الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


(4-6) تطور حيازة الأراضي في مصر - حيازة الأراضي تحت الحكم العثماني

محمد مدحت مصطفى

2017 / 4 / 22
الصناعة والزراعة




اتسم التقسيم الإداري لمصر في العهد العثماني بالتغير الدائم. في عام 1526م أصدر السلطان سليمان القانوني أمرا بفك زمام القطر المصري وإعادة مساحته وتقدير خراجه، وعرفت الدفاتر التي سجل بها نتائج هذا المسح وربط خراجه باسم دفاتر الترابيع. وفى عام 1570م أعيد فك الزمام وتغيير تسمية الأقسام الإدارية من أعمال إلى ولايات. وفى عام 1664م مع بداية تطبيق نظام الالتزام أعيد فك الزمام مرة أخرى. وتعتبر الولايات والقرى أساس التقسيم الإداري لمصر العثمانية، حيث بلغ عدد الولايات ثلاثة عشر ولاية سبعة منها في الوجه البحري، وستة ولايات بالوجه القبلي ، بالإضافة إلى ستة محافظات "ثغور". أما بالنسبة لأعداد القرى فلا توجد أية وثائق خاصة بتقديرها طوال العصر العثماني فيما عدا التقديرات التي تمت عند نهاية هذا العصر زمن الحملة الفرنسية. وقد تراوحت تلك التقديرات بين 2967 قرية كحد أدنى وبين 3930 كحد أقصى، ويرجع ذلك التباين الشديد بين التقديرين إلى وجود عدد كبير من القرى الصغرى الكفور والتي كانت تلحق عادة بالقرى الكبيرة، وعند التسجيل يكتفي بذكر اسم القرية ويتبعها كلمة وملحقاتها أو وتوابعها أو وكفورها حيث لا تكتب في العادة أسماء تلك الملحقات والتوابع والكفور.

استند التقسيم المالي لذلك العصر إلى تقسيم المقاطعات وتقسيم الكشوفيات. فكانت المقاطعات والتي أطلق عليها أحيانا النواحي وحدة مالية إدارية تضم مجموعة من القرى وتوابعها بحيث تربط الضريبـة على المقاطعـة كلـها. وكان هنـاك نوعيـن من المقاطعات في ذلك الوقت هي: "مقاطعات خراج" وتضم القرى التي يُلّزَم أهلها بدفع الخراج، و"مقاطعات مال حماية" وتضم أراضى الوقف والتي يدفع أصحاب حق الانتفاع بها قدرا ضئيلا من المال نظير حماية الإدارة لها من عمليات السطو والنهب. وقدر متوسط عدد مقاطعات الخراج بنحو 1382 مقاطعة، كما قدر متوسط عدد مقاطعات مال الحماية بنحو 432 مقاطعة. أما الكشوفيات فهي الوحدات الإدارية المالية الأكبر والتي تملك حق الإشراف على المقاطعات، ويرأس المقاطعة أحد بكوات المماليك برتبة كاشف. وقد سجل الرحالة فانسليب الذي زار مصر عام 1672م أن عدد الكشوفيات في ذلك العام بلغ 36 كشوفية. وفى القرن الثامن عشر تحولت بعض الولايات بأكملها إلى كشوفيات كما حدث لولايات المنصورة وأسيوط والجيزة والفيوم ، وبلغ متوسط عدد الكشوفيات في ذلك القرن 28 كشوفية. ومن الملاحظ أنه رغم التعديل الدائم في التقسيمات المالية والإدارية ظلت هناك خمس ولايات كبرى لا يمسها التغيير هي ولايات الشرقية والغربية والمنوفية والبحيرة وجرجا، وهي ولايات كان يدور صراع كبير على تولى مناصب الحكم بها.

