الحوار المتمدن
- موبايل
الموقع
الرئيسي
مّن فجّر الكنيسة قبل أن أجدل السعف؟
فاطمة ناعوت
2017 / 4 / 17العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
====================
الأحد الماضي، أهدوني عيدانَ سعفٍ بكرٍ من نخيل أخضرَ، وورودًا بيضاءَ من حدائق قلوبهم، تكفيي لأُشيّد مدينةً وارفةً من المحبة. ثم كسوا أرضَ مصرَ بدمائهم البريئة وهم ناظرون إلى السماء يُصلّون. واليوم يحتفلون بعيد القيامة المجيد، بعد أسبوع الآلام الذي علّمنا فيه أقباطُ مصر، كيف يزدادون تحضرًا وسُموًّا، ومحبة، وغفرانًا.
حدث أن غادرتُ القاهرة إلى دولة الإمارات قبل أسبوعين. فتزامن وجودي هناك مع أحد السَّعف، أو "عيد الزَّعف" كما كنّا نسميه حين كنّا صغارًا نجدل عيدانَه معًا في مدارسنا، مسلمين ومسيحيين، لا تُفرّق بيننا عقائدُ؛ وتجمعنا مصرُ في قلبِها على رباط المحبة الأبديّ. يحمل لي هذا العيدُ ذكريات طفولية طيبة، شأني شأن كل المصريين من جيلي ومن الأجيال السابقة، وربما اللاحقة.
عشيةَ العيد، الأسبوع الماضي، كنتُ قد تأخرتُ في الحصول على شيء من سعف النخيل، لأجدل بعض الأشكال الجميلة التي أُهديها إلى أطفالي وأصدقائي وأُزيّن بها جدران بيتي، كما تعوّدتُ منذ طفولتي وحتى هذا العام. لم أخلف عهدي مع السعف عامًا، ولا أخلف السعفُ عهدَه معي في أي عام.
عصر السبت قبل الماضي، اتصلتُ بالأستاذ رأفت إسكندر، سفير النوايا الحسنة بالأمم المتحدة، صديقي المصري المقيم بالإمارات، وطلبتُ منه بعضَ عيدان السعف من أجل الغد. فقال لي: “انسي... السعف كله خلص من إمبارح!” كانت الساعة تقترب من الخامسة عصرًا، ومضى بائعو السعف إلى بيوتهم، بعدما نفدت بضاعتُهم. ولما لمح الحزن في صوتي، أخذني في سيارته وأسرع إلى كاتدرائية الأنبا أنطونيوس للأقباط الأرثوذكس، بمدينة أبو ظبي، وهي كنيستنا المصرية بدولة الإمارات، في محاولة يائسة للحصول على سعفة أو اثنتين. وهناك التقينا بأشقائنا المصريين الذين فرحوا بوجودي، وبهم شعرتُ أنني في مصر. ومن حقيبة كل منهم، كانت تُطلُّ باقاتٌ من عيدان السعف، يُخبئها عن العيون، حتى يختلي إلى نفسه فيجدل لأسرته ولأصدقائه تمائم خيرٍ للعام الجديد. كانوا كرماءَ حين عرفوا سؤالي. فتبرّع كلٌّ منهم بحزمة، حتى صار لديّ ما يكفي لبناء مدينة خضراء من المحبة. ثم أهداني السفير رأفت وردةً بيضاء مضفورة في جريدة سعف، لأُكمل مدينتي.
