الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


(2-6) تطور حيازة الأراضي في مصر - حيازة الأراضي في مصر البطلمية- الرومانية

محمد مدحت مصطفى

2017 / 4 / 20
الصناعة والزراعة



تمتد هذه الفترة لنحو ألف عام تبدأ من انتهاء حكم الفرس وتنتهي عند دخول العرب مصر، وتُعرف بالعهد الهيلينستي. وتضم هذه الفترة ثلاثة عهود : الأول عهد الإمبراطورية البطلمية ويمتد لنحو ثلاثمائة عام منذ دخول الإسكندر الأكبر عام 332 ق.م وحتى انهيار تلك الإمبراطورية علي يد الإمبراطور اوغسطوس الذي دخل مصر عام 30 ق.م ليلحقها بالإمبراطورية الرومانية، ولتدخل مصر العهد الروماني الذي امتد لنحو ستمائة وسبعون عام. وبعد انقسام الإمبراطورية الرومانية الموحدة عام 330 ميلادية إلي إمبراطوريتين شرقية وغربية كانت مصر من نصيب الإمبراطورية الشرقية التي عُرفت بالإمبراطورية البيزنطية ولتدخل مصر عهداً جديداً يُعرف بالعهد البيزنطي الذي امتد هو أيضاً لنحو 310 سنوات حتى دخول العرب عام 641م.

الحيازة في عهد البطالمة (332 - 30 ق.م)
بعد غزو الإسكندر الأكبر لمصر ووقوعها تحت حكم البطالمة اعتبرت الأرض الزراعية ضيعة للملك البطلمي، خاصة بعد انتصار بطليموس بن لاجوس على منافسيه واستقرار حكمه ابتداء من عام 321 ق.م. وعلي اعتبار أنه اكتسب هذه الأرض بحد السيف وطبقا للنظرة المصرية للفرعون أصبح الملك البطلمي فرعونا والها. وقد سجل على جدران معبد ادفو أن الإله حورس أهدي إلي ابنه الملك حورس الحي بطليموس كل الأراضي المنزرعة في كافة أرجاء مصر من الفنتين حتى البحر، وقدم له وثائق الملكية وسجلا وضعيا للممتلكات، وقد خطها جميعا بيده الإله تحوت في السجل السماوي. وقد شهدت مصر في تلك الفترة نهضة زراعية كبيرة، وتم تجفيف نصف بحيرة موريس لزراعتها، ولم يتبقى منها سوي الجزء العميق والمعروف حاليا باسم بحيرة قارون. وبصدد تشجيع الأفراد على استصلاح الأراضي توجد برديات تؤكد علي تملك الأفراد للأراضي التي يقومون باستصلاحها. بل وقدمت لهم تسهيلات تمثلت في الإعفاء الضريبي مدة خمس سنوات من بداية الزراعة، ثم يدفعون ضرائب مخفضة مدة الثلاث سنوات التالية، وابتداء من العام التاسع يدفعون الضرائب العادية. وقد استمر نظام السخرة في الأعمال العامة مثل شق القنوات وتقوية الجسور. كما توجد وثائق خاصة تؤكد على تدخل الملك في تحديد نوعية المحاصيل المزروعة ومساحاتها، وترسل التعليمات للموظفين لمتابعة تنفيذها. بل وتوجد وثائق أخري تؤكد علي ضرورة بيع الفلاح للحبوب الزيتية بالأسعار التي حددها الملك، مما يدل على وجود ظاهرة احتكار الدولة لهذا النوع من المحاصيل.