أما نظام الالتزام فإنه يعني في المصطلح الإداري والمالي العثماني التعهد من قبل شخص أو عدة أشخاص بسداد المال الأميري السنوي المربوط على قرية أو جزء من قرية أو عدة قرى بواقع سعر مبدئي يتراوح بين 40 و 400 بارة للفدان حسب جودة الأرض. ويطرح حق الالتزام للتزايد في أول شهر توت من كل سنة، ويدفع من يرسو عليه المزاد ثلث المال الأميري مقدما على أن يأخذ لنفسه جُعلا من الفلاحين لا يزيد عن قيمة الميرى المقرر نظير الجباية. وكان الروزنامجى يسلم كل ملتزم ثلاث وثائق: الأولى يذكر فيها اسم القرية أو القرى محل الالتزام ومساحة الأراضي المربوط عليها الميرى ثم قيمة الميرى الواجب سداده للخزانة. والثانية تتضمن توصية واجبة النفاذ بالتسامح مع الفلاحين. والثالثة تتضمن أمرا إلى الفلاحين بأنهم صاروا منذ ذلك التاريخ فصاعدا في حوزة الملتزم المذكور وعليهم الطاعة ودفع الميرى المطلوب منهم. وكان الملتزم يمنح قطعة أرض يزرعها لحسابه الخاص، وغالبا ما تبلغ مساحتها عشر مساحة الزمام حتى لا يحصل من الفلاحين أموالا أكثر من الميرى المطلوب، وكان من حق الملتزم تأجير أرض الوسية أو جزء منها لآخرين إذا لم يرغب في زراعتها على الذمة.

تركزت الإدارة المركزية العليا في منصبي الوالي وقاضى القضاة. اختص الوالي بالنيابة عن السلطان العثماني ويطلق عليه "حاكم السياسة" ويقوم بجمع المال الميري من البلاد وإرساله إلى الخزينة العثمانية، ويتدخل في حل النزاعات عندما تعجز عن ذلك الإدارات المحلية، ومن مهامه أيضا توجيه الجند لمناطق الاضطرابات بغية الحفاظ على الأمن العام. إلا أن السلطات الحقيقية للوالي ضعفت ضعفا شديدا أمام ازدياد قوة أمراء المماليك وقدرتهم على عزله. وكان لقاضى القضاة أهمية كبيرة لا تقل شأنا عن الوالي ويطلق عليه "حاكم الشرع"، وقد انفرد قاضى المذهب الحنفي بهذا المنصب منذ دخول العثمانيون بعد أن كان يحتله قضاة أربعة يمثلون المذاهب الأربعة، إلا أن القاضي الحنفي كان يستشير قضاة المذاهب الأخرى عند الحاجة، وكان من مهامه الإشراف على النظام القضائي في البلاد وتعيين القضاة المحليين. وكان تعيين كل من الوالي وقاضى القضاة يتم من قبل السلطان العثماني.


حيازة الأراضي في مصر العثمانية
بسقوط مصر تحت الحكم العثماني عام 1517م دخلت مصر فترة جديدة من الركود الاقتصادي، كما أصيب نظام الاقطاعات بضربة قوية حيث بدأ نظام استغلال الأراضي الزراعية يأخذ ملامح جديدة. وفي جميع الأحوال اعتبرت القوانين العثمانية أرض مصر كلها ملكا للخليفة العثماني استنادا إلى فتاوى فقهاء ذلك العصر، وذلك على الرغم من أن قانون نامة سليمان لم يتعرض للملكية الفردية للأراضي الزراعية، واقع الأمر إذن يُفيد بأن الدولة الغازية وضعت يدها على غالبية أراضي البلاد بغرض زيادة حصيلة الضرائب. وكان علي الولاة إرسال الجزية إلى الآستانة ليبدأ عهد جديد من نزح الفائض الاقتصادي إلى خارج مصر. كما استولي السلطان سليم علي جميع اقطاعات وممتلكات المماليك، ثم أجري مسحا لأراضي مصر عرف بالروك العثماني عام 1523م. واستحدث نظام المقاطعات أو الأمانات بدلا من نظام القبالة، واستمر ذلك إلى عام 1658م حيث ألغاه مقصود باشا وأحل محله نظام الالتزام وهو نوع من العودة إلى نظام القبالة أو الضمانة -استئجار حق الجباية للخراج- وهو ما كان معروفا في ظل حكم الولاة والفاطميين.

