الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


لجنة الافتحاص

محمد البوزيدي

2017 / 4 / 18
كتابات ساخرة


عتبات الزمن الهارب
لجنة الافتحاص

1
تزينت المدينة، واستجمعت قواها لتستقبل اللجنة المعلومة ...
أسبوع بالتمام والكمال من الاستعداد الخاص للجميع لاحتضان لجنة قيل عنها ماقيل وحبك حولها الصحيح والوهم والخارق ....
لم يبق فعلا إلا أن يسحب المخرج الستار لتبدأ المسرحية التي ستكون اللجنة المتفرج والحكم في نفس الوقت في مسرح هواة التعليم .
الكثير لا ينام قبل أسبوع إلا على كلام اللجنة حتى أصبحت الحروف ملازمة لحرقة من نوع خاص
ل لااا لا لا لا ومالداعي إليها
ج جنون على محاسبة غير منتظرة
ن ناري ناري هاهي قادمة
ة ترهات السراب
هكذا استعد كل من موقعه من الكبير إلى صغير الصغار .
2
وقبل ذلك كانت استديوهات التحاليل المنتشرة على الهواء تفسر للجميع طبيعتها .
فمن قائل أنها من المجلس الأعلى للحسابات فمادخل هذا المجلس في أمور وزارة تتوفر على لجان جهوية للافتحاص .
وإذا تمت إحالة مراسلات عليها، فماشأنها بالتربوي ؟
ومالداعي اليها؟ وقد مرت لجان وأقيل العديدون من جراء أبحاثها .
آخرون قالوا أنها لجنة للتقصي والافتحاص الروتيني الذي يكون بشكل دوري، وأن عملها عادي وقد أعطيت له هالات تجاوزت وزنها المعهود .
والآخرون قالوا أنها عابرة عبور الشمس ، وأن الأمر مرتبط بتعويضات تبرر حضورها
الآخرون قاولا أنها مبعوثة لمهمات خاصة لاي علم شأنها إلا أصحاب الحال والمحال..

