الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


دامداماران [4] امة.. امتان.. أم أمم..

وديع العبيدي

2017 / 4 / 20
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


وديع العبيدي
دامداماران [4]
امة.. امتان.. أم أمم..
أو: الحرب في اللغة..

[إذا أردت تطبيق ما عندك من علم في "الأثنولوجيا" وفي "الأنتروبولوجي" وفي العلوم المشابهة الأخرى، على التقسيم الثنائي للعرب، فستجد نفسك حائراً تائهاً لا مجال لقواعد علمك في هذا المكان. فبين القبائل التي تنتمي إلى "قحطان" مثلاً تباين كبير في الملامح وفي العقلية وفي اللغة، ويجعل من غير الممكن تصور وجود وحدة دموية تجمع شمل هذه القبائل، وجدّ واحد انحدر من صلبه هؤلاء، وبين القبائل العدنانية اختلاف كذلك في الملامح وفي اللغة.]- د. جواد علي

خلافيات الواقع التاريخي ..
ذهب "دوزي"* إلى وجود فروق أساسية بين القحطانيين و العدنانيين، حتى ذهب إلى وجود اختلاف بين نفسية كل جماعة من الجماعتين. وذهب بعض الباحثين في علم الأجناس البشرية "Anthropology" إلى إن السكان الجنوبيين هم من أصل حامي*، وان وطنهم الأصلي هو أفريقية.
وقد ذهب بعض آخر إلى وجود شبه كبير في الملامح وفي الخصائص البشرية بين السكان الجنوبيين والقبائل الإفريقية الساكنة على الساحل الإفريقي من البحر الأحمر والصومال. فيما رأى آخرون أنهم: مزيج واضح المعالم من أجناس بشرية ، وذلك منذ أقدم أيامها.
فنرى فيها قبائل تشبه جماعة "الفيديد" "Weddid" الهندية، وهي من السلالات الهندية القديمة، يسكن بعضها في أرض "سيهان" و "معارة" من حضرموت.
كما نرى فيها عناصر مما يطلق عليها اسم "الجنس الشرقي" "Orientalide Rasse"، وهو الجنس الذي يكثر وجوده بين السكان الشماليين*، وعناصر أخرى تمثل إنسان حوض البحر المتوسط "Mediterranen Rasse" أو الأجناس الأوروبية، وتتراوح نسبة هؤلاء بين [8 - 12%] من المجتمع.
كما يلحظ إن القحطاني الساكن على السواحل الجنوبية يختلف في سحنته عن القحطاني الساكن في المرتفعات والهضاب، والجبال. وان الساكن على السواحل المقابلة للسواحل الأفريقية يختلف في ملامحه الجسمية عن الساكن على السواحل المقابلة للهند.
وان سكان حضرموت أو عمان أو مسقط يختلفون في الملامح والسحن عن إخوانهم القحطانيين الساكنين في اليمن وفي نجران والأقسام الجنوبية من السعودية اليوم.
وقد وجد الباحثون بين القبائل الجنوبية، جماعات لها ملامح آشورية وجماعات ذات ملامح تشبه ملامح سكان آسية الصغرى، وجماعات ذات ملامح أفريقية. ووجد الدكتور "سليمان أحمد حزين" أن بين أهل شمال اليمن وبين أهل جنوب اليمن إلى المحيط اختلافات بارزة في الملامح وفي المظاهر الجسمية.كما وجد هذا الاختلاف بارزاً في بقايا الهياكل البشرية القديمة التي عثر عليها في العاديات. ووجد غيره مثل ذلك.
وما هذه المظاهر والملامح والاختلافات الملحوظة من الجماجم وبقية الهياكل البشرية ومن أشكال التماثيل والصور، ومن دراسات الباحثين "الأنتروبولوجيين" للقبائل الحاضرة، إلا حكاية واضحة صريحة عن عملية امتزاج أجناس بشرية متعددة في القبائل الجنوبية، بسبب الهجرات والحروب والاتصال البحري والتجارة وعوامل أخرى، ونجد مثل ذلك بالطبع بين من نسميهم بعرب الشمال. ونعرف إن الدول القديمة كانت تنقل البشر نقلا من مناطق إلى مناطق فتزرعهم فيها، وان أكثر أفراد الجيوش التي كانت ترسل لمحاربة القبائل أو للتوسع في الجزيرة كانت تبقى وتستقر في المواضع التي ترسل إليها، فتتطبع بطباع من نزلت بينهم، وتكون في النهاية منهم، أضف إلى ذلك اثار تجارة الرقيق وبقاياها.

