الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الاستفتاء التركي : رغم التصويت بنعم تبخّرت أحلام -السلطان- الطيّب .

محمد نجيب وهيبي
(Ouhibi Med Najib)

2017 / 4 / 17
مواضيع وابحاث سياسية


الاستفتاء التركي : رغم التصويت بنعم تبخّرت أحلام "السلطان" الطيّب .
أعلنت النتائج شبه النهائية للاستفتاء التركي حول التعديلات الدستورية التي أقترحها الرئيس رجب طيب أردوغان و الداعية إلى تحول شكل الحكم في تركيا من برلماني إلى رئاسي-برلماني ، عبر توسيع صلاحيات الرئيس بإلغاء خطة رئيس الوزراء وحكومته البرلمانية وتحويل صلاحياته التنفيذية إلى سلطة رئيس الدولة المنتخب بشكل مباشر ، أعلنت عن فوز "نعم" للتعديلات الدستورية بنسبة تقارب 51.6 بالمائة بينما حصّل معسكر الرافضين على نسبة 48.4 بالمائة ، في انتخابات يغلب عليها طابع النزاهة رغم بعض الخروق والاحتجاجات عليها هنا وهناك ، ولكنها في كل الأحوال لم تمثل مفاجئة كبيرة من حيث نوايا التصويت على مشروع التعديلات الذي لا يمس حياة الأتراك بشكل مباشر كما لا يهدف إلى تغيير البنى الاجتماعية التركية بشكل جذري ، بقدر ما هو صراع سياسي حول توزيع مسؤوليات الحكم كما يراه مجموعة واسعة من الأتراك في المعسكرين ومجموعة واسعة من العناصر المتذبذبة .
إذا ما تناولنا التعديلات المعنية بالاستفتاء من الزاوية السياسية-الديمقراطية البحتة ، فيمكننا بكل بساطة معاينة إمكانية تحقيقها لمزيد من الاستقرار الحكومي للنظام التركي الذي عانى من هزّات كبيرة وارتباك لمّا تكون حكوماته البرلمانية/ الائتلافية ضعيفة ، كما يمكننا دون تحفّظ تثمين خطوة تقليص دور المحاكم والقضاء العسكري ( التوجه أكثر نحو أحكام السلطة المدنية على المؤسسّة العسكرية) ، في نفس الوقت الذي وبنفس القدر الذي تريبنا به مسألة محافظة رئيس الدولة المنتخب على انتمائه الحزبي الصريح في محاولة لتعويض تداخل الدولة مع المؤسسة العسكرية ب تداخل الدولة مع "الحزب الحاكم" ؟ وهو ما يمكن أن يؤسس "لعسكرة حزبية" في المستقبل ؟. فمن هذه الزاوية تظل التعديلات الناتجة مسألة عادية تندرج ضمن حزمة من الاستفتاءات التعديلية السابقة منذ 1988 إلى اليوم وما كان لها أن تثير كل هذا الجدل لولا الظروف التي جرت فيها .
تقدّم رجب طيّب أردوغان الذي تحصّل في الانتخابات الرئاسية على أكثر من 53 بالمائة من أصوات الناخبين الأتراك في رئاسية 2014 بمشروع التعديلات الدستورية ، الذي كان ركيزة أساسية في حملته الانتخابية ، للبرلمان التركي للمصادقة في بداية 2016 حيث تحصّل على 61 بالمائة من أصوات النواب ( 339 من أصل 550) رغم حيازة حزب العدالة والتنمية على 49 بالمائة فقط من أعضاء البرلمان ، بينما أعترض عليه 142 لينقصه 30 صوتا فقط لتمرير مشروع التعديلات ، وهو ما دفع إلى إعلان الاستفتاء الشعبي العام الذي نحن بصدده ، حيث رغم حدّة الاستقطاب والتجييش الانتخابي في الداخل والخارج والمساندة الرسمية والصريحة من "الحركة القومية" الحزب الثالث بـ 52 مقعدا في مجلس النواب ، للسيد "السلطان" أردوغان واستحضار رموز السلطنة القديمة والحديثة والتركيز على النزعة والعزّة القومية للأتراك ضد مؤامرات الغرب الأوروبي والحاجة الملحة الى الاستقرار السياسي والحكومي -خاصّة- لإنقاذ تركيا من مأزق الأوضاع الاقليمية المتفجّرة والخطيرة على كل الأصعدة وأهمّها مسألة حماية الحدود التركية من خطر الإرهاب والاختراق وربّما التقسيم ... الخ ، أتت نسبة التصويت بنعم ضعيفة وأقل من المتوقّع نسبيا بل أقل من نسبة فوز رئيس حزب العدالة والتنمية برئاسية 2014 ، كما ارتفعت نسبة التأييد والانتصار للمعارضة العلمانية بقيادة رسمية و صريحة ل"حزب الشعب الجمهوري" الذي لم يحصّل مرشّحه لرئاسية 2014 أكثر من 38 بالمائة من أصوات الناخبين ولا يمتلك سو 134 نائبا في البرلمان الى 48.4 بالمائة من نسبة المصوتين في الاستفتاء برفض التعديلات الدستورية "للسلطان" الطيّب الذي تراجعت شعبيته ومناطق نفوذه رغم ارتفاع نسبة التصويت عموما .