من المقاطعات العثمانية إلى الالتزام
اعتمد "نظام المقاطعات" علي التقسيم المالي والإداري للدولة، بمعني أن كل قرية كبيرة أو مجموعة من القرى الصغيرة تشكل مقاطعة أو أمانة يعين عليها موظفا مسئولا "عامل" عن جمع الضرائب "المال الميري" المقررة علي هذه المقاطعة بالإضافة إلى مفتش "أمين – أفندي" يقوم بتحديد الضرائب علي الأراضي المزروعة يعاونه في ذلك عدد من الكتبة، وقد ألزم القانون مشايخ القرى بمساعدة المفتش علي أداء وظيفته. وقد نظم قانون نامة سليمان عملية تحديد الضرائب بحيث لا تقدر جزافا بل تكتب جميع الضرائب المفروضة علي المقاطعة في كشف يوقعه ناظر الأموال ويترك هذا الكشف في المقاطعة ولا يحق لأحد تحصيل ضرائب أكثر من المقدرة في ذلك الكشف، ومن حق أهل القرى التظلم والشكوى وسرعة التحقيق إذا ما وقعت مخالفة. بل نظم القانون أيضا طريقة قياس الأرض "مسح الأرض" وقت نمو المحصول حتى لا تفرض الضرائب علي الأراضي غير المزروعة مع إلزام شيوخ القرى بتقديم التقاوي اللازمة للفلاحين غير القادرين حتى لا تترك أراضي بدون زراعة. وفي الواقع أن هذا النظام حقق نجاحا خلال السنوات الأولي من تطبيقه نظرا لأنه خلص الفلاحين من العديد من المظالم التي كانوا يعانون منها قبيل الغزو العثماني، إلا أن ذلك النظام سرعان ما فشل فشلا ذريعا بسبب قيام الموظفين بخرق نصوص القانون وتحصيل الأموال الإضافية لصالحهم، بالإضافة إلى أن غالبية المفتشين انشغلوا بأنشطة أخري وكلفوا وكلاء لهم للقيام بعملية تقدير الضرائب مما أدي لزيادة الأعباء علي الفلاحين وتزايد مساحات الأرض المتروكة بدون زراعة. وقد حاول الوالي العثماني مقصود باشا إصلاح هذا الوضع عام 1643م وإحكام الرقابة علي الموظفين، إلا أن هذه المحاولة لم تكن كافية مما أدي لتطوير نظام المقاطعات بالكامل إلى "نظام الالتزام"، وهو نظام لا يعتمد علي الموظفين الرسميين في جمع الضرائب بل يعتمد علي التزام بعض كبار القوم بجمع هذه الضرائب من قري محددة ولفترة زمنية محددة نظير العديد من الامتيازات التي يحصل عليها ذلك الملتزم، وقد ظهرت أول أوراق رسمية بهذا النظام عام 1658م، وقد استمر العمل به قرابة 156 عام إلى أن ألغاه محمد علي عام 1814م. وكان الملتزم يحصل علي حق التزامه في مزاد علني يحصل بعده علي وثيقة تحدد التزامه مع أوامر مُلزِمة لمشايخ القرى وفلاحيها بدفع الضرائب لذلك الملتزم. وكان الملتزم يدفع مبلغا من المال دفعة واحدة يسمي "حِلوان" بالإضافة إلى توريد الضرائب المقررة. وتمثلت حقوق الملتزم نظير القيام بأعبائه في البنود التالية:
- حقه في الحصول علي قطعة من أرض التزامه تكون معفاة من الضرائب "أرض الأوسية" مع منحه حرية استغلالها.
- حق توريث حصة الالتزام نظير دفع مبلغ من المال "حِلوان".
- حق رهن حصة الالتزام وذلك في حالة إعسار الملتزم.
- حق بيع حصة الالتزام أو إسقاطها وخاصة للملتزمين المستقرين بشرط التنازل عن حصص متساوية من أرض الفلاحة وأرض الأوسية. وكان هذا الحق مصدرا للمضاربة علي الأرض حيث كانت الاسقاطات تتم في القاهرة بين الأمراء وبعضهم حيث يحققون الأرباح وتزداد الأعباء علي الفلاحين.

إلا أن جميع هذه الحقوق كانت في إطار حق الانتفاع فقط إذا ظلت ملكية رقبة الأرض في يد الدولة ومما يذكر أن عدد الملتزمين عند بداية تطبيق نظام الالتزام عام 1660م كان قد بلغ 1714 ملتزما بينما بلغ هذا العدد في أواخر القرن الثامن عشر حوالي ستة آلاف ملتزم مما يعني صغر حجم الالتزامات وتفتتها. وعلي ذلك فان نظام الالتزام كان يتضمن نوعين من الأراضي هما أرض الوسية وأرض الفلاحة.