قحطان وعدنان..
وبحسب جواد علي: أن ما نسميه نزاعا قحطانيا وعدنانيا، لم يكن شديداً قبل الاسلام، بين القبائل التي كانت تقيم في الأنحاء الشمالية من جزيرة العرب:[بلاد الشام/ ويطلق عليها (كنعان) ايضا]، أي بين تلك القبائل التي رجع النسابون نسبها بحق أو بغير حق إلى عدنان أو قحطان؛ بمثل تلك الشدّة التي تظهر في النزاع الذي تحدثوا عنه بين القبائل التي كانت تعيش في اليمن أو في الحجاز.
وقد اقتضت طبيعة الخصومة بين يمن ومضر وتحولات موازين القوى ومعادلات النفوذ، ان تزيد حدتها في الإسلام، ولاسيما –عقب فتح مكة*-، وتضطرم اكثر مع تولي ابي بكر وعمر والصراعات المتوالدة مع تحولات النفوذ والقادة، وصولا لتسرب السلطة للفرس والترك.

يثرب ومكة.. حضارة وبداوة..
يرى بعض الباحثين ان انقسام العرب إلى قحطانيين وعدنانيين وراء: نزاع "يثرب" ومكة قبل الإسلام، لاختلاف اصولهم السكانية، أو اختلافاتهم الدينية وتنافسهم التجاري. فيما يرجعه آخرون إلى التنازع الطبيعي بين (البداوة والحضارة). فقد كان أهل يثرب/ اهل اليمن: أصحاب حضارة وملك. أما أهل مكة ومن والاهم، فقد كانوا أعراباً أو شبه أعراب.
ومن ثم كانت غالبية (العدنانية) التي يذكر أهل الأخبار أسماءها قبائل أعرابية، أي قبائل بدوية، أو قبائل غلبت البداوة عليها. فيما كانت غالبية (القحطانية) قبائل مستقرة أو قبائل شبه حاضرة، أي (تنخت/ تنوخ- ومنهم التنوخيون) في أماكن ثابتة ومالت إلى حياة الحضارة.
ومن هنا اختلفت طبيعة أهل يثرب عن طبيعة أهل مكة، ووقع النزاع والتنافس بين الجماعتين، وتحول إلى نسبين. ومن هنا قيل: الحضر خلاف البدو، والحاضر خلاف البادي، و "أهل الحاضرة" و "أهل البادية". و "الحاضرة"، خلاف البادية وهي المدن والقرى والريف، وهو تقسيم، يرونه، قديماً، يرجع إلى الجاهلية.
ولما كان الحضر أرقى فكرياً من أهل الوبر، صارت إليهم السيادة في الغالب، فتحكموا في القبائل العدنانية، وملكوا القبائل المعدية. فحكم المناذرة والغساسنة وآل كندة وغيرهم ممن يرجع نسبه النسابون إلى قحطان، على قبائل عدنانية.
ولم يحكم العدنانيون القحطانيين قبل الإسلام. وكما سبق الذكر، فقد كان بين يثرب ومكة، نزاع شديد قبيل ظهور الإسلام. فكان الاسلام الجديد، محاولة لتغيير الموازين والمعادلات، برفع مكة على سواها، وتسليط العدنانيين واهل البداوة على القحطانيين الحضر واهل الحضارة، وفرض قيم البداوة والفطرة وأخلاقياتها على قيم العقل والمنطق والعمل.

انصار ومهاجرون..
ولما لجأ قادة الجماعة المحمدية إلى "يثرب"*- فيما دعي بالهجرة-، اصطلح على أتباعها الذين تبعوه بالمهاجرين. وقد دامت الهجرة إلى عام الفتح: "فتح مكة". وأما أهل يثرب –القحطانيين/ اليمانية- الذين آووا الرسول ونصروه، فقد عرفوا بالأنصار لانتصارهم للرسول ولتقديم مساعداتهم له.
وقد استند قرار اختيار يثرب مركزا للجوئهم دون سواها، الى أمرين:
1- طلب حماية اهل الكتاب الذين اعتبر المحمديون أنفسهم قريبين منها في البداية/ العهد المكي؛
2- استغلال الخلاف التاريخي بين يثرب ومكة وبين أهلها القحطانيين وأهل مكة العدنانين؛
مما يضمن لهم أمرين بالنتيجة:
1- توافق المصالح تكتيكا واستعدادهم لمحاربتهم تحت أي عنوان.
2- عدم خذلانه وتسليمه اليهم.
وقد صيّر النزاع السابق ذكره لفظة "الأنصار" علماً خاصاً على أهل المدينة – المدنية/ يثرب -، حتى كادت تكون نسباً، واصطبغت الدعوة بصبغة يمانية. وقد رافق العقل التكتيكي كل مراحل حركة محمد وسياساته، مما يمكن استقراؤه عمليا [موقفه من ابي سفيان مثلا]، وفكريا في تعاليمه ونصوصه القرآنية. وقصة النسخ وأسباب النزول، صورة تكتيكية لتغيير المواقف والأفكار، بحسب معطيات الواقع وموازين القوى، ومدى توافقها مع المرامي الشخصية، باعتماد المراوغة والحيلة والخداع التي يفتخر بعضهم بأنها من ادوات الحرب وتكتيكاتها.