الشكل العام لحيازة الأراضي
في عهد البطالمة
كانت تربة مصر ملكاً لبطليموس الذي كان في تصرفاته لا يختلف عن تصرفات الفراعنة طوال مدة حكمهم لأرض الكنانة من أول مينا حتى نقطانب الثاني آخر من اعتلى عرش الفراعنة. ولما كانت مصر تعد دائماً بلداً زراعيا فإن جل اهتمام بطليموس الثاني كان الحصول على أكبر محصول ممكن. فكان يعطي جزءاً من أرض مصر لآخرون يقومون بزراعتها بينما يزرع هو جزء كبير لحسابه الخاص، لاسيما في أرض الدلتا والفيوم التي قام بإصلاح مساحة عظيمة منها بتجفيف جزء كبير من بحيرة قارون. وكانت هذه الأراضي في يده فعلاً يقوم بتثميرها له الفلاحون المصريون الذين دربوا على هذا النوع من العمل منذ أزمان سحيقة. وهذه الأراضي كان يُطلق عليها أراضي الملك كما أن الفلاحين الذين كانوا يقومون بفلاحة الأرض وزرعها يلقبون بالفلاحين الملكيين. وكانت الأراضي التي يمنحها الملك موزعة على أربع طبقات من سكان مصر. فأراضي المعابد كان يتولى الملك زرعها على غرار زرع أرضه هو، على أن يعطي المعبد ما يحتاج إليه من محصولها، ثم الأراضي التي كان يمنحها الملك للجنود المرتزقة، أما الطبقة الثالثة من ملاك الأرض فكانت تمنح لملاك خاصين وهذا النوع من الملاك زاد كثيراً فيما بعد. وهذه الأراضي كان يقصد بها في أول عهد البطالمة البيوت والبساتين. والطبقة الرابعة من هؤلاء الملاك كان يقصد بها ملاك الضياع الكبيرة وهي التي كانت تعطى منحة.لبعض كبار الموظفين لزراعتها وتنمية مواردها على أن للملك حق استردادها في أي وقت يشاء. وأحد هذه الضياع في الفيوم تبلغ مساحتها 5500 فدان وتشمل قرية فلاديلفيا التي كانت منحة من بطليموس الثاني إلى وزيره ابوللونيوس وكشفت عنها المراسلات التي كانت تتم بين ابوللونيوس ومدير هذه الضيعة المدعو زينون. وهو نفس واقع أمراء الإقطاع في العهد المتوسط الأول من تاريخ مصر القديمة. فكان ابوللونيوس يتمتع بكل ما كان يتمتع به الملك ولا ينقصه إلا الاعتراف له بلقب الملك قانوناً، فقد كان له بلاطه الخاص وجيش من الموظفين والفرق الوحيد هنا أن بطليموس كان على اتصال تام بمملكة ابوللنيوس الصغيرة، وهناك دلائل على ذلك من بينها أن الملك طلب من ابوللونيوس تجربة بعض المزروعات في ضيعته. وفي طلب آخر كان لزراعة الأرض مرتين في السنة واحدة تروى بالغمر والأخرى تروى بالشادوف. وعلى ذلك يمكن القول أنه كانت توجد ثلاث أنواع من المعاملات: واحدة يقبض فيها بطليموس على زمامها ويديرها بنفسه، والثانية كان له فيها قسطاً من أرباحها، والثالثة لم يكن له فيها أي قسط من الربح. كان الملك البطلمي هو صاحب أرض مصر من الناحية النظرية. وكانت تلك الأرض تقسم لثلاثة أقسام رئيسية هي أرض التاج، وأرض العطاء، وأرض الامتلاك الخاص. بالإضافة إلى الوضع المتميز لأراضي المدن الحرة الإغريقية. ونظرا لعدم توفر وثائق توضح نسب هذه الأقسام علي مستوي مصر كلها فانه سيتم الاعتماد علي وثائق منطقة الفيوم، حيث أوردت برديات عام 118 ق.م عن إحدى قري الفيوم أن مساحة أرض الملك تبلغ 2771 أرورا، ومساحة أرض العطاء تبلغ 1564 أرورا، ومساحة الامتلاك الخاص تبلغ 90 أرورا فقط. مما يعني أن أراضي الملك في تلك القرية تمثل 62.6% من جملة زمامها، وأراضي العطاء 35.3%، بينما تبلغ نسبة مساحة الامتلاك الخاص 2.1% فقط.