وبين االأثر والخبر ضاعت الحقيقة .
3
ومن أجل اليوم المشهود الذي سيظهر فيه أعضاء اللجنة كما ظهر أرمسترونج في القمر، الكل ينتظر اللحظة مشرئبا بعنقه من النوافذ ومن الأبواب ومن الهواتف التي لا تكف عن الرنين بفراغ الفراغ ...
• البعض شرع في سؤال من سبقت إليه ؟ والسابق يبلغون اللاحق.
• البعض شرع في محو آثار أشياء وما أكثرها، وتوقعات بأسئلة ما .
• البعض انخرط ليلا في النقابة ونشر أحد بياناتها دلالة على الانضمام احتياطا من أقدار زائفة...
• البعض ارتجف كثيرا وعاد للصواب باستدعاء من يهيئ الملفات .
• البعض جمع كل السيناريوهات وبدأ بتقمص كل الشخصيات واستدعاء فريقه الخاص .
البعض عقد اجتماعا خاصا لكل الأطر ،وبعد تقديم الشاي وحلويات أصر على إحضارها من المنزل ...وفي غمرة اشنغال الأفواه بالتهام ما لذ وطاب..
قال أحدهم لأحد أصدقائه :صديقي مادام أن الطعام حضر اليوم، فالأمر فيه ليس فقط إن بل فيه إن وأخواتها والاشتراك في الطعام دليل على ...
اعتدل المسؤول قائلا : لقد اتصلوا بي من فوق ......
همهم الصديق الذي التحق كأستاذ متعاقد لرفيقه: من هم الذين هم الفوق ومن هم التحت ؟
انتبه المدير للتلميحات والهمهمات، فوصلته الرسالة جيدا، لكنه تجاهلها بصرامة قسمات وجهه قائلا : طلبوا منا أن نكون على أتم استعداد لزيارة لجنة خاصة للمؤسسة ويجب أن نكون على أعلى مستوى، لذلك رجاء أن نعطي صورة متميزة ،يجب احترام التوقيت يجب الالتزام بالتوجيهات التربوية يجب على الأعوان يجب على.... يجب ..واش فهمتوني ..
من كثرة ال *يجب*، والفهم المرتبط بخطاب بن علي ، تعمد نقابي الرد على مكالمة هاتفية ليخرج من أجل مواصلة ضحكه في الخارج خشية إحراج المدير الذي يرتدي بالصدفة بذلة مشابهة لبن علي يوم إلقاء خطابه المعلوم..
لم تكن هناك تدخلات في الاجتماع، بل فقط ركام أوراق لتوقيعها هي عبارة عن محاضر اجتماعات بتواريخ قديمة تتضمن العديد من القرارات التي تم التنصيص فيها أنها نوقشت بكل جدية ومسؤولية وتم الاتفاق فيها على ما تم تقريره كما ذيل فيه ...
لم يرتح المناضل النقابي إلا لقول أحد الأعوان بتهكم جريء وسط الأساتذة الذين مازالوا مذهولين لمخرجات الاجتماع :أنا هنا، سواء حضرت اللجنة أم غابت ،فإن حضرت سأبقى عونا كما كنت ،وإن غابت فأنا هنا عون.... لا خوف على منصبي...
4
وهكذا وبعد أيام من الخمول ،انتعشت المؤسسات في بداية الأسبوع واستعادت حيويتها وحركية لم تشهدها من مدة .
النظافة من طراز عالي في كل مكان ،والبستنة ظهرت فجأة ،وتم ترقيم التجهيزات المختلفة، الموظفون من الدرجة الأولى تشرفت بهم المؤسسات بعد غياب طويل ،
أصبح هندام الأطر الإدارية من طراز خاص، والتوقيت أصبح بحذافيره، وهناك من تخلى عن كل التزاماته العامة والخاصة ليستقر بالمؤسسة، لكنه وجد فراغا من نوع خاص فشرع يخرج للمؤسسة ليظهر للجميع إنني هنا وإنني أنا المدير ....ومادام العمل انطلق فمن الأفضل ملء الصفحات الفارغة التي أحدثت في الصفحات الاجتماعية ..
التلاميذ لاحظوا التغيير فعلا، فالتجهيزات الإعلاماتية تشتغل، والأطر التربوية بوزراتهم البيضاء، والنظافة من عيار خاص، والمراحيض نظيفة وجاهزة ،و..و...و...
5
الجميع ينتظر حلول اللجنة ،وهناك من أوصى من يتقصى الأخبار جيدا ...
في لحظة خاصة توقفت إحدى السيارات الفارهة أمام المؤسسة ،نزل منها شخصان يحملان محفظة جلدية ،وحين كانا يدقان الباب، أسرع الحارس إلى إخبار المدير هاتفيا قبل فتح الباب ...طلب منه تلهيتهم حتى يصل ليستقبلهم في الباب .