يمانية ونزارية..
في العصر الأموي استعملت لفظة "اليمانية" في مقابل "النزارية"*، مستندين في موقفهم الى مرجعية قومية سياسية، لا تأخذ بقصة النبوة وتفاصيلها اجمالا، ومعتبرين دولتهم في دمشق امتدادا لنفوذهم السابق في مكة وسيادتهم في قريش. ويظهر إنها تغلبت على لفظة "الأنصار" وقضت عليها. وهي تعني القبائل التي ترجع أنسابها إلى اليمن. أما "النزارية" فقد عنت كل القبائل العدنانية. وبحسب علم الاثاريات يعتبر بعض المستشرقين الحكم الاموي واقعا تاريخيا، ونفوا سياسيا يشمل مناطق الحجاز وبقية مناطق شبه جزيرة العرب، بينما تنعدم اية دلائل مادية على ما يدعى حقبة (خلفاء راشدين).
ويمكن القول ان تلك الحقبة جرى فبركتها او المبالغة في حجمها وآثارها في ايام العباسيين، الذين برروا حكمهم، بعودة السلطة/ الدولة لبني هاشم أو بني طالب. وهو الخلاف المعروف حول احقية الحكم بين الصحابة واهل البيت، واعتبار العباس –عم الرسول- من اهله، وأولى في الحق من ابن العم –علي ابن ابي طالب-، أو الصحابة والاتباع وبقية قريش.
وعلى طريقة التدبيج التاريخي والسياسي، كان الرواة يدعمون رواياتهم بشعر منظوم أو حديث نبوي. ويلحظ سعة وتنوع تلك الاشعار والاحاديث والروايات بشكل يغطى كل مساحة الخلاف واطرافه ومراحله، وبشكل لا يخلو من المنافسة والمنابزة والتحدي –الحرب الكلامية/ الباردة- الملحوظة في المثال بين العدنانيين والقحطانيين.
ومنه ما أورده ابن حجر والترمذي وابن باجه وصححه ابن حبان: [الخلافة بعدي ثلاثون ثم تصير ملكا!]. رغم ان النبي بحسب الاخباريات لم يوصي بشيء لأحد من بعده لا في الرياسة ولا الدين ولا في غيرهما، مما تشعب فيه النزاع السياسي والخلاف الفقهي المستمران حتى يومنا.
والحديث يطعن في بني امية/ الملوك/ لجعلهم الحكم وراثة في ابنائهم، كما يطعن في بني العباس الذين قلدوا الامويين في نظام التوريث. كما يلحظ ان الطالبيين العلويين والجعافرة الذين عارضوا العباسيين لاحقا، انشقوا عنهم وأسسوا دويلات وفرق دينية على اساس التوريث العائلي ايضا، بما فيه فكرة الامامة المستقاة من أصول توراتية ومسيحية.

كلب وقيس..
وفي أيام معاوية وابنه "يزيد" و "مروان بن الحكم"، نالت "كلب" مركزاً سامياً، لتزوج معاوية امرأة من كلب، هي (ميسون بنت بحدَل)، فأصبحت هي والقبائل التي تؤيدها مقربة عند الخلفاء*، مع أن الخلفاء من قريش، وقريش من قيس*. وهذا مما أغضب قيساً المعروفة بعدائها لكلب.
وقد عرفت المعركة التي وقعت في "مرج راهط" بين مروان وابن الزبير بأنها معركة "قيس" و "كلب"، لأن قيساً حاربت فيها عن "ابن الزبير". أما كلب، فقاتلت عن مروان، و قد أوجد هذا الانتصار حقداً كبيراً بين "قيس" وحلفائها من القبائل، وبين كلب وأنصارها من القبائل التي أدعت إنها من اليمن، ووقعت حروب عدة بن قيس وكلب هلك فيها خلق كثير من الفريقين.
وقد اسهم الخلفاء الذين جاؤوا بعد "عبد الملك"، ويا للأسف، في هذا النزاع، متأثرين بعاطفتهم وبدمهم من الأمهات، فكان يعضهم يؤيد القيسيين إذا كانت أمهم من قيس، وكان آخرون يؤيدون "كلباً" إذا كانت أمهم من اليمن. ووقعت وقائع دموية بين يمن و قيس، أنهكت العرب جميعاً، وكانت من جملة العوامل، التي عجلت بسقوط الأمويين.