أ - أراضي التاج gê basiliké: وهي الأراضي الملكية، وتتكون من مساحات شاسعة ورثها البطالمة من الملوك السابقين، وأخري صادروها من النبلاء المصريون، بالإضافة للأراضي التي هجرها أصحابها. ويشرف على هذه الأراضي الموظفون الملكيون. وكان يتم استغلالها بعد تقسيمها إلى قطع متفاوتة المساحة وتعرض للإيجار بالمزاد العلني العام -وهي صورة جديدة علي المجتمع المصري-. كما يطلق على من يرسو عليه المزاد اسم "المُزارع الملكي". وكان ذلك المُزارع ملزما بتنفيذ تعليمات الحكومة خاصة نوعية المزروعات التي يجب أن يقوم بزراعتها، كما يتلقى المساعدات المتمثلة في إقراضه البذور وثيران العمل وأدوات الزراعة نظير فوائد.


ب - أراضي المعابد hiera gê:
تأتي هذه الأراضي في مقدمة أراضي العطاء. ومن المعروف أن مساحات كبيرة من الأراضي الزراعية كانت موقوفة على المعابد قبل فترة العهد البطلمي، وتعرضت للمصادرة في أواخر العهد الفرعوني منذ احتلال الفرس لمصر. وعلى ذلك فان المساحات المخصصة للمعابد يعتقد أنها أصبحت أقل مما كانت عليه سابقا، كما أنها كانت خاضعة للضرائب بشكل عام، وتحصل علي الإعفاء الضريبي بشكل استثنائي. وبعد موقعة رفح عام 217 ق.م التي انتصر فيها بطليموس الرابع بفضل الجنود المصريين زادت المساحات المخصصة لمعابد الآلهة المصرية، وارتفعت المساحة المخصصة لمعبد حورس في ادفو من 12700 أرورا إلي 18336 أرورا. وأشاع الكهنة أن الرب منحهم ثلث أراضي مصر حتى يتمكنوا بذلك من الحصول على مزيد من الأراضي، كما كان لمعابد الآلهة الإغريقية نصيب من أرض مصر، إذ كان لمعبد الإله زيوس ضيعة في مديرية الفيوم، وكذلك ضيعة أخري للإلهة ديميتروكورا. إلا أنه بصفة عامة كانت جميع أراضي المعابد تخضع لإشراف الدولة حتى عام 140 ق.م. عندما ألغى الملك بطليموس يوراجتيس هذا الحق. وبجانب هذا النوع من ثروة المعابد، حصل الكهنة على دخول مقابل القيام بشئون العبادة. وخصص ملوك البطالمة بعض الأراضي كمرتب لأصحاب المناصب الكهنوتية، ولكن بعد ازدياد نفوذ الكهنة أصبحوا يتصرفون في هذه الأراضي بالبيع والرهن والإيجار، وبذلك أصبح حقهم على هذه الأراضي بمثابة حق ملكية فردية، وان لم يكن كذلك من الناحية القانونية.

ت – اقطاعات العسكريين klerouchiké gê: تمثل هذه الأراضي الشكل الثاني من أراضي العطاء. وهي مساحات من الأراضي كانت تمنح للعسكريين مقابل أداء الخدمات العسكرية وأداء الضريبة أيضا. وقد لجأ البطالمة إلى هذا الأسلوب لتشجيع العسكريين من المقدونيين والإغريق علي الإقامة في مصر. وقد امتد ذلك التصرف إلى الجنود المصريين بعد معركة رفح، وان ظلت المساحة الممنوحة لهم متواضعة بالمقارنة بالمساحات التي منحت لغير المصريين حيث تراوحت ما بين خمس أرورات إلى ثلاثون أرورا، بينما بلغت لغير المصريين مائة أرورا. وكان من حق الملك أن يسترد الإقطاع في حالة وفاة المقطع أو تركه للخدمة العسكرية أو إهماله للزراعة. كما كان يسمح للحائز بتأجير هذه الأراضي للغير أو استثمارها بشكل مباشر أو الجمع بين الأسلوبين. وفي نهاية العهد البطلمي تحول هذا الحق إلى ملكية خاصة قابلة للتصرف فيها بكل أنواع التصرفات القانونية.