أ - أرض الوسية: وهي قطعة من الأرض يمنح حق استغلالها للملتزم نظير قيامه بأعباء التزامه. وهي تكاد تكون مزرعة خاصة للملتزم معفاة من الضرائب، وكان يتبع في استغلالها أحد أشكال ثلاث وفقا للظروف السائدة في كل منطقة:
- الاستغلال مباشرة باستخدام عمل سخرة الفلاحين.
- تأجير الأرض للفلاحين مشاركة علي المحصول "تأجير موسمي أو سنوي".
- تأجير الأرض للفلاحين نقدا "تأجير سنوي".

ب - أرض الفلاحة: وهي المصدر الأساسي للضرائب في العصر العثماني، وكان الملتزم يقوم بتقسيمها وتأجيرها للفلاحين نظير دفع مبلغ من المال للملتزم يبلغ نحو أربعة أو خمسة أضعاف الضريبة المقررة والتي تعهد الملتزم بدفعها للدولة. وقد قسمت الأرض وفقا لخصوبتها إلى ثلاث درجات "عال - وسط – دون"، مع تعهد الفلاح بزراعة أرضه وعدم تركها بدون زراعة وفي مقابل ذلك كان للفلاح بعض الحقوق منها:
- حق توريث الانتفاع بقطعة الأرض.
- حق رهن الانتفاع بجزء من الأرض "غاروقة".
- حق تأجير أرضه أو جزء منها للغير، أو مشاركة الغير له في زراعتها.
- حق استمرار الفلاح في أرضه طالما يدفع ما عليه من التزامات.

وقد أطلق علي بعض أرض الفلاحة في الوجه البحري "أرض الأثر" وهي الأراضي التي لم يتمكن أصحابها من لإثبات ملكيتهم لها بصكوك مكتوبة، ولكنهم تمكنوا من إثبات وضع يدهم عليها أجيالاً بعد أجيال، وهي أراضي لم تتغير حدودها نتيجة الفيضانات، وبالتالي يستمر بقاء الفلاح عليها طالما يقوم بتسديد التزاماته ولا يستطيع الملتزم طرده من الأرض. أما أرض الفلاحة في الوجه القبلي فقد كان يطلق عليها "أرض المساحة" نظرا لأنه كان يعاد مساحتها سنويا عقب انحسار مياه الفيضان. وقد ترتب علي ذلك قدر من الحرية لفلاحين الوجه القبلي حيث كان التعاقد مع الملتزم ينتهي بحصاد المحصول أما فلاحين الوجه البحري فقد كانوا أكثر ارتباطا بالأرض نظرا لاستمرارية حيازاتهم لها، ونجد في هذا النظام أصل كلمة "قراري" والتي وصف بها الفلاح المصري بشكل عام.

ت – نسب أرض الاوسية: إن الدراسات المتوفرة حتى الآن حول هذا الموضوع تثبت عدم وجود نسبة ثابتة بين أرض الفلاحة وأرض الاوسية. وأن هذه النسبة كانت تتوقف علي العديد من العوامل من أهمها القوة التفاوضية للملتزم "عصبية عسكرية – قدرة مالية متمثلة في زيادة الحلوان والرشاوى" ويوضح الجدول التالي بيان بمساحة ونسب هذه الأراضي في بعض قري محافظة الشرقية عند بداية القرن التاسع عشر. ويتضح من هذا الجدول تفاوت هذه النسبة داخل الولاية الواحدة، فبينما بلغت نسبة أرض الاوسية في ناحية اتريب 17.9% فقط فإنها تخطت حاجز ألـ 50% في قريتي ميت نشار وانشاص البصل حيث بلغت تلك النسبة 53.5%، 57.1% علي الترتيب.