صحابة وتابعون
وهو تقسيم اسلامي آخر، معتبرا ان (الصحابي) هو كل من رأى النبي بالجملة، فجمع بين المعاصرة والمعايشة او الرؤية، ولكنه ميز منهم اصحابه المقربين منه المرافقين له رؤساء اركان دعوته، وهؤلاء عددهم عشرة، على غرار اصحاب بوذا العشرة او حواري المسيح الاثني عشر.
أما التبابعة فهم اهل الامصار البعيدة التي سمعت بالنبي واشتاقت لرؤته وامتنع عليها الامر لبعد الشقة، فهم اصحابه بالدرجة الثانية، وقد حدد التبابعة باهل اليمن، وفي ذلك احاديث.

اخوة عدنان وفارس..
ولم يقف هذا النزاع على التباهي بقحطان وعدنان وبالأيام وبالشجعان، بل تجاوز ذلك إلى التباهي بارتباط كل فريق بجماعة من الأعاجم بروابط الدم والنسب والثقافة، فافتخرت النزارية بـ(الفرس) على اليمانية، وعدّوهم من ولد "إسحاق ابن إبراهيم" وافتخروا بإبراهيم جد العرب والفرس.
ولم يقف النزاريون عند هذا الحدّ، بل ذهبوا إلى أبعد من ذلك، فزعموا أن هذا النسب قديم، وأن قرابة الفرس بالعدنانيين قديمة، وأن الفرس كانت في سالف الدهر تقصد إلى البيت الحرام بالنذور العظام تعظيماً لإبراهيم الخليل، وانه عندهم أجل الهياكل السبعة العظيمة والبيوت المشرفة في العالم.
وترتب على هذا وضع نسب للفرس يصلهم بنسب العدنانيين، فزعموا أن "منوشهر" الذي ينتسب اليه الفرس هو "منشخر بن منشخرباغ"، و "هو يعيش بن ويزك". و "ويزك" هو اسحاق بن إبراهيم الخليل.
أما "يعيش بن ويزك" جدّ الفرس الجديد، فهو "عيسو بن اسحق": "Esau"، وفي العبرانية "Usu"، ومعناها "مشعر" أو "خشن"، وهو شقيق يعقوب وجد الأدوميين في التوراة وابن إسحاق.
وقد رأينا أن "قحطان" هو "يقطن" أو "يقطان" في التوراة. أما "عدنان"، فلا نجد له اسما في جداول التوراة أو ضمن ذرية سام وأبراهيم واسماعيل. فكيف يصار الى اضافة زعم جديد لا اساس له ولا صلة.

اخوة عدنان والكرد..
ولم يكتف العدنانيون بقرابتهم للفرس و للإسرائيليين، بل زعموا إن الأكراد من أقربائهم كذلك، وانهم من نسل ربيعة بن نزار بن بكر بن وائل، أو انهم من نسل ربيعة بن نزار بن معد، أو انهم من نسل مضر بن نزار، أو من ولد كرد بن مرد بن صعصعة بن هوازن، وانهم انفردوا في قديم الزمان لوقائع ودماء كانت بينهم وبين غسان، وانهم اعتصموا بالجبال فحادوا عن اللغة العربية لما جاورهم من الاسم، وصارت لغتهم أعجمية، فذلك على رأي أهل الأخبار بدء نسب الأكراد.
وقد لقي هذا النسب الجديد للأكراد تشجيعاً من بعض الأكراد في أيام العباسيين، وربما في أيام أواخر الدولة الأموية كذلك، فأيدوه وانقسموا أيضاً فرقاً في شجرات النسب، فمنهم من أخذ بشجرة كرد بن مرد، ومنهم من أخذ بانتسابهم إلى سبيع بن هوازن، ومنهم من انتسب إلى ربيعة ثم إلى بكر بن وائل.