ث - اقطاعات الموظفين endoreai gê : وهي الشكل الثالث من أراضي العطاء، وتتضمن نوعان من التصرف، الأول أراضي تقدم لموظفي الحكومة كبديل للمرتب، والثاني أراضي واسعة تقدم علي سبيل الهبة لكبار الموظفين المدنيين. وكان للمنتفع حق انتفاع مؤقت علي هذه الأراضي مرتبط بأداء الموظف لوظيفته، وينتهي بوفاته، ولا تؤول الأرض للورثة من بعده بل تعود لخزانة الدولة. كما كان للملك حق استردادها في أي وقت يشاء. وقد استفادت الدولة من هذا النظام بمنح العديد من الأراضي غير المستصلحة والتي كان يتعين علي المنتفع استصلاحها. كما ساعد ذلك النظام الدولة في عدم دفع مرتبات نقدية لكبار الموظفين، بالإضافة إلى الدخل المحصل عن طرق الضريبة المفروضة علي الإنتاج. وقد تمتعت هذه الاقطاعات بقدر أكبر من الحرية بحيث خفضت القيود المفروضة علي نوعية المحاصيل المزروعة، كما كان من مهام حائزي هذه الاقطاعات تحسين نوعية المزروعات.

ج – أراضي الامتلاك الخاص Ktemata: أدت السياسة التي انتهجها البطالمة إلى تضييق نطاق الملكية الفردية، فقد اهتمت الدولة بتركيز الثروات في يدها والسيطرة الكاملة علي الأراضي الزراعية، وانحصرت الملكية الفردية في أراضي البناء وبساتين الخضر والفاكهة، بالإضافة إلى مزارع الكروم. وقد أخذ نطاق الملكية الفردية في الاتساع منذ عام 118 ق.م. حين أصدر بطليموس السابع مرسوم ملكي أباح فيه للأفراد حق تملك الأراضي البور إذا استصلحوها بزراعة فاكهة وكروم. وسمح البطالمة بالتصرف بالبيع والشراء والرهن والميراث بالنسبة لبعض أراضي الحبوب أيضا. وقد أدي سوء الأحوال الاقتصادية إلى قيام الحكومة ببيع بعض من أراضيها لمن يرغب في الشراء. وقد فرضت الضرائب على هذه الأراضي، كما كان من حق الملك مصادرتها وبيعها من جديد إذا عجز الحائز عن سداد الضرائب المستحقة عليها.

ح - أراضي المدن politiké: تعتبر المدينة الوحدة الأساسية لحياة الإغريق العامة، لاعتقادهم مثل الرومان بأن المدينة هي النظام الطبيعي الذي يعيش فيه الأحرار. وفي مصر كانت هناك ثلاث مدن إغريقية فقط هي الإسكندرية ونقراطيس وبطليمية. أنشأت مدينة نقراطيس في عهد الملك بسماتيك الأول عام 650 ق.م. وهي تقع بالقرب من دمنهور وكل سكانها تقريبا ينتمون إلى مختلف المدن اليونانية. أما مدينة بطليمية فقد أسسها بطليموس الأول لتكون موطن للإغريق المتواجدين في الصعيد. وقد تمتعت هاتان المدينتان بقدر كبير من الاستقلال علي عكس الإسكندرية التي لم تعرف هذا القدر حيث كانت عاصمة البلاد يقيم فيها الملك والحاشية وطوائف المصريين واليهود وجنسيات أخري. وقد تقرر حق الملكية الفردية لمواطني هذه المدن الثلاث حيث ألحق بكل مدينة إقليم زراعي، إلا أنه لا تتوفر أية تفصيلات عن مدي هذا الحق.

الحيازة في عهد الرومان
(30 ق.م - 640م)
بدخول الإمبراطور أوغسطوس مصر لينهي فترة حكم البطالمة ويلحقها بالإمبراطورية الرومانية وجد نظاما مستقرا للإدارة وحيازة الأراضي الزراعية، فأقر النظام بعد مصادرة مساحات كبيرة من الأراضي كانت تابعة للمعابد، بالإضافة إلى الأراضي التي تركها أصحابها هربا من قسوة الضرائب، وأيضا أراضي الجند الذين فروا من مصر. ونظرا لما كانت تتمتع به مصر من ثروة زراعية كان اهتمام الرومان كبيرا بتحديث نظم الإدارة -حيازة الأراضي- بغرض توفير أكبر قدر من الحبوب للإمبراطورية الرومانية، وأيضا لضمان تحصيل الضرائب. ويمكن تقسيم تطور حيازة الأراضي في مصر الرومانية إلى فترتين : الأولي تبدأ من عهد أوغسطوس حتى عام 332م، والثانية ابتداء من ذلك العام وحتى نهاية الحكم البيزنطي عام 640م. وثائق الفترة الأولي تشير إلى ظهور نمط جديد من الحيازة هو أراضي الأوسية بالإضافة إلى أراضي التاج، والفترة الثانية تبدأ بتعديلات دقلديانوس للضرائب الزراعية عام 297م، وتشير وثائق هذه الفترة إلى اختفاء أراضي التاج وأيضا أراضي الأوسية، لتظهر محلهما أراضي الضياع الكبيرة عن طريق شراء واستصلاح مزيد من الأراضي، ويطلق على المرحلة الثانية مرحلة الحكم البيزنطي. وبشكل عام يمكن القول أن العهد الروماني هو عهد بروز الملكية الخاصة للأراضي الزراعية.