وفي عام 1814م تم مسح ثلاثمائة قرية من قري أقاليم الغربية، والمنوفية، والمنصورة، والقليوبية، والشرقية، حيث بلغت مساحة أراضي الاوسية 37476 فدانا، بينما بلغت مساحة أراضي الفلاحة 355910 فدانا، أي أن نسبة أراضي الاوسية بلغت 9.5% من إجمالي الأراضي في تلك الأقاليم والبالغة 393386 فدان. كذلك فقد وجدت عدة قري بدون أرض الاوسية إلا أنها كانت استثناء من الظاهرة وإن لم يوجد تعليل لهذا الاستثناء، كما وجد في قري المساعدة، والعرين وزرزمون، وحوض نجيح، وشمنديل، وشبارة، التابعة لولاية الشرقية. وقري جناح، وخباطة، وكفرالاقرع التابعة لولاية الغربية. وبدراسة أوضاع الحيازة وضرائب الأطيان بقرية الانبوطين وتوابعها "بقلولة ومنية حبيش" التابعة لولاية الغربية عام 1798م كما وردت في كتاب وصف مصر يتضح أن زمام تلك القرية وتوابعها 3209 فدان، كما بلغت مساحة أراضي الرزقة بأسماء أشخاص ومعفاة من الضرائب 56 فدان بنسبة 1.7%، وبلغت مساحة الأراضي البور والمنافع 31 فدان بنسبة 0.96%، أما أراضي الالتزام فقد بلغت مساحتها 3122 فدان بنسبة 97.3%. وقد بلغت مساحة الاوسية من أرض الالتزام 171 فدان من الأراضي الجيدة ، أي بنسبة 5.5%، بينما بلغت أراضي الفلاحين "الأثر" 2951 فدان وبنسبة 94.5%.

الالتزام والإقطاع الأوربي
ساد نوع من الخلط الكبير بين نظام الالتزام الذي ساد في مصر تحت الحكم العثماني وبين نظام الإقطاع الأوربي، وسنحاول فيما يلي التفرقة بين النظامين:
-ينتمي نظام الالتزام من حيث المبدأ النظري ومن حيث الممارسة العملية إلى سيادة الدولة علي رقبة الأرض وحقها في سخرة الفلاحين. في حين أن النظام الإقطاعي ضمن الملكية الفردية للأرض، والفلاحون فيه أقنان بحكم القانون.
-يستطيع الملتزم توريث حق الانتفاع فقط بشرط موافقة الوالي في حين أن الإقطاعي يورث كامل حقوق الملكية لذريته.
-لا يستطيع الملتزم انتزاع أرض الأثر من الفلاح إلا إذا قصر في أداء الخراج "فحق انتزاع الأرض للدولة فقط". أما الإقطاعي فيستطيع انتزاع الأرض من الفلاح دون أي قيود.
-لا توجد نبالة متوارثة في نظام الالتزام حيث أن سطوتهم غير مستقرة. في حين أن إقطاعيات النبلاء في النظام الإقطاعي ثابتة الأركان، وفي علاقة هرمية مرتبة وصولا إلى الملك.
-ليس الملتزمون حكاما في مناطق التزامهم بل يشرفون عليها مع إقامتهم في القاهرة. هذا في حين يقيم أمراء الإقطاعيين في إقطاعياتهم، ويمارسون بالتواجد الفعلي كافة سلطاتهم.
-ليس للملتزمين قوة عسكرية خاصة بهم، بينما كانت القوة العسكرية الخاصة بنبلاء الإقطاع سمة أساسية لقوة وجودهم.

غير أن بعض السمات القائمة في ذلك الوقت هي التي أعطت انطباعا بتماثل النظامين مثل السخرة الجزئية علي أرض الأوسية، وتتابع توريث الانتفاع بها وحق التنازل عنها مما جعلها قريبة من الملكية الخاصة، كذلك ما كان يحصل عليه الملتزم من فرد وإتاوات إلى جانب الفايظ المقرر له، وأخيرا نفوذه الاجتماعي والسياسي الكبير علي أهل القرية. إلا أن هذا لا يعني أن الملكية الخاصة "ملكية الرقبة" لم تكن موجودة حيث عثر علي وثيقة ملكية للأرض الزراعية بتاريخ 1521 م، وأخري بتاريخ 1761م، إلا أن تلك الحالات نادرة ولا تمثل اتجاها عاما.

الشكل العام لحيازة الأراضي
في مصر العثمانية
يمكن تصور الشكل العام لحيازة الأراضي في مصر العثمانية من خلال ثلاثة أقسام رئيسية هي نظام الالتزام، والاقاطيع السلطانية، وأراضي الرزقة بلا مال.

أ - أراضي الالتزام: وهي أهم سمات حيازة الأرض الزراعية خلال تلك الفترة والمصدر الرئيسي لإيرادات الدولة من الضرائب، وقد سبق شرح أصول عمل هذا النظام الجديد.