احتكار ابراهيم والنبوة..
وقد استغل العدنانيون ظهور الرسول بينهم، فاتخذوا من هذا الشرف ذريعة للتفاخر والتباهي على القحطانيين. وتمسك العدنانيون بأذيال إبراهيم وعدّوه جدهم الخاص بهم، مع إنه جدّ العرب عامة، كما في القرآن، ونفوا كل مشاركة للقحطانيين في هذا النسب. وقد كان لهم ما يساعدهم في تقوية حجتهم، فقد كان الرسول من صلب إسماعيل والرسول منهم، فإبراهيم هو أبو المختص بهم.

فضل قحطان على عدنان..
زعم القحطانيون أن (ياسر ينعم) منهم، وقد ملك بعد [سليمان بن داود]، وسمي (ينعم)، لأنه ردّ الملك إلى حمير بعد ذهابه. وان الضحاك ملك من الأزد كان في وقت إبراهيم فنصره. وبذلك كانت للقحطانيين منة قديمة على إبراهيم وعلى العدنانيين بصورة خاصة.
كما أنهم هم الذين كان لهم شرف نصرة النبي وإعلاء كلمة الله، وهم الذين كوّنوا مادة الجيش الإسلامي، وهم الذين آووا الرسول وفتحوا مكة.

اختصاص اليمانية بالعمران..
وتعلق اليمانية بالأبنية الفخمة وبالمدن الكبرى، فجعلوها من أبنية ملوكهم أو من أبنية أسلافهم. وقد ذكر المسعودي إن من اليمانية من يرى أن الهرمين الذين في الجانب الغربي من فُسطاط مصر، هما قبرا "شداد بن عاد وغيره من ملوكهم السالفة الذين غلبوا على بلاد مصر في قديم الدهر، وانهم من العماليق. كما نسبوا لملوكهم الفتوحات الفخمة في الشرق والغرب.

اخوة قحطان واليونان..
وكان من الطبيعي أن يجعل القحطانيون (أعداء) الفرس من ذوي أرحامهم، وهم اليونان –والترك- فقالوا: إن يونان أخ لقحطان، وإنه من ولد عابر بن شالخ، إنه خرج من أرض اليمن في جماعة من ولده وأهله ومن انضاف إلى جملته حتى أقاصي بلاد المغرب فأقام هناك، وانسل في تلك الديار، واستعجم لسانه ووازى من كان هناك في اللغة الأعجمية من الافرنجة، فزالت نسبته، وانقطع نسبه وصار منسياً في ديار اليمن. وقالوا أيضاً إن الاسكندر من تبع.

اخوة قحطان والترك..
وأضاف القحطانيون الأتراك اليهم أيضاً، فزعموا أن معظم أجناس الترك وهم "التبت" من حمير، وأن التبع "شمر يرعش" أو تبعاً آخر ربتهم هناك، و أن "شمر يرعش" هو الذي أمرببناء "سمرقند".

أنبياء قحطان..
ولرد دعوى العدنانيين هذه من اختصاص إسماعيل وإبراهيم بهم، لم يكتفوا باتصال نسب قحطان بإسماعيل وإبراهيم، فلا بد لهم من شرف زائد، ورجحان على العدنانيين الذين لم يبدأ ملكهم إلا في الإسلام، فاختصوا (هوداً) بهم، وجعلوه نبياً يمانيا. ثم لم يكتفوا بنبي واحد زيادة على الأنبياء الذين اختص بهم العدانانيون، فأضافوا إليهم (صالحاً) النبي وقالوا: إنه من صميم حمير وإنه صالح بن الهميسع بن ذي ماذن نبي حمير من آل ذي رعين.
وأضافوا إليهم (لقمان) الحكيم، زعموا إنه لقمان الحميري، وقالوا إنه كان حكيماً عالماً بعلم الأبدان والأزمان، وهو الذي وقّت المواقيت، وسمى الشهور بأسماء مواقيتها.