وإذا كانت مصر قد عرفت المسئولية الجماعية للقرية في العهد البطلمي، إلا أن هناك ظاهرة جديدة بدأت في عهد الرومان وهي تملك القرية للأراضي كوحدة لا كأفراد. وتشير الوثائق إلى استئجار شخص من مدينة هرقلوبوليس "أهناسيا" في عام 305م تسع أرورات من أرض إحدى القرى التابعة لها، ودفع إيجارا قدره 5.5 إردب عن الأرورا. وفي عام 303 م استأجر ثلاثة مزارعين 5 أرورات من أرض تخص قرية أخري. وقد منح ثيودسيوس النقابات التي تدير القرى حق ملكية الأرض وجمع الضرائب مع تحريم ذلك علي الأجانب، وأعيدت تلك التشريعات في مجموعة جستنيان. ومن ناحية توزيع الحيازات يتبين من وثائق إحدى القرى وترجع للعام الميلادي الأول أن هناك شخص روماني واحد هو ثيون بن ثيون يمتلك 392 أروره، ومالك محلي واحد يمتلك 87 أرورا، بالإضافة إلى 26 فلاح يمتلك كل منهم نحو 3 أرورات. وفي وثيقة أخري لقرية ثيادلفيا بالفيوم ترجع لعام 150م يتبين أن هناك عشرة ملاك يمتلكون 1910 أرورا، بينما يمتلك 87 فردا نحو 889 أرورا فقط. وهذا يوضح التباين الكبير في الملكية الذي كان سائدا في ذلك الوقت.

الشكل العام لحيازة الأراضي
في عهد الرومان

يمكن تصور الشكل العام لحيازة الأراضي الزراعية في عهد الرومان من خلال قسمين رئيسيين: هما "أراضي الامتلاك العام وأراضي الأوقاف" حيث تحتفظ الدولة بحق ملكية الرقبة، و"أراضي الامتلاك الخاص وأراضي المدن" حيث يؤول فيها حق الرقبة للأفراد. هذا وتضم أراضي الامتلاك العام كل من أراضي التاج gê basiliké وأراضي الدولة demosia. كما تضم أراضي الامتلاك الخاص كل من أراضي الأوسية Ousiaké والمزارع الخاصة الصغيرة keremata. ويمكن توضيح ذلك على النحو التالي.

أ - أراضي التاج: وهي قسم من الأراضي التي كانت خاضعة للتاج البطلمي واستولي عليها الملك الروماني، بالإضافة إلى بعض أراضي العطاء التي صادرها لحسابه الخاص. وكانت تدار إما بشكل مباشر أو بشكل غير مباشر عن طريق تأجيرها للآخرين، ورغم أن إدارة هذه الأراضي كانت تم لصالح الإمبراطور إلا أنها كانت تعد من أراضي الامتلاك العام حيث تستمر إدارتها لصالح الإمبراطور الجديد باستمرار.

ب - أراضي الدولة: وهي من أراضي الامتلاك العام، وهي الجزء المتبقي من أراضي التاج البطلمي، بالإضافة إلي أراضي البطالمة الفارين. وظلت تدار بنفس أسلوب إدارة أراضي التاج البطلمي حيث تقسم إلى مساحات تطرح للإيجار في مزاد عام.


