الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


((إدغار موران وتعليم فنّ الحياة في الزمن الراهن)). من -دهشة فعل التفلسف كعقلنة - في الحلقة الثالثة- الجزء الأول من حوارنا مع البروفيسورة خديجة زتيلي في -بؤرة ضوء-

فاطمة الفلاحي
(Fatima Alfalahi)

2017 / 4 / 19
مقابلات و حوارات


((إدغار موران وتعليم فنّ الحياة في الزمن الراهن)). من "دهشة فعل التفلسف كعقلنة " في الحلقة الثالثة- الجزء الأول من حوارنا مع البروفيسورة خديجة زتيلي في "بؤرة ضوء"

https://i58.servimg.com/u/f58/19/60/38/08/5510.jpg


ـــ كتبت الفيلسوفة خديجة زتيلـي عن ((إدغار موران وتعليم فنّ الحياة في الزمن الراهن)).
يتحدث موران الذي عرف بنظرية التعقيد واستراتيجية الفكر المركب «عن عملية إنشاء عنيفة لنموذج غربي للتقدم خارج الشروط التاريخية، والثقافية، والتقنية التي كانت تنتمي إلى التقدّم الغربي، وبالتالي فهو نموذج مفروض من الخارج، نموذج تقني بيروقراطي لا يرى إلا الآلة الصناعية، ولا يرى أبداً الإنسان، الذي تكون كفاءته الأولية ضرورية لعمل الآلات والذي تكون ثقافته الأولية غير قادرة على التكيف مع عالم تقني موضوع تحت ضغط القياس الزمني."

3- فهل أن فائق التنمية يجسد تنمية أشكال من التخلف تصدر الى شعوب ودول عديدة، من قبل الغرب المتقدم، علما بأن موران يرى التنمية بمثابة واقع متأزم وحرج يحمل في الوقت نفسه ما يحمل من الهدم والإبداع والتقهقر والتقدم."؟

د. خديجة زتيلي:

صاغ إدغار موران ــ (المولود بباريس عام 1921) ــ بمنتهى الوضوح أفكاره وقد شرح في ألمعيّة موقفه من عصرنا الحالي، ففي نصّه الشهير إنسانيّة البشريّة: الهويّة البشرية يقول: «ربّما ينبع التهديد الكبير الذي يثقل على كوكبنا من اتّحاد بين بربريّتين: تنبثق الأولى من أعماق العصور التاريخيّة وتحمل الحرب، والمجازر، والنفي، والتعصّب. وتنحدر الثانيّة، متجمّدة، ومجهولة، من حضارتنا التقنيّة ــ والصناعيّة التي لا تعرف سوى الحسابات وتجهل الأفراد وأجسادهم، ومشاعرهم، وأرواحهم. وقد ظهر شكل جديد مفاجئ من أشكال الاتّحاد بين هاتين البربريتين في 11 أيلول/ سبتمبر 2001». لقد تمّ انتهاك كرامة الإنسان وآدميّته كما يشرح موران ذلك في أكثر من منجز فكري له، ويروي بكثير من المرارة والحزن فقدان العصر للمعايير الأخلاقيّة وتحطّم القيّم الإنسانيّة، فقد تراجـع دور الأسرة إن لم يختف في كثير من الأحيان وصار دور المجتمع في عمليّة التنشئة باهت المعالم، وانتشر الاقتصاد غير المشروع ونمت الأزمات الديمغرافيّة بشكل صارخ، وازدادت مخاطر الحروب والأسلحة النوويّة، وتدهورت البيئة، وتغوّلت التقنيّة، وازدادت معاناة البشر في الجغرافيات الفقيرة والمشتعلة بفعل الحروب والثورات، وعاث الإنسان في الأرض فساداً في جغرافيات أخرى بسبب جبروته وهيمنته وتسلّطه وإفلاته من القانون والعقاب، كما انتشرت جراء ذلك أمراض العصر التي كانت وثيقة العرى بهذا الواقع المرير مثل الإجهاد والإدمان والشعور بالضجـر والفراغ والاغتراب عن الواقع والانتحار وظاهرة العنف المتناميّة، وتعاظمت في الوقت نفسه الأزمات النفسيّة. ينضاف إلى ذلك كلّه تنامي ظاهرة الأصوليّات الدينيّة والعرقيّة والإثنيّة والطائفيّة بشكل غير مسبوق، تحوّل معها العالم إلى قنبلة موقوتة بإمكانها أن تنفجر في أية لحظة.