ذو القرنين نبي وشاعر من حمير..
وأضافوا إليهم نبياً آخر من صميم حمير سموه: [أسعد تبع الكامل بن ملكي كرب بن ج تبع الأكبر ابن تبع الأقرن]، أو: هو [الهميسع بن عمرو بن زيد ابن كهلان]، أو [الصعب بن عبد الله بن مالك بن زيد بن سدد بن حمير الأصغر].
وقالوا إنه (ذو القرنين) الذي ورد في (القرآن) عنه: "أهم خيرُ أم قوم تبع والذين من قبلهم أهلكناهم إنهم كانوا مجرمين". وهو الذي ورد اسمه في سورة (الكهف 83): [ويسألونك عن ذي القرنين ل سأتلو عليكم منه ذكرا].
وكان مؤمناً عالماً عادلاً، ملك جميع الأرض وطافها، ومات في شمال بلاد الروم حيث يكون النهار ليلاً إذا انتهت الشمس إلى برج الجدي. وقد كان يقول الشعر، وهو الذي بشر بالنبي في شعره، وطبيعي أن يكون واضعو هذه الأشعار أناساً من الأنصار ومن بقية فروع قحطان.
وذكروا إنه كان من أعظم التبابعة وأفصح شعراء العرب، ولذلك قال بعض العلماء فيه ذهب ملك تبع بشعره، ولولا ذلك لما قدم عليه شاعر من العرب وقالوا: نهى النبي عن سبه، لأنه آمن به قبل ظهوره بسبع مئة عام، وليس ذلك إلا بوحي من الله.
وقيل: هو أول من كسا الكعبة، وجعل لها مفتاحاً من ذهب. وأوردوا له أشعاراً لإثبات إيمانه بالرسول تمنى فيها لو أدرك أيامه إذن لآمن به، ولكان له وزيراً وابن عم، ولألزم طاعته كل من على الأرض من عرب وعجم، ورووا له أبياتاً في البيت الحرام، وكيف كان يقصده فيمكث فيه تسعة أشهر، وكيف كان ينحر في العام سبعين ألفاً من البدن.

تعزية مستقبلية..
عودة ملك حمير..
وزعموا فوق هذا كله، إن (ذا القرنين) تنبأ بعودة ملك (حمير) حيث يظهر (المهدي) منهم، وهو رجل حميري سبئي الأبوين، يعيد الملك إلى حمير بالعدل، في هذه الأبيات التي رواها عُبَيْد بن شَرْيَةَ الجُرهمي:
ومن العجـائب أن حـمير سوف تعلى بالقهور
ويسودها أهل الـمـواشي من نضير أو نضر
ويثيرها المنصور مـن جنبي أزال كالصقور
وهو الإمام المرتجى المذكور من قدم الدهور

المهدي المنتظر من اليمن..
وقالوا إن المنصور هو لقب (القائم المنتظر) الذي سيظهر ليعيد ملك حمير المسلوب. إلى غير ذلك من أشعار نسبت إليه وإلى غيره من التبابعة، تتضمن حقد (القحطانيين) على (العدنانيين)، وألمهم الشديد لفراق ملكهم وانتقال الحكم منهم إلى المكيين، وقد كانوا من أتباعهم بالأمس.
فلم يكتفوا بالتعلل بالماضي، وانما صبروا أنفسهم وتعزوا بالحديث عن ملك سيعود، وعن دولة ستقوم، وعن (مهدي) يأخذ بالثأر، كالذي يفعله المغلوبون. وان ظهوره سيكون من أرض اليمن.

