الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الشاعر والناقد إبراهيم عوبديا

نبيل عبد الأمير الربيعي
كاتب. وباحث

(Nabeel Abd Al- Ameer Alrubaiy)

2017 / 4 / 18
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات


الشاعر والناقد إبراهيم عوبديا
نبيل عبد الأمير الربيعي
ولد الشاعر العراقي اليهودي إبراهيم عوبديا في بغداد سنة 1924م, ثم انتقل مع عائلته إلى البصرة وتحديدا منطقة العشار محلة البريهة للسكن، ثم عاد مجددا إلى بغداد، وكان والده تاجر أخشاب مستوردة لصنع البناء والأثاث في البصرة.
التحق الشاعر إبراهيم عوبديا في صفوف اليسار العراقي، وعرف عنه مناضلاً وطنياً صلباً سواء في مسيرات الاحتجاج التي كانت تعج بها بغداد في ذلك الوقت، أو في المنافي التي فرضت عليه، أو في أشعاره التي كانت تغني لمسيرات الرافضين وعشاق الحرية, كان عوبديا شاعراً وحالماً وإنساناً كبيراً، وفي واحدة من قصائده المدهشة خلال هروبه إلى طهران سنة 1949م قال :

أيدت أحرار العراق مناصــــــــرا
وسرت بركب الوعي والنهضة الهادي
هناك ملايين تكدّ جياعـــــــــــــها
وتكد مرضــــــــــــــــاها لخدمة أفراد
ما فرق الجلاد بين مـــــــــــــسلم
وبين سواه من يهـــــــــــــــود وأكراد.

وفي مقدمة ديوانه (صيحة من عراق العهد البائد) الصادر عام 1951م الذي كتب قصائده في العراق بين السنوات 1947 ـ 1951، يقول : في عام 1948 غادرت العراق، وحللت في طهران، ومكثت فيها حتى أواخر العام 1949م وهناك كتبت مجموعة شعرية نشرتها بعد عودتي إلى العراق باسم (زهرة في خريف), وفي العراق فوجئت بالتغيير الذي طرأ على الحكم في البلاد، فقد اجتاحت العراق عاصفة من التمييز الطائفي والتعصب القومي. كانت تلك عاصفة عاتية هوجاء أثارها سماسرة السياسة من صنائع وأذناب الاستعمار لإلهاء الشعب العراقي ولصرفه عن سياسة حكومته في الصعيدين الداخلي والخارجي. ومن بين هؤلاء نفر من بعض أصحاب الصحف ومحرريها من الذين كانوا يتقاضون مخصصات سرية أو رواتب شهرية تصرف لهم من خزينة الدولة...
ثم يقول : إني كمواطن عراقي ولدت في بغداد تحت ظلال الحكم العراقي وترعرعت في ربوع بلاد الرافدين وأقمت أسرة، لم أستطع أن أتعامى عما يجري من حولي من ظلم واضطهاد وغطرسة... وقد حذرني أحد المقربين لرجال الحكم من التمادي في مهاجمة سياسة الحكومة في أي شكل كان والسبب لم يكن خافيا علي... كان من الجنون أن انشر أية قصيدة أو مقالة تمس بسياسة الحكومة أو تنتقد تصرفاتها، لكني تجاهلت كل ما يحدق بيَّ من أخطار...).
وتحدياً نشر إبراهيم قصيدته الشهيرة التحريضية التي نشرت في ديوانه (زهرة في خريف) عام 1950 :
ضاق بالصمت فانفـــــــــــــــــــــــجر
أي شيء يروعه وهو في موطن الخطر.