حيث صوتت المدن التركية الرئيسية المدينية والمدنية ضد مشروع التعديلات ، فخسر أردوغان المعركة في العاصمة أنقرة ب51 مقابل 49 بالمائة ، الى جانب أزمير 67 بالمائة من الأصوات ضد مشروع التعديلات و 33 فقط بـ "نعم" ، و اما أسطنبول العاصمة "السلطانية" التاريخة للامبراطورية العثمانية والتي صنع فيها السيد "الطيب أردوغان" بداية تاريخه السياسي بوصفه عمدة لها ، ثم مكنته من رئاسة الوزراء تمهيدا ليكون أول رئيس منتخب بشكل مباشر من الشعب في تاريخ تركيا الحديث ، فقد أدارت ظهرها لمشروع السلطان بنسبة تزيد قليلا عن 51 بالمائة ضد التعديلات مقابل أقل من 49 بالمائة معها .
لئن كان من الطبيعي أن تصوت المدن ذات الأغلبية الكردية والمدن الحدودية مع مناطق النزاع ( الحدود العراقية والسورية تحديدا) بأريحية ضد خيار أردوغان لعوامل تاريخية ، قومية ، واجتماعية ...الى ترى في مشروعه القومي وخيارات حزبه السياسية والاجتماعية معادية لها ، الّا أن الصفعة التي تلقاها "السّلطان" الطيّب والتي يمكن ان تتبخّر معها أحلامه في استعادة مجد "الامبراطورية " المنهارة ، جاءت حاجزمة حاسمة من أكبر المدن التركية حجما ، وتعدادا ومساهمة في الاقتصاد الوطني التركي ، انتاجا وتصديرا وهي "اسطنبول" ذات الأغلبية المسلمة السنيّة التي أطلقت "السلطان" في مساره الذي جعل منه رئيسا لتركيا . تقوم العلاقات الاقتصادية في اسطنبول على قطاعات الصناعة و الصناعة التصديرية بدرجة أولى بما يعنيه ذلك من تطوّر قطاع الخدمات والخدمات الادارية بشكل خاص وتشابك العلاقات بين أصحاب المصالح المالية وأصحاب النفوذ السياسي ... الخ الذين عبّروا صراحة في هذا الاستفتاء عن رفضهم لتقديم الدعم السياسي لرجب طيّب أردوغان في مغامرته لاحتكار السلطة السياسية ، يأتي هذا الرفض لسببين أساسيين أهمّهما تطوّر العلاقات "المدينية" ، المواطنية طيلة تاريخ أسطنبول الطويل الذي خلق طبقة واسعة من البرجوازية الصغيرة المتمدّنة المنتمية لمصالحها وللانفتاح خارج الخطاب القومي والديني المفرط في الشوفينية ، إلى جانب طبقة عاملة متعلّمة تعي أنّها تفاقم مشاكلها الاقتصادية والاجتماعية في السنوات الأخيرة كانت نتيجة مباشرة للسياسات المغامراتية لحزب العدالة والتنمية ورئيسه ، وامّا السبب الرئيسي الثاني فيتمثّل في خوف شبكات النفوذ والمال في تركيا عموما واسطنبول بشكل خاص من نتائج تفرّد "السلطان" الطيّب بمقدّرات السلطة التنفيذية بعدا معاينتهم لشراسة ردّة فعل أجهزته التنفيذية ،القانونية والايديولوجية ...الخ بعيد فشل محاولة الانقلاب العسكري في جويلية الفارط ، فلئن مكّنت محاولة الانقلاب أردوغان وحزبه من لملمة ما ارتخى منهم قبيل وبعيد رئاسية 2014 ، وشحذ همم المتذبذبين ... الخ الا أنّ شراسة ملاحقة أجهزته للمتهمين بمحاولة الانقلاب وآخرون من موظّفي الدولة ، واعلاميين واساتذة وقضاة ...الخ بلغ عددهم وفق بعض المصادر 100 ألف مقال من مهنته و40 ألف موقوف ، دفعت شرائح واسعة من الشعب التركي خاصّة في المناطق التي لها ارتباطات زثيقة بالبرجوازية الصغيرة إلى رفع الانذار في وجه المشروع السلطوي "للسّلطان الطيب" ، فكانت نتائج التصويت مخيّبة لآماله في ، أنقرة العاصمة السياسية ، واسطنبول العاصمة التاريخيّة ، وأزمير ثالث المدن التركية حيث أهم ميناء تركي للمبادلات التجارية .
ان انكسار مشروع التعديلات في أهم المدن التركية المذكورة إلى جانب الفارق البسيط في التصويت العام لصالح "نعم" ، يجعل من حلم استعادة أمجاد الإمبراطورية ة السلطنة بعيدا وصعبا بالنسبة للسيد "الطيب" إن لم نقل قد تبخّر حيث لم يحظى سوى بإسناد محتشم من المدن الريفية وشرائح واسعة من الفلاحين الأقل تعليما والأقل تأثرّا بالواقع الاجتماعي والسياسي المتأزم في تركيا .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. من هي نعمت شفيق؟ ولماذا اتهمت بتأجيج الأوضاع في الجامعات الأ


.. لماذا تحارب الدول التطبيق الأكثر فرفشة وشبابًا؟ | ببساطة مع




.. سهرات ومعارض ثقافية.. المدينة القديمة في طرابلس الليبية تعود


.. لبنان وإسرائيل.. نقطة اللاعودة؟ | #الظهيرة




.. الجيش الإسرائيلي يعلن استهداف بنى تحتية لحزب الله جنوبي لبنا