام الرأسمالي الذي يعتبر أن المشكلة الاقتصادية تكمن في قلة الثروة ومحدوديتها أمام تجدد وتنوع الاحتياجات لمجموع الشعب وهو ما يعبر عنه بالندرة النسبية للسلع والخدمات.
كما يعود سبب فشل النظام الرأسمالي الى نظرته لمفهوم الفقر ,فالنظام الديمقراطي يرى أن الفقر هو فقر البلاد لثروة ,وان معالجة هذه المعضلة يكون دائما ببحث خلق الثروة وتكديسها وكيفية الاستزادة منها ,وهو ما يعبر عنه بزيادة الدخل الأهلي .وهو أي النظام الديمقراطي ووفقا لقانون الحرية عنهم ,لا يعنى بالتوزيع والتحقق من وصول الثروة لكل فرد بعينه في المجتمع ,بل ترك تلك المسألة برمتها لميكانيزما أخرى وهي "الثمن". ونتج عن هذه النظرة مشاكل جمة في كل البقع من العالم وأصبح الانتاج يعمل على اهدار مادة الثروة وتركزها في فئة صغيرة الحجم من حيث العدد من الناس.وما قيام الحروب والصراعات وحدوث الأزمات الاقتصادية المتتالية الا راجع لهذه النظرة الفاسدة.
فالمشكل أساسا لا يكمن في زيادة الثروة ولا يجب أن تنصب الجهود في هذا السياق , لأن المشكلة الحقيقية تكمن في كيفية وصول الثروة الى الجميع بحيث لا يحرم منها أحد , أي كيفية توزيع الثروة لتصل الى كل فرد بعينه في المجتمع على شكل يؤدي لاشباع جميع الحاجات الأساسية فردية كانت أو جماعية كالأكل والملبس والمسكن والصحة والأمن والتعلم, وأيضا الى ضمان اشباع الحاجات الكمالية على أرفع مستوى ممكن . واذا بحثت المشكلة الاقتصادية على هذا الأساس فان ذلك سيؤدي طبيعيا لبحث مسألة الثروة وايجادها وكيفية تطويرها والاستزادة منها.
وعلى ذلك:فالمشكل اليوم ليس غياب الأموال وقلة الثروة ,بل ان الاستمرار في ترويج مثل هذا الكلام ليس الا استمرار في التضليل المقصود للشعوب ,فالثروة موجودة وبموجودة بكثرة وهي تكفي للجميع من موظفين وأجراء وأصحاب حرف وصناع وعاطلين عن العمل وعاجزين وغيرهم.وثروة البلاد ينفقها هؤلاء الحكام على صندوق النقد والبنك الدوليين وعلى الشركات الاستعمارية الكبرى المنتشرة في البلاد كالأورام السرطانية .
ومؤسسة الاتحاد التونسي للشغل شريك أساسي مع هؤلاء الحكام في التفريط في ثروات البلاد سواء من خلال صمتهم على هذا النهب وتضليل منخرطيه عبر ايهامهم بحلول جزئية تعمق الأزمة ولا تعالجها ,أو من خلال مشاركته في عملية السماح للشركات الناهبة في البقاء والاستمرار في الاستغلال الفضيع والنهب الكارثي لهذه المقدرات عبر عقود واتفاقيات وقع التأسيس لها في الدستور ومن خلال ما يسمى ب"الحوار الوطني", وأخيرا امضاؤه على وثيقة قرطاج ودخوله مع الحكومة ومنظمة الأعراف في لجان مشتركة لبحث سبل تنفيذ املاءات صندوق النقد الدولي .
والاتحاد أيضا متواطئ تواطئا حقيقيا مع الحكومة في استمرار معاناة الناس وألمهم وبقاء الظلم المسلط عليهم من خلال الدخول في صفقات مشبوهة سواء مع السلطة أو مع أصحاب رؤوس الأموال ,وأما بعض ما يحققه من مطالب جزئية تتعلق بالزيادة في الأجور فهي مجرد مسرحية متعددة الأطراف تؤدي في النهاية الى استرجاع ما وقع اقراره من زيادات أضعافا عبر آلية الرفع من الأسعار والرفع من حجم الضرائب وتدهور الدينار.
ان المشكل اليوم بات واضحا لكل عاقل ,فهو أزمة حقيقية في منظومة كاملة تقوم على "فصل الدين عن الحياة"كعقيدة ,وعلى فلسفة"الحرية "وهذه النظرة التي أدت لمختلف الأزمات وفي جميع الميادين ,والتعليم واحد من هذه الميادين , وان الحل الجذري لا يكمن في مزيد من الترقيع لهذه المنظومة المهترئة , بل في ازالتها كليا وخلعها خلعا من المجتمع ,وايجاد بديلا آخر عوضا عن هذا الهراء يكون منبثقا عن عقيدة الناس .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. عقوبات أوروبية جديدة على إيران.. ما مدى فاعليتها؟| المسائية


.. اختيار أعضاء هيئة المحلفين الـ12 في محاكمة ترامب الجنائية في




.. قبل ساعات من هجوم أصفهان.. ماذا قال وزير خارجية إيران عن تصع


.. شد وجذب بين أميركا وإسرائيل بسبب ملف اجتياح رفح




.. معضلة #رفح وكيف ستخرج #إسرائيل منها؟ #وثائقيات_سكاي