يقول عوبديا عن تلك المرحلة, وهي محاولة اعتقاله :
(في اليوم الذي فتش فيه رجال الشرطة دارنا بغية اعتقالي كنت في الطريق إلى طهران. وعليَّ أن أذكر أني مدين بحريتي آنذاك، لأحد الإخوة المواطنين الذي كان ذا صلة وثيقة بضابط شرطة التحقيقات. وعن طريقه علمت أن أمرا صدر للقبض علي. فقررت الفرار وليس السجن..)
خلال مرور عوبديا، هارباً، بخسروي كتب هذه القصيدة التي تعكس الحالة النفسية لتلك المرحلة الصعبة :
أني انسللت إلى " الحدود" مع الدجى
هربا كأني كنــــــــــــــت جاسوسا
ومضيت في جنح الظلام، كــــــأنني
في كل شبر كنـــــت محروسا
لكن دمعي قد جرى حولي ، لما رأت
عينايَ من حـــــــــــولي المتاريسا
فذكرت بغداد التــــــــــــــــي فارقتها
والقمع والإرهاب والبـــــــــــؤسا
والساسة العمـــــــــــــــــــلاء والدس
المبيت والصــــــنائع والجواسيسا
ومساوئ الحـــــــــكم التي جعلت من
الأذناب أســــــــــــــيادا غطاريسا
ومجالسا عرفية أحـــــــــــــــــــكامها
ضرب" العراق" بــــــها المقاييسا
فالعدل قد سحقوه تحـــــــــــت نعالهم
أو بات في الأوحال مطــــــــموسا
والشعب ـ أين الشعب؟ ـ والطغيان قد
شل الضمائر والأحاســـــــــــــيسا
هل أسكتوه أم أنه لزم الســـــــــكوت
وألجموا أحـــــــــــــــراره الشوسا

وهذه قصيدة أخرى من قصائد إبراهيم وهو في الطريق إلى المنفى عبر خسروي :

من يدري، من سيــــــــــــــكون غدا
في هذا الـــــــــــــــــــــــــــــدرب رفيقي
وأنا أتلمــــــــــــــــــــــــس كالأعمى
في جوف اللـــــــــــــــــــــــــــيل طريقي
ودليلي الليل بوحــــــــــــــــــــــــشته
وجنون اليـــــــــــــــــــــــــــأس صديقي
أخشى أن اصرخ، أخـــــــــــــــــشى
أن أتساءل أيــــــــــــــــــــــــــن طريقي

وفي بغداد كتب سنة 1951م كتب الشاعر إبراهيم عوبديا هذه الأبيات :
تاريخ بغداد" الســــــــــــــعيد" ملطخ
بالقمع والإرهـــــــــــــــــــاب والطغيان
هم لطخوه ببغيهم، حـــــــــــتى غدت
"دار السلام" مديــــــــــــــــــنة الأحزان
فكأنها زنزانة، صــــــــــــــلبوا على
قضبانها حريـــــــــــــــــــــــة الإنسان
من ذا يمثل شعبها في مـــــــــــجلس
النواب أو في مــــــــــــــجلس الأعيان
ودمى يضم المجلــــــــــــسان، كأنها
صور مجســــــــــــــــدة على الحيطان
رفع الأيادي لا النـــــــــــقاش سبيلها
فكأنها ولدت بغــــــــــــــــــــير لسان
ولرب شــــــــــهم بين هاتيك الدمى
حي الضمير مواطـــــــــــــن إنساني
شجب السكوت، وعندما قد حاولوا
ارشاءه قد ثار كالــــــــــــــــــــبركان
ورمى بكرسي النيــــــــــابة زاهدا
بالجاه بالكرســــــــــــــي بالسلطان
ويعيش مغضوبا علــــــــيه بمكتب
أو متجر في الســـــــــــــوق أو دكان

وفي سنة 1947م بعد توقيع معاهدة بورتسموت بين رئيس الوزراء العراقي صالح جبر والحكومة البريطانية خرجت مظاهرات صاخبة مرت فوق جسر بغداد فتصدت لها الشرطة وسقط عدد من الشهداء من بينهم جعفر الجواهري شقيق الشاعر محمد مهدي الجواهري الذي رثاه بقصيدة شهيرة لكن إبراهيم عوبديا كان صوته في انتفاضة الجسر مدويا عاصفا ثائرا ومن النقاد من يرى عن صواب لو أن النقد الأدبي نظر إلى الشعر بصرف النظر عن الخلفية الدينية للشاعر، لكانت قصيدة عوبديا أجمل وأعذب من قصيدة الجواهري في حق جعفر.