ت – أوقاف المعابد: رأي الإمبراطور أوغسطس أن الإبقاء علي ممتلكات المعابد مع تزايد نفوذ الكهنة يمثل خطرا يهدد الإمبراطورية الرومانية وسلطاتها في مصر. لذلك عمد إلى تجريد المعابد من أملاكها وضمها لأملاك لدولة، كما تخلص من نفوذ رجال الدين عن طريق مصادرة الأراضي الخاصة بهم مع تعيين موظف مدني لإدارة الأراضي المخصصة للإنفاق علي المعابد. وعلي ذلك يمكن القول أن تلك الأراضي كانت بمثابة أوقاف تديرها الدولة بدلا من الكهنة ويورد إيرادها إلى خزانة الدولة التي تنفق منها وبمعرفتها هي علي هذه المعابد.

ث - أراضي الأوسية: وهي من أهم المظاهر الجديدة لشكل حيازة الأراضي الزراعية في مصر الرومانية، فمن أجل الإسراع بعملية استصلاح الأراضي علي نطاق كبير لجأ أوغسطوس إلى أسلوب مشابه -مع الاختلاف في طبيعته- للأسلوب الذي سبق أن اتبعه بطليموس الثاني. ولكن بدلا من إقطاع كبار الموظفين والمقربين الاقطاعات المعروفة باسم doreai طيلة مدة خدمتهم دعا أوغسطوس أثرياء روما والإسكندرية إلى استثمار أموالهم في استصلاح واستزراع مساحات كبيرة من الأرض عرفت باسم الأوسية Ousiai. وكانت أراضي الأوسية تمنح للأفراد مجانا أو تباع لهم بقيمة رمزية. وتشير الوثائق إلى أن هذه الحيازات حققت نتائج جيدة، حيث عادت الأرض البور إلى سابق خصبها. وكانت الأوسية من الناحية القانونية ملكية خاصة لصاحبها، كما تلقي أصحابها حوافز ضريبية متمثلة في إعفاء ضريبي كامل خلال السنوات الأولي ateleia ، واعفاء ضريبي جزئي kouphoteleia ، ثم دفعت ضرائب كاملة بعد ذلك emphiteusis. إلا أن هذه الحيازات تعرضت للانتهاك بعد نحو مائة عام عندما استبان الأباطرة الجدد مدي ثرائها، وسرعان ما تحول عدد كبير منها إلى ملكية الإمبراطور أو الملكية العامة. وفي محاولة للحفاظ علي إنتاجيتها العالية رغم انتقال ملكيتها تشكلت إدارة خاصة للإشراف عليها عرفت باسم إدارة الوسايا logos ousiakos.

ج – المزارع الصغيرة: وهي مساحات صغيرة من الأرض منحها أوغسطوس للجنود الذين استقروا في مصر ثم بيعت لهم بأسعار رمزية بعد ذلك تشجيعا علي زيادة ملكيتهم، ثم اتسع نطاق البيع لغير الرومان. ولكن بالنظر لأسعار بيع هذه الأراضي يتبين أنها كانت أراضي تحتاج لمزيد من الاستصلاح حيث بلغ متوسط سعر الأرورا خلال القرن الأول عشرون دراخمة، بينما كان سعر السوق نحو 185 دراخمة وبلغ متوسط سعر بيع الأرورا خلال القرن الثاني أربعون دراخمة، بينما كان سعر السوق نحو 324 دراخمة.

ح - أراضي المدن: أضاف الرومان بعد دخولهم مصر إلى المدن الإغريقية الحرة الثلاث "الإسكندرية ، نقراطيس ، وبطليمية" مدينتين أخرتين هما مدينة براتنيون -مرسي مطروح حاليا- ومدينة انطونيو بوليس بالقرب من ملوي. وقد تمتعت تلك المدن الخمس بامتيازات سياسية وإدارية جعلت منها دويلات داخل الدولة، حيث كانت تخضع مباشرة للسلطة المركزية، أي الملك الروماني ونوابه من الحكام. وقد تمتع مواطني هذه المدن الخمس بحق الملكية الفردية الخاصة.

