الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


عمر عنايت ونبوءاته التى تحقّقتْ

طلعت رضوان

2017 / 4 / 21
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


عمر عنايت ونبوءاته التى تحقــّـقتْ
طلعت رضوان
من المحاورالتى تحظى بإتفاق أغلب المؤرخين فى مشروع النهضة المصرية، أنّ المثقفين المصريين منذ أواخرالقرن التاسع عشر، وحتى نهاية النصف الأول من القرن العشرين، ساهموا فى وضع أسس الدولة الحديثة، وذلك من خلال دفاعهم عن الليبرالية بشقيها: الفكرى والسياسى، ووضع دستور(رغم المآخذ الكثيرة عليه) أتاح فرصة الدفاع عن الحريات الفردية والسياسية. وأتاحتْ الليبرالية الفكرية حق الدفاع عن حرية المرأة، كإنسان مُـشارك فى الحياة الاجتماعية، والدفاع عن التعليم العصرى، ورفض فكرة الخلافة، وإصدارالعديد من الصحف والمجلات الثقافية التى أثرتْ الحياة الفكرية.
ولكننى اكتشفتُ من خلال قراءاتى فى صحف ومجلات تلك الفترة، أنّ المثقفين المصريين لم يكتفوا بإثارة القضايا الفكرية والفلسفية التى تبذربذورالتنوير، كأساس من أسس النهضة، ولم يكتفوا بعرض أحدث النظريات العلمية فى العلوم الطبيعية (بيولوجيا، فيزياء، ميكانيكا) أو العلوم الإنسانية (فلسفية، نفسية، اقتصادية) وإنما كانت لهم فى الكتابات السياسية تحليلات عميقة، كانت تصل أحيانًا إلى درجة التنبؤبالمستقبل.
فى عدد أمشير/ فبراير1929 من مجلة العصورالتى كان يصدرها إسماعيل مظهر، مقال للأستاذ عمرعنايت بعنوان (المدنية اليهودية المُستقبلة) بدأ برصد ظاهرة سيطرة المال اليهودى الآخذ بخناق العالم والمسيّرلأموره، وأكــّـد على أنّ اليهود هم الذين استفادوا من القلق الاقتصادى الذى نتج عن الحرب العالمية الأولى. وأنّ الذى ربح الحرب هونفوذ اليهود دون سواهم.
وفى الفقرة التالية تكــّـلم عن دوراليهود فى السياسة الدولية، فكتب ((وإنكَ إذا بحثتَ كل حركة هدّامة فى الوقت الحاضر، تجد أنّ محورها الدعاية اليهودية، الأمرالذى يُمكننا مشاهدته مُـتجليـًا فى موقعيْن: أولا فى روسيا وثانيًا فى فلسطين. إنّ اليهود يُريدون أنْ يشيّدوا فى فلسطين نقطة ارتكازيُـوجّهون منها جهودهم حيث شاءوا وحيث يجدون فائدة. إنّ فلسطين ليستْ غيرالعش الذى ستولد فيه المدنية اليهودية المستقبلة))
ويُـفاجأ القارىء (اليوم) بأول نبوءة تحقــّـقتْ بالفعل إذْ كتب ((يشعرالصهيونيون أنهم فى حاجة إلى حماية أقوى دول العصرحتى تثبت أقدام مدنيّتهم الجديدة. وعندئذ يكون من أيسر الأمورعليهم إزالة تلك الحماية بفضل مالهم ونفوذهم. وبريطانيا نفسها تشعربنموالصل (= حربة أوسكين) اليهودى تدريجيًا بين أحضانها. وعبثًــًا تــُحاول أنْ تــُـزيل عنها ويلاته المستقبلة. مع علمها بأنّ امبراطوريتها ستكون أول من يتحمّـل صفعات اليهود المُميتة))