ب - الأقاطيع العثمانية: وهي أراضي سلاطين المماليك التي صادرها العثمانيون بالإضافة لأراضي الاقطاعات العسكرية التي كانت تابعة لهم. هذه المساحات تم تجميعها تحت اسم الأقاطيع العثمانية حيث كانت تستغل لحساب السلطان العثماني، وكانت أيضا مصدر المنح والعطايا من السلطان إلى أتباع.

ت - أراضي المسموح: وهي على ثلاث أنواع، وكلها مُعفاة من الضرائب: النوع الأول هو "مسموح المشايخ" وهي مساحات من الأرض كان حق استغلالها يمنح لمشايخ القرى مقابل القيام بالمهام التي تكلفهم بها الإدارة، كما كانت تُمنح لبعض العلماء من رجال الدين، والنوع الثاني "مسموح المصاطب" وهي قطع من الأرض تُمنح لوجهاء القوم من أهل القرى نظير استضافتهم لرجال الإدارة عند مرورهم بالقرى، أما النوع الثالث فهو"مسموح البدو" وهي قطع من الأرض تُمنح لرؤساء قبائل البدو مقابل تشجيعهم على الإقامة والاستقرار نظراً لأنهم كانوا مصدر قلق دائم للمواطنين من أهل الوادي والدلتا.

ء - أراضي الرزقة: وهي عبارة عن مساحات واسعة من الأراضي تمثل بقايا اقطاعات كان السلاطين قد أنعموا بها علي بعض المقربين "رزقة بلا مال" ولأصحابها حق توريث الانتفاع بها لذريتهم، وهي معفاة من الضرائب عدا ضريبة رمزية نظير حماية الدولة لها أطلق عليها "مال الحماية". وقد وجدها السلطان سليم وأقر حصانتها حين امتنع عن أن يعهد بها إلى ملتزمين لكل من أثبت حججه عليها، بل أنه قام بمنح بعض رجاله وجنوده ومن ساعده من المماليك بعضاً من أراضي الرزقة.

هـ – أراضي الأوقاف: عند بداية الحكم العثماني نرى السلطان سليم يقوم بفحص حجج الوقف حيث يتم إلغاء العديد من الأوقاف التي لم تُثبت صحة حججها، كذلك إلغاء أوقاف الأراضي المقتطعة من أراضي الدولة، ثم إلغاء كل أراضي الرزق بأنواعها الثلاث " أحباسية- مماليك- جيشية"، وقد تم إضافة كل هذه الأراضي إلى أملاك الدولة ممل يعني تقلص مساحات أراضي الوقف بنسبة كبيرة عند بداية الحكم العثماني. هذه المساحات الموقوفة من الأراضي عُرِفت على نوعين: الأوقاف السلطانية وهي التي أوقفها سلاطين مصر السابقين مثل وقف الدشيشة الكبرى ووقف الحرمين، وكذلك التي أوقفها السلاطين العثمانيين مثل وقف المحمدية ووقف الأحمدية ووقف المرادية، والنوع الثاني ويعرف بالأوقاف الأهلية وهي التي أوقفها بعض المواطنين بالإضافة للأمراء السابقين أمثال الغوري وخاير بك وقايتباي وغيرهم، وهذه الأراضي كانت موقوفة على ذريتهم ثم آلت إلى جهات البر بعد وفاتهم. إلا أن مساحات أراضي الوقف ازدادت زيادة كبيرة عند نهاية فترة الحكم العثماني نتيجة الأيلولة الطبيعية لأراضي الرزق المحبوسة على الذرية إلى جهات البر بالإضافة إلى الأوقاف الجديدة، كما ساعد على ذلك أيضاً فساد إدارة هذه الأوقاف. وقد كانت جميع أراضي الأوقاف معفاة من الضرائب عدا ضريبة الحماية.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مراسلنا: دمار كبير في موقع عسكري تابع لفصائل مسلحة في منطقة


.. إيران تقلل من شأن الهجوم الذي تعرضت له وتتجاهل الإشارة لمسؤو




.. أصوات انفجارات في محافظة بابل العراقية وسط تقارير عن هجوم بط


.. جيش الاحتلال يعلن إصابة 4 جنود خلال اشتباكات مع مقاومين في ط




.. بيان للحشد الشعبي العراقي: انفجار بمقر للحشد في قاعدة كالسو