ـــــــــــــــــــــــــــ
• بتصرف عن: د. جواد علي [1907- 1987م]- (المفصل في تاريخ العرب قبل الاسلام)-!.
• راينهارت دوزي [1820- 1883م] مستشرق هولندي من اصول فرنسية، استاذ العربية في جامعة لايدن.
• انظر في هذا الصدد الاصحاح العاشر من سفر التكوين التوراتي، واليه استند الغربيون في نظرية الاعراق البشرية واشتقاق مصطلحات: السامية (اهل البداوة)، والحامية (اهل الحضر العاملين بالزراعة والحرف/ جوار الشام والجزيرة) واليافثية (الحضارات المتقدمة شمال جغرافيا الشام والجزيرة/ أوربا وشرق اسيا). وفي (تك 10: 6: ابناء حام: مصرايم وكوش وفوط وكنعان). يذكر ان نسبة اهل اليمن والشام لحام الافريقي استند الى ارتباط الارضين بين الشام وأفريقيا عبر صحراء سيناء، وفرضية ان مضيق باب المندب كان في اصله ارضا متصلة بين اليمن والقرن الافريقي، وأن البحر الاحمر كان في اصله بحيرة، قبل حدوث زلزال او تغير جيولوجي، حوّل الممر الجنوبي الى مضيق مائي رابطا (بحيرة) البحر الاحمر بالمحيط الهندي.
• استتبع ما يدعى (فتح مكة)/ سورة الفتح تغير موازين القوى السياسية بين الجماعة المحمدية وموقعها بين النفوذ التقليدي لكل من (تجار قريش) في مكة و(تحالف يثرب). فقد كان لجوء الجماعة المحمدية الى سلطان بني عبادة في يثرب تكتيكا مراوغا لحمايته –هو او جماعته- من غدر تجار قريش، واستغلالا للعداء التقليدي بين [قحطان وعدنان/ يثرب ومكة]، وتوظيفه لخدمة اغراضه الشخصية. فلما غلب اليثاربة والمحمديون، اهل مكة على امرهم، ادار المحمديون قفاهم لاهل يثرب. ثم حملوا عليهم بمعونة المكيين، في هجمات عسكرية واغتيالات، للاستيلاء على مدينتهم، وتحويلها الى عاصمة سياسية للحكم المكي الجديد، مع الاحتفاظ بمكة عاصمة تجارية/ دينية/(سورة قريش). والمعنى المستشف مما سبق، ان المسلمين والعرب يفضلون مصالحهم الشخصية وأغراضهم المرحلية- التكتيكية- على المصلحة العامة للبلاد والامة والاهداف البعيدة المدى -الستراتيجية-، وهو ما يلحظ حتى اليوم. وقد وصف شوارزكوف صدام حسين في مجلة [Forign Policy Revew] بأنه تكتيكي جيد ولكنه فاشل استراتيجيا. وهو تشخيص عام ينطبق على كل ساسة العرب عموما، بما يعكس فشل السياسات والحكومات العربية.
• اطلق اسم اليمن على عموم جنوبي الجزيرة العربية والتي تتوزع اليوم بين اليمن الشمالي في اقصى الجنوب الغربي، وعُمان/ ظفار في اقصى الجنوب الشرقي، وما بينهما (حضرموت) في الوسط. [انظر تك 10: 26- 30].
• يذكر ان المؤرخ جواد علي [1907- 1987م] – صاحب السرد اعلاه- هو شأن معظم الكتاب العرب الرواد في مستهل القرن العشرين، من القوميين العروبيين على غرار ساطع الحصري ومحمد بهجت الاثري ومصطفى الرافعي واحمد أمين وشكيب ارسلان ومحمد دروزة وعبد العزيز الدوري وغيرهم، ممن قدم مفهوما شموليا لعروبة فضفاضة تشتمل على جميع السكان المقيمين في اطار (دولة الاسلام) التراثية، رغم اختلاف أصولهم القومية وخصائصهم الثقافية والجسمانية، متعلقين تارة بفرضية اللغة (العربية) وتارة بفرضية الامة (الاسلامية)، والاشارتان من القرآن. ولذلك يستخدم صفة العرب لوصف سكان اليمن وغيرهم من المجتمعات التي اتصلت بجزيرة العرب من الشمال والغرب،مستثنين العجم من فرس وترك وافغان وعنود ممن تمسكوا بلغاتهم وتقاليدهم القومية، مما يقتضي التنويه.
• يحاول بعض المؤرخين ربط سكان الشام –عرب الشمال- بأصول يمنية –عرب الجنوب- وهو ما يرد لدى ابن اسحاق النوفلي في قصة انهيار سد مأرب: [كان سبب خروج عمرو بن عامر من اليمن انه رأى جرذا يحفر في سد مأرب، فعلم أنه لا بقاء للسد بعد ذلك، فعزم على النقلة من اليمن، وانتقل في ولده وولد زلده. وقالت الازد: لا تخلف عن عمرو بن عامر، فباعوا أموالهم وخرجوا معه. ثم ارتحلوا وتفرقوا في البلدان، فنزل آل جفنة بن عمرو الشام، ونزلت الاوس والخزرج يثرب، ونزل خزاعة مَرّا، ونزلت أزد السراة (السراة)، ونزلت ازد عُمان (عُمان).]- (سيرة ابن اسحاق/ ق1، ص 29)