وهكذا كانت بصيرة عمرعنايت الثاقبة، وتحقــّـقتْ نبوءته الأولى: حيث أنّ اليهود اعتمدوا على بريطانيا، وحصلوا منها على وعد باغتصاب أرض الشعب الفلسطينى المستقر، لشعب رفض الاستقرارمن خلال منظومة الولاء الوطنى، المنظومة المُـتعارف عليها لدى الشعوب المستقرة. أما اليهود فقد فضّـلوا منظومة الرابطة الدينية ذات المرجعية التوراتية. ومنذ وعد بلفورعام 1917 وحتى قرارالتقسيم عام 1947 ظلـّـتْ بريطانيا تــُـساند اليهود الذين أعطوا ظهرهم لها، وإتخذوا من واشنطن قِبلة الولاء الجديدة، بعد أنْ تأكــّـدتْ حقيقة أنّ أمريكا هى الدولة العظمى الأولى فى العالم بعد انتهاء الحرب العالمية الثانيـــة. ورغم المعونات الضخمة التى حصلتْ عليها إسرائيل من أمريكا، تدورالأيام، وتتجسس الأولى على الثانية. بل وتتحداها فى الكثيرمن القرارات، وتتعامل معها بندية لدرجة بيع التكنولوجيا المتقدمة (طائرات بدون طيارنموذجًا) لدول صناعية كبرى أسبق منها فى العلوم والتكنولوجيا.
ومن خلال متابعة عمرعنايت لما يُنشرفى الصحف العالمية، فإنه يذكّرالقارىء ببعض المشروعات التى يتم التخطيط لها. ومدى تأثيرها على المنطقة العربية فى المستقبل، فكتب ((هناك مشروع لمد أنابيب النفط من الموصل إلى ثغرحيفا الفلسطينى. ومن يدرى ما يُـخبئه الغيب من المخترعات والمكتشفات الغربية)) وبعد الكلمة الأخيرة، وبدون أية فواصل فإنه سجّـل نبوءته التحذيرية الثانية، إذْ نصّ على ((فإنّ فلسطين– ولوأنها لم تصـــــربعد– فستكون يومًا ما ملكًا لبنى إسرائيل. وإذا قلنا بنى إسرائيل، فنحن نتكلم عن أمة موحدة المرمى. كثيرة المال. لها رأس يفكر. لذلك ستــُـصرعلى أنْ يكون لها الفصل فى الهيمنة على مركزفلسطين الاقتصادى أولا. ثم سيأتى الوقت الذى يلتفت فيه اليهود إلى الهيمنة السياسية والتوسع أيضًا))
وأظن أننى لستُ فى حاجة إلى أى تعليق على هذه النبوءة التحذيرية التى تحققت، بعد أنْ احتلّتْ إسرائيل سيناء لعدة سنوات ومازالتْ تحتل كل الأراضى الفلسطينية والجولان السورية.
أما نبوءته الثالثة فهى عن تأثيرالدعاية اليهودية لصالح إسرائيل، بعد أنْ تكون دولة معترفــًا بها دوليًا، فكتب ((سنسمع يومًا من الأيام أنّ حيفا هى عروس البحرالمتوسط))
وفى نبوءته الرابعة كأنما يمتلك آلة سحرية، مثل بللـورات ألف ليلة وليلة، فكتب عن مصر وعن مستقبلها إذا لم تنتبه لخطورة المخطط الصهيونى، فنصّ على ((يجب أنْ نتطلّع إلى ذلك اليوم، فإنه سيكون الحد الفاصل بين عهدين: عهد مصرالذهبى وعهدها المُـظلم. فبعد ذلك اليوم ستكون مصركمية مهملة وستكون عضوًا أثريًا فى مملكة داود الجديدة))