أسرع المدير بأمر زوجته ببدء تسخين المسمن الذي أحضرته منذ الصباح الباكر، كما أخبر أحد أصدقائه الحميمين الذي تكلف بإخبار الباقين، أما النيابة فقد وصلها الخبر من أحد الأعوان الذي كان عابرا أمام المؤسسة، فالتحق الجميع بمكاتبهم دون أن ينتهوا من تدخين السجائر المعتادة، ووصل الخبر للجهات العليا التي استغربت من عدم انطلاق اللجنة من النيابة، ولم يقدر أحد على سؤال الجهات العليا .
أما المدراء الآخرون فقد حانت ساعة الصفر وأعطى بعضهم الانطلاقة لورشات التنشيط لتجد اللجنة ما تكتب وماتتفرج كما تم استدعاء بعض رؤساء جمعيات الآباء الذين حضروا بلباسهم الرسمي الصحراوي ومفترض أنهم سيدلون بشهاداتهم أمام اللجنة دون طلب منها .
حضر المدير مرفقا بأستاذ أوصاه بتوثيق عناقه للجنة ، ودون مقدمات أو لقاء تعارف انطلق المدير في جولة بالمؤسسة للتعريف بها ،مصرا على جديتها وحيويتها ..
كانت اللجنة لا تنبس بشفة ،وحين مروا قرب أحد الكراسي المكسرة تذكر أحد أفراد اللجنة تسجيل رقم هاتفي خشية نسيانه ، أخرج مذكرة من المحفظة الأنيقة وشرع يكتب، ظن المدير أنهم بدؤوا في تسجيل المخالفات، وقدر أنها مرتبطة بالمتلاشيات مما جعله يحمل المسؤولية للمقتصد الذي لا يتحمل مسؤوليته في هذا المضمار، وحين سأله أحد أعضاء *اللجنة * وماذا فعلت معه؟ رد قائلا :المراسلة هي في الأرشيف أخبرت النائب دون جدوى ....
كان الرد مزلزلا من اللجنة : لا... يجب على النائب أن يقوم بدوره ويعطي مصداقية لمراسلة الإدارة...
هنا فكر المدير أنه *اشتراها* للنائب الإقليمي، فأخذ يلتمس منهم تجاوز الأمر، وليغلق الموضوع دعاهم لتناول الفطور بمنزله كي لا يحضر معه بعض أطر المؤسسة الذين يعتقد أنهم يتجسسون عليه .
6
سارع الأستاذ المرافق إلى نشر صورة الاستقبال الحار على صفحات الفايس بوك فاختلفت الآراء :
• عجيب السي أحمد وشخصيته قوية فهم أصدقاؤه
• لا أعتقد أن اللجنة ستنزل لمستوى أن تعانق مرؤوسا لها .
تهافتت الجيمات على الصورة في وقت قياسي ..والتعليقات التي تشيد بحنكة المدير..
مرت ساعة، وقرب وقت خروج التلاميذ وبدأ السؤال بين الهواتف عن موقع اللجنة في المدينة ،فكان الجواب الجاهز : مازالت في منزل المدير .
اعتقد البعض أنها صفقة خاصة، فالمعروف عن المدير أنه غير منضبط أو إدارته غير منظمة، فما تفسير الأمر إذا كانوا لم يصلوا للمكتب ؟
مع منتصف الزوال فرح الأطر أن اللجنة لم تزرهم احتياطا ،
خرجت اللجنة من منزل المدير محملة بأكياس بلاستيكية.. سألوا عن الأساتذة والتعليم عامة قبل أن يطلبوا لقاء مع الأعوان بالمؤسسة ..
هنا فتحوا ملفاتهم تأكدوا أن البعض الذين اشتغلوا في شركات النظافة والحراسة قد غادروا المؤسسة والبعض الآخر حاضر ....
قبل الوداع عانقوه من جديد، هنا تجرأ على سؤالهم عن وجهتهم، فأخبروه أنهم لجنة من الضمان الاجتماعي للتأكد من طبيعة العمال المصرح بهم من شركات المناولة .
حين قفل راجعا لمنزله، وبينما هو يسحب ربطة العنق الجميلة ، كان ممزقا بين موقفين :موقف الضحك مما جرى، وموقف الحزن على ماجرى، وكيف سينظر إليه زملائه المديرين .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. شراكة أميركية جزائرية في اللغة الانكليزية


.. نهال عنبر ترد على شائعة اعتزالها الفن: سأظل فى التمثيل لآخر




.. أول ظهور للفنان أحمد عبد العزيز مع شاب ذوى الهمم صاحب واقعة


.. منهم رانيا يوسف وناهد السباعي.. أفلام من قلب غزة تُبــ ــكي




.. اومرحبا يعيد إحياء الموروث الموسيقي الصحراوي بحلة معاصرة