• يثرب في جنوبها موطن الأوس والخزرج، وفي شمالها كانت ثلاثة قبائل من العبرانيين. وان أهل "يثرب"، من الأوس والخزرج، وهم من قحطان في عرف النسّابين، أخذوا ذلك من اليهود النازلين بينهم، الذين كانوا يحاولون التقرب إلى أهل يثرب، للعيش مهم عيشة طيبة. الوارد في كتبهم (تك 10: 25) أن "عابراً"، هو والد ولدين هما "فالج" و "يقطان"، فهو جد أهل يثرب، جدّ العبرانيين والاوس والخزرج، لأن أصلهم من يقطان/ قحطان. وأن علاقتهم لذلك بهم هي علاقة أبناء عمّ بأبناء عم. وكانت يثرب قبل الاسلام مركزا حضاريا واقتصاديا اشتهرت بتصدير التمور والحاصلات الزراعية وأنواع خاصة من المنسوجات والعدد اليدوية، مما اثار شهية المحمديين للاستيلاء عليها بدلا من مكة الجافة الشحيحة ومصدر معيشتها المحدود: تجارة الصيف والشتاء-(سورة قريش).
• الغساسنة من ال جفنة بن عمرو بن عامر اليمانية، ومنهم كذلك بنو لخم في الحيرة العراقية وملكهم: النعمان بن المنذر بن ماء السماء.
• النزارية: نسبة الى نزار بن معد بن عدنان بن أدد بن مقوم بن ناحور بن تارح بن يعرب يشجب بن نابت بن اسماعيل، وموطنهم في مكة/ الحجاز من العرب المعربة، بحسب التراث العربي.
• لابد من تنويه ان مسميات [خلافة/ خلفاء] ظهرت في وقت متأخر زمنيا، على صعيد الفقه الديني والتاريخ السياسي، وذلك في ايام العباسيين الذين سعوا لشرعنة حكمهم. وهي المرحلة التي شهدت ظهور الكتاب والمصنفات/[وعاظ السلاطين]، وازدحام الرواة والاخباريين، ولم تكن الاموال وموازين الذهب تمنح جزافا، ولا لمجرد تشجيع المعارف، بقدر ما يخدم اصحابها اغراض السلطة ومن وراءها.
• كانت (مكة/ بكة) مركزا تجاريا على طريق القوافل القديم من حضرموت الى دمشق الشام لا يتعدى تاريخها القرن الرابع الميلادي. و(قريش) اتحاد او نقابة تجار ينتسبون لبلدان وأقوام مختلفة من اطراف الارض، ولا يمثلون قبيلة او امتدادا عربيا كما يرد في المصادر التراثية. وقد سادت قريش مكة –وادي القِرى- وكان لها نفوذ اجتماعي تجاري في المنطقة بحكم وضعها التجاري وحجم قوافلها السنوية. وكان على رأس قريش وتجارتها في ايام محمد: ابو سفيان ابن امية ابن عبد شمس ابن سبأ ابن يشجب بن يعرب بن قحطان، وهم الذين ولوا الشام وبنوا دولتهم بعد مصادرة نفوذهم في مكة، واصلهم من اليمن. ومقامهم في الشام امتداد لدولة الغساسنة المسيحية من قبلهم. ومن هنا جاء تحدي علي ابن ابي طالب لنفوذهم باستيلائه على الحيرة العراقية عاصمة المناذرة المسيحية، وهم ولد عم غساسنة الشام. وهو مغزى خروج علي من الحجاز للعراق وبناء دولته فيها، ماخذا الحيرة/(الكوفة) عاصمة له، وتحويل حكمه وراثيا في ولده وولد ولده، على غرار استيراث بني أمية الحكم في ذراريهم. ومن نفس المنطلق جاء الحكم العباسي بوصفه استعادة حكم عدنان النزارية من ايدي عبس اليمانية، ابعد بكثير من صفة العباسية والنقابة الطالبية. وقد استمرت الحزازات البينية بين العراق والشام، والتنافس السياسي بينهما على النفوذ وفق تلك الاسس والسياقات المناطقية والمناجزات الشخصية ايام الولايات العثمانية حتى [سوريا الفرنسية والعراق الانجليزي، البعث السوري والبعث العراقي، الشيعة النصيرية والشيعة الامامية]. وكل تلك الخلافات والمناجزات القبلية والمناطقية السابقة للاسلام استمرت مع الاسلام وفرضت بصماتها على الدين ورسمت كل منها اسلاما يناسب سلطتها والنيل من الاخر. وكل ما يفعله الساسة ورجال الاسلام لليوم، تغذية تلك الخلافات القديمة باستمرار والاعتياش على فضلاتها ومعاناة السكان المحليين. فكما ظهرت الجعفرية والموسوية والفرق الباطنية الغنوصية في العراق، ظهرت سلفية حنبل وابن تيمية في سوريا. وهو التقسيم المذهبي والطائفي الذي تحاول الخرائط الجديدة للشرق الاوسط ترسيخه عبر مسلسل العنف والصراعات الدموية منذ سنوات وعقود.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بين الحنين والغضب...اليهود الإيرانيون في إسرائيل يشعرون بالت


.. #shorts - Baqarah-53




.. عرب ويهود ينددون بتصدير الأسلحة لإسرائيل في مظاهرات بلندن


.. إيهود باراك: إرسال نتنياهو فريق تفاوض لمجرد الاستماع سيفشل ص




.. التهديد بالنووي.. إيران تلوح بمراجعة فتوى خامنئي وإسرائيل تح