الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


سعيد النورسي هل هو خائن القضية؟!

بير رستم
كاتب

(Pir Rustem)

2017 / 4 / 21
القضية الكردية


بير رستم (أحمد مصطفى)
يعتبر سعيد النورسي المعروف بـ"بديع الزمان النورسي" وهو مفكر وعالم دين مسلم كردي ومن عشيرة أسباريت (1877 - 23 آذار 1960)، أحد أبرز علماء الإصلاح الديني والاجتماعي في عصره، له مؤلفات عدة وتعتبر "رسائل النور" أهمها وقد ترجم أعماله لأكثر من خمسين لغة.. ولد في قرية نورس التابعة لقضاء بتليس الكردستانية وعاش نهاية فترة "الخلافة العثمانية" وبداية ولادة الدولة التركية الحديثة أو الجمهورية الكمالية، له الملايين من الأتباع والتلاميذ في أنحاء العالم ويعرفون بأتباع وطلاب الطريقة النورانية وقد عاش "بديع الزمان النورسي" حياة عالم ورجل دين محاولاً قراءة النص الديني الأول وفق قراءة جديدة تعتمد المحبة أساساً ومنطلقاً في كل اجتهاداته حيث كان يرى بأن "هناك بعض الجمال في القبح أيضاً وبعض الخير في الشر"، لكن ورغم ذلك، بل ورغم محاولاته بعدم الانخراط في الحياة السياسية بشكلها المباشر، رغم إنه في مراحل شبابه دعم مقاومة الاستعمار الانكليزي ووقف مع الجهاديين "قوى ملي"، بل وشارك فعلياً في المعارك إبان الحرب العالمية الأولى إلا أن وقع في الأسر بيد الجيش الروسي ليأخذ إلى المنفى، إلا أنه وبعد نجاح الكماليين وتوجه هؤلاء الآخرين نحو العلمانية وهو الذي كان يطالب بعودة الخلافة والشريعة، فإنه رأى من الأفضل أن ينعزل عن الحياة السياسية ويحصر اهتمامه بالجانب الفكري اللاهوتي.
وهكذا وعندما اندلعت ثورة الشيخ سعيد بيراني عام 1925 والتي كانت هي الأخرى تطالب بعودة الخلافة أكثر من أن تكون ثورة للكورد وحقوقهم القومية، فإن رجل الدين "بديع الزمان النورسي" لم يساندها، بل أخذ موقف الحياد منها وذلك رغم مطالبة قادة الثورة منه المشاركة أو على الأقل دعمها ومساندتها.. ورغم ذلك فقد حوكم هذا الأخير ونفي إلى الأناضول والتي سوف تتكرر كثيراً ولن تكون الأخيرة في حياته حيث سيحاكم ويسجن خلال حياته وحتى قبل وفاته عدد من المرات وذلك تحت تهم عدة أهمها: "تأسيس جمعية سرية، الانتساب إلى الطريقة، القومية الكردية، مناهضة العلمانية ومبادئ الثورة والإخلال بالأمن" حيث ورغم كل محاولات رجل الدين والفكر؛ "سعيد النورسي" بأن يكرس كل جهده وحياته في البحث الفكري للتراث الديني الإسلامي، إلا أن تهمة القومية الكردية لم تبعد عنه وقد حوكم عليها كجزء من التهم التي وجهت إليه وبذلك قضى فترات من حياته في السجون التركية، كما إنه أبعد نفياً لمناطق الأناضول طوال حياته وبعيداً عن أهله ووطنه وقريته.. وحتى وبعد رحلته الأخيرة أثناء المرض الشديد وهو يعاني سكرات الموت كرجل طاعن في السن وبعمر يتجاوز الثمانون عاماً _84 عاماً_ وعندما يأتي به بعض تلاميذه ليدفن في مدينة أورفه بناءً على طلبه وذلك بعد 35 عاماً من النفي الإجباري، سيكون الانقلاب على حكومة "عدنان مندريس" وإعدامه وكذلك إعدام قبر "سعيد النورسي" حيث وبعد ثلاثة أشهر ونصف سيأتي العسكر ويهدمون القبر ليدفن في مكان مجهول لا يعرف قبره ليومنا.
وبذلك فإن رجل الدين "سعيد النورسي" سوف لن يحظى حتى بقبر في وطنه نتيجة حقد النظام "العلماني الكمالي" على كل ما هو إسلامي وكردي، فكيف وقد اجتمع الخاصيتين في هذا الرجل، رغم أن النورسي أهمل الجانب القومي لصالح الديني وذلك كأي رجل عقائدي، يرى هويته في الفكر الديني الإسلامي وليس الأقوامي الكردي، لكن رغم كل ذلك فإنه دفع ثمن كرديته مرتين؛ مرة عندما أدار ظهره لكورديته مع ثورة "شيخ سعيد بيران"، فأنكره الكرد _وإلى يومنا هذا_ وقبلها عند اكتساب الكردية ولادةً والتي جُعِلَت إحدى التهم الملاصقة به في نظر الكماليين ولتتحول فيما بعد إلى شماعة لمحاكمة مفكر إسلامي يطالب بالخلافة والشريعة الإسلامية كحل وخلاص للأمة ومشاكلها، بينما الكماليون يريدون القطيعة مع ذاك التراث العثماني.. وبالتالي فإننا يمكننا أن نعتبر محاكمة النورسي كانت من جهة، بمثابة محاكمة التاريخ العثماني في مرحلة الانحطاط والانهزام على يد