الشكل العام لحيازة الأراضي
في عهد البيزنطيين
بوصول دقلديانوس مصر والقضاء علي ثورة اخيليوس عام 297م، قام بوضع عدة إصلاحات إدارية من بينها إصلاح النظام الضريبي علي الأرض لضمان زيادة التحصيل مع التخفف من أعباء الإشراف علي الزراعة عن طريق التوسع في بيع أراضي الدولة، أو توزيعها مقابل تحصيل الضرائب والإيجارات. وعلي ذلك نلاحظ اختفاء أراضي التاج وأراضي الأوسية من الوثائق ابتداء من العام 332م، وتحل محلهما الأراضي العامة، وأراضي الملكية الخاصة.

ويمكن تصور الشكل العام لحيازة الأراضي في عهد البيزنطيين من خلال قسمين رئيسيين هما أراضي الدولة أو الأراضي العامة حيث تحتفظ الدولة بحق رقبة الأرض وهي مساحات ضئيلة للغاية. والقسم الثاني يتمثل في أراضي الامتلاك الخاص، والتي تضم الضياع الكبيرة علي الغالبية العظمي من مساحتها، تليها أراضي الكنيسة والتي أصبحت تمتلك رقبة الأرض لأول مرة، وأخيرا المزارع الصغيرة. علي أن أخطر المظاهر الجديدة في القرن الرابع الميلادي كانت هي ظهور "نظام الحماية". حيث وجد صغار الملاك أنه لا فائدة ترجي من امتلاك أراضيهم بسبب الارتفاع الكبير في الضرائب، والمسئولية الجماعية عن دفع ضريبة القرية وهو النظام الذي استحدثه دقلديانوس، حيث يصعب الفرار من القرية في هذه الحالة. لذا لجأ هؤلاء الملاك الصغار إلى أحد كبار الملاك من أصحاب النفوذ في المنطقة وتنازلوا له عن أرضهم مقابل أن يتولى السيد الكبير حمايتهم ودفع الضرائب للدولة. وهكذا تحول المالك الصغير من "مالك حر" إلى "تابع" أولا ثم إلى "قن" للأرض ثانيا، يستأجر من سيده الأرض التي كان يمتلكها. وقد حاولت الدولة الحد من هذه الظاهرة نظرا لأن الحماه كان يستقطعون جزء من ضرائب الدولة، إلا أنها فشلت. وفي وثيقة ترجع لعام 350م تخص مدينة هيروموبوليس "الأشمونين" يتبين منها أن زمام المدينة يبلغ 4043 أرورا من بينها 1093 أرورا أرض امتلاك عام، 2950 أرض امتلاك خاص. مما يعني تزايد الملكية الخاصة إلى نحو 73% من إجمالي الزمام مقابل 27% للامتلاك العام(31). وتوضح بردية أخري لنفس المدينة وترجع للقرن الرابع الميلادي أيضا، ويبدو أنها تالية للوثيقة الأولي أن ورثة شخص يدعي أمونيوس يمتلكون 1370 أرورا وأن هناك ثمانية ملاك يمتلك كل منهم 500 أرورا، بينما هناك 147 مالك يمتـلكون جميعا 440 أرورا. كما تميـز ذلك العصر أيضا باستمرار نظـام "الجباية الذاتية"، والذي ظهر لأول مرة في العصر البطلمي. وقد ذكرت بردية ترجع لعام 322م أن هناك نقابة من ملاك الأراضي في كل قرية تعد مسئولة من الناحية القانونية عن ضرائب وإيجار الأرض مسئولية جماعية، فإذا فر فلاح وترك أرضه تولت القرية ككل دفع ما عليه من التزامات.