ولأنّ الثقافة المصرية فى تلك المرحلة الليبرالية من تاريخ مصرمُـزدهرة، وفى حالة نشاط وتفاعل دائميْن، كتب أ. عبدالحكيم الجهنى مقالا فى العدد التالى مباشرة (برمهات/ مارس 1929) بدأه بتحية رئيس التحريرلأنه نشرمقال أ. عنايت، ورأى أنْ يُضيف بعض المعلومات عن المخطط الصهيونى، ومنها اقتراح مستر(ود جوود) العضوبمجلس العموم البريطانى الذى طلب فيه من مصر((أنْ تتنازل عن شبه جزيرة سيناء لفلسطين)) (وهى دعوة يردّدها سياسيون وعسكريون وكتاب إسرائيليون منذ سنوات وحتى كتابة هذه السطور) وأشارأ. الجهنى إلى أنّ اليهود يُرسلون بعض الأساتذة والأحبارإلى طورسينـاء ((ليقوموا بتنقيبات عن التركة الموسوية هناك حيث كان التيه، وكان المن والسلوى، وحيث يُـقال أنّ بعض المُهندسين اليهود تمكنوا خلال الحرب العظمى (الأولى) من استكشاف أنّ الجدب فى سيناء ليس إلاّ أكذوبة قارحة. وأنه توجد تحت الطباق الرملية مجارللمياه ومنابـع للخصوبة))
بعد ذلك تكلّــّـم عن أهمية الموقع الجغرافى لفلسطين. وعن إمكانية إقامة مشروعات صناعية وزراعية بها. ثم أشارإلى المعلومات التى تتناقلها الصحف العالمية عن خطط اليهود فى المنطقة مثل ((مشروع (روتنبرج) الكهربائى العظيم ومشروع البحرالميت الكيمائى الزاخر ومشروع ميناء حيفا واقتراح بإنشاء قناة جديدة تــُـقرّب قناة السويس بين البحرالأبيض المتوسط وخليج العقبة)) ثم ربط بين الفاشستية والصهيونية، وإذْ يؤكد الكاتب إتفاقه مع أ.عنايت، فإنه أضاف ((إنّ المُـخططات الصهيونية والفاشستية تضع مصرأمام امتحان دقيق))
000
قد ينبهرالبعض بهذا الوعى السياسى الذى تحقــّـقت نبوءاته المُحذرة بل والمتشائمة. وقد يرى آخرون أنّ نبوءة أ.عنايت الرابعة مُبالغ فيها، وأنّ مصرلايمكن أنْ تكون كمية مهملة فى مملكة داود الجديدة. ولكننى أرى أنّ هذه النبوءات تحقــّـق منها الكثير، وذلك بمراعاة الحقائق التى سأذكرها فى المقال القادم.
***
هامش (1) وعد بالفور: وهومنسوب إلى (آرثرجيمس بالفور) الإنجليزى الذى أرسل رسالة فى 2نوفمبر1917إلى اللورد (ليونيل وولتر دى روتشيلد) أشارفيها إلى تأييد بريطانيا إنشاء وطن لليهود فى فلسطين. وذاك الوعد هوالمعروف ب (من لايملك أعطى لمن لايستحق)
هامش (2) إسماعيل مظهر(1891- 1962) مصرى من أصول تركية. وأحد المفكريين الليبراليين. ترجم عدة كتب منها (أصل الأنواع) لدارون عام1918ورأس تحريرمجلة المقتطف. ثم أصدرمجلة العصورعام1927. وله قاموس المصطلحات (عربى/إنجليزى) وقاموس النهضة (عربى/إنجيزى)








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بعد عزم أمريكا فرض عقوبات عليها.. غالانت يعلن دعمه لكتيبه ني


.. عضو الكنيست السابق والحاخام المتطرف يهودا غليك يشارك في اقتح




.. فلسطين.. اقتحامات للمسجد لأقصى في عيد الفصح اليهودي


.. مستوطنون يقتحمون المسجد الأقصى بحماية قوات الاحتلال صبيحة عي




.. هنية: نرحب بأي قوة عربية أو إسلامية في غزة لتقديم المساعدة ل