القوى الغربية كاستعمار جديد في المنطقة ومن الجهة الأخرى، التخلص من ((المشكلة الكردية)) حتى وإن كان ذاك الكردي مسالماً كالنورسي وليس منتفضاً كالبيراني. وهكذا يمكننا أن نعتبر بأن السعيدين؛ "شيخ سعيد بيران" و"ملا سعيد النورسي"، دفعا ثمن كرديتهما رغم أن الأول خرج منتفضاً ثائراً على الكمالية العلمانية العنصرية التركية، بينما الآخر كان مسالماً مهادناً حيث ورغم هذا الفرق والاختلاف بين الرجلين، إلا أن الكمالية وجد في الرجلين الخطر، فحوكم على الأول بالإعدام بعد إخماد انتفاضته، بينما نفي الآخر من كردستان ولوحق وسجن عدد من المرات، بل حتى لم يحظى بقبرٍ يضم رفاته في الوطن.
وأخيراً ما نود قوله وذلك بعد هذه اللفتة السريعة في عرض موجز لحياة أحد أهم الشخصيات الفكرية الدينية في التاريخ الإسلامي المعاصر هو ما يلي؛ إننا لن نجعل من أنفسنا محامين دفاع عن الرجل حيث بات خارج أي محاكمة جزائية ميدانية، لكن فقط نود التأكيد بأنه لم يعادي يوماً قوميته وشعبه، بل دفع حياته سجناً وملاحقة ونفياً كجزء من انتمائه للكرد حيث كانت إحدى تهمه الدائمة، لكن ورغم ذلك فلن نقول بأنه كان أحد رجال المدافعين عن القضايا الكردية، بل كان رجل دين وفكر مجتهد وعالم كبير في الفكر الإسلامي وهو بذلك لم يخن قضيته حيث كان يعتبر قضية الاجتهاد لإعلاء راية الإسلام هي القضية الأحق والأساسية له وبذلك لا يعتبر وفق فلسفته ورؤيته خائناً للقضية وهو بذلك يشبه القائد الإسلامي الكردي؛ "صلاح الدين الأيوبي" والذي هو الآخر تعرض إلى التشويه والتسفيه من الكثيرين وللأسف؛ حيث البعض من أبناء شعبنا الكردي أعتبره إسلامياً عمل ضد أبناء طائفته وملته وقومه وذلك لصالح الإسلام والمسلمين، رغم أن المرحلة التاريخية وقبل أكثر من ثمانية قرون لم تكن تعرف القوميات، بل كان زمن الإمبراطوريات الدينية العظيمة ومنها الإسلام، بل حتى مرحلة هذا الأخير _ونقصد النورسي_ فهو بحكم المرحلة التاريخية؛ بدايات القرن الماضي والتي تشكلت وتبلورت فيه شخصيته وكذلك وبحكم المنشأ والبيئة الاجتماعية فقد كان رجل دين وليس رجل وزعيم ثورة قومية وحركة تحرر وطنية كردية وبالتالي لا يمكن اعتبارهما قد خانا القضية والوطن.
ولذلك وانطلاقاً مما سبق؛ أعتقد بأنه قد حان الوقت لأن نتصالح مع التاريخ ونعيد التقيّيم والاعتبار للكثير من الشخصيات التاريخية ذات الأصول الكردية والتي لعبت أدوار مهمة على مختلف الصعد؛ إن كانت قيادية عسكرية مثل "صلاح الدين الأيوبي" أو فكرية فقهية مثل "بديع الزمان؛ سعيد النورسي" حيث الأمم تنهض من خلال البناء على الجذور التاريخية العميقة كإحدى الركائز الأساسية في نهضتها وقوتها وبناء مستقبلها، فلا بناء عالٍ قوي من دون أساسات عميقة قوية ولذلك نأمل من النخب الثقافية وحركتنا الوطنية أن تعيد النظر في قراءاتها السابقة بخصوص تلك الشخصيات، حيث علينا الاحتفاء بما نملك من تراث وشخصيات تاريخية لها بصماتها القوية على فكر وحركة التاريخ، فليس من المنطق والعقل أن يفتخر العالم الإسلامي بعالم قدير مثل النورسي يقدر أتباعه اليوم بما يتجاوز ملايين ستة ونحن نخجل أن نجعله كردياً ولو انتماءً اجتماعياً وليس فكرياً ووطنياً، كون في احتضان هكذا شخصيات فوائد عدة أهمها؛ بناء الشخصية الكردية الجديدة على الثقة بالنفس وبأن تاريخ شعبنا يملك من الشخصيات الفذة والعبقرية بحيث تعطي ثقة بالنفس، بأن الكردي لم يخلق ليكون فقط "بويجيا" _كما يود البعض أن يوصفنا بها_ ومن الجهة الأخرى؛ فإننا سوف نكسب تأييداً وتعاطفاً من الكثيرين الذين يتبعون بالولاء لهذه الشخصيات التاريخية.. إذاً؛ فهل حان الأوان لإعادة هؤلاء الآباء إلى حاضنة الأبناء؟!!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فيتو أميركي ضد مشروع قرار منح دولة فلسطين العضوية الكاملة في


.. بن غفير: عقوبة الإعدام للمخربين هي الحل الأمثل لمشكلة اكتظاظ




.. تاريخ من المطالبات بالاعتراف بفلسطين دولة كاملة العضوية في ا


.. فيتو أمريكي ضد منح العضوية الكاملة لدولة فلسطين في الأمم الم




.. هاجمه كلب بوليسي.. اعتقال فلسطيني في الضفة الغربية