إنّ التقنيّات التي أنتجها الإنسان، على حدّ تعبير موران في كتابه ثقافة أوروبا وبربريتها، أصبحت ترتدّ ضدّه لا محالة في ظلّ انفلات الأفكار والأخلاق، وقد قادته التطوّرات العظيمة والسريعة تلك إلى طريق الهاويّة. كان حِجاج موران يبدو منطقيّا وهو يستند إلى الواقع والتاريخ، لقد صرّح في كتابه عنف العالم، الذي اشترك في كتابته مع زميله جان بودريارد، قائلاً: «ما يجري على هذا الكوكب له علاقة في التداخل بين التطوّرات الاقتصاديّة، والاجتماعيّة، والدينيّة، والقوميّة، والميثولوجيّة، والديموغرافيّة، إلخ لذلك فإنّ المهمّة الأصعب تكمن في التفكير في كوكبنا، هذه المهمة هي أيضا الأكثر ضرورة»، لتحيلنا أطروحاته بهذا الشأن إلى فكرة الهويّة الأرضيّة والمصير الإنساني المشترك، فمجابهة أخطار العولمة، في تقديره، لا تكون إلاّ بالالتفات إلى إنسانيّة الإنسان، فالأرض سفينة للجميع ووطن الناس، وهذا ما يعزّز مفهوم المواطنة العالميّة والمصير الأرضي المشترك الذي يقتضي وعيا يقظا لاختيار طريق الخلاص، ومن دون اختيار لهذا الطريق ستسير البشريّة إلى الهاويّة لا محالة.
ففي كتابه المعنون هل نسير إلى الهاويّة؟ وفي مقطع بالغ الأهميّة وعميق المضمون يؤكد موران بلهجة صارمة أنّه «لا يمكن تصوّر الهويّة الأرضيّة والأناسة السياسيّة من غير فكر قادر على الربط بين المفاهيم المنفصلة والمعارف المجزأة. فالمعارف الجديدة التي تجعلنا نكتشف الأرض والوطن ــ والأرض النسق والأرض الغابة والمحيط وموقع الأرض من الكون ــ ليس لها معنى ما دامت منفصلة عن بعضها. ولنكرّر القول إنّ الأرض ليست جماع كوكب مادي ومحيط حيوي، وبشريّة. بل الأرض كليّة مركّبة ماديّة وحياوية وإنسانيّة، حيث الحياة انبثاق عن تاريخ الأرض والإنسان انبثاق عن تاريخ الحياة الأرضيّة». ولهذا التوصيف المدهش عند موران مغزاه العميق في تأكيد العلاقة الوطيدة والحيويّة والروحيّة بين الطبيعة والانسان.

يرسم موران، بهذا الصدد، خارطة جديدة للمستقبل وللخلاص من شرور العالم، وهو لا يقترح فيها برنامجا سياسيّا في المعنى الضيّق للكلمة بل إنّ عينه على مسار إصلاحات عديدة هادفة مرهونة، على صعيد أولي، بإصلاح التعليم وتغيير طريقة التربية. فهناك جملة من المشاكل العميقة التي تعصف بالمجتمعات الغربيّة المعاصرة، وبالمجتمع الفرنسي على وجه الدقّة، وحسبه فإنّه لا يتأتّى إيجاد حلول ناجعة وأصيلة لمختلف تلك الأزمات إلاّ بإعادة النظر بشكل جدّي في مناهج التعليم، والعمل الحثيث على إصلاح النظام التربوي والاهتمام بفحوى برامجه للتمكين من بناء الإنسان السويّ وصناعة المواطن الصالح الفعّال والمتسامح مع غيره. فالتربيّة تنتظرها رهانات كبيرة لمواجهة المستقبل وتحدياّت الألفيّة الثالثة، ولعلّ الشرط الإنساني، فيها، هو من الضرورة بمكان للمصير الأرضي المشترك. فقد حان الوقت، حسب موران، لِتَبيّن النقائص والثغرات الموجودة في أساليب التعليم الحاليّة لمواجهة المشاكل الحيويّة ولفهم إنساني لها يكون أكثر رحابة وعُمقا، لذلك يدعو إلى تجاوز مفهوم التفسير إلى الفهم، بل يؤكّد في سياق كتابه الموسوم بــ تعليم الحياة على ضرورة تركيز الوظيفة التعليميّة على مسألة الفهم لأنّها، وفق تقديره، غائبة بالفعل في المدارس، فمن شأن الفهم أن يُعِين على تقبّل الآخر والابتعاد عن الأحكام الجاهزة التعسفيّة، كما أنّ الفهم يُحِيل في الوقت نفسه إلى التسامح والإيمان بقضيّة الاختلاف المشروعة بين البشر، ويعزّز من أخلاقيات الفهم عند الشباب بشكل عام، وعند تلاميذ المدارس وطلاب الجامعات بشكل خاص.