أ - أراضي الامتلاك العام: وهي المساحات الضئيلة من الأراضي التي احتفظت فيها الدولة بحق ملكية الرقبة، وهي أيضا ما تبقي من أراضي التاج وأراضي الدولة في العهد الروماني حيث اختفت تقريبا أراضي التاج والتي تزرع لحساب الملك بصفة شخصية. كما ازداد اتجاه الدولة نحو بيع الأرض للأفراد، بينما كانت تقوم بتأجير الأراضي الأخرى للمواطنين وتغيرت تسمية هؤلاء المستأجرين من "المزارعين الملكيين" إلى "المزارعين العموميـين"، وفي وثيقـة خاصة بمدينـة هيروموبولـيس وهي مدينـة "الأشمونين" الآن يتبين أن نسبة مساحة أراضي الدولة انخفضت من 27.1% إلى 9.2%، مقابل ارتفاع نسبة مساحة أراضي الامتلاك الخاص من 72.9% إلى 90.8%. وفي أواخر ذلك العهد لجأت الحكومة إلى فرض قطع الأرض التي لم يتقدم أحد لاستئجارها علي بعض الأفراد لزراعتها، وفي أحيان أخري كانت تفرض هذه الأراضي علي قرية بأكملها فيقوم شيوخ القرية في هذه الحالة بتوزيع الأراضي المفروضة علي سكان القرية. كما ألزمت الحكومة ملاك الأراضي الخاصة بزراعة الأراضي المجاورة لهم والتي تمتلكها الدولة مع تقديم غلتها لها مما شكل عبء إضافي علي الملاك.

ب - أراضي الكنيسة: وتعد هي أيضاً من أهم المظاهر الجديدة لتلك الفترة حيث تظهر الكنيسة كمالك لمساحات كبيرة من الأرض، بالإضافة إلى مساحات أراضي الأوقاف التي يقدمها الحكام أو الأفراد تقربا للكنيسة. وهناك وثائق عديدة تصف مدي ثروة كنيسة الإسكندرية وكذلك النشاط الاقتصادي الكبير الذي كانت تقوم به. وكما نعلم فإن الجزء من الأراضي المخصص للمعابد كان قد تقلص بدرجة شديدة في عصر الرومان إلا أنه عاد وأصبح أشد ازدهارا خلال عهد البيزنطيين من خلال تملك حق الرقبة علي بعض الأراضي وحق ريع الوقف من الأراضي الموقوفة، ثم انتقلت تبعية أراضي المعابد كلية إلى الكنيسة المسيحية بناء على القرار الصادر من الإمبراطور ثويدوسيوس عام 380م بأن تكون المسيحية الدين الوحيد للدولة. وتوجد العديد من الوثائق التي تبين قيام الأفراد بدفع الإيجار والضرائب للكنيسة.

ت – الضياع الكبيرة: وهي مساحات ضخمة من الأراضي يمتلكها عدد قليل من الأفراد ظلت تزداد مساحتها خلال الفترة الأخيرة من الحكم حتى اتسعت فجوة التباين بين الملاك، وفي وثائق نفس مدينة الأشمونين يتبين أن هناك سبعة أفراد يمتلكون أكثر من نصف زمام المدينة بمتوسط مساحة قدرة 1165.1 أرورا، بينما هناك 226 فردا يمتلكون النصف الباقي بمتوسط مساحة قدرة 28.3 أرورا.

ث - المزارع الصغيرة: في إطار السياسة العامة للدولة نحو تشجيع الملكية الخاصة انتشرت المزارع الصغيرة المملوكة للأفراد، وأصبحت تشكل مع الضياع الكبيرة ومع الجزء الأكبر من أراضي الكنيسة ما يُعرف بأراضي الامتلاك الخاص.

ج – أراضي المدن: ظلت المدن الرومانية الخمس تتمتع بالمزايا السابقة، إلا أن أهمية تلك المزايا تقلصت حيث تمتع بها عدد كبير من المواطنين من خارج هذه المدن بعد صدور قانون كراكالا عام 212م والخاص بمنح المواطنة الرومانية لسكان أقاليم الإمبراطورية وأصبحت الوثائق بعد ذلك التاريخ تتحدث عن المصريين باعتبارهم من الرومان وبذلك حصل جميع المصريين علي الجنسية الرومانية بمقتضى القانون.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. عاجل.. شبكة -أي بي سي- عن مسؤول أميركي: إسرائيل أصابت موقعا


.. وزراءُ خارجية دول مجموعة السبع المجتمعون في إيطاليا يتفقون




.. النيران تستعر بين إسرائيل وحزب الله.. فهل يصبح لبنان ساحة ال


.. عاجل.. إغلاق المجال الجوي الإيراني أمام الجميع باستثناء القو




.. بينهم نساء ومسنون.. العثور جثامين نحو 30 شهيد مدفونين في مشف