كتب إبراهيم عوبديا :

الجسر يصخب بالهــــــــــــــتاف
وبالصراخ وبالـــــــــــــــــــــصياح
وكتيبة تــــــــــــــــــــــــــعدو من
الحرس المدجـــــــــــــــــج بالسلاح
ومكبرات الصــــــــــــــــوت تنقل
صوت بــــــــــــــــــــــــغداد الكفاح
ويسود صمت حـــــــــــــين ينطق
الرصــــــــــــــــــاص على الرعايا
وهناك فوق الجـــــــــــــسر صاح
مناضــــــــــــــــــــــل بين الضحايا
نادى بأعلى صــــــــــــــــــــــوته
يا قوم إن ســــــــــــــــــــــالت دمايا
فلقد نذرت دمي لــــــــــــــــصون
كرامتي بــــــــــــــــــــــــــين البرايا
ولتربة من أجـــــــــــــــــــــــــلها
صغرت بعيــــــــــــــــــــني المنايا
أنا لن أموت وفـــــــــــــــــي دمي
من كل مكرمـــــــــــــــــــــــــة بقايا
أنا لن أموت وأخــــــــــــــــــــوتي
الأحرار في هـــــــــــــــــذي السرايا

إبراهيم عوبديا الشاعر الذي نذر حياته لوطنه العراق ولخدمة الأدب واللغة العربية, يقول البروفسور سامي موريه أستاذ اللغة العربية بالجامعة العبرية في مقدمة كتاب عوبديا (في ميدان الأدب العربي . أدباء وشعراء) ص10 : وهو يتمتع بشخصية العراقي الأصيل, فخور بها ولم يترك لهجته العراقية إلى اللهجة الفلسطينية أو المصرية كما يحلو للبعض, فبالإضافة إلى حبه للهجتين العراقيتين اليهودية (وهي لهجة العراقيين في العصر العباسي) واللهجة الإسلامية المتأثرة والمندمجة باللهجة البدوية, فهو ينظم العشرات من الأغاني باللهجة العامية الإسلامية... وصدرت في كتابه (أغنيات عراقية). وحين نقول أنه عراقي أصيل نعني أنه ككل عراقي يتحلى بالجود والكرم وبيته مفتوح على مصراعيه لضيوفه وأصدقائه, لطيف المعشر يرحب بأصدقائه وضيوفه بأجمل كلمات المودة والصداقة, رحل عوبديا عن الحياة وهو كلهُ امل في زيارة مسقط رأسه بغداد.
صدر للشاعر والناقد إبراهيم عوبديا:
1- خفقات قلب.. شعر/ نقد. مطبعة الرشيد. بغداد 1945م.
2- وابل وطل.. شعر/ نقد. مطبعة الرشيد. بغداد 1946م.
3- في سكون الليل.. شعر/ نقد. مطبعة الاعتماد بمصر سنة 1947م.
4- وابل وطل وخفقات قلب.. شعر/ نقد. مطبعة العالم العربي. دار التوزيع والطباعة والنشر/ القاهرة 1949م.
5- زهرة في خريف.. شعر/ نقد. مطبعة الرشيد. بغداد 1950م.
6- أخي – ستشرق الشمس.. شعر/ نقد. مطبعة الحكيم. الناصرة يناير 1977م.
7- امرأة في شعري.. شعر/ نقد. مطبعة الحكيم. الناصرة 1980م.
8- صيحة من عراق العهد البائد.. شعر. مطبعة دار المشرق للطباعة والنشر. شفاعمرو 1990م.
9- الظمأ الحائر.. شعر. دار المشرق للطباعة والنشر. شفاعمرو 1990م.
10- أنيات عراقية.. مجموعة من الأغنيات من لون الغناء الشعبي العراقي الحديث. مطبعة دار المشرق للطباعة والنشر. شفاعمرو 1994م.
11- ورود شائكة.. شعر. مطبعة دار المشرق للطباعة والنشر. شفاعمرو 1998م.
12- في دنيا المقامات والغناء العراقي.. مطبعة دار المشرق للطباعة والنشر. شفاعمرو 1999م.
13- في ميدان الأدب العربي.. أدباء وشعراء. مطبعة دار المشرق للطباعة والنشر. شفاعمرو 1999م.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الأرمن في لبنان يحافظون على تراثهم وتاريخهم ولغتهم


.. انزعاج أميركي من -مقابر جماعية- في غزة..




.. أوكرانيا تستقبل أول دفعة من المساعدات العسكرية الأميركية


.. انتقادات واسعة ضد رئيسة جامعة كولومبيا نعمت شفيق لاستدعائها




.. -أحارب بريشتي-.. جدارية على ركام مبنى مدمر في غزة