فرحتُ بكنزي الوفير، الذي فاق ما تمنيت. فحملتُه جرّتي ووقفتُ عند ساحةٍ مظلّلة، يلتقي عند جناحيها مسجدٌ وكنيسة، حيث يقفُ المسلمون والمسيحيون يتصافحون ويتمنى بعضهم لبعض فيضًا من رضوان الله وبركته. أبهجني المشهدُ، فالتقطتُ بعض الصور. وانتظرتُ حتى أشرق يوم الأحد لأكتب على صفحتي هذا البوست:
"هنا الإمارات في أحد السعف. دي الكاتدرائية المصرية في أبو ظبي، يجاورها مسجد الشيخ محمد بن زايد آل نهيان. الجميع بيتقابلوا يسلموا على بعض ويبتسموا لبعض ويهدوا بعض ورود، وبعدين يدخلوا يصلوا كل واحد في دار عبادته. ولما يخرجوا يسلموا على بعض تاني ويبتسموا لبعض تاني ويروّحوا وهما مبسوطين وفرحانين. مسجدٌ ليس عليه حراسة. كنيسة ليس عليها حراسة. في هذا البلد الجميل، عباد الله يعبدون الله، كلٌّ وفق معتقده دون أن يخاف بعضُهم البعضَ، أو يُخيف بعضُهم البعضَ، أو يبغض بعضُهم البعضَ. الكلُّ يحب الكلَّ، والكلُّ يأمن الكلَّ، لأن الجميعَ يحبون الَله فيحبون خلقَ الله. لا حراسة على أي دار عبادة هنا، حتى المعبد الهندوسي والمعبد البوذي بلا حراسة، لأنه لا تهديد ثمة. فكل إنسانٍ حرٌّ ويحترم حرية الآخر. هنا بالإمارات مجتمعٌ صحي. مجتمعٌ طبيعي. وتلك الأمور عادية. غير العادي هو وجود فرد أمن مسلح يحمي دار عبادة! يحميها ممَ؟! لماذا هي مهددة أصلا؟! معلش .... بكرا أجمل بإذن الله يا مصر.” ثم أنهيتُ كلامي بأمنية تقول: "كل سنة وأنتم طيبين وأحد سعف جميل عليكم وعلى مصر الحلوة.”
لم أكن أدري أن ذلك الأحد لن يكون جميلا على مصر. ولم أكن أدري أنني لن أجدل السعف لأول مرة في حياتي. بعد نشر البوست بدقائق بدأت الأخبار الكابية تتقاطر فوق رأسي تقاطرَ صخور جبل يتصدّع فوق غصن نحيل. شهداءٌ مسيحيون جددٌ، كانوا قبل برهةٍ أحياءً يصلّون لربّهم آمنين في كنائسهم. صائمون ينتظرون عيدهم، الذي يحلُّ اليومَ، وقد أشرق على وجوههم وهم في رحاب الله ورحمته. مادت بي الأرضُ وعشت يومين من أعسر ما مرّ بحياتي. ولم أستردّ أنفاسي إلا بعدما كتبتُ "إقرار الذمّة" الذي قرأتموه على صفحتي الأحد الماضي، وأهديته إلى أقباط مصر الذين قال فيهم القرآن: “وقَفَّيْنا بِعِيسَى ابنِ مريمَ وَآتَيْنَاه الإنجيل وجعلْنَا في قلوبِ الذين اتَّبَعُوه رأفةً ورحمة.” من أين يأتون بكل تلك الرأفة والرحمة والمغفرة لمن أساء؟! هي من عند الله.
اللهم لا تؤاخذنا بما فعل ويفعلُ السفهاءُ منّا في حقّ أقباط مصر. اللهم افصل بيننا وبين لصوص الفرح الذين يُحولون أعيادنا جنائزَ ومراسم عزاء، الذين خضّبوا السعفَ الأخضر بقطرات الدم البريء.
|
التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي
التعليقات
1 - سيبك من الكنيسة متى تبدتي تمثيلية تنصرك
عايد عواد
(
2017 / 4 / 17 - 16:38
)
واعتناقك النصرانية
عندي مصدر ثقة يقول قريب
.. إجراءات أمنية مشددة في محيط البلدة القديمة وعند أبواب المسجد
.. مسلسل الحشاشين الحلقة 18.. سوزان نجم الدين تأمر بقتل إحدى حو
.. مشاهد لاقتحام مستوطنين باحات المسجد الأقصى تحت حماية قوات ال
.. صحيفة هآرتس: صفعة من المستشارة القضائية لنتنياهو بشأن قانون
.. عالم الجن والسحر بين الحقيقة والكذب وعالم أزهري يوضح اذا ك