فلا شكّ أن فرنسا في الزمن الراهن تُعاني من مشكلات سياسيّة واجتماعيّة لا حصر لها، ولكي تَرْأَب ذلك الصدع العميق الذي تعاني منه والناتج بالدرجة الأولى عن شعور الاغتراب الذي ينتاب ساكنتها الآتية من أصول جغرافية وعرقية ولغوية واثنية مختلفة، عليها أن تركّز على إصلاح التعليم وتغيير برامجه والعمل بضمير مُتيقظ على تكريس هويّة فرنسيّة لا تطمس الخصوصيّات ولا تَتَوجّس خِيفة من المواطن الفرنسيّ من غير الأصول الفرنسيّة، بل عليها أن تُنهي علاقتها بتلك الأطروحات العنصريّة التي ظلتْ متجذّرة في الفكر الفرنسي وكانت لها اليد الطولى في السُخط الكبير للناس جراء ذلك. فالتربيّة، كما يراها موران، لا تهدف إلى تبليغ المعارف فحسب، بل إلى بناء معرفة قادرة على فهم مشاكل المجتمع والمساعدة على التواصل بين المعارف لاستيعاب الحياة وإيجاد رابط إنساني متين لكل هذا الزخم. وتحقيقاً لهذه الغاية الساميّة على التربيّة أن تنتبه إلى العناصر الأساسيّة الغائبة في برامج التعليم وأن تعمل على إحيائها وتفعيلها وتكريسها عن طريق المعلّمين والأساتذة الذين بإمكانهم أن يحملوا على عاتقهم وِزر هذه المهمّة العسيرة والحضاريّة. فإذا أرادت فرنسا أن تتجاوز مشكلاتها الحاليّة عليها أن تُصلح التعليم وتنتبه إلى مادة التاريخ بشكل خاصّ وتضع في الحسبان مختلف العناصر، من غير الفرنسيين، الذين ساهموا في بناء فرنسا وأصبحوا مع مرور الوقت جزءاً من هذا التاريخ الذي لا يُراد له أن يظهر إلى السطح أو إلى العيان. وفي نهاية المطاف فإنّ المنظومة التربويّة وحدها الكفيلة بهذه المراجعات واستكشاف الخلل الموجود في المجتمع، فإصلاح التعليم هو إصلاح العقول وإعادة التفكير في المشاكل التربويّة، وهذه هي الرهانات الحقيقيّة التي تُواجه فرنسا اليوم أملاً في إصلاحٍ سياسي واجتماعي شامل وفي بناء إنسان متفهّم متسامح ومتصالح مع ذاته ومع غيره في زمن العولمة.

انتظرونا عند ((إدغار موران والفكر المركّب/ الفكر المعقّد)). من "دهشة فعل التفلسف كعقلنة " في الحلقة الثالثة - الجزء الثاني من حوارنا مع البروفيسورة خديجة زتيلي








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مصادر: ضربة أصابت قاعدة عسكرية قرب أصفهان وسط إيران|#عاجل


.. القناة 12 الإسرائيلية: تقارير تفيد بأن إسرائيل أعلمت واشنطن




.. مشاهد تظهر اللحظات الأولى لقصف الاحتلال مخيم المغازي واستشها


.. ما دلالات الهجوم الذي استهدف أصفها وسط إيران؟




.. دراسة جديدة: اللحوم النباتية خطرة على الصحة